الرئيسة - منكرات المولد - منكرات الاحتفال بالمولد
 

بسم الله الرحمن الرحيم

منكرات الاحتفال بالمولد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:

فإن الناظر إلى الاحتفالات بالموالد التي تقام في زماننا ليرى عجباً عجاباً!!

مفاسد ومنكرات.. ومعاص ومخالفات.. ولهو وطرب، ومزامير وأغانٍ ملهيات..

يا عصبةً ما ضر أمة أحمد           وسعى إلى إفسادها إلا هي

طار ومزمار ونغمة شادنٍ           أرأيت قط عبادة بملاهي

قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: "فالموالد أسواق الفسوق، فيها خيام للعواهر، وحانات للخمور، ومراقص يجتمع فيها الرجال لمشاهدة الراقصات الكاسيات العاريات، ومواضع أخرى لضروب من الفحش في القول والفعل يقصد بها إضحاك الناس، وبعض هذه الموالد يكون في المقابر!!

وإن خلا -أي: هذا الاحتفال- من اختلاط الرجال بالنساء، وارتكاب المحرمات، وكثرة الإسراف، فإنه لا يخلو من أعظم المنكرات، وهو الشرك بالله، واتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالإخلال بالتبليغ، والشريعة بالقصور والنقص، فإذا قمنا باستعراض سريع للكتب المشهورة المعتمدة؛ نجد أنها لا تخلو أبداً من الخرافات والاعتقادات الفاسدة، والأحاديث الموضوعة الباطلة" اهـ.

وسنجمل تلك المنكرات فيما يلي:

1- استعمال الأغاني وآلات الطرب، من الطار المصرصر والشبابة وغير ذلك.

قال ابن الحاج رحمه الله في المدخل: (مضوا في ذلك على العوائد الذميمة، في كونهم يشتغلون في أكثر الأزمنة التي فضلها الله وعظمها ببدع ومحرمات).

2- قلة احترام كتاب الله تعالى؛ فإنهم يجمعون في هذه الاحتفالات بينه وبين الأغاني، ويبتدئون به قصدهم الأغاني.

قال ابن الحاج: (ولذلك نرى بعض السامعين إذا طول القارئ القراءة يتقلقلون منه؛ لكونه طول عليهم ولم يسكت حتى يشتغلوا بما يحبونه من اللهو).

وقال: (وهذا غير مقتضى ما وصف الله تعالى به أهل الخشية من أهل الإيمان؛ لأنهم يحبون سماع كلام مولاهم؛ لقوله تعالى في وصفهم: ((وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)) [المائدة:83]، فوصف الله تعالى من سمع كلامه بما ذكر، وبعض هؤلاء يستعملون الضد من ذلك، فإذا سمعوا كلام ربهم عز وجل قاموا بعده إلى الرقص والفرح والسرور والطرب بما لا ينبغي، فإنا لله وإنا إليه راجعون على عدم الاستحياء من عمل الذنوب، يعملون أعمال الشيطان، ويطلبون الأجر من رب العالمين، ويزعمون أنهم في تبعد وخير!!).

قال رحمه الله: (ويا ليت ذلك لو كان يفعله سفلة الناس، ولكن قد عمت البلوى، فتجد بعض من ينتسب إلى شيء من العلم أو العمل يفعله، وكذلك بعض من ينتسب إلى المشيخة -أعني في تربية المريدين- وكل هؤلاء داخلون فيما ذكر، ثم العجب كيف خفيت عليهم هذه المكيدة الشيطانية والدسيسة من اللعين؟!!).

3- الافتتان بالمردان من الصبيان؛ فإن الذي يغني في الاحتفالات ربما يكون شاباً جميل الصورة، حسن الكسوة والهيئة، أو أحداً من الجماعة الذين يتصنعون في رقصهم؛ بل يخطبونهم للحضور، فمن لم يحضر منهم ربما عادوه ووجدوا في أنفسهم عليه، وحضوره فتنة؛ سيما وهم يأتون إلى تلك المحافل شبه العروس، لكن العروس أقل فتنة؛ لأنها ساكنة حيية، وهؤلاء عليهم العنبر والطيب، يتخذون ذلك بين أثوابهم، ويتكسرون مع ذلك في مشيهم إذ ذاك، وكلامهم ورقصهم، ويتعانقون فتأخذهم إذ ذاك أحوال النفوس الرديئة؛ من العشق والاشتياق إلى التمتع بما يرونه من الشبان، ويتمكن الشيطان، وتقوى عليهم النفس الأمارة بالسوء، وينسد عليهم باب الخير سداً.

قال ابن الحاج: (قد قال بعض السلف: لأن أؤتمن على سبعين عذراء أحب إلي من أؤتمن على شاب. وقوله هذا ظاهر بين؛ لأن العذراء تمتنع النفوس الزكية ابتداءً من النظر إليها، بخلاف الشاب؛ لما ورد أن النظرة الأولى سهم، والشاب لا يتنقب ولا يختفي بخلاف العذراء، والشيطان من دأبه أنه إذا كانت المعصية كبرى أجلب عليها بخيله ورجله، ويعمل الحيل الكثيرة).

4- افتتان الرجال بالنساء؛ لأن بعض الرجال يتطلع إليهن ويراهن، وتزداد الفتنة برفع أصواتهن، وتصفيقهن بالأكف، وغير ذلك مما يكون سبباً إلى وقوع المفسدة العظمى.

5- افتتان النساء في اعتقادهن؛ وذلك لأنهن لا يحضرن إلى المولد إلا ومعهن شيخة تتكلم في كتاب الله وفي قصص الأنبياء بما لا يليق؛ فربما تقع في الكفر الصريح وهي لا تشعر؛ لأنها لا تعرف الصحيح من السقيم، والحق من الكذب، فتدخل النسوة في الغالب وهن مؤمنات، ويخرجن وهن مفتتنات في الاعتقاد أو فروع الدين.

6- خروج النساء إلى المقابر وارتكاب أنواع المحرمات من الاختلاط وغيره، ويذكر ابن الحاج هذه المفسدة من آثار بناء البيوت على المقابر، قال: (إذ لو امتثلنا أمر الشرع في هدمها لانسدت هذه المثالم كلها، وكفي الناس أمرها)، وقال: (فبسبب ما هناك من البنيان والمساكنة وجد من لا خير فيه السبيل إلى حصول أغراضه الخسيسة ومخالفة الشرع).

7- فتح باب الخروج للنساء لغير ضرورة شرعية؛ وهذا ما نهى عنه الشرع الحكيم، قال تعالى:

((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)) [الأحزاب:33]، وإن هذا -لعمري- من أعمال الجاهلية الأولى.

8- تغيير المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، بسبب وقوعه في هذه الليلة.

9- رواية الأحاديث الموضوعة المنكرة، مما يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: {من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار} [رواه البخاري (107) ومسلم (2)]، وقوله صلى الله عليه وسلم: {من حدَّث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين} [أخرجه مسلم في المقدمة (ص:9)].

10- اعتقادهم أن في هذا اليوم ساعةً لا يوافقها عبد بالدعاء إلا أجيبت دعوته، قياساً على يوم الجمعة، وهو كذب مهين وافتراء مشين.

11- تلاوة الأشعار في مدح النبي صلى الله عليه وسلم على ما فيها من معانٍ شركية صارخة..

ومن ذلك قولهم:

               يا أكرمَ الخلقِ ما لي من ألوذُ به                 سواكَ عند حلولِ الحادثِ العمِمِ

إن لم تكنْ في معادي آخِذاً بِيدي             فَضلاً وإلَّا فقلْ يا زلةَ القدمِ

فإنَّ من جودِك الدنيا وضرَّتَها                 ومن علومِك علمُ اللوحِ والقلمِ

الله أكبر!! سبحان الله عما يصفون! وتعالى الله عما يشركون!

فمن هو الذي يلوذ به العبد ويتلجئ إليه عند حلول الحوادث والمصائب؟! إنه الله رب العالمين.

ومن هو الذي ينجي العبد يوم القيامة من العذاب الأليم ومن نار الجحيم؟! إنه الرحمن الرحيم.

ومن هو الذي خلق الأرض والسماء وجميع ما في الأكوان؟! إنه الخالق البارئ المصور.

ومن الذي يعلم ما في اللوح المحفوظ ولا أحد يعلم ما فيه سواه؟! إنه الله علام الغيوب.

ومن أشعارهم الشركية قولهم في النبي صلى الله عليه وسلم:

                      ولُذْ به في كلِّ ما ترتجي             فإنَّه المأمنُ والمعقِلُ

ونادِهِ إنْ أزمةٌ أنشبتْ              أظفارَها واستحكمَ المعضِلُ

يا أكرمَ الخلقِ على ربه                 وخيرَ منْ فيهم به يُسألُ

قد مسَّني الكربُ وكمْ مرةٍ                  فرجتَ كرباً بعضُه يُعضِلُ

عجِّل بإذهابِ الذي أَشتكي                 فإنْ توقَّفتَ فمنْ ذا أَسألُ

هكذا يقولون، وهكذا يفترون.. يشركون برب العالمين، إله الأولين والآخرين، الذي بيده الضر والنفع، وهو وحده كاشف الكروب، ومجلِّي الخطوب.. المحيي والمميت، والمعطي والمانع.. بيده مقاليد السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير..

أما نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فهو بشر، خلقه الله تعالى واصطفاه للنبوة والرسالة، وكرمه وفضله على سائر خلقه، فهو عبد مطيع لربه ومولاه، تشرف بالعبودية لله في أشرف المواطن وأعظمها، قال تعالى: ((وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ)) [الجن:19]، ((فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى)) [النجم:10]، ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا..)) [الإسراء:1].

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله}.

أما هؤلاء فقد رفعوا النبي صلى الله عليه وسلم فوق منزلته، وأعطوه خصائص الإلهية، التي لا تليق إلا برب الأرض والسماوات.. ودعوه وتضرعوا إليه من دون رب البريات..

فإنا لله وإنا إليه راجعون من زمن استحكمت فيه غربة الدين.. فإلى الله المشتكى، وإليه الملتجا، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

12- ومن المنكرات التي تكون في إحياء الموالد: القيام الذي يكون في المولد ويسمى (الغزة)، ومرادهم منه القيام بسرعة، وذلك عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وخروجه إلى الدنيا، ويسمى عندهم أيضاً (الحضرة)؛ لأن كثيراً منهم يزعم أن روح النبي صلى الله عليه وسلم تحضر عندها، ويقولون: (حضر، حضر)، ويتركون النافذة مفتوحة لتدخل روح النبي صلى الله عليه وسلم منها!! فجمعوا بين البدعة وبين إساءة الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا القيام قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حال حياته وكرهه من الصحابة، فكيف يستحبونه في بدعة الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم؟!!

قال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصا، فقمنا إليه، فقال: {لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضاً} [رواه أحمد (21677)، وأبو داود (5230)].

وقال أنس رضي الله عنه: (ما كان من شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا؛ لما يعلمون من كراهيته لذلك) [أخرجه أحمد (11936)]، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد كره القيام له، ونهى عنه، وأخبر أنه من فعل الأعاجم، فكيف بالقيام عند ذكر ولادته؟! فهذا أولى بالنهي لجمعه بين البدعة والتشبه بالأعاجم.

13- والقوم لا يقفون عند هذا الحد؛ بل يزعمون أن هذا القيام عند ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم لأجل أن روحه تحضر في ذلك الوقت، وأنه يصافح المجتمعين في المجلس!! وإن هذا لدليل على سوء الاعتقاد، وخبث الطوية والمقصد، وهو دليل على سخافة عقولهم، وسمج أفعالهم واعتقادهم.. إذ كيف يخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد مات منذ سنين طويلة؟! فإنه صلى الله عليه وسلم لن يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم؛ بل هو مقيم في قبره، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة.

ومما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قد مات ميتة برزخية قوله تعالى: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)) [الزمر:30]، وقال صلى الله عليه وسلم: {أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة}.

فهذه الأدلة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة، وهذا أمر مجمع عليه عند جميع المسلمين، ليس فيه نزاع بينهم.

14- ومن منكرات الموالد: ما يحصل فيها من الذكر الجماعي بصوت واحد.

والقاعدة الشرعية هنا هي: أن الذكر الجماعي بصوت واحد، سراً أو جهراً، لترديد ذكر معين وارد أ غير وارد؛ سواء كان من الكل أو يتلقنونه من أحدهم، مع رفع الأيدي أو بلا رفع لها، كل هذا وصف يحتاج إلى أصل شرعي يدل عليه من كتاب أو سنة؛ لأنه داخل في عبادة، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع لا على الإحداث والاختراع؛ لهذا نظرنا في الأدلة لذلك من الكتاب والسنة فلم نجد دليلاً يدل على هذه الهيئة المضافة، فتحقق أنه لا أصل لها في الشرع المطهر، وما لا أصل له في الشرع فهو بدعة؛ إذاً فيكون الذكر والدعاء الجامعي بدعة يجب على كل مسلم مقتدٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم تركها والحذر منها، وأن يلتزم بالمشروع.

والذكر الجماعي بصوت واحد، سواء كان ذكراً لله تعالى مطلقاً، أم مرتباً باسم من أسماء الله تعالى، كتردي لفظ الجلالة (الله.. الله) ونحوها.. كل هذا بدعة خلاف المشروع الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.

وكذلك التمايل حال الذكر، السجود بعده، وقراءة الفاتحة أو غيرها، كل هذه أيضاً بدع لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته ولا التابعون لهم بإحسان.

وأما إن كان الذكر الجماعي لم يشرع، مثل الذكر بالضمير (هو.. هو) أو (يا هو.. يا هو) وهو ما تفعله الصوفية في اجتماعاتهم ومنها احتفالات الموالد، فهو ذكر مبتدع بطريقة مبتدعة.

وعلى هذا: يتبين أن ما يفعل في هذه الاحتفالات من الذكر الجماعي بصوت واحد؛ كترديد لفظ الجلالة، أو لفظ (هو.. هو) أو غيرها، فهو من البدع المحدثات المنكرات التي لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا على عهد الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين، وما كان كذلك فهو بدعة ضلالة.

وهناك آثار قبيحة ناتجة عن الاحتفال بهذه البدعة الشنيعة نذكر منها:-

1- التعبد لله بما لم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما حكم بأنه ضلالة.

2- القدح في كمال الشريعة الإسلامية، ورد قوله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)) [المائدة:3].

3- الطعن في أمانة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يؤد الأمانة، ولم ينصح للأمة.

4- تصيير هذا اليوم عيداً يحرم فيه الصوم ويمنع، كما أفتى بذلك ابن عباد وابن عاشر، كما بينه الحطاب في مواهب الجليل [(2/ 406)].

5- الطعن في محبة الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث لم يقيموا له مولداً.

6- التشبه بالنصارى في احتفالهم بعيد ميلاد المسيح عليه السلام.

جاء في التبر المسبوك في ذيل السلوك للسخاوي، في معرض تقريره أن الاحتفال يوافق اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ( وإذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيداً أكبر، فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر) [(ص:14)]، فتعقبه الملا علي قاري في المورد الروي في المولد النبوي بقوله: (مما يرد عليه أنا أمرنا بمخالفة أهل الكتاب) [(ص: 29- 30)].

7- اعتقاد ليلة مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر، وهو ما قرره القسطلاني، فرد عليه الملا علي قاري بقوله: (أغرب القسطلاني وقال: ليلة مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من من ليلة القدر من وجوه ثلاثة ذكرها، حيث لا يفيد الإطلاق، مع أن الأفضلية ليست إلا لكون العبادة فيها أفضل، بشهادة النص القرآني: ((لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)) [القدر:3]، ولا تعرف هذه الأفضلية لليلة مولده صلى الله عليه وسلم؛ لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا عن أحد من علماء الأمة).

وأخيراً: فإن الموالد من أخصب البيئات للمناكير الظاهرة، والمستترة، ففي ساحاتها الواسعة ينتشر الرقعاء دون خجل، ويختلط النساء بالرجال في المأكل والمشرب وغيرها؛ حيث تكثر جرائم الزنا واللواط، ويدخن الحشيش، وتسمع الأغاني الخليعة والموسيقى الصاخبة، وتختفي روح الجد، وتفيض روح الفوضى وعدم النظام، كما تختفي النظافة من المساجد، وتضطرب أوقات الصلوات والجماعات، ودعك من أن أكثر الوافدين على هذه الساحات لهم عقائد غريبة، فربما ضن أحدهم على أمه بقليل من المال يبرها به، في الوقت الذي يبسط يده بالنفقة هنا! وكل هذه الآثام ينتعش وجودها في هذا الجو الاحتفالي المبتدع الذي ما أنزل الله به من سلطان، ومع هذا يدعي أهله أنهم يحبون النبي صلى الله عليه وسلم ويحبون ذكره!!

ولو خلت الموالد من هذه الآثام التي سقناها آنفاً، لوجب تعطيلها أيضاً؛ لمظاهر التدين الفاسد التي تسودها؛ فحلقات الذكر ضروب من الهوس وألوان الرقص الذي يسودُّ له وجه أهل الدين!

أما القرآن المتلو في هذه الساحات فيما ينتفع به قارئ ولا سامع؛ إنه ضرب من غناء مملول النغم يتصنع به بعض السامعين من الإقبال ريثما يفرغ منه، وكذلك الوعظ في دروس الوعظ والإرشاد والتي تنظمها بعض المؤسسات الدينية، لا تكاد تظفر بفائدة مما يراد نشره بين الجماهير المحتشدة في هذه الموالد.

تلك محاولات عابثة، وإهدار لقيمة الذكر الحكيم والحديث الشريف.

ولو افترضنا وجود بعض الخير بين الأعمال التي تمارس في المولد؛ فإنها لا تسوغ إقامة الموالد بعدما أضحت الشرور المتيقنة التي تكتنفها أكثير بكثير من تلك الفوائد المظنونة، وقانون الشريعة في هذا: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين