الرئيسة - الاتباع دليل المحبة -  دعوى أن ترك الاحتفال بالمولد ينافي محبة النبي
 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

دعوى أن ترك الاحتفال بالمولد ينافي محبة النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد:

فإن بعض دعاة الاحتفال بالمولد يصفون من ينكره ولا يحتفل به، بأنه لا يحب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يبغضه ولو كان محباً له لاحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم.

ويجاب على ذلك بأن محبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست أهازيج تردد، ولا قصائد تنشد، ولا دعاوي تدعى!

والدعاوي ما لم يقيموا عليـ             ها بينات أصحابها أدعياء

إن حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم في اتباع أمره، واجتناب فيه، والسير على نهجه، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.

ولا تتحقق المحبة إلا بذلك، قال تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))[آل عمران:31].

فقد جعل سبحانه وتعالى الاتباع والانقياد دليل تلك المحبة، وبه يعرف الصادق من المدعي.

وفي ذلك يقول ابن كثير: (هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي، والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله..).

قال الحسن البصري وغيره من السلف: (زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم بهذه الآية)

وقال ابن القيم في قوله تعالى: ((يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)) إشــارة إلى دليل المحبة وثمرتها، وفائدتها فدليلها وعلامتها، اتباع الرسول).

وفائدتها وثمرتها: محبة المرسل لكم، فما لم تحصل المتابعة فليست محبتكم له حاصلة، ومحبته لكم منتفية.

فلا تحصل المحبة إذاً إلا بالاتباع والتمسك بسنته صلى الله عليه وسلم، أما أن يدعى الشخص محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخالف أمره في النهي عن الإحداث في الدين، فالمحب بدقات الطبول ونغمات المنشدين وتأوهات أصحاب الوجد التائهين الضالين، وبألوان المأكل والمطاعم فهذه دعوى كاذبة إذا الضدان لا يجتمعان، وكما قيل:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه            هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته             إن المحب لمن يحب مطيع

فالمحبة لابد أن يوافق محبوبة، فعلامة المحبة هي الطاعة وليست المحبة ذكرى عابرة تردد في مناسبات محدودة، أو ذكرى في شعر ينشد، وقيام وقعود وقصة تتلى منغمة، إن ذلك الفعل فيه مشاقة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم، ومخالفة ظاهرة لما جاء به صلى الله عليه وسلم.

فالاتباع هو الميزان الذي يعرف به من أحب حقيقة ومن ادعى ولا ريب أنه يجب تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على النفس والمال والولد والناس أجمعين، حيث جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: { لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين }  .

وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قال له عمر: {يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليّ من نفسي فقال صلى الله عليه وسلم: الآن عمر}  .

ولكن هذه المحبة يجب أن تكون ضمن ما حدده الشارع، بعيداً عن الغلو والإفراط والتفريط، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله}  .

وعلامة كون الإنسان محباً للرسول صلى الله عليه وسلم هي اتباع سنته صلى الله عليه وسلم والسير على نهجه ظاهراً وباطناً والوقوف على ذلك، وكلما قل الاتباع نقصت تلك المحبة، فبكمال الاتباع تكمل المحبة والعكس كذلك.

فيا ترى من الصادق في تلك المحبة من أطاع وامتثل، أم من أحدث وابتداع؟! في ذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فلا يكون محباً لله إلا من يتبع رسوله، وطاعة الرسول ومتابعته لا تكون إلا بتحقيق العبودية، وكثير ممن يدعى المحبة يخرج عن شريعته وسنته صلى الله عليه وسلم). وهذا كثير فيمن يحتفلون بتلك المواسم بدعوى محبته صلى الله عليه وسلم.

وهذا يتضح لمن أراد الحق أن حقيقة محبة النبي صلى الله عليه وسلم تكمن في امتثال أمره واجتناب فيه، والمحافظة على طاعته والتمسك بسنته، ومن خالف ذلك فقد ضل في معرفة تلك المحبة، وما يفعله أرباب الموالد والمواسم المحدثة فهو من هذا القبيل، حيث ظنوا أن محبته صلى الله عليه وسلم تتمثل في إقامة الحفلات والذكريات، والتي قوامها تحسين. المآكل والمشارب وإنشاد القصائد والطرب والتمايل، فأضافوا إلى الإحداث في الدين ارتكاب المحرمات والمنكرات.

وهذا هو حال من أعرض عن سنته صلى الله عليه وسلم، حيث تتجاذبه الأهواء ويقع في الفتن ومزالق الشيطان. نسأل الله أن يرزقنا المحبة الصادقة له ولنبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يوفقنا لاتباع سنته والسير على نهجه، وأن يحفظنا من الخطأ والزلل في القول والاعتقاد والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين