الرئيسة - الاحتفال بالمولد النبوي
 

من المعلوم لدى القائلين ببدعية الاحتفال بالمولد والقائلين بجوازه أن الاحتفال بالمولد لم يكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة الكرام، ولا التابعين لهم بإحسان، فلم يؤثر عن السلف الصالح رحمهم الله، إنما ابتدعه الفاطميون أتباع عبيد بن ميمون القداح اليهودي في القرن الرابع.

 
 

إن الاحتفال بالمولد النبوي تشبه ظاهر باليهود والنصارى وغيرهم، ومن المعروف أن الاحتفال بمولد نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام عند النصارى هو مَعلم من معالم دينهم، عرفه الناس قبل ظهور الإسلام بقرون، فيه تدق النواقيس وتفتح الكنائس وترتل التراتيل وتقام الصلوات ويتزاور الناس ويحتفلون...

فبالله عليكم كيف بنا نحتفل كما يحتفلون وقد قال من نحب ونتبع صلى الله عليه وسلم: {خالفوا اليهود والنصارى}،{خالفوا المشركين}،{خالفوا المجوس}.

 
 

من أعظم المواسم المبتدعة التي يحتفل بها كثير من المسلمين، الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، بل هو الأصل في تلك المواسم والاحتفالات الأخرى التي تتخذ للأولياء والصالحين والآباء والأبناء. والموالد ظاهرة اجتماعية عرفتها المجتمعات منذ زمن بعيد، ولم يكن الاحتفال بالموالد مقتصراً على المسلمين، أو على مجتمع دون مجتمع، بل كانت ظاهرة الاحتفال بالموالد معروفة من زمن العصور المتقدمة والسابقة للإسلام، فكان الفراعنة واليونان يحتفلون بالآلهة ويجعلون عيداً لظهورها، وكذلك سائر الأديان الأولى.

 
 

لقد أكثر الناس القول في اعتبار المناسبات في الإسلام وعدم اعتبارها، ووقع فيها الإفراط والتفريط، وإذا نظرت إلى شريعة الإسلام وأحداثه عامة وخاصة؛ تجد المناسبات أو الأعياد على قسمين: مناسبة معتبرة عني بها الشرع لما فيها من عظة وذكرى تتجدد مع تجدد الأيام والأجيال وتعود على الفرد والجماعة بالتزود منها، ومناسبة لم تعتبر، إما لاقتصارها في ذاتها، أو عدم استطاعة الأفراد مسايرتها.

 
 

إن بدعة المولد كثيراً ما تكون خالية من أفعال الشرك وأقواله، ومن فعل المحرمات، وفي هذه الحال على المسلم أن ينكرها على إخوانه برفق ولين بعد تعليمهم حكمها الشرعي وترغيبهم في ترك البدع مطلقاً، لأنهم ما فعلوها إلا بدافع الإيمان والرغبة في الأجر، فيراعى مقاصد الناس وبواعث أعمالهم، وهذا من الحكمة المأمور بها المسلم في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.

 
 

إن قطاعاً عريضاً من المتصوفة يعتقدون أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد خُلِقَ من نور (أي أزلي) ويسمون ذلك بـ(الحقيقة المحمدية) التي سبقت خلق آدم ثم حلت فيه حين خلق، وما زالت تنتقل من آدم إلى من بعده من الأنبياء حتى بلغت شخصه -صلى الله عليه وسلم- وهي التي يستمد منها جميع الأولياء - عندهم - علمهم وقوتهم وتصرفهم.

 

 

إن الأعياد والمواسم الدينية التي يقصد بها التقرب إلى الله تعالى بتعظيمه وتعظيم نبيه هي من العبادات، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى ورسوله، ولا يتعبد أحد بشيء منها إلا ما جاء عن الله ورسوله. وفي ما شرعه الله تعالى من تعظيم رسوله ووسائل محبته ما يغني عن كل وسيلة تبتدع وتحدث.

   
   

وقعت في شهر ربيع الأول أحداث عظيمة للمسلمين بين مفرح ومحزن، ومع ذلك لم يحدث الصحابة فيه أيَّ عبادة دينية تذكرهم بها؛ لأنهم فهموا أنّ كمال الاقتداء والمحبة إنما هو في الاتباع، جيل فريد ربَّاهم النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك بشعائر الدين؛ فلم يزيدوا عليه قدر أُنملة، فأين من يدَّعي الاقتداء والمحبة من أصحاب الموالد من هديهم؟!

 
 

يعرض دعاة الاحتفال بالمولد هذه القضية على أنها خصومة بين أحباب الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أعدائه، وخلاف بين من يعظمون الرسول صلى الله عليه وسلم ويقدرونه وينتصرون له، وبين من يهملونه ولا يحبونه ولا يضعونه في الموضع اللائق به. ولا شك أن عرض القضية على هذا النحو هـو من أعظم التلبيس وأكبر الغش لجمهور الناس، وعامة المسلمين، فالقضية ليست على هذا النحو بتاتاً.

 
 

دعني أحتفل بالمولد... هكذا قالها بضيق.. ثم أردف قائلاً: لماذا لا تحتفل بالمولد؟ ألا تحب رسول الله؟... ألا ترى فضله عليك؟ لماذا تعاند؟.. كان هذا جزءاً من الحوار الذي دار بين محب وسعيد..

 
 

إن ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم تتجدد مع المسلم في كل أوقاته، ويرتبط بها كلما ذُكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الأذان والإقامة والخطبة، وكلما ردد المسلم الشهادتين بعد الوضوء وفي الصلوات، وكلما صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في صلواته وعند ذكره، وكلما عمل المسلم عملاً صالحاً واجباً أو مستحباً مما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه بذلك يتذكره.. وهكذا المسلم دائماً يحيي ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم ويرتبط به في الليل والنهار طوال عمره بما شرعه الله، لا في يوم المولد فقط، ولا بما هو بدعة ومخالف لسنته، فإن البدعة تبعدك أخي المسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم.