مقدمة في شكر الله

مقدمة في شكر الله




إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛


فإن منزلة الشكر هي من أعلى المنازل. وهي فوق منزلة الرضا وزيادة. فالرضا مندرج في الشكر. إذ يستحيل وجود الشكر بدونه.
وهو نصف الإيمان والإيمان نصفان: نصف شكر. ونصف صبر.
وقد أمر الله به. ونهى عن ضده، وأثنى على أهله. ووصف به خواص خلقه. وجعله غاية خلقه وأمره. ووعد أهله بأحسن جزائه. وجعله سببا للمزيد من فضله. وحارسا وحافظا لنعمته. وأخبر أن أهله هم المنتفعون بآياته. واشتق لهم اسما من أسمائه. فإنه سبحانه هو الشكور وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكورا. وهو غاية الرب من عبده. وأهله هم القليل من عباده.
قال الله تعالى: {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114] وقال {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] وقال عن خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} [النحل: 120، 121].
وقال عن نوح عليه السلام {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } [الإسراء: 3] وقال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] وقال تعالى: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] وقال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [إبراهيم: 5].
وسمى نفسه شاكرا وشكورا وسمى الشاكرين بهذين الاسمين. فأعطاهم من وصفه. وسماهم باسمه. وحسبك بهذا محبة للشاكرين وفضلا.
وإعادته للشاكر مشكورا. كقوله: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان: 22] ورضا الرب عن عبده به. كقوله: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7] وقلة أهله في العالمين تدل على أنهم هم خواصه. كقوله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه قام حتى تورمت قدماه. فقيل له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفلا أكون عبدا شكورا؟»[1].
«وقال لمعاذ والله يا معاذ، إني لأحبك. فلا تنس أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك»[2].
وفي المسند والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «كان يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم أعني ولا تعن علي. وانصرني ولا تنصر علي. وامكر لي ولا تمكر بي. واهدني ويسر الهدى لي. وانصرني على من بغى علي. رب اجعلني لك شكارا لك ذكارا لك رهابا لك مطاوعا لك مخبتا إليك أواها منيبا. رب تقبل توبتي. واغسل حوبتي. وأجب دعوتي. وثبت حجتي. واهد قلبي. وسدد لساني. واسلل سخيمة صدري» [3].
الشكر هو خير عيش السعداء، الذين لم يترقوا إلى أعلى المنازل إلا بشكرهم، فساروا بين جناحي الصبر والشكر إلى جنات النعيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.[4]

الهوامش:
[1] رواه أحمد في مسنده، (18243).
[2] رواه أحمد في مسنده، (22119).
[3] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، ص 2/233
[4] أعمال القلوب: الشكر، محمد صالح المنجد، ص 5

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
مقدمة في شكر الله doc

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى