التعرفُ بـ"الريكي وَالعلاج البراني"

التعرفُ بـ"الريكي وَالعلاج البراني"






الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وَصَحْبِه وَمَنْ وَالَاه وبعد...الريكي وَالعلاجُ البراني يُعَدَّان مِنَ الممارساتِ العلاجيةِ الصادرةِ عنْ الثقافاتِ الشرقيةِ([1])، وَالتِي يظهرُ بشكلٍ جليٍّ اهتمامُها بالتطبيقاتِ وَالأساليب العلاجيةِ، حيثُ إنَّ تأمينَ الصحةِ يعدُّ أحد المركزاتِ العقديةِ لفلسفاتِ الشرقِ، فعنْ طريقِه - بحسبِ اعتقادِهم - يمكنُ للإنسانِ أنْ يتحررَ من كلِّ ما يضايقُه، وبتالي يمكنُه تحقيق الوحدةِ - بزعمِهم - معَ الوجودِ الأولي، والذي يُشارُ إليه بـ "المبدأ الأوحد"، أو "الطاو"، أو "الطاقة"([2])، وهذا غايةُ مرادِهم وَفلسفتِهم، لذلكَ كانَ على الكهنةِ وَالفلاسفةِ أنْ يكونوا على معرفةٍ بالطبِّ([3]).

ومنْ هنا نشأتْ العديدُ منَ الطرقِ وَالأساليب العلاجيةِ المتنوعةِ، حيثُ تعدُّ الطاقةُ الفلسفيةُ ذات البعد الشمولي عن النشأةِ وَالمظاهر الكونيةِ - كما سيأتي معنا - هيَ المحورُ الرئيسُ وَالمحركُ لها، وَيُعَدُّ "الريكي والعلاج البراني" أحدَ أبرزَ تلكَ الأساليب العلاجيةِ.

وَمنَ المناسبِ هنا أنْ نشيرَ إلى العلاجِ الشرقي بأنواعِه المختلفةِ، يتدرجُ في أربعِ مستويات، يمكنُ إجمالُها فيما يلي([4]):

المستوى الأولُ: يستخدمُ المعالجُ يديه في العلاجِ؛ كـ "التدليك"، و"العلاج بالضغط".

المستوى الثاني: يستخدمُ المعالجُ الأعشابَ، أو المنتجات الحيوانيةَ، أو المعدنيةَ.

المستوى الثالث: يستخدمُ المعالجُ الوخزَ بالإبرِ، أو الاتصالَ الجسدي.

المستوى الرابع: ويتطلبُ مهارةً عاليةً، وفيه يتمُّ العلاجُ بالطاقةِ دونَ استخدامِ الإبرِ، أو اليدِ، ويكونُ العلاجُ هنا منْ مسافةٍ قريبةٍ أو بعيدةٍ، قدْ تصلُ إلى أنْ يكونَ المعالجُ في قارةٍ وَالمريضُ فِي قارةٍ أخرى، وَقدْ كانَ هذا المستوى مِنَ العلاجِ سرًّا في العصورِ القديمةِ.

أولًا: التعريفُ بــ"الريكي" ونسبتُه:

التعريفُ بالريكي: الريكي كلمةٌ يابانيةٌ، وَتتكونُ منْ شقين، وقدْ تعددتْ المعاني اللغويةُ فيهما، وَيمكنُ القول بأنَّ "ري" بمعنى: الكونية، وفيه إشارةٌ إلى الجوهرِ الروحي المقدسِ، و"كي" بمعنى: قوةُ طاقةِ الحياةِ، فيكون المعنى قوة طاقةِ الحياةِ الكونيةِ.

و"الكونية" بديلٌ متعمدٌ عن الأصلِ المقصودِ وَهوَ "الإلهية"، لذلكَ توصفُ بكونِها طاقةً مقدسةً، كمَا يُطلقُ عليها إجمالًا: الطاقةُ الكونيةُ، أو الطاقةُ السماويةُ([5])، ووصف بأنَّه السيطرة على قوةِ الروحِ([6])؛ وعليه فالريكي هوَ طاقةٌ أو جوهرُ الحياةِ المستمدةِ مِنَ الروحِ الكونيةِ المقدسةِ، تُوجَّهُ وفقَ أساليب مُدَّعَاة في تحقيقِ التوازنِ وَالاستقرارِ الصحي.

وَلعلَّ التعريف السابق لا يعطي تصورًا واضحًا عن "الريكي"، حيثُ يمكنُ اعتبارُه لونًا علاجيًّا يعتمدُ على الغموضِ، كونُه لا يعتمدُ على أمرٍ محسوسٍ أو مُشَاهَدٍ، وهذا بشهادةِ القائمين عليه والمروجين له، إذْ لا يوجدُ تفسيرٌ ظاهرٌ للكيفيةِ التي يتمُّ فيها العلاجُ([7]).

نسبتُه: مِنَ المهمِ التعرفُ إلى مَنْ يُنْسَبُ إليه العلاجُ، وَالظروف التي صاحبتْ نشأتَه، وذلكَ للوصولِ إلى الأصولِ التي يعتمدُها وَالثقافةِ التي ينتسبُ إليها؛ مِنْ أجلِ الإلمامِ بكافةِ التفاصيل التي تسهمُ فِي إعطاءِ تصورٍ كاملٍ وَشاملٍ عنْ أي ممارسةٍ أوْ تطبيقٍ عِنْدَ إخضاعِها للدراسةِ وَالبحثِ.

وَبحسب عددٍ مِنَ المصادر فَإنَّ ممارسات الريكي بشكلِه المعاصر تُنْسَبُ إلى "ميكاوي يوسوي"، وَالذي وُلِدَ فِي اليابان، عام 1864م.

وَفيما يتعلقُ بتربيته وَدراستِه الدينية فقدْ وَرَدَ فيها روايتان؛ أحدُهما: أنَّه تربى عِنْدَ الكهنةِ البوذيين وَفِي معابدِهم، وتلقَّى تعليماتِ منهجِ "السواترا" البوذي في التبت، وبناءً على عددٍ مِنَ المعطياتِ نَسَبَ البعضُ الريكي إلى النصوصِ التبتية البوذيةِ، على اعتبارِ "ميكاو يوسوي" منْ طائفةِ "تنادم البوذية"([8])، وَأَنَّ بعضَ الرموزِ المستخدمة في الريكي مأخوذةٌ عنْ رموزِ التبت السريةِ.

بالإضافةِ إلى التقليدِ المُتَّبعِ فِي التبت في منحِ ما يُسمى "القوة الروحية" مِنَ المعلمِ إلى التلميذِ كَمَا يحصلُ في ممارساتِ الريكي، كما سيتضحُ لاحقًا، إلَّا أَنَّ هذا لا يقتصرُ على التقليدِ التبتي بلْ يشملُ مختلف التقاليد البوذية، سواءً الهندية أو الصينية أو اليابانية، كما يعتبر منهج "راكو كي" - وهوَ أحد أساليب أو مدارسِ الريكي - أصولَ الريكي تبتية، وَمُسْنَدةً إلى التعاليم التبتيةِ الغامضةِ.

وبناءً على الروايةِ الثانيةِ فإنَّ رغبةَ "ميكاو يوسوي" في التعمقِ في التعاليم المسيحية دفعتْه إلى الهجرةِ إلى أمريكا، حيثُ أمضى هناك عدةَ سنوات يدرسُ نصوصَ الإنجيل بصورةٍ أكثرَ عمقًا، وَدخلَ في العديدِ مِنَ التساؤلاتِ مع عددٍ منَ الرهبانِ وَأعضاءِ الكنسيةِ، وَكانَ دائمًا ما يخرجُ بإجاباتٍ غيرِ مُقْنِعَةٍ.

وَبعدَ أنْ أمضى سبعَ سنواتٍ في أمريكا، وَشعرَ بأنَّه بعيدٌ عن الوصلِ للحقيقةِ؛ قَرَّرَ "ميكاو يوسوي" العودةَ إلى اليابان ليدرسَ التعاليمَ الآسيوية القديمةَ، ثمَّ التقى "ميكاو" بأحدِ الكهنةِ اليابانيين، والذي دعاه إلى صومعتِه كي يعيشَ وَيدرسَ، مَكَثَ "ميكاو" في الصومعةِ عدةَ سنواتٍ، تأثرَ خلالَها بالكاهنِ بشكلٍ كبيرٍ، وَازدادَ قناعةً بأنَّ المكانَ يمكنُ أنْ يبحثَ فيه عنْ مَلَكَةِ الشفاءِ داخل نفسِه.

وَبعدَ اطلاعِ "ميكاو" على العديدِ مِنَ النصوصِ الشرقيةِ، وَمناقشةِ عددٍ مِنَ الأفكارِ مع الكهنةِ؛ توصلَ إلى أنَّ العقلَ البشري يملكُ القدرةَ على الإبداعِ وَمداواةِ الأمراضِ النفسيةِ وَالجسديةِ.

وَلتحقيقِ القدرةِ الشفائيةِ قَرَّرَ "ميكاو يوسوي" الاعتكافَ فِي أحدِ الجبالِ، وَأخبرَ الكاهنَ بأنَّه سيعود خلالَ واحدٍ وَعشرين يومًا وَهوَ يحملُ القدرةَ على الشفاءِ، وَإنْ لَمْ يَعُدْ فعليهم أنْ يأتوا لحملِ جثمانِه.

مكثَ "ميكاو يوسوي" في الجبلِ ثلاثةَ أسابيع يصومُ وَيتأملُ، وَفِي آخرِ ليلةٍ مِنْ ليالي اعتكافِه رأى نورًا اصطدمَ بوجهِهِ، وقيلَ كان َعلى شكلِ فقاعاتٍ احتوتْ على رموزِ الريكي، وَالتي كانَ قَدْ اطلعَ عليها في منهجِ "السواترا"؛ فأصبحَ قادرًا على امتلاكِ معجزةِ الشفاءِ، حيثُ اكتشفَ - حسبَ زعمِهم - معجزةَ عيسى - عليه السلام - فِي الشفاءِ!!

وَمَا يُورى لإثباتِ ذلكَ أنَّه فِي طريقِ عودةِ "ميكاو يوسوي" منْ معتكفِه اصطدمَ إصبعُ قدمِه بصخرةٍ فنزفَ بشدةٍ فجلسَ وَأمسكَ قدمَه بينَ يديه، وفورًا التأمَ الجرحُ فكانتْ هذه أول معالجةِ ريكي.

كانتْ هذه القصةُ بدايةَ نشأةِ "الريكي" بشكلِه الحديث، ورغمَ ما أُثيرَ حولَ مصداقيتِها، فهذه القصةُ لمْ تَكُنْ لتلقى القبولَ فِي المجتمعِ الغربي؛ إذْ كانَ مِنَ الممكنِ أنْ توصفَ بالوثنيةِ لولا إضفاء الطباع النصراني على بدايتِها([9]).

وفِي عام 1922م افتتحَ يوسوي أولَ معهدٍ له في اليابان للتدريبِ على الريكي، وَانتقلَ الريكي إلى الغربِ وَتحديدًا أمريكا عامَ 1939م، وعنْ طريقِ "هاوايو تاكاتا" التي تلقتْ العلاجَ فِي اليابان ثمَّ تلقتْ التدريبات إلى أنْ بلغتْ درجةَ "ماستر ريكي".

وَفِي عام 1983م عُقِدَ اجتماعٌ في بريطانيا ضَمَّ أساتذةَ الريكي، وَأسفرَ عَنْ تشكيلِ جمعيةٍ تضمُّ أساتذةَ الريكي، بغرضِ الحفاظ على منهجِ يوسوي في الريكي بعدَ أنْ أصابَه بعضُ التحريفِ، وَعُرفتْ الجمعيةُ فيما بعد بـ "اتحاد الريكي"([10])، ضمنت مدربين مِنْ خمسين دولةٍ تقريبًا، وَتَمَّ استحداثُ لقبِ "Grand Master"؛ للإشارةِ إلى رئيسِ منظمةِ الريكي.

وَمِنْ خلالِ قصةِ "الريكي" السابقة، يتضحُ ما يلي:

1- قِدَم هذا النوعِ مِنَ العلاجِ مِنْ حيثُ النشأة.

2- هذا النوعُ مِنَ العلاجِ غيرُ مُعْتَمِدٍ على تجارب وَدراسات علميةٍ، بَلْ يمكنُ وصفُه بأنَّه نوع مِنَ الممارساتِ المرتبطةِ بالثقافاتِ الشعبيةِ، وَالمراجعِ الدينيةِ المقدسةِ.

3- ارتبطتْ نشأتُه بمحاولةِ محاكاةِ معجزاتِ الأنبياء؛ نتيجةَ الاعتقادِ بأنَّ المعجزاتِ يمكنُ اكتسابها.

4- إنْ صدقتْ الروايةُ حولَ الريكي؛ فلا يعني ذلك صحةَ وَحقيقةَ مَا عَرَضَ لـ"ميكاو يوسوي" مِنْ نورٍ وَغيرِه، بَلْ هذه الحالةُ مِنَ الخيالِ وَالتوهمِ قَدْ تعتري مَنْ سَلَكَ طريقَ الصومِ المستمرِّ وَالعزلةِ التامةِ.


الهوامش:

([1]) يُقصد بالشرق في هذا البحث: الشرق الأقصى، ومنها: الصين والهند، واليابان والفلبين.

([2]) ستأتي الإشارة إلى معانيها.

([3]) انظر: المبدأ الفريد للفلسفة والعلم في الشرق الأقصى، جورج أشاوا، ص(99، 126).

([4]) معجزات الشفاء الرباني، تشو كوك، ص(17)، العلاج بالطاقة الروحية، أمن عادل، ص(49).

([5]) انظر : نظر الوجوه الأربعة للطاقة، جمان السيد، ص(31).

([6]) الريكي سؤال وجواب، شريف هزاع، ص(2).

([7]) انظر: الريكي للمبتدئين، ديف إف، ص(23).

([8]) الريكي سؤال وجواب، شريف هزاع، ص(8).

([9]) انظر: الريكي للمبتدئين،  ديف إف، ص(27).

([10]) انظر: موقع اتحاد أو تحالف الريكي: http://www.reikifed.co.uk/maintenance.html

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
التعرفُ بـ"الريكي وَالعلاج البراني".doc doc
التعرفُ بـ"الريكي وَالعلاج البراني".pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى