الرئيسة - الاتباع دليل المحبة
 

اتباع النبي صلى الله عليه وسلم أحد أساسيات دين الإسلام ومسلماته، وقد تواترت النصوص الشرعية الصحيحة في بيانه، إلا أن ذلك لم يمنع انحراف طوائف من المسلمين عن سلوك الجادة فيه، حيث اضطربت فيه أفهام وزلت أقدام؛ مما جعل الحاجة لإيضاحه تعظم، والبيان يتوجب؛ ولذا فسأحاول في هذه الدراسة التعريج عليه لبيان بعض جوانبه، راجياً الله تعالى أن يوفق للخير ويصلح القصد.

 
 

مرحلة الطفولة هي أهم المراحل في بناء شخصية الإنسان، فإذا أردنا تربية نشء مسلم يحب الله ورسوله، فلنبدأ معه منذ البداية، حتى يكون حريصاً على إرضاء والديه، مطيعاً، سهل الانقياد.

وحب النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم ما يتربى عليه الطفل في بداية نشأته، وليس المقصود بحبه العاطفة المجردة، إنما موافقة أفعالنا لما يحبه صلى الله عليه وسلم، وكُره ما يكرهه، وعمل ما يجعله يفرح بنا يوم القيامة ثم التحرق شوقاً للقياه، مع احتساب أننا لا نحبه إلا لله، وفي الله، وبالله.

 
 

لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضل على أمته، فلقد بلغهم الوحي ونصحهم وأتم لهم الدين وكمل لهم الرسالة، وأدى الأمانة المكلف بها من قبل الله على أتم وجه بشهادة الصحابة في حجة الوداع. والقرآن والسنة في مجمل الأحكام قد وضحا مسؤولية المسلم إزاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية الطاعة العملية والاعتقاد القلبي والسلوك الخلقي والكيفية التي يجب على المسلم أن يتعامل بها مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع شرعه حيّاً وميّتًا.

 
 
-

إن محبة النبي عليه الصلاة والسلام أصل من أصول الإيمان، كيف لا وقد قرنها الله بمحبته، وتوعد من قدم عليها محبة شيء من الأمور المحببة طبعاً من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، وهذه المحبة يدعيها كثير من الناس اليوم، ولكن إذا نظرت إلى واقعهم ومدى تطبيقها في أنفسهم لوجدت هذه الدعوى مجردة عن البينة والبرهان.

 
 

لقد انحرف بعض الناس عن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحدثوا في دين الله عز وجل ما ليس منه، وغيروا وبدلوا، وغلوا في محبتهم للرسول -صلى الله عليه وسلم- غلواً أخرجهم عن جادة الصراط المستقيم، الذي قال الله عز وجل فيه:

 ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)) [الأنعام:153]. وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حريصاً على حماية جناب التوحيد، فكان يحذر تحذيراً شديداً من الغلو والانحراف في حقه.

 
 

محبَّة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الإيمان، وهي مقارنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدَّم عليهما محبَّة شيء من الأمور المحبَّبة طبعًا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى: ((قُلْ إِن كَانَ ءابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوٰنُكُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ))[التوبة:24].

 
 

خصَّ الله تبارك وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالخصائص العظيمة، والمنح والعطايا الكريمة التي ليس لأحد عليه فيها مزيد ولا يلحقه عبد من العبيد. ولمّا كانت الخصائص النبوية، والفضائل المحمدية من الموضوعات المحببة إلى النفوس؛ لتعلقها بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد استهوى الشيطان بها أقواماً فأخرجهم بها عن حد التوسط والاعتدال مما جاء في الكتاب وصحيح السُّنة، وبلغ بأقوام أن نسبوا إليه صلى الله عليه وسلم خصائص هي من جنس خصائص الربوبية والإلهية مما يتبرأ منه سيد البرية. وقصَّر بآخرين حتى قدّموا مشايخهم وأئمتهم على سيد المرسلين فجعلوا لهم من الخصائص والفضائل ما فاقوا به خصائصه وفضائله صلى الله عليه وسلم.

 

فإن بعض دعاة الاحتفال بالمولد يصفون من ينكره ولا يحتفل به، بأنه لا يحب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يبغضه ولو كان محباً له لاحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم.

ويجاب على ذلك بأن محبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست أهازيج تردد، ولا قصائد تنشد، ولا دعاوي تدعى!.

 
 

تقتضي محبته صلى الله عليه وسلم.. طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر، ذلك أن المحب لا يعصي حبيبه بل يطيعه فيما أمر به، فكم نرى من مدعي حب الرسول صلى الله عليه وسلم وهم عن سنته ناكبون .. ولأوامره مضيعون وعن منهجه حائدون، فهل يُعقل أن يكون هذا حباً ! .. كلا .

 

أيها المحبُّون! لقد تباعد بنا الزمن، وكثرت الفتن، واشتغل الأكثرون بالحطام من المهن، غاب عنا الحب وإن ادعيناه، ونسينا الواجبات فكانت من أحاديث الذكريات، نتحدث عن السنة النبوية والهدي النبوي لكن لا ترى جاداً في الاتباع، ولا صادقاً في الكلام إلا قليلاً..

 
 

إن الناظر في مجمل أحكام الدين وتشريعاته ليرى صوراً كثيرة دالة على حب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ورحمته بها، فهو أرحم بها من نفسها، وما حديث الشفاعة إلا دليلاً دامغاً على ذلك.

 
 

ما من عبادة يوجبها الله تعالى لعباده إلا ويشوبها الإحداث والابتداع، وقد بين الله تعالى في كتابه إن العبادة التي يعملها العبد ليتقرب بها إلى الله تعالى لابد وأن يكون لها ضوابط وشروط حتى تكون مقبولة عند الله تعالى، وبفقدانها تكون العبادة مردودة على صاحبها والعياذ بالله.

 
 

إن مما لا شك فيه أن علينا تجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبات كثيرة، يجب القيام بها وتحقيقها، فلا بد من تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، كذلك أن نحقق محبته اعتقاداً وقولاً وعملاً، ونقدمها على محبة النفس والولد والوالد. ومن المعلوم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقاً في حبه وكان مدعياً لمحبته.

 
 

الأمر بتوقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه عبادة لله - عز وجل - وقربة إليه - سبحانه - والعبادة التي أرادها الله - تعالى - ويرضاها من العبد هي ما ابتغي به وجهه، وكان على الصفة التي شرعها في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم. وأي تعظيم أو توقير للنبي صلى الله عليه وسلم لدى من شك في خبره، أو استنكف عن طاعته، أو ارتكب مخالفته، أو ابتدع في دينه وعبد الله من غير طريقه؟!

 
 

إن من شروط قبول العبادة التي يتقرب بها إلى الله شرطان أساسيان لابد من الإتيان بهما: أولهما: الإخلاص لله، وثانيهما: متابعة النبي صلى الله عليه وسلم.

 
 

إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم أصل عظيم من أصول الدين، فلا إيمان لمن لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، والمحبة عمل قلبي اعتقادي تظهر آثاره ودلائله في سلوك الإنسان وأفعاله.

 
 

إن الذين ابتدعوا الاحتفال بالمولد النبوي،لم تظهر عليهم أي علامة من علامات المحبة، بل لم يتَّصفوا بإحداها، بل كانوا يتصفون بضدها، فلم يقتدوا به صلى الله عليه وسلم في القول والفعل، ولم يمتثلوا أمره بلزوم السنة، ونهيه عن الإحداث في الدين، بل طرحوا سنته جانباً، وقدموا ما تهوى أنفسهم وما يشتهونه على ما أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، واشتغلوا بالمعاصي والملذات عن ذكره صلى الله عليه وسلم، وسبُّوا صحابته وأنصاره -بل كفَّرُوهم-، وجاهروا بذلك، وقرَّبُوا أعداء الله ورسوله، وأظهروا لهم المودة، وولوهم أمور المسلمين، فهل يبقى أدنى شك في كذبهم فيما يزعمون من أن إقامتهم للمولد النبوي لأجل محبتهم له صلى الله عليه وسلم، وتعظيم ذكراه؟!

 
 

محبة الرسول r واجبة على كل مسلم، بل هي من أعظم أصول الإيمان ومسائل العقيدة، وتأتي في الدرجة الثانية بعد محبة الله تعالى، وبغض الرسول r أو بغض شيء مما جاء به ردَّة عن دين الإسلام.