الرئيسة - أقوال العلماء وفتاويهم - فتوى الشيخ عبد العزيز الفوزان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 بدعة الاحتفال بالمولد النبوي:-

السؤال: نحن في شهر ربيع الأول، وفيه مناسبة المولد النبوي، وأنتم تلاحظون احتفال فئة من الناس بالمولد النبوي في كل سنة، ويرون أنه عيد ويقيمون له الولائم والأعياد، وتحتفل به حتى بعض القنوات الفضائية، ويفرد له في الصحف مقالات إلى غير ذلك، ويقول البعض: إننا نحتفي بالنبي عليه الصلاة والسلام ونقرأ سيرته، ونتعرف على جوانب مضيئة من حياة النبي عليه الصلاة والسلام.

الشيخ الدكتور عبد العزيز بن فوزان الفوزان:

النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته العظيمة التي كان كأنه يودع فيها أصحابه، كما في حديث العرباض بن سارية المشهور قال: {وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودعٍ فأوصنا}، فماذا كانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم وهو يودع أصحابه؟ قال: {إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعظوا عليها بالنواجذ، وإياكم -أي أحذركم- ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة}، فهذه من المحدثات التي أحدثت في دين الله عز وجل ولم يأذن بها الله عز وجل.

والدليل على أنها من البدعة المحدثة، أن الرسول عليه الصلاة والسلام عاش بعد البعثة النبوية ثلاثة وعشرين عاماً، يمر عليه يوم ميلاده كل سنة ولم يحتفل به، ولو كان خيراً لدلنا عليه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كما قال في الحديث الآخر عن عبد الله بن عمرو: {إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلم لهم}، فلو كان هذا مما يقرب إلى الله عز وجل ويزيد العبد إيماناً وزلفى عند الله، لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك للأمة ويحثهم عليه، كما أمرهم بالشهادتين وفيهما: وأشهد أن محمداً رسول الله، وكما أمرهم بالصلاة والسلام عليه وبين أن هذا ركن من أركان الصلاة، فريضة كانت أو نافلة، كما حثهم على كثرة الصلاة والسلام عليه في أحاديث كثيرة يعجب لها الإنسان.

لو كان الاحتفال بعيد ميلاده عليه الصلاة والسلام مما يقرب إلى الله وعز وجل، ويدل على محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام، لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك للأمة، ولوجب عليه أيضاً هو أن يحتفل به بفعله، لكنه لم يفعل ذلك، مع أنه مر عليه وتكرر عليه ثلاثة وعشرين عاماً بعد بعثته.

أصحابه رضي الله عنهم أجمعين هم أفضل هذه الأمة، وهم أحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعظمهم تقديراً له ومعرفةً لحقه وعظيم جنابه عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك لم يفعل واحد منهم لا الخلفاء الأربعة ولا غيرهم ما يسمونه عيد المولد النبوي، بل لم يفعله التابعون ولا تابعوهم، وإنما ظهرت هذه البدعة في القرن الخامس الهجري على يد الفاطميين الشيعة حكام مصر في وقتهم، وفعلوا ذلك مع الأسف تأثراً بـالنصارى الذين يحتفلون بعيد المسيح عليه الصلاة والسلام، وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال: {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود و النصارى؟ قال: فمن القوم إذاً}.

انظر هذه البدعة العظيمة التي تدل كل الدلائل على تحريمها وأنها من الأمور المحدثة التي لا يجوز فعلها، ومع ذلك أخذناها عن النصارى وأخذنا نحتفل بعيد ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم كل سنة.

وأيضاً في الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام محذراً من مثل هذه البدعة: {لا تطروني _ الإطراء معناه المبالغة في المدح _ كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله}.

وليت هؤلاء اقتصروا على مجرد الاحتفال وذكر سيرته العطرة عليه الصلاة والسلام والتذكير بذلك، لربما هان الأمر مع أنه ليس بهين حقيقة وهي بدعة، لكن المصيبة أن هذه البدعة يتبعها بدع أفظع وأبشع منها في المولد، وهو المبالغة في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يوصلوه مرحلة الألوهية.

ومن أظهر ما يكون في ذلك أنهم في هذه الموالد ينشدون ويرددون قصيدة البوصيري المشهورة، وفيها من الشرك ما تقشعر له الأبدان، حتى أن البوصيري يقول فيها على سبيل المثال يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم:

 يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به     سواك عند حلول الحادث العمم

أين الله يا أخي، يعني ما لك أحد تلوذ به يوم القيامة إلا محمد عليه الصلاة والسلام؟ لذ بربك سبحانه وتعالى فإليه الملجأ وإليه المصير.

أيضاً أعجب من هذا أن يقول:

 فإن من جودك الدنيا وضرتها      ومن علومك علم اللوح والقلم

يعني: من بعض جود النبي صلى الله عليه وسلم وكرمه هذه الدنيا وما فيها والآخرة وما فيها، فماذا بقي لله؟

يقول: وبعض علمك علم اللوح والقلم، القلم الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: {أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب كل ما هو كائن إلى قيام الساعة} هذا بعض علوم النبي صلى الله عليه وسلم، يا سبحان الله!

مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما قال الله له: ((قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)) [الأنعام:50]، هو لا يعلم عليه الصلاة والسلام من الغيب إلا ما أعلمه الله وأخبره به، وهؤلاء مع الأسف جعلوه يعلم كل شيء حتى علم اللوح والقلم، هذا من المصائب العظيمة.

ومن المصائب أنك تجد بعض هؤلاء الذين يحتفلون بهذا المولد ينشطون في هذه البدع والمحدثات وإذا جاءت السنن والواجبات تجدهم من أكثر الناس تقصيراً فيها، تجد بعضهم لا يصلي أصلاً، فنقول له: إذا كنت تزعم أنك تحب النبي صلى الله عليه وسلم فيجب أن تتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتسمع لقوله، فهو الذي حذرنا من هذه البدع، والله عز وجل يقول: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)) [آل عمران:31] إذاً: المحبة ليست مجرد دعوى يا أخي.

إذا أنكر عليهم قالوا: أنتم لا تحبون رسول الله؟ ((كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)) [الكهف:5].

يا أخي نحن نحذر من هذه البدع لأننا نحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومحبته تقتضي امتثال أمره.

 كيفية الإنكار على من يحتفلون بالمولد النبوي:-

السؤال: هناك قضية المبالغة في الإنكار على الذين يحتفلون بالمولد، وتبديعهم ووصفهم بأوصاف شنيعة أحياناً، فقد يتصور بعض الناس أنك قد تخرجه من الإسلام، بسبب احتفاله بالمولد، فهناك أناس فضلاء يحتفلون بالمولد ولا زالوا عند رأيهم، يقولون: نحن نحب الرسول عليه الصلاة والسلام، ونحب سيرته ونريد ألا نفعل حراماً في هذا اليوم، ولكن نقرأ السيرة ونتذاكر مع أبنائنا، ويفعلون أحياناً بعض الأمور التي يرون أن الخلاف يسع فيها، فكيف كان نجيب على هؤلاء؟

الشيخ الدكتور عبد العزيز بن فوزان الفوزان:

أنا أتفق معك يا أخي أن بعض الناس قد يكون شديداً في هذه المسألة، وربما يصل إلى مرحلة التكفير، وهذا لا يجوز، وأنا أجزم أن أكثر الذين يحتفلون بالمولد هم يجهلون أن هذا العمل الذي يقومون به بدعة وأنه لا يقربهم إلى الله، بل لا يزيدهم من الله إلا بعداً، فلعلهم يعذرون بجهلهم.

لكن إذا تبين الحق فلا يجوز للإنسان أن يتعصب لرأيه بعد ظهور الحق، لأننا متعبدون بقال الله قال رسوله عليه الصلاة والسلام، وما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم، وهم أعرف الناس بدين الله وهم أهداهم، وأصلحهم قلوباً، وأكملهم علوماً رضي الله عنهم أجمعين، فيسعنا ما يسعهم، ولهذا نحن نقول: إذا كان الأمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه الراشدين ولا الصحابة الكرام، فإننا نقطع قطعاً بأنه بدعة محدثة، ولا يزيد العبد من الله إلا بعداً، والله سبحانه وتعالى قال: ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)) [الشورى:21].

وقد أجمع العلماء قاطبةً وأئمة المذاهب من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وغيرهم على أن العبادات كلها مبناها على الحظر والمنع إلا ما دل عليه الشرع، فأي عبادة يأتي بها الإنسان ويقول: هذه عبادة نتقرب بها إلى الله، نقول: هات الدليل عليها، إذا لم يوجد دليل فيجب رفضها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} أي: مردود عليه غير مقبول منه، حتى وإن كانت نيته صالحة، وكم من مريد للخير لم يبلغه يا أخي، وما دخلت البدع والمحدثات على المسلمين إلا من هذا الباب.

ومن العجب يا أخي ما رأيته البارحة في إحدى القنوات الفضائية -لن أسميها- أرى احتفالاً وأعداداً كبيرة بالآلاف وكتبوا أيضاً من ضمنهم وفد دولة البحرين، أتدري لماذا جاءوا -وهذا في إيران -؟ جاءوا إحياء لذكرى موت النبي صلى الله عليه وسلم، فاليوم الذي ولد فيه عليه الصلاة والسلام هو اليوم الذي مات فيه، فهل نحتفل بموته أو نحتفل بمولده، أو نحيي العزاء بموته؟

أقول: هؤلاء الآن يقيمون العزاء بموته عليه الصلاة والسلام، وبعد أيام سيحتفلون بميلاده، فأي هاتين البدعتين أصح؟ كلاهما من البدع المحدثة.

لا يجوز إقامة المناحات والبكاء لا على النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، بحيث نخالف سنته؛ لأنه عليه الصلاة والسلام برئ من الصالقة والحالقة والشاقة، الصالقة: التي ترفع صوتها بالنياحة والندب، والحالقة: التي تحلق رأسها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثيابها كناية على الجزع والتسخط، وهذا الذي رأيته يفعلون، يضربون صدورهم ويرددون الأناشيد ويبكون؛ يا سبحان الله! نخالف سنته عليه الصلاة والسلام ونحن نزعم حبه، فهو حذر من هذا وبرئ من صاحبه، وبين أن هذا من أمر الجاهلية في أحاديث كثيرة.

فأنا أقول: هذا تناقض، يعني: اليوم الذي ولد فيه هو الذي مات فيه، هل نحتفل بمولده أو نقيم العزاء بموته؟

أعجب من هذا يا أخي أن العلماء اختلفوا في وقت ميلاده؛ فبعضهم قالوا: إنه ولد في الثاني عشر من ربيع أول، وبعضهم قال: في التاسع من ربيع الأول، على أي شيء يدل هذا؟ يدل على أن الصحابة رضي الله عنهم وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم من قبلهم -وهو إمامنا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام، ونفديه بأرواحنا وآبائنا وأمهاتنا -كانوا لا يهتمون لهذه المناسبة، لا يوم المولد ولا يوم الوفاة ولا يوم الهجرة ولا غيره؛ لأنه لا يترتب عليها حكم شرعي، ولا يشرع الاحتفال بها وإحياء ذكراها، كما يفعل هؤلاء القوم.

وهذا الباب إذا فتح لا يسد، الآن وجد احتفال بمولده واحتفال بهجرته، واحتفال بالإسراء والمعراج، واحتفال بفتح مكة، واحتفال ببدر، صارت مجرد احتفالات تقام فيها البدع ويختلط فيها الرجال والنساء، وتترك السنن؛ بل تترك الواجبات.

ثم إن ذكرى النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن تحيا كل يوم، بل كل لحظة من حياة الإنسان، يجب ألا يغيب؛ لأن كل أعمالنا يجب أن تكون على وفق سيرته ومنهجه عليه الصلاة والسلام، ونحن في كل صلاة نقول: اللهم صل على محمد، ونقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ فريضةً كانت أو نافلة، ونسمع اسمه عليه الصلاة والسلام في كل أذان وإقامة، وفي الخطب وفي المحاضرات وفي مجالس طعامنا وشرابنا وكل أعمالنا.

أنت حينما تأخذ بالآداب في الأكل والشرب والنوم، وفي السير وفي الاستماع والمجالسة وتقوم بالواجبات، ألست تتبع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، أليس تتذكر أنه أمرك بهذا وفعله، فذكره حي في ذهنك وعقلك كل لحظة من حياتك!

أما أن تنساه طيلة السنة، ثم تحيي ذكراه في يوم من السنة، فهذا من العجائب، وقد قلت: إنه جاءنا من غير المسلمين، حين أحيوا ذكرى ميلاد المسيح، فقلدناهم في ذلك وسمينا هذا محبة للنبي صلى الله عليه وسلم.

وعندما أحيوا عيد الأم وعيد الطفل، فبعض الأخوات في بعض صحفنا تقول: لماذا كان حق الأم عظيماً ولا نحتفل بعيد الأم أو عيد الطفل؟!

يا أخي نحن نحتفل كل لحظة بأمهاتنا وأطفالنا وآبائنا، الكثير من الغربيين لا يعرف أمه في السنة إلا في عيد الأم، وربما لا يعرفها إلا بكرة معايدة لأنه ليس عنده وقت يأتي يزورها، لكن نحن ولله الحمد ماذا نعمل؛ كلما كبرت الأم أو الأب زاد تقديره وتعظيمه وإجلاله، والحرص على إسعاده والبر به، ولله الحمد والمنة، فنحن لا ننساهم أبداً ولسنا بحاجة إلى أن نقيم عيد الأم أو عيد الطفل أو غيره، لأن كل حياتنا عناية بهؤلاء، ونتعبد لله ونتقرب إليه ببرهم والعناية بهم والقيام بحقهم.