الرئيسة - الاتباع دليل المحبة - متابعة النبي صلى الله عليه وسلم
 

بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فمن شروط قبول العبادة التي يتقرب بها إلى الله شرطان أساسيان لابد من الإتيان بهما أولهما: الإخلاص لله، وثانيهما: متابعة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الفضيل بن عياض رحمه الله : (إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً؛ لم يُقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يُقبل، والخالص إذا كان لله عز وجل، والصواب إذا كان على السنة).

وقال الإمام ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" (1/572) عند تفسير قوله تعالى: ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ))[النساء: 125]: ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ)) أي: أخلص العمل لربه عز وجل، فعمل إيماناً واحتساباً ((وَهُوَ مُحْسِنٌ)) أي اتبع في عمله ما شرعه الله له وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق، وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما، أي: يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون متابعاً للشريعة، فيصح ظاهره بالمتابعة، وباطنه بالإخلاص، فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد... إلخ).

والأدلة على هذين الشرطين كثيرة: فمن أدلة وجوب إخلاص العبادة لله قوله تعالى: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ))[البينة:5].

وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر؛ ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له، فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا شيء له) ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً،وابتغي به وجهه} رواه النسائي.

ومن أدلة وجوب متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم: قوله تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))[آل عمران:31] .

وقال تعالى: ((وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ))[الأعراف:158] .

وروى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أنه قال: {جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا بها، كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا؛ فأنا أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله؛ إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني}  .

وقد صح عن معاوية رضي الله عنه أنه كان يستلم أركان الكعبة الأربعة، فقال له ابن عباس رضي الله عنه: (إنه لا يستلم هذان الركنان، فقال معاوية: ليس شيءٌ من البيت مهجوراً) رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد.

 وزاد أحمد: فقال ابن عباس رضي الله عنهما: (((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ))[الأحزاب:21] فقال معاوية رضي الله عنه: صدقت).

(ولا أدل على ذلك من قصة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما جاء إلى أولئك القوم المتحلقين في المسجد، ومعهم حصى، يعدون بها التكبير والتهليل والتسبيح، فقال لهم رضي الله عنه: (فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامنٌ أن لا يضيع من حسناتكم شيءٌ، ويحكم يا أمة محمدٍ! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرونَ، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملةٍ أهدى مِن ملةٍ محمدٍ أو مفتتحو باب ضلالةٍ.

قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن؛ ما أردنا إلا الخير.

قال: ‏وكم من مريدٍ للخيرِ لن يصبه) رواه الدارمي في "سننه" (1/68-69) وأبو نعيم وغيرهما، وسنده صحيح.

قلت: فهذه قصة جليلة، ترى فيها بجلاء كيف كان علماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم يتعاملون مع العبادات بوسائلها ومقاصدها ونيات أصحابها، وبيان ذلك فيما يلي:

 أ - قوم يذكرون الله تعالى: تكبيراً، وتهليلاً، وتسبيحاً.

 ب - استعملوا في ذكرهم حصى كـ(وسيلة) لعد هذا التكبير والتسبيح.

 ج - نياتهم في عملهم هذا حسنة، يريدون به عبادة الله، وذكره، وتعظيمه.

 د - ومع ذلك؛ أنكر عليهم ابن مسعود هذا العمل ضمن هذه الوسيلة؛ لأنه لم يعهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ رغم وجود المقتضي له في عصره.

 هـ- رتب على عملهم المحدث هذا الإثم لمخالفتهم السنة، ومواقعتهم البدعة.

 و- لم يجعل رضي الله عنه حسن نياتهم سبيلاً للتغاضي عن عملهم، أو دليلاً على صحة فعلهم، إذ النية الحسنة لا تجعل البدعة سنة، ولا القبيح حسناً، بل لا بد أن يكون مع النية الحسنة والإخلاص: موافقة للسنة، ومتابعة للسلف.

وعن سعيد بن المسيب رحمه الله : (أنه رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثرَ من ركعتين، يكثر فيهما الركوع والسجود، فنهاه! فقال: يا أبا محمد! يعذبني الله على الصلاة؟

قال: لا ولكن يعذبك على خلاف السنة).

قال الألباني رحمه الله في"الإرواء" (2/236): "وهذا من بدائع أجوبة سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى، وهو سلاح قوي على المبتدعة الذين يستحسنون كثيراً من البدعِ باسم أنها ذكر وصلاة، ثم ينكرون على أهل السنة إنكار ذلك عليهم، ويتهمونهم بأنهم ينكرون الذكر والصلاة!! وهم في الحقيقة إنما ينكرون خلافهم للسنة في الذكر والصلاة ونحو ذلك" اهـ.

وقال رجل للإمام مالك: (يا أبا عبد الله من أين أحرم؟

قال: من ذي الحلَيفة، من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر.

قال: لا تفعل؛ فإني أخشى عليك الفتنة.

فقال: وأي فتنة في هذه؟! إنما هي أميال أزيدها!!

قال: وأي فتنةٍ أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلةٍ قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قال تعالى: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))[النور:63)] .

فهذه الأدلة تدل على أن إخلاص أولئك في نيتهم لم يمنع الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين ومن تبعهم من الإنكار عليهم بسبب عدم متابعتهم في أعمالهم تلك للرسول صلى الله عليه وسلم. 

والحمد لله رب العالمين