شبهة أن الدعاء لا يرد القضاء ويغيره من قضاء إلى قضاء

شبهة أن الدعاء لا يرد القضاء ويغيره من قضاء إلى قضاء



 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ يدَّعي بعضُ المبتدعة أن([1]) الدعاء يردُّ القضاءَ ويغيره من قضاءٍ إلى قضاءٍ، وقد استدلَّ هؤلاء بأدلة كثيرة، أقواها الأحاديث المصرِّحَة برد الدعاء للقضاء، ثم أحاديث الاستعاذة من سوء القضاء، فمن الأحاديث التي تدل على رد الدعاء للقضاء:
1- حديث سلمان رضي الله عنه عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال: »لا يردُّ القضاءَ إلا الدعاءُ، ولا يزيدُ في العمرِ إلا البرُّ«([2]).
2- وحديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: »لا يزيدُ في العمرِ إلا البرُّ، ولا يَرُدُّ القدرَ إلا الدعاءُ، وإن الرجلَ ليُحرم الرزقَ بالذنبِ يصيبُه«([3]).
3- وحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: »لا يُغني حذرٌ من قَدَر، والدعاءُ ينفعُ مما نزلَ ومما لم ينزلْ، وإن الدعاءَ والبلاءَ ليعتلجان إلى يومِ القيامةِ«([4]).
ومن الأحاديث التي تدلُّ على الاستعاذة من شرِّ القضاء:
1- ما ورد في حديث القنوت: »وقِنِي شرَّ ما قَضَيْتَ«([5]).
2- وما ورد في حديث أبي هريرة قال: »كان النبيُّ  صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جَهَدِ البلاء، ودَرَكِ الشقاءِ، وسوءِ القضاءِ، وشماتةِ الأعداءِ«([6]).
مناقشة هذه الأدلة والجواب عليها:
1- إن هذه الأحاديث لو فرضنا أنها تكون معارضةً لما يدلُّ على عدم تغيير ما سبق به القضاء، لكانت النصوص القطعية الدالة على عدم التغيير أقوى وأرجح، هذا على فرض الترجيح.
2- الصحيح أنه ليس هناك تعارض، فالجمع ممكنٌ جدًّا؛ لأن هذا - كما تقدم - من رد القضاء بالقضاء، والكلُّ من قضاء الله وقدره، الرد والراد والمردود.
ولا يخرج شيءٌ من قدر الله تعالى، فالله الذي قدَّر البلاء هو الذي قدَّر دفعه بالدعاء أو غير ذلك من الأسباب، فالقضاء والقدر شاملٌ للجميع، وقد تقدَّمَ بيان ذلك بما فيه الكفاية.
3- ليس في هذه الأحاديث ما يدلُّ صراحةً على أن الدعاء ليس داخلًا في القضاء، ويحمل رد القضاء بالدعاء الوارد في هذه الأحاديث على معنى أن الدعاء قد سبق به القضاء، فهو سببٌ علق عليه المسبب في القضاء السابق أولًا، وليس معناه أن الدعاء يأتي بقضاء جديد لم يسبق به القضاء، وذلك لما يلزم - لو ثبت ذلك - من عدم شمول القضاء لكل شيء، وهذا يتنافى مع النصوص الكثيرة الدالة على شمول القضاء.
وبهذا تبيَّن أن الدعاء لا يرد القضاء، بمعنى أنه لا يأتي بقضاء جديد لم يسبق.


الهوامش

([1]) انظر عن هذا المذهب: شأن الدعاء، الخطابي، ص(7)، وقطر الولي، الشوكاني، ص(479-498)، وقد نصر فيه هذا المذهب وقواه كما فعل ذلك في رسالتين مستقلتين؛ إحداهما: في أن إجابة الدعاء لا ينافي القضاء، طُبِعَت ضمن مجموع للشوكاني باسم "أمناء الشريعة"، ص(130-135)، وثانيتهما: سماها باسم "تنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصه من الدلائل"، طُبعت مع المجموع المذكور، ص(112-128)، وقد تعسف الشوكاني - رحمه الله - في تقوية هذا المذهب في هذه الرسائل، وعليه مآخذ كثيرة في رده على الجمهور، وكثير من تلك المآخذ يفهم مما ذكرناه فيما سبق.

([2]) رواه الترمذي، (2129)، وحسنه الترمذي، وقال الألباني بعد أن أطال الكلام عليه: (والخلاصة: إن الحديث حسن كما قال الترمذي بالشاهد من حديث ثوبان ...)، السلسلة الصحيحة، (154).

([3]) رواه ابن ماجه، (22)، وأحمد في مسنده، (5/277، 285، 282)، وابن أبي شيبة في المصنف، (9916)، والطبراني في الدعاء، (31)، والحاكم في المستدرك، (1/493)، وصححه ووافقه الذهبي، واعترض عليهما الألباني بجهالة أحد رواته كما في الصحيحة، (1/2/78).

([4]) رواه الطبراني في الدعاء، (2/805) (رقم:22)، والحاكم في المستدرك، (1/492)، والبزار كما في كشف الأستار، (3/29) (رقم: 2165)، والحديث صححه الحاكم وقال الذهبي: زكريا - وهو ابن منظور - مجمع على ضعفه، وقال الهيثمي: وفيه زكريا بن منظور، وثَّقه أحمد بن صالح المصري وضعَّفه الجمهور، المجمع، (7/209)، وقد حسنه الألباني كما في صحيح الجامع، (6/241) (رقم: 7616)، وله شاهد من حديث معاذ رواه أحمد في مسنده، (5/234)، والطبراني في الدعاء، (2/800) (رقم: 32)، قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، وشهر بن حوشب لم يسمع من معاذ، ورواية إسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز ضعيفة، المجمع، (10/146)، وله شاهد آخر من حديث ابن عمر رواه الترمذي، (3548)، والحاكم في المستدرك، (1/493)، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي وهو ضعيف من قِبَلِ حفظه، وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بأن عبد الرحمن واهٍ.

([5]) رواه أحمد في مسنده، (1/199، 200)، وأبو داوُد، (1425)، والترمذي، (464)، والنسائي، (3/206)، وانظر الكلام على طرق هذا الحديث في تلخيص الحبير، (1/247-250)، وإرواء الغليل، (2/172)، وقد صححه الألباني فيه.

([6]) رواه البخاري، (6347)، ومسلم، (2707).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
شبهة أن الدعاء لا يرد القضاء ويغيره من قضاء إلى قضاء.pdf pdf
شبهة أن الدعاء لا يرد القضاء ويغيره من قضاء إلى قضاء.doc doc

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى