أهمية محبة الله عز وجل

أهمية محبة الله عز وجل




1) تكامل العبودية:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه له خيرٌ، وليسَ ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابَتْه سراء شكرَ فكانَ خيرًا له، وإن أصابتْه ضراء صبرَ فكان خيرًا له))[1]، هذه هي العبودية الحقة من المؤمن لله عز وجل، أن يعبده سبحانه حال قوته وغناه، كما يعبده حال ضعفه وفقره، فهو يتقلب في عبوديته لله عز وجل بين الخوف والرجاء والمحبة.

يقول ابن رجب: (وقد عُلمَ أن العبادةَ إنما تنبني على ثلاثةِ أصولٍ: الخوف والرجاء والمحبة، وكلٌّ منها فرضٌ لازم، والجمعُ بين الثلاثة حتمٌ واجبٌ، فلهذا كان السلفُ يذمون من تعبَّدَ بواحدٍ منها وأهملَ الآخرَين)[2].

2)سياج محبة الله عز وجل:

يقول ابن تيمية رحمه الله: (الحبُّ المجرد تتبسط النفوسُ به حتى تتسعَ في أهوائِها إذا لم يزعْها وازعُ الخشيةِ لله، حتى قالت اليهودُ والنصارى: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18])[3]؛ لذلك كان مقياس المحبة الصادقة لله عز وجل هو ظهور علاماتها التي بيَّنها الله في كتابه، وبينَّها رسوله في سنته، وكثير ممن يدَّعي المحبة هو أبعد من غيره عن اتباع السنة، وعن الأمر بالمعروف، وعن النهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، ويدَّعي مع هذا أن ذلك أكمل لطريق المحبة من غيره، لزعمه أن طريق المحبة لله ليس فيه غيرة ولا غضب لله، وهذا خلاف ما دلَّ عليه الكتابُ والسنةُ.

3)المحبة تستلزم الخوف من الله عز وجل:

المحبة الصادقة لابد وأن تكون مقترنة بالخوف من الله تعالى، فهذه هي صفة المؤمنين؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}، يقول ابن تيمية رحمه الله: (كَرِهَ منْ كَرِهَ من أهلِ المعرفةِ والعلمِ مجالسةَ أقوامٍ يُكثرون الكلامَ في المحبةِ بلا خشيةٍ؛ وقالَ من قالَ من السلفِ: من عَبَدَ اللهَ بالحبِّ وحدَه فهو زنديقٌ، ومن عبدَه بالرجاءِ وحدَه فهو مرجئٌ، ومن عبدَه بالخوفِ وحدَه فهو حروري، ومن عبدَه بالحبِّ والخوفِ والرجاءِ فهو مؤمنٌ موحد)[4].

4)هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

الله تبارك وتعالى شكور، عظيم الإحسان، دائم المعروف، من تقرَّب إليه قَبِله، ومن تاب إليه تاب عليه، ومن أقبل على طاعته ملأ قلبه سكينة ورضًا، وأقبل بقلوب العالمين عليه؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]، قال عليُّ بن أبي طلحة، عن ابن عبَّاس في قوله: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} قال: (حُبًّا)[5].

وقال البغوي: (قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96] أَيْ: مَحَبَّةً، قَالَ مُجَاهِدٌ: يُحِبُّهُمُ اللَّهُ وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)[6].

وقال ابن القيم: ({سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدا}، أي: يلقي بينهم المحبة، فيحبُّ بعضُهم بعضًا، فيتراحمون ويتعاطفون بما جعلَ اللهُ لبعضِهم في قلوبِ بعضٍ من المحبةِ، وقال ابن عباس: يحبُّهم ويُحَبِّبُهم إلى عباده، قال هرم بن حيان: ما أقبلَ عبدٌ بقلبِه إلى اللهِ عز وجل إلا أقبلَ اللهُ بقلوبِ المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتَهم ورحمتَهم)[7].

وهذا المعنى أكده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إذا أحبَّ اللهُ تعالى العبدَ، نادى جبريلَ: إن اللهَ تعالى يحبُّ فلانًا، فأحبَّه، فيحبُّه جبريلُ، فينادي في أهلِ السماءِ: إن اللهَ يحبُّ فلانًا، فأحِبُّوه، فيحبُّه أهلُ السماءِ، ثم يُوضعُ له القبولُ في الأرضِ))[8].

وفي روايةٍ لمسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن اللهَ تعالى إذا أحبَّ عبدًا دعا جبريلَ، فقال: إني أحبُّ فلانًا فأحبه، فيُحبُّه جبريلُ، ثم ينادي في السماءِ، فيقول: إن اللهَ يحبُّ فلانًا، فأحِبُّوه فيحبُّه أهلُ السماء، ثم يوضعُ له القبولُ في الأرضِ، وإذا أبغضَ عبدًا دعا جبريلَ، فيقول: إني أبغضُ فلانًا، فأبغِضْه، فيبغضه جبريلُ، ثم ينادي في أهلِ السماءِ، إنَّ اللهَ يبغضُ فلانًا، فأبغِضُوه، فيبغضه أهلُ السماءِ ثم توضعُ له البغضاء في الأرض))[9].

5)محبة الله عز وجل رزق:

أن يُعطى المرء قلبًا صافيًا محبًّا ومحبوبًا فهو من أعظم الرزق؛ ولذا منَّ الله على عبده وكليمه موسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - بأنه رزقه المحبة؛ فقال: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي} [طه: 39]، قال أبو جعفر الطبري: (إنَّ اللَّه ألقى محبَّته على موسى، كما قال جلَّ ثناؤه: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي}؛ فحبَّبه إلى آسية امرأة فرعون، حتَّى تبنَّته وغذَّته وربَّته، وإلى فرعون، حتَّى كفَّ عنه عاديته وشرَّه)[10].

قال البغوي: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه: 39]؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَحَبَّهُ وَحَبَّبَهُ إِلَى خَلْقِهِ، قَالَ عِكْرِمَةُ: مَا رَآهُ أَحَدٌ إِلَّا أَحَبَّهُ، قَالَ قَتَادَةُ: مَلَاحَةٌ كَانَتْ فِي عَيْنَيْ مُوسَى، مَا رَآهُ أَحَدٌ إِلَّا عشقه)[11].

وقال ابن عاشور: ({وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} خَلْقُ الْمَحَبَّةِ فِي قَلْبِ الْمُحِبِّ بِدُونِ سَبَبٍ عَادِيٍّ حَتَّى كَأَنَّهُ وُضِعَ بِالْيَدِ لَا مُقْتَضًى لَهُ فِي الْعَادَةِ)([12]).

قال الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ: (إِنَّ اللهَ تعالى يَقْسِمُ الْمَحَبَّةَ كَمَا يَقْسِمُ الرِّزْقَ وَكُلُّ ذَا مِنَ اللهِ تعالى، وَإِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ، مَنْ عَامَلَ اللهَ عز وجل بِالصِّدْقِ أَوْرَثَهُ اللهُ عز وجل الْحِكْمَةَ)([13]).

 

الهوامش:

([1]) رواه مسلم، (2999).

([2]) استنشاق نسيم الأنس، ابن رجب، ص(18-21).

([3]) التحفة العراقية في الأعمال القلبية، ابن تيمية، ص(59).

([4]) العبودية، ابن تيمية، (1/ 112).

([5]) تفسير الطبري، (18/262).

([6]) معالم التنزيل، البغوي، (4/ 576).

([7]) إغاثة اللهفان، ابن القيم، (2/ 155).

([8]) رواه البخاري، (3037)، ومسلم، (2637).

([9]) رواه مسلم، (2637).

([10]) تفسير الطبري، (18/303).

([11]) معالم التنزيل، البغوي، (4/ 581).

([12]) التحرير والتنوير، ابن عاشور، (16/ 217).

([13]) رواه أبو نعيم في الحلية، (8/ 99).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
أهمية محبة الله عز وجل.doc doc
أهمية محبة الله عز وجل.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى