الرئيسة - الاحتفال بالمولد النبوي - المولد النبوي
 

 

المـولـد النبوي

نقاش هادئ

صالح بن بخيت بن سالم مولى الدويله

 

المقدمة

الحمد الله الذي هدانا للإسلام وعلمنا الحكمة والقرآن وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وألبسنا لباس التقوى خير لباس، والصلاة والسلام على خير الناس للناس الذي بذكره صلى الله عليه وسلم تعطر الأنفاس ومن هديه يحسن ويجمل الاقتباس، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سادة الناس وعلى من سار على دربهم واقتفى أثرهم إلى يوم قيام الناس وبعد:

 أيها الأخوة والأخوات أحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل المولى جل وعلى أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه، وأن ينوّر أبصارنا وبصائرنا ويرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسا علينا فنظل، وأن يحشرنا جميعا في زمرة نبيه صلى الله عليه وسلم ويرزقنا على يده الشريفة شربة هنية من حوضه المورود لا نظمأ بعدها أبدا، كما سقانا في هذه الحياة من حوض سنته المورود الذي لا يظل من اكتفى بالشرب منه أبدا.

لماذا الحديث عن المولد؟؟

نقول مستعينينا بالله مستلهمين الرشد منه:

أيها الأحبة نحن نتحدث عن المولد لأسباب كثيرة على رأسها:

1- نصيحة لله ورسوله ودينه وعامة المسلمين وخاصتهم.

2- شفقة على الأمة المرحومة ببعثة خير الرسل صلى الله عليه وسلم أن تميل أو تحيد عن طريقه أو تختار هديا غير هديه أو أن تفضل طريقة غير طريقته، لكي تتمكن من الشرب من حوضه الشريف المورود يوم القيامة، يوم يحال ويمنع المغيرين المبدلين المعرضين عن هديه صلى الله عليه وسلم من الشرب منه بسبب تغييرهم وتبديلهم.

3-  نتحدث عن المولد دعوة لاجتماع الكلمة على السنة والسيرة ونبذ الخلاف، دعوة قرآنية: (( تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ))[آل عمران:64]، في وقت تكالب فيه الأعداء وقل الأصدقاء، وزادت حاجة الأمة للاجتماع على كلمة سواء، ننبذ فيها ما اختلفنا فيه مما يخالف هديه صلى الله عليه وسلم، ونجتمع سويا فيما اتفقنا عليه من الحق، فإذا كان عثمان بن عفان ا أحرق المصاحف وقصر الناس على مصحف واحد وكلها حق وكلها وحي، وقد نزلت على سبعة أحرف توسعة للناس ورحمة، فلما انتشر الإسلام وبدأ الناس يختلفون فيها أحرق ستة منها وجمع الناس على حرف واحد، فعل ذلك رغبة في جمع الكلمة وخوفا من انشقاق الصف وتفرق الأمة، ألا يتنازل الداعون والحريصون على مثل هذه الموالد عن إقامتها والدعوة إليها، رغم أنها بدعة محدثة لم يفعلها أو يدعو إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه الكرام ولا أهل القرون المفضلة بإجماع العلماء المؤيدين لإقامتها والمعارضين لها، كما سيتبين معنا أثناء الحديث، ألا يتنازلون عنها ويجتمعون معنا على سنته وسيرته والصلاة عليه بعيدا عن هذه الطقوس والتقاليد والطرق التي ما أنزل بها من سلطان، فحديثنا اليوم حديث حب ونصح وشـفقة ورحمة نعارض فيه الحجة بالحجة وندعو إلى التمسك بالسنة والاعتصام بها فنحن أهل السنة والجماعة كما يردد مشايخنا وعلمائنا وأئمتنا دائما وأبدا: نحب الحق ونرحم الخلق.

 نعم كنا نتمنى والله لو ثبت مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لنعبر فيه عن فرحتنا وحبنا كما كنا وسنبقى دائما، وكما كنا في مقدمة من غار له وثار من أجله وانتصر له لما اعتدى عليه الكافر الفاجر، فكنا في مقدمة المنتصرين، واجتمعنا مع إخواننا المؤمنين المحبين له صلى الله عليه وسلم في تأديب وتأنيب المعتدين وردعهم، دعوتهم وهدايتهم، فلو كان هذا الأمر ثابتا عنه أو طريقا لكسب الأجر والفوز بالحسنات لما تأخر منا أحد وقد عرفت الدنيا سبق أهل هذه البلاد في ميادين الخير والأجر والبر والإحسان خصوصـا عندما يتعلق الأمر بسيد الثقلين وإمام المتقين وحبيب وخليل رب العالمين الذي نفديه بأمهاتنا وآبائنا.

  

دعونا نتفق

 ما هي الأرضية المشتركة التي ننطلق منها، فلا شك أنه رغم الخلاف الذي بين المعارضين والداعين إلى المولد النبوي إلا أنهم يجتمعون في أمور عدة يمكن من خلالها أن يتناصحوا ويتصافحوا على الحق إذا خلت القلوب من الهوى وطهرت من الشهوات.

 لا شك في ذلك فالحق متاح لكل من طلبه وتجرد من الهوى واعتصم بالدليل.

أما نقاط الاتفاق والاشتراك بين المحتفلين والمعارضين فهي كثيرة، ولا ينبغي المساومة عليها وترامي التهم أو اللمز بفقدها، وأهمها:

أولاً: الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، وشهادة أن محمداً رسول الله تقتضي: طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر وتصديقه فيما أخبر وألا يعبد الله إلا بما شرع. فكل من أقرب بالشهادتين وقام بحقهما وأتم أركان الإسلام فهو المسلم له ما لنا وعليه ما علينا، ومن ثبت إيمانه بيقين لا يزول إلا بيقين، ونحن نبرأ إلى الله من تكفير المسلمين الذين يحتفلون بالمولد ولا يوجد أحد من علماء أهل السنة يكفر الناس لحضورهم المولد، وكل من نسب إلى علماء السنة والتوحيد تكفير المسلمين الذين يحضرون الموالد لمجرد الحضور، فهو مفتر عليهم ومطالب بالإثبات، وإنما التكفير يكون بأمور تدس في الموالد وتضاف إليه كدعاء غير الله أو غيرها من صور الشرك.

ثانياً: الرضى به رسولا ونبيا، فلا يذوق العبد حلاوة الإيمان حتى يرضى به رسولا ونبيا، هذا يقتضي تحكيم سنته واتباع أمره وهديه وعدم التقدم بين يديه ورفع الصوت فوق صوت سنته.

ثالثاً: محبته صلى الله عليه وسلم، فلا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وهو جزء من حقه على كل مسلم، بل إنه لا يسع من عرفه إلا أن يحبه فقد جمع الله له من صفات الجمال والكمال الخلقي والخلقي ما فرض على القلوب محبته وملأها بذلك، فضلا عن أنا لم نعرف الخير كل الخير إلا من طريقه.

رابعاً: الامتنان به صلى الله عليه وسلم فهو من أعظم النعم التي أنعم الله بها على العباد قاطبة إن لم يكن أعظمها: (( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ))[آل عمران:164]، فهي نعمة تستحق الشكر والذكر الدائم.

خامساً: الفرح بمولده وبعثته ودينه وسنته (( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ))[يونس:58]، فقد تبدّت تباشير الفرح على هذا الكون بأجمعه بولادته صلى الله عليه وسلم، وأشرقت أنوار الرحمة ببعثته وانتشرت السعادة في الكون بدعوته، كيف لا وهو الذي أرسله ربه مبشرا ومنورا كما قال سبحانه: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ))[الأحزاب:45-46].

سادساً: الصلاة والسلام عليه من أعظم العبادات والقربات، وهي مشروعة في كثير من المواطن والأوقات، وهي عبادة مقيدة ومطلقة، تشرع في أوقات وأزمنة معينة وتشرع في كل وقت بلا تحديد (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))[الأحزاب:56] وكم للصلاة عليه من فوائد نبوية وامدادات محمدية ومنها:

1- امتثال أمر الله ـ.

2- موافقته ـ في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وإن اختلفت الصلاتان فصلاتنا عليه دعاء وسؤال وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف.

3- موافقة ملائكته فيها.

4- حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة.

5- أنه يرفع له عشر درجات ويكتب له عشر حسنات ويمحى عنه عشر سيئات.

6- ويرجى إجابة دعائه.

7- أنها سبب لشفاعته صلى الله عليه وسلم إذا قرنها بسؤال الوسيلة له أو أفرادها.

8- أنها سبب لغفران الذنوب وكفاية الله العبد ما أهمه.

9- أنها سبب لقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم : �إن أولى الناس بي أكثرهم علي صلاة�

10- أنها تقوم مقام الصدقة لذي العسرة وهي سبب لقضاء الحوائج.

11- أنها زكاة للمصلي وطهارة له.

12- أنها سبب لتبشير العبد بالجنة قبل موته.

13- أنها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة.

14- أنها سبب لرد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام على المصلي والمسلم عليه.

15- أنها سبب لطيب المجلس وأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة.

16- أنها سبب لتذكرة العبد ما نسيه ونفي الفقر وتنفي عن العبد اسم البخل.

17- نجاته من الدعاء عليه برغم الأنف إذا تركها عند ذكره صلى الله عليه وسلم .

18- أنها ترمي صاحبها على طريق الجنة وتخطئ بتاركها عن طريقها.

19- أنها تنجي من نتن المجلس الذي لا يذكر فيه الله ورسوله ويحمد ويثنى عليه فيه ويصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم .

20- أنها سبب لتمام الكلام الذي ابتدئ بحمد الله والصلاة على رسوله.

21- أنها سبب لوفور نور العبد على الصراط.

22- أنه يخرج بها العبد عن الجفاء.

23- أنها سبب لإبقاء الله ـ الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض.

24- أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره وأسباب مصالحه.

25- أنها سبب لنيل رحمة الله له.

26- أنها سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وزيادتها وتضاعفها وذلك عقد من عقود الإيمان التي لا يتم الإيمان إلا بها.

27- أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سبب لمحبته للعبد.

28- أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه.

29- أنها سب لعرض اسم المصلي عليه صلى الله عليه وسلم وذكره عنده.

30- أنها سبب لتثبيت القدم على الصراط والجواز عليه.

31- أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أداء لأقل القليل من حقه وشكر له على نعمته التي أنعم الله بها علينا.

32- أنها متضمنة لذكر الله وشكره ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله.

سابعاً: قراءة السيرة العطرة والتجول في حديقتها العامرة وقطف ثمارها اليانعة وقضاء الأيام والليالي في مدارستها وقراءتها والتعرف على الأحوال الكاملة لصاحبها من أجل ما تنفس فيه الأيام وأولى ما خص بمزيد الاهتمام، والمحروم هو من غفل عنها وانشغل بغيرها ولم يعتن بها.

ثامناً: أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الهدي الكامل والخلق الحميد، والفعل المعصوم، المؤيد بالوحي، المزكى من السماء. وأما غيره من البشر فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا هو صلى الله عليه وسلم، فعلى طالب الهداية أن يقصد البحر ويخلي القنوات، وأنا واثق بل أجزم أن المتبع لهديه المكتفي بطريقته، إنه لن يندم على ذلك يوم القيامة، بل سيكون من السعداء، أما غيره فهو على شك.

تاسعاً: أنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أكمل الدين وأتم الله به النعمة، فلم يترك خيرا إلا دل الأمة عليه، ولا شرا إلا حذّرها منه، وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ ب ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : �ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم من شر ما يعلمه لهم�. بل لم يمت صلى الله عليه وسلم، وطائر يطير في السماء إلا وأخبرنا بما يفيدنا من خبره وقص علينا من نحتاجه من علمه،

عاشراً: الأصل في البدعة الذم والنهي، فقد حذر صلى الله عليه وسلم منها وقال وهو الصادق المصدوق { كل بدعة ضلالة } .. { إياكم ومحدثات الأمور } عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله { ... وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة } رواه مسلم والبيهقي وعنده وعند النسائي بإسناد صحيح: { كل ضلالة في النار } قال عبد الله بن مسعود ا: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، رواه الطبراني والدارمي بإسناد صحيح، وقال عبد الله بن عمر : { كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة } أخرجه الدارمي بإسناد صحيح. وقد أنكر ابن مسعود رضي الله عنه على قوم جالسين في المسجد ومع كل واحد منهم حصاً وبينهم رجل يقول: كبروا مائة، فيكبرون، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، سبحوا مائة، فيسبحون مائة، وقال: { والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: ما أردنا إلا الخير فقال: وكم من مريد للخير لن يصيبه } أخرجه الدارمي وأبو نعيم بإسناد صحيح. وهذا هو فهم سلف الأمة لخطر البدعة وقد قال إمام دار الهجرة مالك: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله يقول: (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ))[المائدة:3]، فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً، وقال الإمام الشافعي رحمه الله: من استحسن فقد شرع وقال الإمام أحمد: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم وترك البدعة وكل بدعة ضلالة.

 ويتبين ذلك بمعرفة أخطار البدع وأضرارها ومنها:

 1-   عمله مردود عليه.

 2-   تحجب عنه التوبة ما دام مصراً على بدعته.

 3-   لا يرد حوض النبي صلى الله عليه وسلم.

 4-   عليه إثم من عمل ببدعته إلى يوم القيامة.

 5-   صاحب البدعة ملعون.

 6-   صاحب البدعة لا يزداد من الله إلا بعداً.

 7-   البدعة تميت السنة.

 8-   البدعة سبب الهلاك.

 9-   البدعة بريد الكفر.

10-   البدعة تفتح باب الخلاف الذي لم يُبنَ على دليل بل على الأهواء.

و أما تعريف البدعة شرعا، فهناك تعاريف كثيرة، تختلف في الصياغة والدقة، والجمع والمنع، وتتفق في أمرين:

-   شبهة التّدين وصورة التعبد ونية التقرب التي تقترن بها البدعة في الغالب، وهي سبب رواجها وقبوله عند ضعفاء البصيرة، والجهلة بالشريعة.

-   الاختراع، والانقطاع عن الهدي النبوي، فهي كشجرة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار، وعلى أحسن أحوالها لا تعدو أن تكون خليطا من العبادات التي لم يدرك العامل بها عظمت تشريعها، أو أخذ بالعمومات التي يبرر بها المبتدع إصراره على بدعته ومخالفته. فكان حاله كمن عمد إلى أدوية نافعة ركبها طبيب خبير عالم، فرأى الغر الجاهل نفعها، وحسن أثرها، فخلطها وركب منها دواءً جديدا، أو استعملها في غير ما وضعت له، فربما صار دواؤه داء وعبادته معصية وقربته بعدا وقلى.

ومن أشهر التعاريف التي لاقت قبولا واسعاً عند أهل العلم تعريف الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام حيث قال: (البدعة: عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه).

 ومثل هذا التأصيل المختصر، هو من البصيرة اللازمة للمتحدث في مثل هذه القضايا لالتباس كثير من أبجدياتها على كثير من الناس، الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولأجل هذا يحسن بنا أيضاً أن نقف مع معنى المولد وتاريخه وقفة أخرى نبني بها تصورا مشتركا ننطلق منه لبقية مشوارنا سويا.

 

المولد النبوي.. نظرة تاريخية

-المولد في اللغة: وقت الولادة أو مكانها.

والمولد له إطلاقان:

الأول: الإطلاق العلمي التاريخي وهو يوم ووقت ومكان ولادته صلى الله عليه وسلم وما حف به من الحفاوة واقترن به من الأحداث والآيات، فهو بهذا حدث من أحداث سيرته العطرة المليئة بالمعجزات والآيات والحفاوة والكرامة التي خصه الله بها، وفيها الكثير من الدروس والعبر التي اعتنى العلماء بحفظها وتدوينها ونشرها وتعليمها، كما هو الحال مع كل هديه صلى الله عليه وسلم التي اعتنت الأمة بنقله وضبطه، وما من صغيرة ولا كبيرة في حياته إلا كانت محور الاهتمام ومحل حفاوة المسلمين واعتبارهم، بل إن الله تعالى ذكر ولادة مجموعة من أنبياءه في كتابه، مثل موسى وعيسى ويحي ضمن سلسلة الأحداث التي مرت بهم في حياتهم لما فيها من عظة وعبرة ونحن نقرأ هذا في لكتاب والسنة ونتعظ به ونشكر الله عليه، وليس هذا موضع البحث ونقطة الاختلاف كما يحب للبعض أن يصورها

الثاني: والإطلاق الآخر المتأخر، بمعنى تخصيص هذه المناسبة بالاحتفال والحفاوة والعناية والاهتمام وذلك في يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام، وقد تفعل في أيام ومواعيد أخرى بدون ترتيب، ولكنها في ذلك الموعد تفعل عند الجميع وبإجماع القائلين بمشروعيتها، وذلك بأشكال وصور مختلفة سيأتي بيانها.

 وعرفه في إعانة الطالبين: وأما في اصطلاح الأئمة فهو: اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن الكريم ورواية الأخبار الواردة في ولادة نبي من الأنبياء أو ولي من الأولياء ومدحهم بأفعالهم وأقوالهم. (إعانة الطالبين (3/361).

 بعد أن عرفنا المقصود بالمولد، فآن لنا أن نتساءل هل احتفل الصحابة الكرام بالمولد أو التابعين متى ظهرت هذه الأفعال ومن أول من فعلها؟

 ممن ينبغي أن يعرفه الإخوة الكرام وهي قاعدة جميلة ذكرها ابن القيم وغيره من العلماء أن أحوال الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، هي ميزان الأحوال بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا التبس على المسلم عمل معين أو قربة لم يعرف لها دليلا فلينظر في أحوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين أختارهم الله وخصهم بصحبة نبيه ورضيهم ورضي عنهم وأرضاهم، وجعلهم أمناء وحيه ونقلة شريعته والواسطة بين الخلق وبين رسوله صلى الله عليه وسلم.

 ومن هنا نقول: أن العلماء قاطبة سواء كانوا من القائلين بمشروعية المولد أو المانعين من ذلك متفقين على أن الاحتفال بالمولد النبوي، لم يكن معروفا في القرون الثلاثة الأولى التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفضل والخيرية في الحديث المشهور: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، قال الحافظ السخاوي في فتاويه: نقلاً من ‏�المورد الروي في المولد النبوي� لملا علي قاري (ص12) : (أصل عمل المولد الشريف لم ينقل عن حد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعدها بالمقاصد الحسنة وقال قال محمد بن علوي المالكي في �حول الاحتفال بالمولد� (ص19) : فالاحتفال بالمولد وإن لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم ، فهو بدعة، ولكنها حسنة، وسيأتي مناقشة هذا القول إن شاء الله.

 ثم اختلفوا بعد ذلك متى بدأ الاحتفال بالمولد على أقوال أشهرها قولين:

القول الأول: أنه بدء على يد الفاطميين العبيديين في مصر في القرن الرابع.

1- المؤرخ السني (الإمام المقريزي) رحمه الله:

� يقول في كتابه �المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (1/490) : �ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم�

 قال: �وكان للخلفاء الفاطميين في طـول السنة أعياد ومواسم وهي مواسم (رأس السنة)، ومواسم (أول العام)، (ويوم عاشوراء)، (ومولد النبي صلى الله عليه وسلم )...�اهـ.

 2- وقال مفتي الديار المصرية سابقا الشيخ محمد بن بخيت المطيعي في�أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام (ص44) : مما أحدث وكثر السؤال عنه الموالد، فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله.. الخ).

3- وقال الشيخ علي محفوظ رحمه الله (وهو من كبار علماء مصر) في�الإبداع في مضار الابتداع� (ص251) : قيل أول من أحدثها ـ أي الموالد ـ بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع،

فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي ا، ومولد السيدة فاطمة الزهراء ل، ومولد الحسن والحسين ب، ومولد الخليفة الحاضر... الخ)

4- وقال الدكتوران حسن إبراهيم حسن -مدير جامعة أسيوط سابقا- وطه احمد شرف -مفتش المواد الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم- في كتابهما �المعز لدين الله� (ص284) تحت عنوان �الحفلات والأعياد: ) ان المعز كان يشترك مع رعاياه في الاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وليلة أول رجب ونصفه، وأول شعبان ونصفه، وموسم غرة رمضان، حتى لا يثير نفوس السنيين! ويقرب مسافة الخلف بين المبادئ السنية والعقائد الشيعية!! وكذلك كان المعز لدين الله يستغل هذه الأعياد التي كان زخر بها عهده في نشر خصائص المذهب الإسماعيلي وعقائده!! لذلك كان يحتفل بيوم عاشوراء ليحيي فيها ذكرى الحسين، كما كان يحيي ذكرى مولد كثير من الأئمة، وذكرى مولد الخليفة القائم بالأمر، وهكذا اتخذ المعز من الاحتفال بهذه الأعياد وسيلة لجذب رعاياه إليه ونشر مبادئ المذهب الإسماعيلي) اهـ.

 وقال الإمام أبو شامة المؤرخ المحدث صاحب كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (ص:200-202) عن الفاطميين العبيديين وهو قريب عهد منهم حيث عاش ما بين سنة (599-665) هـ: والملقب بالمهدي... كان يتخذ الجهال ويسلطهم على أهل الفضل وكان يرسل إلى الفقهاء والعلماء فيذبحون في فرشهم وأرسل إلى الروم وسلطهم على المسلمين وأكثر من الجور واستصفاء الأموال وقتل الرجال وكان له دعاة يضلون الناس على قدر طبقاتهم فيقولون لبعضهم (هو المهدي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجة الله على خلقه) ويقولون لآخرين (هو رسول الله وحجة الله) ويقولون لأخرى: (هو الله الخالق الرازق) لا اله إلا الله وحده لا شريك له تبارك ـ عما يقول الظالمون علوا كبيرا ولما هلك قام ابنه المسمى بالقائم مقامه وزاد شره على شر أبيه أضعافا مضاعفة وجاهر بشتم الأنبياء فكان ينادى في أسواق المهدية وغيرها (العنوا عائشة وبعلها العنوا الغار وما حوى) اللهم صل على نبيك وأصحابه وأزواجه الطاهرين وألعن هؤلاء الكفرة الفجرة الملحدين وارحم من أزالهم وكان سبب قلعهم ومن جرى على يديه تفريق جمعهم وأصلهم سعيرا ولقهم ثبورا وأسكنهم النار جمعا واجعلهم ممن قلت فيهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.�. أ. هـ بتصرف يسير

 وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية عن الدولة الفاطمية (11/346) : �هم كفار، فساق، فجار ملحدون، زنادقة، معطلون الإسلام جاحدون ولمذهب المجوسية معتقدون� ا. هـ فمن هذا حاله فماذا يرجى من وراءه؟؟

القول الثاني: أن الذي ابتدعه واخترعه، الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين على بن بكتكين ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري، كما ذكره المؤرخون كابن كثير وابن خلكان وغيرهما.

قال السيوطي ـ رحمه الله ـ في �حسن المقصد� ضمن �الحاوي للفتاوى� (1189: ) أول من أحدث فعل ذلك ـ أي فعل المولد ـ صاحب إربل الملك المظفر.

وقال أبو شامة ـ رحمه الله ـ في الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص95) (ومن أحسن! ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل: ما كان يفعل بمدينة إربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور... الخ).

وقـال الحافظ ابن كثير في البداية، في ترجمة أبي سعيد كوكبوري: وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً... إلى أن قال: قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى... إلى أن قال: ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم. اهـ.

وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان: فإذا كان أول صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المتجملة، وقعد في كل قبة جوق من الأغاني، وجوق من أرباب الخيال ومن أصحاب الملاهي، ولم يتركوا طبقة من تلك الطبقات (طبقات القباب) حتى رتبوا فيها جوقاً.

وتبطل معايش الناس في تلك المدة، وما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم... إلى أن قال: فإذا كان قبل يوم المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئاً كثيراً زائداً عن الوصف وزفها بجميع ما عنده من الطبول والأغاني والملاهي، حتى يأتي بها إلى الميدان... إلى أن قال: فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة. اهـ.

 ويمكن الجمع بين قول من قال: إن الاحتفال بالمولد النبوي أول من فعله الرافضة بنو عبيد القداح في القرن الرابع، وبين قول من قال أول من فعله هو ملك إربل في القرن السابع، أن يقال:

أن أول من فعله بنو عبيد القداح في مصر ثم سرت هذه البدعة إلى الشام والعراق في القرن السابع الهجري. وظهرت على يد ملك إربل بعد أن ألغاها سلاطين بني أيوب حين قضوا على دولة العبيدين الباطنية في مصر، ثم انتشرت بعد ذلك، إلا أن الكثير ممن يؤيد هذه البدعة، يتجاهل انتسابها إلى تلك الدولة الباطنية الضالة، لكي يعمي على الناس أصلها المنحرف.

 المهم أن الجميع متفقون على أنه لم يكن من عمل أهل القرون الفاضلة التي أثنى عليها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ولنا هنا أن نقول: ما حدث بعد السلف ي لا يخلو إما أن يكونوا علموه وعلموا أنه موافق للشريعة ولم يعملوا به؟! ومعاذ الله أن يكون ذلك، إذ إنه يلزم منه تنقيصهم وتفضيل من بعدهم عليهم، ومعلوم أنهم أكمل الناس في كل شيء وأشدهم إتباعا وإما أن يكونوا علموه وتركوا العمل به؟ ولم يتركوه إلا لموجب أوجب تركه، فكيف يمكن فعله؟! هذا مما لا يتعلل، وإما أن يكونوا لم يعلموه فيكون من ادعى علمه بعدهم أعلم منهم وأفضل وأعرف بوجوه البر وأحرص عليها! ولو كان ذلك خيراً لعلموه ولظهر لهم ومعلوم أنهم أعقل الناس وأعلمهم، وهذا دليل على أنهم علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تركه وتركه صلى الله عليه وسلم للشيء مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه سنة كما أن فعله سنة فمن استحب فعل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم كان كمن استحب ترك ما فعله ولا فرق.

 أما وقد عرفنا تاريخ المولد ونشأته وأنه منقطع عن القرون الفاضلة، وطارئ في تاريخ الأمة فماذا يجري داخل هذه الموالد؟

 تختلف مظاهر الاحتفال بالمولد من مكان إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى، ونحن نرى في هذا العصر عصر الانفتاح الإعلامي صورا متنوعة وأشكال متعددة للاحتفال بالمولد تبتدئ من مظاهر بسيطة كما ذكر ذلك السيوطي بقوله: الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك. اهـ.

وهذه الملاحظة لا يقف عندها كثيرا ممن ينسب إلى السيوطي القول بجواز المولد مطلقا لكي يفعل فيه ما يشاء ويبث من خلاله ما يريد.

 وتتطور أشكال الاحتفال بالمولد تباعا، يقول أحد الكتاب: ومع بداية شهر ربيع أول من كل عام تُقام سرادقات كبيرة حول المساجد الكبرى والميادين في جميع مدن مصر خاصة في القاهرة؛ حيث مساجد أولياء الله والصالحين، كمسجد الإمام الحسين والسيدة زينب ل تضم تلك الشوادر أو السرادقات زوار المولد من مختلف قرى مصر والباعة الجائلين بجميع فئاتهم وألعاب التصويب والطارة وبائعي الحلوة والأطعمة وسيركا بدائيا يضم بعض الألعاب البهلوانية وركنا للمنشدين والمداحين، وهم فئة من المنشدين تخصصت في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم .

 ومنهم من يقيمه في البيوت. ومنهم من لا يقتصر على ما ذكر، فيجعل هذا الاجتماع مشتملاً على محرمات ومنكرات من اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء، أو أعمال شركية كالاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وندائه والاستنصار به على الأعداء وغير ذلك.

 يقول رشيد رضا في المنار (2/74-76 ): فالموالد أسواق الفسوق فيها خيام للعواهر وخانات للخمور ومراقص يجتمع فيها الرجال لمشاهدة الراقصات المتهتكات الكاسيات العاريات ومواضع أخرى لضروب من الفحش في القول والفعل يقصد بها إضحاك الناس... فلينظر الناظرون إلى أين وصل المسلمون ببركة التصوف واعتقاد أهله بغير فهم ولا مراعاة شرع اتخذوا الشيوخ أنداداً وصار يقصد بزيارة القبور والأضرحة قضاء الحوائج وشفاء المرضى وسعة الرزق بعد أن كانت للعبرة وتذكرة القدوة وصارت الحكايات الملفقة ناسخة فعلا لما ورد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على الخير ونتيجة لذلك كله؛ أن المسلمين رغبوا عما شرع الله إلى ما توهموا أنه يرضي غيره ممن اتخذوهم أنداداً وصاروا كالإباحيين في الغالب فلاعجب إذا عم فيهم الجهل واستحوذ عليهم الضعف وحرموا ماوعد الله المؤمنين من النصر لأنهم انسلخوا من مجموع ما وصف الله به المؤمنين ولم يكن في القرن الأول شيء من هذه التقاليد والأعمال التي نحن عليها بل ولا في الثاني ولا يشهد لهذه البدع كتاب ولا سنة وإنما سرت إلينا بالتقليد أو العدوى من الأمم الأخرى، إذ رأى قومنا عندهم أمثال هذه الاحتفالات فظنوا أنهم إذا عملوا مثلها يكون لدينهم عظمة وشأن في نفوس تلك الأمم فهذا النوع من اتخاذ الأنداد كان من أهم أسباب تأخر المسلمين وسقوطهم فيما سقطوا فيه�. اهـ.

وأنا حريص على نقل كلام المعاصرين لمثل هذه الأفعال، ومن مختلف الأقطار لان هناك من يوهم ان المعارضة والرفضة لهذه البدعة محصورة في قطر أو تيار، وكما قلت لم يعد الأمر سر ويكفي الواحد منا ليطلع على بعض ما يجري من أخطاء أن يقلّب القنوات الفضائية ليرى ويسمع ما يدهشه وأكرر ليست الموالد كلها على هذه الشاكلة، ولكنها مرتع خصب لانتشار مثل هذه الأمور ولا يستغرب ذلك، فالله تعالى يقول في محكم كتابه: (( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ))[التوبة:109].

أدلة أو شبهات

 الأدلة التي يستدل بها القائلين بالاحتفال بالمولد تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أدلة عامة، يخصصونها بهذه البدعة ويحملونها عليها من غير بينة وحجة ولا سبق فهم للسلف الصالح يؤيد ما ذهبوا إليه، من مثل قول الحق عز وجل: (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))[الأحزاب:56]، ومثل هذا النوع من الأدلة تظهر عدم دلالته على مرادهم لكل أحد، فنحن لا نختلف حول مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمنا، وهي عبادة من أعظم العبادات، لكن أين الدليل على أنها بهذا الشكل ولهذا الفعل، فالنبي صلى الله عليه وسلم علم أمته كيف ومتى تصلي عليه، في الصلاة المحددة المخصوصة ودعاهم للصلاة عليه مطلقا بدون تقييد، فالتقييد يحتاج إلى دليل ينص عليه ولا دليل عندهم.

 القسم الثاني: الأدلة التفصيلية وهي كما يبدو لأول وهلة كثيرة، ولكنها كالسراب الذي يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا وسيظهر هذا لنا بالتفصيل.

الدليل الأول: إن إقامة المولد من قبيل البدعة الحسنة؛ لأنه ينبئ عن الشكر لله على وجود النبي الكريم.

و الجواب عن هذه الشبهة أن يقال:

ليس في الكتاب والسنة، بدعة تسمى بدعة حسنة، فإنه صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي مرّ بنا مراراً يقول: �وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة�، وزاد النسائي �وكل ضلالة في النار�.

وقد ذكر الشاطبي في كتابه �الاعتصام� (1/28) أن ابن الماجشون قال: سمعت مالكاً يقول: �من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله يقول: (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ))[المائدة:3] فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً�.

ثم إنه صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المتفق عليه: �من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد� وفي لفظ مسلم �من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد�.

فهل عمل بدعة الاحتفال بالمولد النبوي من دين الإسلام الذي ذكره الله أورسوله صلى الله عليه وسلم لنا، وهل فعل هذه البدعة كان عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم .

وذكر الإمام ابن بطة في كتاب �الإبانة� (1/339) عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قوله: �كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة� وذكره محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة بسند صحيح.

ورحمة الله على الإمام مالك الذي كان كثيراً ما ينشد:

وخير أمور الدين ما كان سنة         وشر الأمور المحدثات البــدائع

ذكره الشاطبي في كتابه �الاعتصام� (1/115 ).

وقد قرر الشاطبي رحمه الله أن تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة قائم على قصور أو سوء فهم لمعنى البدعة في الدين�فالمتأمل في البدعة يعلم أنها مضادة للشارع واطّراح للشرع، وكل ما كان بهذه المثابة فمحال أن ينقسم إلى حسن وقبيح وأن يكون منه ما يمدح ومنه ما يذم، إذ لا يصح في معقول ولا منقول استحسان مشاقة أو مضادة لشارع، وأيضا لو فرض أنه جاء في النقل استحسان بعض البدع أو استثناء بعضها عن الذم لم يتصور لأن البدعة طريقة تضاهي المشروعة من غير أن تكون كذلك، وكون الشارع يستحسنها دليل على مشروعيتها، إذ لو قال الشارع (المحدثة الفلانية حسنة) لصارت مشروعة.

قال شيخ الإسلام: �وما سمّي بدعة وثبت حُسنه بأدلة الشرع فأحد الأمرين فيه لازم، إمّا أن يقال: ليس ببدعة في الدين، وإن كان يسمَّى بدعة من حيث اللغة كما قال عمر: (نعمت البدعة هذه) وإما أن يقال: هذا عام خصت منه هذه الصورة لمعارض راجح كما يبقى فيما عداها على مقتضى العموم كسائر عمومات الكتاب والسنة�  وقال: �ومعلوم أنّ كل ما لم يسنه ولا استحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من هؤلاء الذين يقتدي بهم المسلمون في دينهم فإنه يكون من البدع المنكرات، ولا يقول أحد في مثل هذا أنّه بدعة حسنة�.

 قال ابن رجب: �وأمّا ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر ا لمّا جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد، وخرج ورآهم يصلُّون كذلك، فقال: (نعمت البدعة هذه). وكذلك قول الإمام الشافعي: �ما أحدث وخالف كتابًا أو سنة أو إجماعًا أو أثرًا فهو البدعة الضالة، وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئًا من ذلك فهو المحمود�. وكلام العلماء يفسر بعضه بعضا.

ثم لماذا تأخر القيام بهذا الشكر - على زعمكم - إلى آخر القرن السادس، فلم يقم به أفضل القرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وهم أشد محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأحرص على فعل الخير والقيام بالشكر، فهل كان من أحدث بدعة المولد أهدى منهم وأعظم شكراً لله عز وجل؟ حاشا وكلا.

الدليل الثاني: إن الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم ينبئ عن محبته صلى الله عليه وسلم فهو مظهر من مظاهرها وإظهار محبته صلى الله عليه وسلم مشروع.

والجواب: لا شك أن محبته صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مسلم أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين - بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه - ولكن ليس معنى ذلك أن نبتدع في ذلك شيئاً لم يشرعه لنا، بل محبته تقتضي طاعته واتباعه، فإن ذلك من أعظم مظاهر محبته، كما قيل:

لو كان حبك صادقاً لأطعته      إن المحب لمن يحب مطيع

فمحبته صلى الله عليه وسلم تقتضي إحياء سنته والعض عليها بالنواجذ ومجانبة ما خالفها من الأقوال والأفعال، ولا شك أن كل ما خالف سنته فهو بدعة مذمومة ومعصية ظاهرة، ومن ذلك الاحتفال بذكرى مولده وغيره من البدع. وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين؛ فإن الدين مبني على أصلين: الإخلاص، والمتابعة، قال تعالى: (( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ))[البقرة:112]، فإسلام الوجه هو الإخلاص لله، والإحسان هو المتابعة للرسول وإصابة السنة.

ثم إن هؤلاء الذين يحتجون على فعلهم بدافع المحبة يسيئون من حيث أراد الإحسان فأنتم الذين تنقصتم محمداً صلى الله عليه وسلم ، ورميتموه بالتقصير وقد قال صلى الله عليه وسلم : �ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم� أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (1844) في كتاب الإمارة، وقد نهانا محمد صلى الله عليه وسلم وحذرنا عن البدع كلها، فقال: �وكل بدعة ضلالة�.

قال ابن القيم في �إغاثة اللهفان� (1/102) : �وكما أنك لا تجد مبتدعاً إلا وهو متنقص للرسول صلى الله عليه وسلم، وإن زعم أنه معظم له بتلك البدعة فإن يزعم أنها خير من السنة وأولى بالصواب، أو يزعم أنها هي السنة إن كان جاهلاً مقلداً، وإن كان مستبصراً في بدعته فهو مشاق لله ورسوله�.

 وإني أبشر المتبع للسنة بكلام عظيم لابن القيم قاله كذلك في إغاثة اللهفان (1/111) �وهذا المبتدع إنما ينقم على السني تجريده متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه لم يشبها بآراء الرجال ولا بشيء مما خالفها. فصبر الموحد المتبع للرسل على ما ينقمه عليه أهل الشرك والبدعة خير له وأنفع، وأسهل عليه من صده على ما ينقمه الله ورسوله عليه من موافقة أهل الشرك والبدعة.

إذا لم يكن بد من الصبــر، فاصطبر

على الحق، ذاك الصبر تحمد عقباه

وأختم بما ذكره أبو داود في سننه عن حذيفة أنه قال: �كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يترك للآخر مقال�.

وقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه (20750) واللفظ له، وأخرجه كذلك أبو داود (4611) من حديث معاذ بن جبل ا قال: �فيوشك قائل أن يقول: ما هم بمتبعي فيتبعوني وقد قرأت القرآن؟! ثم يقول: ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره! فإياكم وما ابتدع، فإن ما ابتدع ضلالة.

 ونضيف أيضاً: أن إقامة هذه البدعة تحريف لأصل من أصول الشريعة وهي محبة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه ظاهرا وباطنا واختزالها في هذا المفهوم البدعي الضيق الذي لا يتفق مع مقاصد الشرع المطهر، اختزالها إلى دروشة ورقص وطرب وهز للرؤوس، لان الذي يمارسون هذه البدعة يقولون: إن هذا من الدلائل الظاهرة على محبته ومن لم يفعلها فهو مبغض للنبي صلى الله عليه وسلم

وهذا لاشك تحريف لمعنى محبة الله ومحبة رسول لان محبة الله والرسول تكون باتباع سنته ظاهرا وباطنا كما قال جل وعلا (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ))[آل عمران:31].

فالذي يجعل المحبة باقامة هذه الموالد محرف لشريعة الله التي تقول أن المحبة الصحيحة تكون باتباعه صلى الله عليه وسلم ، بل هذا محو لحقيقة المحبة التي تقرب من الله وجعلها في مثل هذه الطقوس التي تشابه ما عند النصارى في أعيادهم وبهذا يعلم أنه ما أحييت بدعة إلا وأميتت سنة

 الدليل الثالث: ابن حجر يستدل على جواز المولد بما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى، قال الحافظ: �فيستفاد منه فعل شكر الله على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر يحصل بأنواع العبادات كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم؟؟

 والجواب عن هذا أن نقول: أن القاعدة العامة أن كل أحد من البشر يؤخذ من قوله ويرد، والمجتهد دائما بين أجر وأجرين، ولكل مجتهد نصيب وليس كل مجتهد مصيب، وخطأ العالم في مسألة لا ينتقص من علمه ومكانته وما منا إلا راد أو مردود عليه كما يقول العلماء دائما وقد رد أهل العلم استدلال ابن حجر بكلام متين ملخصه أن نقول: لقد أورد هذا الاستدلال ابن حجر الهيثمي ولم يسبق إليه، كما ينقل عنه السيوطي، ثم رددها من بعدهما المتأخرون في هذا الزمن، وغفلوا جميعًا أنهم بهذا التقرير يفتحون بابًا للأمة أن تستحدث أعيادًا لا حصر لها، فاحتفال وعيد بمناسبة الهجرة النبوية، وآخر للبعثة النبوية، وثالث لذكرى الإسراء والمعراج، ورابع لانتصار المسلمين في بدر الكبرى، وخامس لفتح مكة وهكذا، فتغرق الأمة في أعياد مبتدعة.

إنّ اعتبار أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء دليلاً على مشروعية المولد أمرٌ مخالفٌ لما أجمع عليه السلف من ناحية الفهم، ومن ناحية العمل، فهم لم يفهموا من تشريع النبي صلى الله عليه وسلم صوم يوم عاشوراء أنّه أراد ربط الزمان بالحوادث الدينية، ولم يتجاوزا فيه الصوم المأمور به، وما خالف إجماعهم فهو خطأ، لأنهم لا يجتمعون إلا على هدى.

ثم إن تخريج بدعة المولد على صيام عاشوراء إنما هو من التكلف المردود؛ لأن العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الرأي والاستحسان والابتداع.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء والترغيب فيه وسكوته عن الاحتفال بيوم مولده كافٍ في إبطال مشروعيته بهذا الدليل؛ إذ لو كان في ذلك شيء من الفضل لبيَّن ذلك لأمته، فهو صلى الله عليه وسلم لم يترك خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولم يترك شرًا إلا حذَّر الأمة منه.

إن وقوف المؤمن في صيام يوم عاشوراء عند صيامه وصيام يومٍ قبله أو بعده مع عدم إحداث أي شيء آخر معه هو مقتضى الاتباع الكامل للنصوص الشرعية.

الدليل الرابع: أيضا السيوطي يستدل بدليل آخر يقول: أخرج البيهقي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي عليه السلام إظهار للشكر على إيجاد الله تعالى إياه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته، كما كان يصلي على نفسه لذلك فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده

و الجواب أن يقال: الحديث الذي استند عليه السيوطي حديث لا يثبت عند أهل العلم بالحديث، وهو عند عبد الرزاق في مصنفه، قال: أنبأنا عبد الله بن محرر عن قتادة عن أنس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه بعد النبوة.

وعبد الله بن محرر قال عنه أحمد: ترك الناس حديثه. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال ابن حبان: كان من خيار عباد الله، إلا أنَّه كان يكذب ولا يعلم، ويقلب الأخبار ولا يفهم، وقد ولي الرقة للمنصور.

وقد نص مسلم في مقدمته على تركه لحديث عبد الله بن محرر، قال رحمه الله: �وكذلك مَن الغالب على حديثه المنكر أو الغلط أمسكنا أيضًا عن حديثهم، وعلامة المنكر في حديث المحدث، إذا ما عُرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا، خالفت روايته رواتهم، أو لم يكونوا فقهاء، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك، كان مهجور الحديث، غير مقبولة، ولا مستعملة. فمن هذا الضرب عبد الله بن محرر... فلسنا نعرِّج على حديثه، ولا نتشاغل به؛ لأن حكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث، أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا�

وقال الذهبي: �ومن بلاياه روى عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه بعد ما بعث�، وقال ابن القيم: �إنّما تركوا ابن محرر لهذا الحديث�

الدليل الخامس: يستند بعضهم إلى ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أن قال: �ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح�، ثم يقولون وكثير من المسلمين يستحسن فعل الاحتفال بذكرى مولد محمد صلى الله عليه وسلم

و الجواب أن نقول:

1- أن هذا الكلام المنسوب لابن مسعود رضي الله عنه إنما أراد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد كل من هب ودب من المسلمين والمنتسبين إلى الإسلام، وكلامه صريح في ذلك، وهذا لفظه عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى: �إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيئ�.

وهذا مثل ما رآه الصحابة حسن من العلم بالتاريخ والابتداء به بالهجرة، ومثل وضع ديوان العطاء زمن عمر بن الخطاب، ومثل جمع المصحف في عهد أبي بكر، وأما ما رأوه سيئاً مثل التحلق والاجتماع على عد التسبيح والتحميد والتكبير، وقد أنكر ذلك ابن مسعود وأبي موسى الأشعري، ومثل إنكار الصحابة لبدعة الخوارج، ومثل إنكار علي ا على الرافضة في غلوهم فيه وإنكار الصحابة معه.

 2-أن يقال إن أهل الإسلام يستقبحون البدع ويعتبرونها ضلالة، ومن ضمنها بدعة المولد النبوي.

3- أن هذا الكلام الوارد عن ابن مسعود المراد به ما أجمع عليه المسلمون ورأوه حسناً لا ما رآه بعضهم واستحسنه وقد ذكر هذا الجواب أربعة من أئمة العلم، وهم ابن القيم والشاطبي وابن قدامة وابن حزم.

الدليل السادس: فكيف نرد على من يستدل بحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: �ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه) رواه مسلم في الصحيح في كتاب الصيام

 نقول الجواب:

 أولا: إن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم الاثنين، ولم يسأل عن صيام يوم الثاني عشر من ربيع الأول، فالعلة إذًا: تخصيص يوم الاثنين، بالصيام، وليس تخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول بالصيام، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وهو المشرّع، لم يخصص يوم الثاني عشر بالصيام، بل خصص يوم الاثنين بالصيام، وفرق كبير بين السببين، فالصواب أن العلة هي كون يوم الاثنين، يوم مولده، ويوم بعثه فيه، ويوم إنزال القرآن عليه.

ثانيا: فلو قال قائل: فأنتم تقرون بأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى ميلاده، واعتبره مؤثرًا في الحكم، حيث قال: ذلك يوم ولدت فيه، فنقول، نعم هذا صواب، لقد نظر إلى يوم ميلاده وجعله مؤثرًا في الحكم، ولكن بقي النظر في يوم الميلاد ما هو، هل هو الاثنين، أم الثاني عشر من ربيع الأول، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الميزة لكونه يوم الاثنين، لا لكونه الثاني عشر من ربيع الأول، ولو نظر النبي صلى الله عليه وسلم للأخير، لخصّه عينَه بذلك الصيام، ولرأينا النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى في كل سنة شهر ربيع الأول، بل يتحرى يوم الثاني عشر منه، بصرف النظر، هل كان يوم اثنين، أو جمعة، أو غيرها، وهذا لم يرد، في حديث صحيح، بل ولا وضعيف أيضا.

ومما يؤكد هذا، أن العلماء أنفسهم، اختلفوا في تحديد يوم مولده صلى الله عليه وسلم ، فقيل هو يوم الثاني، أوالثامن، أوالعاشر، أو الثاني عشر، أو السابع عشر... إلى غير ذلك من الأقوال التي حكاها جمع من أهل العلم، منهم الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية والقسطلاني في المواهب اللدنية.

وهذا الاختلاف الكبير في تاريخ المولد دليل قطعي على أن النبي وأصحابه لم يعيروا هذا اليوم أي اهتمام عندما تمر كل سنة، فضلا عن أن يخصها النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بمزيد عباده.

ثالثا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بين سبب صيامه لذلك اليوم، جعل السبب أو العلة مركبة، فقال { قَالَ ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ } فذكر ثلاثة أسباب، أو بتعبير أصولي، ذكر علة مركبة من ثلاث أوصاف، ميلاده، ومبعثه، وإنزال القرآن، والصواب صحة التعليل بالعلة المركبة، وأنها لا تؤثر إلا إذا اجتمعت الأوصاف المركبة منها كلها، وعندئذ فلا تجتمع هذه الأوصاف لتكون علة الحكم إلا في يوم الاثنين، فلا تنطبق البتة على يوم الثاني عشر من ربيع الأول، فإنزال القرآن حدث في ليلة القدر، من شهر رمضان المبارك، بالإجماع كما هو نص القرآن، فهي علة قاصرة على هذا اليوم، فلا تتعدى إلى غيره.

رابعا: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صيامه، فأجاب، فالحكم إذًا الصيام، والعلة، هي اجتماع الأوصاف الثلاثة، فهل يقاس غير الصيام على الصيام.

خامسا: أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخص يوم الاثنين بالصيام، بل كان يتحرى صيام يوم الاثنين والخميس، وقال صلى الله عليه وسلم : { تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم } .

سادسا: أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يضف إلى الصيام احتفالاً كاحتفال أصحاب الموالد، من تجمعات ومدائح وأنغام وطعام وشراب، أفلا يكفي الأمة ما كفى نبيها صلى الله عليه وسلم ويسعها ما وسعه؟! و هذا يعتبر استدراكًا على الشارع، وتصحيحًا لعمله.

الدليل السابع: جاء في البخاري أنه يخفف عن أبي لهب كل يوم الاثنين بسبب عتقه لثويبة جاريته لما بشّرته بولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم .

ويقول في ذلك الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي :

إذا كان هذا كافـراً جاء ذمـه      بتبّت يداه في الجحيم مخلّدا

أتى أنه في يوم الاثنين دائـمـا     يُخفّف عنه للسرور بأحمدا

فما الظن بالعبد الذي كان عمره      بأحمد مسرورا ومات موحّدا

 والجواب:

هذا الأثر يروى عن عروة مرسلاً كما في صحيح البخاري: قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب، كان أبو لهبٍ أعتقها فأرضعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فلما مات أبو لهب أُرِيه بعض أهله بشرِّ حِيبةٍ، قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة�.

والمرسل ضعيف لا تقوم به حجة.

وقد استدل بهذا الخبر فيمن استدل به ابن الجزري إمام القرَّاء المشهور في كتابه (عرف التعريف بالمولد الشريف)، نقل السيوطي كلامه عقب ذكره لهذا الخبر حيث قال: �فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جُوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم به، فما حال المسلم الموحد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم يسر بمولده، ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته صلى الله عليه وسلم ؟! لعمري إنّما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنّات النعيم� ولم يعقّب عليه السيوطي بشيء.

وقال صاحب رسالة (حول الاحتفال) : �فقد جاء في البخاري أنه يخفف عن أبي لهبٍ كلَّ يوم اثنين بسبب عتقه لثويبة جاريته لماّ بشرته بولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم � فأوهم بكلامه هذا أنّ الخبر صحيح لوروده في أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، وأوهم كذلك أنّ في الخبر الذي ساقه البخاري أنّه يخفف عن أبي لهب كلّ يوم اثنين، والذي يرجع إلى الصحيح لا يجد هذا الكلام.

 وبعد بيان سقوط هذا الخبر من حيث عدم ثبوته؛ لا يبقى بعد ذلك أيُّ داعٍ إلى مناقشة المستدلين به، إلاّ أنّه على فرض كونه متصلاً لا يصح الاحتجاج به لأمور عدة:

أولها: أنّ هذا منام، والمنامات لا حجّة فيها، فكيف تشرع العبادات عن طريقها، قال ابن حجر: �النائم لو رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يأمره بشيء، هل يجب عليه امتثاله ولا بد أو لا بد أن يعرضه على الشرع الظاهر؟ فالثاني هو المعتمد� هذا في رؤيا مسلم للنبي صلى الله عليه وسلم فكيف في رؤيا كافر لكافر

الثاني: أنّ فيه على فرض اتصاله أنّ الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة؛ لكنه لا يقوى على مخالفة ظاهر قوله تعالى: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ))[الفرقان:23]، ولا على تخصيصه، والعمل لا يثاب عليه إلا إن كان بقصد القربة، وهي لا تحصل من الكافر، قال القاضي عياض: �انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب، وإن كان بعضهم أشد عذاباً من بعض�.

الثالث: أنّ ما فيه من إعتاق أبي لهب لثويبة قبل إرضاعها للنبي صلى الله عليه وسلم مخالف لما عند أهل السير من أنّ إعتاق أبي لهب إيّاها كان بعد ذلك الإرضاع بدهر طويل، أشار إلى ذلك ابن حجر في فتح الباري وأوضحه في الإصابة

وقد أورد ابن سعد في طبقاته مرسل عروة هذا وعقَّب عليه قائلاً: �وأخبرنا محمد بن عمر عن غير واحد من أهل العلم قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلها وهو بمكة، وكانت خديجة تكرمها وهي يؤمئذ مملوكة، وطلبت إلى أبي لهب أن تبتاعها منه لتعتقها فأبى أبو لهب، فلمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أعتقها أبو لهب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إليها بصلة وكسوة، حتى جاءه خبرها أنّها توفيت سنة سبع مرجعه من خيبر، فقال: (ما فعل ابنها مسروح؟ فقيل: مات قبلها).

قال ابن عبد البر في السيرة النبوية بعد أن ذكر إرضاع ثويبة للرسول صلى الله عليه وسلم : �وأعتقها أبو لهب بعدما هاجر النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة�.

وقال ابن الجوزي: �وكانت ثويبة تدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما تزوج خديجة، فيكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكرمها خديجة، وهي يومئذ أمة، ثم أعتقها أبو لهب�.

وممّا سبق يتبين أنّه لم يثبت من طريق صحيح أنّ أبا لهب فرح بولادة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أن ثويبة بشرته بولادته، ولا أنّه أعتق ثويبة من أجل بشارتها إياه بولادة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أنه يخفف عنه كل يوم اثنين بسبب ذلك، كلّ ذلك لم يثبت، ومن ادَّعى شيئًا من ذلك فعليه إقامة الدليل على ما ادَّعاه، ولن يجد إلى الدليل الصحيح سبيلاً.

الدليل العاشر: فهل يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم في فضل يوم الجمعة وعد مزاياه { وفيه ولد آدم } تشريف الزمان الذي ثبت أنّه ميلاد لأي نبي كان من الأنبياء عليهم السلام، فكيف باليوم الذي ولد فيه أفضل النبيين وأشرف المرسلين

 الجواب:

فضل يوم الجمعة ثابت، وهو عيد من أعياد المسلمين، وآدم خُلق يوم الجمعة ولم يولد فيه، جاء في حديث أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم : { من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم }. لكن حرص البعض منهم على إثبات هذه البدعة حمله على تحريف اللفظ أو التغاضي عن الخطأ والتصحيف فيه. وإلا فممن ولد آدم.

إن الشريعة التي عظمت يوم الجمعة هي نفسها التي أغفلت تعظيم يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان منها كل ذلك عن عمد وقصد، ولم يكن عن سهو ونسيان، فقياس ما عظمته الشريعة وشرعت فيه ما شرعت على ما لم تعظمه الشريعة ولم تشرع فيه شيئًا من العبادات أمرٌ بلغ من القبح غايته، ومن الفساد منتهاه، ومن البطلان أعلى درجاته.

فأيُّ استدراك على الشريعة بعد هذا الاستدراك، قال تعالى: (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ))[المائدة:3]، بل إن النهي عن تخصيص يوم الجمعة الذي خلق فيه آدم بصيام أو قيام هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: { لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم } فكيف يؤخذ من النهي الاستحباب

الدليل التاسع: الاحتجاج بأن هذا عمل كثير من الناس في كثير من البلدان، بل يشارك فيه بعض المعروفين بالعلم والإفتاء، فكيف نجيب على هذا الاستدلال وهل يسلم به؟؟

 والجواب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { لا تجتمع أمتي على ضلالة } ، رواه أهل السنن إلا النسائي وهو حسن لغيره. (سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم:1331)، ثم نقول:

1- الاحتجاج على تحسين البدع بهذه الدعوى ليس بشيء في أمر تركته القرون الثلاثة المقتدى بهم، قال الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ �ولما كانت البدع والمخالفات وتواطأ الناس عليها صار الجاهل يقول:�ولو كان هذا منكراً لما فعله الناس�، ثم قال ما ذكره ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم:�من اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناء على أن الأمة أقرتها ولم تنكرها فهو مخطئ في هذا الاعتقاد، فإنه لم يزل ولا يزال في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المستحدثة المخالفة للسنة

2- أن فعل الكثير من الناس لأي شيء لا يدل على أنه حق بل إن الله ذم الكثرة في القرآن فقال: (( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ))[الأنعام:116]، وقال: (( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ))[يوسف:103]، وقال: (( وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ))[الأنعام:119]، وقال تعالى: (( وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ))[ص:24].

3- ويرد على من قال إن بعض المشايخ يقول بجوازه بل يفعله، بأن رسول الهدى يقول: �وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار�، ووالله إن قول رسول الله أحب إلينا من قول أمة كلها، وقد قال أبو بكر بن أبي داود:

ودع عنك آراء الرجال وقولهم     فقول رسول الله أزكى وأشرح

ويقال لمن استدل بقول شيوخه، أيهما أحب إليك قول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أم قول مشايخك؟ فإن قال بل قوله عليه الصلاة والسلام أحبُّ إليّ، فيقال له: إن الله عز وجل يقول: (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ))[آل عمران:31] وقد ذكر ابن تيمية في كتاب العبودية قول الحسن البصري: �ادعى قوم محبة الله ورسوله فأنزل الله عليهم آية الممتحنة ((قل إن كنتم تحبون الله))، فامتحنهم الله بهذه الآية.

وقد قال الإمام الشافعي: �أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس�. [الرسالة (104).

إن قال إن قول شيخي أحب إلي من قول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ، فإني أبشره بآية عظيمة (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ))[النساء:115].

وقد قال ابن تيمية: �ومن نصب شخصاً كائناً من كان، فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو من الذين فرقوا بدينهم وكانوا شيعاً�. (الفتاوى2/239-240).

الدليل العاشر: دعواهم أن في ذلك تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم والمانع من المولد يمنع تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فنقول: إنما تعظيمه صلى الله عليه وسلم بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ومحبته صلى الله عليه وسلم ، وليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي، والاحتفال بذكرى المولد من هذا القبيل المذموم، لأنه معصية. وأشد الناس تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة ي، كما قال عروة بن مسعود لقريش: يا قوم! والله لـقــــــد وفدت على كسرى وقيصر والملوك، فما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، والله ما يمدون النظر إليه تعظيماً له، ومع هذا التعظيم مـا جعلوا يوم مولده عيداً واحتفالاً، ولو كان ذلك مشروعاً ما تركوه.

الدليل الحادي عشر: يقولون: ليس كل ما لم يفعله السلف ولم يكن في الصدر الأول بدعة سيئة منكرة، بل يجب عرض هذا المحدث على أدلة الشرع فما اشتمل على مصلحة فهو واجب، أو على محرم فهو محرم، أو على مكروه فهو مكروه، أو على مباح فهو مباح، أو على مندوب فهو مندوب، وللوسائل حكم المقاصد، فالعلماء قسموا البدعة إلى خمسة أقسام:

1. واجبة، كالرد على أهل الزيغ، وتعلم النحو.

2. مندوبة، كإحداث الربط والمدارس والأذان على المنائر.

3. مكروهة، كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف.

4. مباحة، كاستعمال المنخل والتوسع في المأكل والمشرب.

5. محرمة، وهي ما أحدث لمخالفة السنة، ولم تشمله أدلة الشرع العامة ولم يحتو على مصلحة شرعية.

والجواب:

هذا التقسيم للبدعة إلى أحكام الشرع الخمسة قد ردّه جماعة من أهل العلم، قال الشاطبي: �إن هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي، بل هو في نفسه متدافع؛ لأن حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي، لا من نصوص الشرع، ولا من قواعده؛ إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة، ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها أو المخيَّر فيها، فالجمع بين عدِّ تلك الأشياء بدعًا وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها إو إباحتها جمع بين متنافيين�

والمستدل بهذا التقسيم يريد أن يسوي بين البدعة وبين المصالح المرسلة، فلا بد حتى لا يروج هذا التلبيس من توضيح نقاط الاتفاق والاختلاف بين البدعة وبين المصالح المرسلة:

أولاً: نقاط الاجتماع والاتفاق بين البدعة والمصالح المرسلة:

1. أنّ كلاً من البدعة والمصلحة المرسلة مما لم يعهد وقوعه في عصر النبوة.

2. أنّ كلاً من البدعة ـ في الغالب ـ والمصلحة المرسلة خالٍ عن الدليل الخاص المعيَّن؛ إذ الأدلة العامة المطلقة هي غاية ما يمكن الاستدلال به فيهما.

ثانيًا: نقاط الافتراق بين البدعة والمصلحة المرسلة:

1. تنفرد البدعة في أنها لا تكون إلا في الأمور التعبدية، وما يلتحق بها من أمور الدين، بخلاف المصلحة المرسلة؛ فإن عامة النظر فيها إنما هو فيما عُقل معناه، ولا مدخل لها في التعبدات.

2. وتنفرد البدعة بكونها مقصودة بالقصد الأول لدى أصحابها؛ فهم في الغالب يتقربون إلى الله بفعلها، ولا يحيدون عنها، بخلاف المصلحة المرسلة فإنها مقصودة بالقصد الثاني دون الأول، فهي تدخل تحت باب الوسائل؛ لأنها إنما شرعت لأجل التوسل بها إلى تحقيق مقصد من مقاصد الشريعة.

3. وتنفرد البدعة بأنها تؤول إلى التشديد على المكلفين وزيادة الحرج عليهم؛ بخلاف المصلحة المرسلة؛ فإنها تعود بالتخفيف على المكلفين ورفع الحرج عنهم، أو إلى حفظ أمر ضروري لهم.

4. وتنفرد البدعة بكونها مناقضة لمقاصد الشريعة، هادمة لها، بخلاف المصلحة المرسلة، فإنها ـ لكي تعتبر شرعًا ـ لا بد أن تندرج تحت مقاصد الشريعة، وأن تكون خادمة لها، وإلا لم تعتبر.

5. تنفرد المصلحة المرسلة بأن عدم وقوعها في عصر النبوة إنما كان لأجل انتفاء المقتضي لفعلها، أو أنّ المقتضي لفعلها قائم لكن وجد مانع يمنع منه، بخلاف البدعة فإن عدم وقوعها في عهد النبوة كان مع قيام المقتضي لفعلها، وتوفر الداعي، وانتفاء المانع.

فالذي يدخل قضية الرد على أهل الزيغ، وتعلم النحو، وإحداث المدارس والأذان على المنائر، وكتابة المصحف الشريف في البدعة مغالط، يخلط بين البدعة وبين المصلحة المرسلة.

وإذا أردنا أن نعرض بدعة المولد النبوي على هذه الأقسام التي اخترعوها؛ فلن تحتلَّ بعد النظر المنصف على ضوء الكتاب والسنة إلا القسم الخامس.

قال الفاكهي في بدعة المولد: �إما أن يكون واجبًا، أو مندوبًا، أو مباحًا، أو مكروهًا، أو محرمًا، وهو ليس بواجب إجماعًا، ولا مندوبًا؛ لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على من تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون، ولا العلماء المتديِّنون ـ فيما علمت ـ وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت. ولا جائز أن يكون مباحًا؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحًا بإجماع المسلمين، فلم يبق فيه إلا وصفان، والتفرقة بين حالين:

أحدهما: أن يحمله رجلٌ من ماله لأهله وأصحابه وعياله، لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئًا من الآثام، فهذا الذي وصفناه بدعة مكروهة وشناعة؛ إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام سرج الأزمنة، وزين الأمكنة.

والثاني: أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، حتى يعطي أحدهم الشيء وتتبعه نفسه، وقلبه يؤلمه ويوجعه، لما يجد من ألم الحيف، وقد قال العلماء رحمهم الله تعالى: أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف، لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل من الدفوف والشبابات، واجتماع الرجال مع الشباب المرد، والنساء الغانيات، إما مختلطات بهم، أو مشرفات، والرقص بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو، ونسيان يوم المخاف.

وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفرادهنّ رافعاتٍ أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الإنشاء، والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد؛ غافلات عن قوله تعالى: (( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ))[الفجر:14].

وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان، وإنما يحل ذلك بنفوس موتى القلوب، وغير المشتغلين بالآثام والذنوب، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات، لا من الأمور المنكرات المحرمات، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، { بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ } .

الدليل الثاني عشر: يقولون: قوله تعالى: (( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ))[يونس:58] حيث يفسر بعضهم الرحمة هنا بالرسول صلى الله عليه وسلم !

والجواب: الرحمة الواردة في هذه الآية للسلف في تفسيرها أقوال عدَّة، فمما جاء في تفسيرها وقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (بفضل الله: القرآن، وبرحمته: أن جعلكم من أهله)، وقول هلال بن يساف: (أما فضله فالإسلام، وأما رحمته: فالقرآن).

ولم يفهم أحد من السلف أن من مظاهر هذا الفرح ومن مقتضيات امتثال الأمر به إقامة احتفال له صلى الله عليه وسلم ، ومدّ موائد الطعام والشراب، والتوسعة على الناس بهما.

وما الرحمة المشار إليها في قوله تعالى: (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ))[الأنبياء:107] إلا القرآن والسنة اللذان جاء بهما النبي صلى الله عليه وسلم .

فالفرح به صلى الله عليه وسلم يكون باتباع هديه، وامتثال أمره، دعوة وعملاً.

قال ابن كثير في تفسير الآية: يخبر تعالى أن الله جعل محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلّهم، فمن قَبِل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سَعِدَ في الدنيا والآخرة، ومن ردّها وجحدها خسر في الدنيا والآخرة.

 أمّا الاستدلال بالآية على مشروعية الاحتفال بالمولد فهذا بلا شك من قبيل حمل كلام الله على ما لم يحمله عليه السلف الصالح، وهو ما نصّ الشاطبيُّ على عدم مشروعيته؛ وهو أن الوجه الذي لم يثبت عن السلف الصالح العلم بالنص عليه لا يقبل ممن بعدهم دلالة النص عليه.

قال ابن عبد الهادي: �ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو في سنة لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه، ولا بيَّنوه للأمة، فإنّ هذا يتضمن أنّهم جهلوا الحق في هذا، وضلُّوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر، فكيف إذا كان التأويل يخالف تأويلهم ويناقضه؟

ولا شك أن هذا المسلك الذي سلكه هؤلاء المستدلون بالآية على مشروعية إقامة الحفلات والولائم فرحًا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم مسلكُ أهل البدع والضلالة، قال الشاطبي: �وكثيرًا ما تجد أهل البدع والضلالة يستدلون بالكتاب والسنة يُحمِّلونهما مذاهبهم، ويعبرون بمشتبهاتهما في وجوه العامة، ويظنون أنهم على شيء، ولذلك أمثلة كثيرة، كالاستدلالات الباطنية على سوء مذاهبهم بما هو شهير في النقل عنهم�

أقوال العلماء

1-  هل يمكن أن نستعرض موقف العلماء من هذه البدعة، بعد أن ثبت لدينا أنها لا أصل لها في دين الله تعالى:

فممن أنكر الاحتفال بهذه المناسبة:

- شيخ الإسلام ابن تيمية في �اقتضاء الصراط المستقيم�، في �اقتضاءالصراط المستقيم� (2 / 61) : ( لم يفعله السلف، مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضا، أو راجحاً لكان السلف ي أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله لى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنّته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان) اهـ.

-  والإمام الشاطبي في �الاعتصام�.

- وابن الحاج المالكي الأشعري في �المدخل�، (فإن خلا ـ أي عمل المولد ـ منه ـ أي من السماع ـ وعمل طعاما فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره ـ أي من المفاسد ـ فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ إن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً.

- لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعظيما له ولسنته صلى الله عليه وسلم ، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم، وقد علم ان إتباعهم في المصادر والموارد... الخ).

و يقول أيضا لافتا النظر إلى أمر مهم: يقول ابن الحاج في المدخل (2/15) : �ثم العجب العحيب كيف يعملون المولد للمغاني والفرح والسرور لأجل مولده عليه الصلاة والسلام كما تقدم في هذا الشهر الكريم وهو عليه الصلاة والسلام فيه انتقل إلى كرامة ربه عز وجل وفجعت الأمة فيه وأصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبداً فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير وانفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به...�. اهـ وقد أجاب السيوطي على هذا فقال: حيث قال ما نصه: (إن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم، ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم، والصبر والسكون عند المصائب، وقد أمة الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود، ولم يأمر عند الموت بذبح (عقيقة) ور بغيره، بل نهى عن النياحة وإظهار الحزع، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته، وقد قال ابن رحب في كتابه (اللطائف) في ذم الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتما لأحل مقال الحسين، ولم يأمر الله ور رسوله صلى الله عليه وسلم باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف ممن هو دونهم)).

و أنا أعجب فعلا لمثل هذا الجواب، الذي لا يخلو من تكلف، وتعصب للرأي، فنحن لا ندعو لهذا ولا إلى ذاك ولكن هل يليق إظهار الفرح في ساعة الحزن، هل يقبل الواحد منا هذا على أبيه مثلا، أن نحتفل كل سنة في نفس اليوم الذي مات فيه أبوك، بحجة أنك أو أنه هو ولد أو نجح في مثل هذا اليوم واظهار الفرح أولى من إظهار الحزن؟ ثم نكرر الاحتفال كل سنة؟ هل هذا الكلام مقبول؟

-  والشيخ تاج الدين علي بن عمر اللخمي ألف في إنكاره كتاباً مستقلاً.

- العلامة الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني له رسالة بعنوان (المورد في الكلام على عمل المولد). وهو عالم مالكي المذهب ت بالإسكندرية سنة 734هـ في �المورد في عمل المولد� (ص20 ـ 21) : (لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة)

-  والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه �صيانة الإنسان�،

-  والسيد محـمـــــد رشيد رضا ألف فيه رسالة مستقلة،

-  الشيخ العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية.

-  الشيخ على محفوظ في كتابه الإبداع في مضار الابتداع

- الشيخ أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي وهو من علماء الهند (أنظر رسالة الشيخ حمود التويجري ص235 ط. العاصمة ضمن المجموع في الرسائل الخاصة ببدعة المولد

-  الشيخ بشير الدين القنوجي وهو من علماء الهند وهو شيخ أبي الطيب (المصدر السابق

-  والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ألف فيه رسالة مستقـلـة،

-  وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وغير هؤلاء

- وألف الشيخ إسماعيل الأنصاري رسالة ضخمة بما يقارب (600) صفحة وذكر أن الاحتفال بالمولد بدعة، وردّ على معظم الشبه التي يثيرها أدعياء هذه البدعة في رسالته �القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل�.

-  والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه �صيانة الإنسان�.

ومع ذلك يقول بعض المتعصبين للمولد (عبد المنعم بن الصديق) :

 وما ظهر من بعض الجهلة المتطفلين على مائدة العلم من إنكار الاحتفال بذكرى ليلة المولد الشريف، هو من قبيل الجهل المنسوب لصفتهم وينبغي أن يعرض العاقل عن كلامهم ولا يلتفت إليه مطلقا لأنه صادر عن جهل منهم بقواعد العلم المعتبرة عند الأئمة، إضافة إلى فساد ضميرهم وضعف عقيدتهم

 ويقول آخر: حثالة ليس لها غرض إلا التفريق بين المسلمين وإشعال نار الفتن بينهم، في الوقت الذي نحن فيه بحاجة إلى جمع شتاتهم

-  ومن المؤيدين للمولد:

-  الامام السيوطي، له رسالة بعنوان: حسن المقصد في عمل المولد

-  ابن حجر، حيث وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم ينقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك فقد اشتملت على محاسن وضدها فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا.

-  الإمام الحافظ شمس الدين ابن الجزري.

-  الإمام الحافظ ابن الجوزي:

حيث قال في المواد الشريف: إنه أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام

- الأمام الشهاب أحمد القسطلاني (شارح البخاري).

- السخاوي، حيث يقول: �ولو لم يكن في ذلك إلا إرغام الشيطان وسرور أهل الإيمان من المسلمين لكفى، وإذا كان أهل الصليب اتخذوا مولد نبيهم عيداً أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر فرحم الله امرءاً اتخذ ليالي هذا الشهر المبارك وأيامه أعياداً لتكون أشد علة على من في قلبه أدنى مرض وأعيا داء�

-  ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابين أحدهما اسمه المورد الصاوي في مولد الهادي وجامع الآثار في مولد المختار

- العراقي صاحب ألفية الحديث واسم كتابه: المورد الهني في المولد السني

- ملا علي قاري في كتابه المورد الروي في المولد النبوي

و نحن لا ننكر الخلاف في حكم المولد بين علماء الإسلام ولا يعني هذا أن الأمر لوجود الحلاف فيه أصبح مباحا وسائغا ويتجرأ الناس عليه، بل إن هذا يوجب على المرء أن يتحرى لدينه ويحرص على الأصح والأصوب، أقول هذا لأن بعض المتجنين على علماء السنة والاتباع يقولون: إنهم ينكرون الخلاف ولا يخبرون الناس بمن قال بمشروعية المولد من العلماء، وأكتفي هنا بنقل كلام العلامة شيخنا ابن باز رحمه الله وفيه غاية الإنصاف والعدل والعلم والوضوح حيث يقول رحمه الله: وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها؛ عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها.

وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات؛ كالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكاختلاط النساء بالرجال، واستعمال آلات الملاهي، وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر، وظنوا أنها من البدع الحسنة.

والقاعدة الشرعية: رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم

كما قال الله عز وجل: ((يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً))، وقال تعالى: ((وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله)).

وقد رددنا هذه المسألة ـ وهي الاحتفال بالموالد ـ إلى كتاب الله سبحانه، فوجدنا يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه، وقد رددنا ذلك ـ أيضاً ـ إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنه فعله، ولا أمر به ولا فعله أصحابه ي، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين، بل هو من البدع المحدثة، ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم.

وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام، بل هو من البدع المحدثات التي أمر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم بتركها والحذر منها.

استغلال المولد

هناك أشكال متعددة لاستغلال المولد ومنها:

1- الاستغلال السياسي: ويذكر المؤرخ �عبد الرحمن الجبرتي� الذي عاش في زمن الحملة الفرنسية على مصر أن �نابليون بونابرت� اهتم بإقامة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنة 1213هـ 1798م، من خلال إرسال نفقات الاحتفالات وقدرها (300) ريال فرنسي إلى منزل الشيخ البكري (نقيب الأشراف في مصر) بحي الأزبكية، وأُرسلت أيضًا إليه الطبول الضخمة والقناديل.. وفي الليل أقيمت الألعاب النارية احتفالاً بالمولد النبوي، وعاود نابليون الاحتفال به في العام التالي لاستمالة قلوب المصريين إلى الحملة الفرنسية وقوادها.

 واسمع إلى ما يحدثنا به المؤرخ المصري الجبرتي في كتابيه عجائب الآثار (2/249، 201) ومظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس (ص:47).

تحدث وذكر أن المستعمرين الفرنسيين عندما احتلوا مصر بقيادة نابليون بونابرت انكمش الصوفية وأصحاب الموالد فقام نابليون وأمرهم بإحيائها ودعمها.

قال في مظهر التقديس: �وفيها (أي سنة 1213هـ في ربيع الأول) : سأل صاري العسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه كعادتهم فاعتذر الشيخ البكري بتوقف الأحوال وتعطل الأمور وعدم المصروف فلم يقبل وقال (لابد من ذلك) واعطى الشيخ البكري ثلاثمائة ريال فرانسة يستعين بها فعلقوا حبالا وقناديل واجتمع الفرنسيس يوم المولد ولعبوا ودقوا طبولهم وأحرقوا حراقة في الليل وسواريخ تصعد في الهواء ونفوطاً�.

ولعل سائلا يسأل: ما هدفهم من تأييد ودعم مثل هذه البدع وهذه الموالد؟

ندع الجواب للمؤرخ الجبرتي المعاصر لهم حيث يقول في تاريخ عجائب الآثار (2/306) :

�ورخص الفرنساوية ذلك للناس لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات�.

2- الاستغلال الطائفي المذهبي: حيث يستغله البعض لنشر عقائده الفاسدة وتسويقها على العامة:

وقال الدكتوران حسن إبراهيم حسن مدير جامعة أسيوط سابقا وطه أحمد شرف مفتش المواد الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم في كتابهما �المعز لدين الله� (ص284) تحت عنوان �الحفلات والأعياد�: وكذلك كان المعز لدين الله يستغل هذه الأعياد التي كان زخر بها عهده في نشر خصائص المذهب الإسماعيلي وعقائده!! لذلك كان يحتفل بيوم عاشوراء ليحيي فيها ذكرى الحسين ا، كما كان يحي ذكرى مولد كثير من الأئمة، وذكرى مولد الخليفة القائم بالأمر، وهكذا اتخذ المعز من الاحتفال بهذه الأعياد وسيلة لجذب رعاياه إليه ونشر مبادئ المذهب الإسماعيلي) اهـ

 ومن ذلك: أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون (15 ـ 16) : (( ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ))[المؤمنون:15-16].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة، وأنا أول شافع، وأول مُشَفَّعٍ } عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.

فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث، كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم

- 3- الاستغلال الشهواني: يقول السيد رشيد رضا في المنار (2/74) : فالموالد أسواق الفسوق فيها خيام للعواهر وخانات للخمور ومراقص يجتمع فيها الرجال لمشاهدة الراقصات المتهتكات الكاسيات العاريات ومواضع أخرى لضروب من الفحش في القول والفعل يقصد بها إضحاك الناس.... (إلى أن قال) : فلينظر الناظرون إلى أين وصل المسلمون ببركة التصوف واعتقاد أهله بغير فهم ولا مراعاة شرع اتخذوا الشيوخ أنداداً وصار يقصد بزيارة القبور والأضرحة قضاء الحوائج وشفاء المرضى وسعة الرزق بعد أن كانت للعبرة وتذكرة القدوة وصارت الحكايات الملفقة ناسخة فعلا لما ورد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على الخير ونتيجة لذلك كله؛ أن المسلمين رغبوا عما شرع الله إلى ما توهموا أنه يرضي غيره ممن اتخذوهم أنداداً وصاروا كالإباحيين في الغالب فلا عجب إذا عم فيهم الجهل واستحوذ عليهم الضعف وحرموا ما وعد الله المؤمنين من النصر لأنهم انسلخوا من مجموع ما وصف الله به المؤمنين ولم يكن في القرن الأول شيء من هذه التقاليد والأعمال التي نحن عليها بل ولا في الثاني ولا يشهد لهذه البدع كتاب ولا سنة وإنما سرت إلينا بالتقليد أو العدوى من الأمم الأخرى، إذ رأى قومنا عندهم أمثال هذه الاحتفالات فظنوا أنهم إذا عملوا مثلها يكون لدينهم عظمة وشأن في نفوس تلك الأمم فهذا النوع من اتخاذ الأنداد كان من أهم أسباب تأخر المسلمين وسقوطهم فيما سقطوا فيه�. أ. هـ

4-   الاستغلال التجاري:

و له صور متعددة فرق الانشاد ينالها النصيب الأوفر من مثل هذه المواسم وغيرها وتجار الحفلات والشكات السياحية أو السياحة الدينية كما يسمونها وغير ذلك كثير..

 5- وهناك صور أخرى من الاستغلال من أسوأها: التنفير من أهل السنة والاتباع باتهمامهم بتكفير من يقيمون الموالد كقول بعضهم: قال راشد المريخي في �إعلام النبيل� (ص17 ـ) : ( وإذا احتفل أحد بليلة مولده صلى الله عليه وسلم تعظيما له وإقامة لأبهة الإسلام.. قالوا: هذا مشرك � فنعوذ بالله من ناشئة تكفر الأمة بمدح النبي صلى الله عليه وسلم أو الاحتفال بمولده) انتهى باختصار.

 قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ في �مجموع فتاوى ومقالات متنوعة�‏ (2/380 (كتبت منذ أيام مقالاً يتضمن جواب سؤال عن حكم الاحتفال بالمولد، وأوضحت فيه أن الاحتفال بها من البدع المحدثة في الدين. وقد نشر المقال في الصحف المحلية السعودية وأذيع من الإذاعة. ثم علمت بعد ذلك أن إذاعة لندن نقلت عني في إذاعتها الصباحية أني أقول بأن الاحتفال بالموالد كفر. فتعين علي إيضاح الحقيقة للقراء فأقول إن ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية في إذاعتها الصباحية في لندن منذ أيام عني أني أقول بأن الاحتفال بالموالد كفر، كذب لا أساس له من الصحة وكل من يطلع على مقالي يعرف ذلك. وإني لآسف كثيراً لإذاعة عالمية يحترمها الكثير من الناس ثم تقدم هي أو مراسلوها على الكذب الصريح. وهذا بلا شك يوجب على القراء التثبت في كل ما تنقله هذه الإذاعة خشية أن يكون كذباً كما جرى في هذا الموضوع... الخ

 وقال الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله في�الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف� (ص76) : إن مثل هذه البدعة ـ أي بدعة المولد النبوي- لا تكفر فاعلها ولا من يحضرها، ووصم المسلم بالكفر والشرك أمر غير هين.

3 ـ وقال أيضا (ص 5) من المصدر السابق: (يشاع بين المسلمين أن الذين ينكرون بدعة المولد هم أناس يبغضون الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يحبونه، وهذه جريمة قبيحة كيف تصدر من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ إذ بغض الرسول صلى الله عليه وسلم أو عدم حبه كفر بواح لا يبقى لصاحبه أية نسبة إلى الإسلام والعياذ بالله تعالى) اهـ.

النتائج

   وبهذا يتبين لنا بطلان عمل المولد بطلان عيد المولد من وجوه

1- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه لما جاء المدينة وعندهم أعياد أبطلها وقال: { عيدنا أهل الإسلام عيد الفطر وعيد الأضحى } .

2- أن النصوص تنهى عن البدعة وتصفها بأنها ضلالة { وكل بدعة ضلالة } .

3- ولذلك أبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعياد أهل الجاهلية.

4- أنها من ابتداع الروافض أعداء الإسلام، وهم أهل البدع وبناء القباب والمساجد على القبور.

5- عدم فعل أحد من السلف الصالح لهذه البدعة مع أنهم أكمل إيماناً وأفهم للنصوص وأي شيء يُتدين به ولم يكن من علم السلف فليس بدين بل بدعة محدثة.

6- ضعف الأدلة التي احتج بها الداعون إلى المولد وعدم صلاحيتها لاثبات شرعيته، بل إنها تدل على عكس ذلك عند التأمل.

 

وقفة قبل الختام

4- لماذا الحديث عن المولد؟ مع أن امتنا تمر بظروف عصيبة وتحيط بها فتن وأزمات كبيرة وتتخبط في متاهات عدة، وتعيش بين فقر ومرض وجهل في كثير من جهات، الحديث عن المولد رغم أن أراضي المسلمين تحتل وأعراضهم تهتك وثرواتهم تنهب وأطفالهم يجوعون، الحديث عن المولد رغم التلخف التقني والحضاري وانتشار الأمية وغيرها من الأمراض والأدواء والعلل، ورغم ذلك يصر الكثير من المتعصبين على تشتيت جهود الأمة وتفريق كلمتها واتاحة الفرصة لأعدائها بالدعوة إلى أمور أقل ما يقال عنها أنها محل خلاف يعرفونه، ومبتوتة الأصل، معزولة عن هدي وعمل خير القرون بإجماع جميع المسلمين من المؤيدين والرافضين لهذه الفكرة، لماذا الإصرار على مثل هذه الأفكار؟ ألا يمكن لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تجد في هديه وسنته وسيرته ودعوته وطريقة أصحابه ما يكفيها لماذا يراد للأمة تنشغل بهذه القضايا الجانبية عن قضاياها المصيرية، لماذا تنفق ملايين الريالات على هذه الاحتفالات وأطفال فلسطين مهددين بالجوع وقطع المعونات؟ لماذا تملأ الموائيد بأصناف الأطعمة من كل ما لذ وطاب وتنشد عليها الأناشيد وتهز الرؤوس ونساء العراق يبكين الأب والابن والزوج المفقود والمقتول والغائب؟ لماذا التهاون بكل هذه الجراح؟ والإصرار على اقامة هذه الموالد والأفراح في وقت غابت فيه السنة أو كادت عن واقع الناس إلا من رحم الله؟ أين دعاة التجديد والتطور والابداع عن مثل هذه البدع والمحدثات؟ لماذا يطالبون بالتجديد في أحكام ثابتة بالكتاب والسنة ويتمردون على آداب أصيلة وسننة قويمة بحجة التجديد وموافقة العصر والتغيير، حتى إذا جاءت البدع والمنكرات سكتوا وصمتوا وصموا آذانهم؟ بل شاركوا ودعموا وأيدوا؟ من هو المستفيد من كل هذا؟ هل هذا هو حق المسلمين المخلصين المحبين لرسولهم صلى الله عليه وسلم على دعاتهم وعلمائهم أن سكتوا عن مثل هذا الأخطاء ويؤيدوها ويجاملوا على حساب دينهم ويتركوا النصح لهم والأخذ بأيديهم إلى ما يقربهم ويدنيهم من نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو طاعته وابتاع سنته وحبه والاقتداء به كما قال سبحانه (( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ))[النساء:69]، وكما قال نبيه ص: المرء يحشر مع من أحب

وفي الختام:

 وهذه دعوة صادقة أوجهها في ختام هذا اللقاء الطيب لكل مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر، يوقن بأنه سيقف بين يدي ربه فيسأله عن كل صغيرة وكبيرة، دعا أو سيدعو الناس إلى بدعة يعتقدها حسنة أو يظن بها نفعاً لنفسه أو لأمته، أن يستعد لسؤال المولى جل وعلا: (( قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ))[يونس:59]، وأن يتخلص من التعصب وينزع لباس الهوى ويتخلص من قيد المألوف، ولا يقبل على أي قول أو عمل شاهدا إلا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، مع إحسان الظن بالعلماء والصالحين، إحساناً نحفظ به أعراضهم وندعو به لهم: (( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ))[الحشر:10]، وليصدق قوله في جمع الكلمة ونبذ الفرقة بفعله في دعوة الناس للمتفق عليه، الثابت دليله الواضح سبيله، (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ))[آل عمران:64].

 وفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم كفاية وهداية لكلمن يطلبها لنفسه وأمته، { ومن رغب عن سنتي فليس مني } .

 ودعونا جميعا نلهج بهذا الدعاء دائماً: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم

و الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين..

كتــاب الله عز وجل قولي     وما صحت به الآثار ديني

فدع ما صدّ عن هذي وخذها  تكــن منها عــلى عين اليقين

 

صالح بن بخيت بن سالم مولى الدويله

يوم الأحد الموافق (11) ربيع الأول

لعام (1427هـ)

في إذاعة الرياض