الرئيسة - الاحتفال بالمولد النبوي - دعني أحتفل بالمولد
 

بسم الله الرحمن الرحيم

* دعني أحتفل بالمولد *

* كتبها: محمد بن عبد الله المقدي *

دعني أحتفل بالمولد... هكذا قالها بضيق.. ثم أردف قائلاً: لماذا لا تحتفل بالمولد؟ ألا تحب رسول الله؟... ألا ترى فضله عليك؟ لماذا تعاند؟.. كان هذا جزءاً من الحوار الذي دار بين محب وسعيد.. ولكن دعونا نبدأ القصة من أولها...

كان محب مرتحلاً عن قريته الصغيرة إلى العاصمة؛ ليستكمل إجراءات الحج لهذا العام، ركب القطار وهو يتمتم: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون).

ابتسامة عريضة تعلو محياه، والفرحة لا تسعه، هاهو أخيراً سيقوم بفرض الحج، وسيزور المشاعر، كم يشتاق لرؤية الكعبة المشرفة بردائها الأسود، وتطريزاتها المذهبة.. لقد رآها كثيراً في التلفاز، ولكنه أخيراً سيراها رأي العين، إنه يتخيل نفسه بالإحرام بين جموع المسلمين يدعو ربه.. لابد أن يقبل الحجر الأسود، ويشرب من ماء زمزم، إنه يريد أن يرى الصفا والمروة والمشعر الحرام!

السلام عليكم... السلام عليكم... السلام عليكم..

بدا كأن محباً يسمع مسلماً -وهو يهيم في أفكاره وآماله الجميلة- التفت فإذا برجل يبدو من مظهره أنه في آخر الأربعينات.. هاهو سيجاوره مقصورته؛ تمتم قائلاً: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

رحب به وأفسح له المكان.

جلس سعيد -وهذا اسم الرجل- وقال لمحب: أين كنت تفكر؟ لقد سلمت عليك ثلاث مرات ولم ترد.

اعتذر محب بخجل وقال: لقد كنت أفكر في بعض الأمور.

قال سعيد وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة عريضة: لا تزال صغيراً، فلم تحمل الهموم منذ الآن؟

ابتسم محب وقال: إني أنوي الحج وقد كنت أفكر في هذه الرحلة.

سعيد: ما شاء الله.. نويت الحج؟.

غمغم محب: إن شاء الله.

سعيد: إذن لا تنسنا من الدعاء، تلك الأماكن كم يشتاق المرء للذهاب إليها مرات أخرى.. هكذا تمتم سعيد.

ساد صمت قصير قطعه سعيد بقوله: الحمد لله أنا حججت ثلاث مرات، واعتمرت أربع مرات، وزرت النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، والحمد لله أولاً وآخراً.

قال محب: تقصد أنك زرت المسجد النبوي وبعد ذلك زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم!

أجاب سعيد: لا. لقد سافرت من مكة إلى المدينة لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في شهر ربيع، إني أتذكر تلك الرحلة جيداً، لقد كانت رحلة مليئة بالعواطف الجياشة في حضرة الحبيب عليه الصلاة والسلام، لقد قرأنا المولد، وكانت جلسات نشعر فيها بروح الحبيب عليه الصلاة والسلام.

قال محب معترضاً: ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى}.

وهذا الحديث صحيح وواضح فيه أنه يقصر السفر وشد الرحال لهذه المساجد فقط، ولا يجوز لغيرها بدلالة هذا الحديث.

وأيضا المولد الذي ذكرته لا يجوز، ففعله بدعة.

سعيد مستنكراً: بدعة! أإظهار محبتنا لحبيبنا بدعة؟! أليس الفرح بمولده يعد شكراً لله لأنه هدية الله للبشرية والنعم تقتضي الشكر، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء قال: {ما هذا اليوم الذي تصومون؟ قالوا: هذا يوم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منكم}، فصامه وأمر بصيامه..

وإن ميلاد هذا النبي من أكبر النعم، وهي تقتضي الشكر، فاحتفالنا بمولده هو من الشكر على هذه النعمة..

هنا بدأ القطار في التحرك وهو يصدر نفيراً عالياً، ساد صمت قصير.

أتبعه محب بقوله: لا شك أن بعثة رسول الله هي رحمة الله للعالمين.

قال سعيد معانداً: بل مولده هو النعمة.. ثم أردف.. وكذلك بعثته نعمة، لا بأس من الممكن أن نحتفل بالبعثة والمولد، في أي شهر بعث رسول الله؟

رفع محب حاجبيه منكراً: لا ليس هذا ما أريد، بل إن الاحتفال بالمولد لا يجوز فكيف تضم إليه بدعة أخرى؟!

سعيد: بدعة أخرى! أنا أريد أن أشكر الله على هذه النعمة بإقامة المولد، وهو شيء بسيط نقدمه لجناب النبي عليه الصلاة والسلام.

محب: لا شك أن النعم تستوجب الشكر عليها، والنعمة الكبرى على هذه الأمة هي بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وليس مولده، إذ القرآن لم يشر إلى المولد، ولم يهتم به وإنما أشار إلى بعثته صلى الله عليه وسلم على أنها نعمة ومنة من الله تعالى، قال جل وعلا: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) [آل عمران: 164]، وقال جل شأنه: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)) [الجمعة:2]. وهذا هو الشأن في جميع الرسل، فإن العبرة ببعثتهم لا بمولدهم كما قال تعالى: ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ)) [البقرة:213]، وقال تعالى: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)) [النحل:36]، فلو كان الاحتفال جائزاً لكان الأولى به ذكرى بعثته صلى الله عليه وسلم، وليس مولده، وصوم الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وهو مشرِّع ومبلغ عن ربه لا يجوز لنا أن نقيس عليه فنبتدع، إذ المطلوب منا أن نتبع ولا نبتدع.

سعيد: بدعة ولا يجوز ما هذا التخريف؟! أتقول أن فرحنا بحبيبنا صلى الله عليه وسلم بدعة ولا يجوز؟!

دعني أحتفل بمولد حبيبي.

محب: أنا لم أقل هذا، بل محبته واجبة، ولكن دليل محبته اتباعه، وصحابته هم خيرنا ويحبونه أكثر منا أليس كذلك؟!

سعيد: بلى.

محب: فلماذا لم يحتفلوا بميلاده كل تلك العصور؟!

سعيد: صحيح أن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لم يحتفلوا، وذلك لقرب عهدهم بالرسول صلى الله عليه وسلم، وليسوا في حاجة إلى الاحتفال لهذا السبب..

محب: يا أخي!

إن بعد المسافة الزمنية بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبرر الإحداث في دين الله ما ليس منه، وما دام أن هذه القرون الثلاثة المفضلة -وهم أفضل القرون إلى يوم القيامة- لم يحتفلوا مع كونهم أشد حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ممن بعدهم فإن الصواب أن نترسم خطاهم لننال المحبة الحقيقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهم على الحق يقيناً..

ألا ترى أنك ليس لك حتى دليل واحد على ما تدعيه!

سعيد: بل لدي الدليل، قال ابن الجزري: رئي أبو لهب في المنام فقيل له: كيف حالك؟ قال: في النار، ولكنه يخفف عني كل ليلة اثنين؛ لأنني فرحت بمولد الرسول وأعتقت جاريتي ثويبة. فما دام هذا حال كافر استفاد بسبب فرحه بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف حال من يفرح ويحتفل بمولده كل عام وهو مسلم يعبد الله؟ !.

محب: أهذا دليل؟!

قالها محب بتعجب ثم أردف:

لم أر دليلاً أوهى من هذا الدليل، فالرائي مجهول، والمرئي المخبر كافر، ومتى كانت الأحلام دليلاً على إثبات حكم شرعي؟!

سعيد: حسناً أعترف أن هذا الدليل ضعيف، ولكن هل تمنعون ذكر الله، وقراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؟!.

محب: لا نمنع ذكر الله، ولا قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل نحبذه وإنما نمنع تخصيص ذلك بيوم في السنة من غير مخصص..

سعيد: يا أخي! ألا يعتبر المولد سنة حسنة، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة}..

محب: إن السنة الحسنة تكون فيما له أصل في الشرع، كالصدقة التي هي سبب ورود الحديث، فقد ثبت أن قوماً قدموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهم في حالة يرثى لها من الحاجة والفاقة، فحث الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه على التصدق لهؤلاء القوم وجاء رجل بصرة من الدراهم عجزت عن حملها يده، فتسابق القوم إلى التصدق مقتدين بهذا الرجل، وعندها قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، وأما الاحتفال بالمولد فهو بدعة أحدثت بعد مضي القرون المفضلة، وكل بدعة ضلالة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سعيد: إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار}، لا يدل على أن جميع البدع ضلالة؛ لأن (كل) ليست تشمل الجميع، ومن العلماء من قال: تنقسم البدعة إلى: بدعة حسنة، وبدعة سيئة، ومنهم من قال: إن البدعة تنقسم إلى: بدعة واجبة، وبدعة مستحبة، وبدعة مباحة، وبدعة مكروهة، وبدعة محرمة.

محب: إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظاهره، وهو يدل على أن جميع البدع في الدين ضلالة بدون استثناء؛ لأن (كل) تفيد الاستغراق أي: استغراق جميع الأفراد، خاصة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم عليها أداة التحذير: {وإياكم ومحدثات الأمور}، فهل يمكن مع كل هذا أنه يريد البعض؟ !.

يا أخي! إذا كان قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد أن جميع البدع ضلالة بقوله: {وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار}، فأي عبارة ترونها أبلغ من هذا للدلالة على رفض البدع كلها؟! وأما قول من قال من العلماء: إن البدعة تنقسم إلى بدعة حسنة، وبدعة سيئة أو قول من قال: إن البدع تنقسم حسب الأحكام الخمسة، فهذه الأقوال تتعارض مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل نأخذ بأقوالهم أم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم؟

أعتقد أنه لا يمكن لمسلم أن يقدم قول أي إنسان- مهما كان هذا الإنسان- على قول المصطفى المعصوم صلى الله عليه وسلم..

انظر إلى هذه المروج الخضراء الجميلة، ودعنا من هذا النقاش.. هكذا قال سعيد محاولاً تغيير الموضوع.

تبسم محب، وأخرج ورقة، وبدأ يكتب فيها مستغرقاً وقت الرحلة المتبقي، وقبل نزوله دس الورقة في يدي سعيد وفارقه مودعاً.

فض سعيد الورقة وبدأ يقرأ.

الأخ المحترم /سعيد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكرك على حسن خلقك، وأردت من هذه الورقة الصغيرة أن أبين لك بعض الأمور:

1-لماذا لم يقم النبي صلى الله عليه وسلم المولد طيلة حياته؟.

2- لماذا لم يقم أصحابه بالمولد وكذا ومن جاء بعدهم من العلماء؟ هل نحن نحبه أكثر منهم؟

3- إذا لم تقم بالمولد هل يدل ذلك على خلل في محبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟

4- أتظن أن رسول الله يرضى أن تضرب الدفوف في يوم مولده؟

5- هل تأملت أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في نفس اليوم الذي تحتفل فيه بمولده؟! فالحزن أولى من الفرح، ومع هذا لم يأمرنا رسول الله بالفرح ولا بالحزن فلماذا لا نتبعه؟

أخيراً.. إذا توفاك الله وأنت بين رقص وضرب دف، ولقيت الله، بماذا ستجيبه حين يسألك عن إقامة المولد؟

هل ستقول له: وجدت جماعتي وعشيرتي يقيمونه فأقمته؟!

أم هل ستقول: رأيت فلاناً وفلاناً يفعله ففعلته من غير دليل ولا حجة ولا برهان؟

قال الله تعالى: ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)) [الشورى:21]، فالمولد لم يأذن به الله.

غفر الله لك! إني والله مشفق عليك فاتق الله.. اتق الله.. وأعد للسؤال جواباً.

قرأ سعيد الرسالة بتأمل، وشعر أنه أسقط في يده... نعم بماذا يجيب الله إذا سأله عن المولد؟!

لقد اعتاد على إقامة المولد منذ صغره... ولكن هذا لا يعد دليلاً.

ولكني أظهر محبتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بإقامة المولد...

ولكن لماذا لم يدلنا على ذلك رسول الله إذا كان يحب منا إقامته؟

لماذا لم يفعله أصحابه من بعده، وهم أشد حبا له منا؟

أحس أن الأرض تدور به، جلس في مكانه، وعاهد نفسه ألا يقوم بأي أمر ديني إلا بدليله؛ حتى إذا سأله الله يستطيع إجابته.