النفس الأمارة بالسوء وأمراض القلوب من معوقات التوبة الداخلية

النفس الأمارة بالسوء وأمراض القلوب من معوقات التوبة الداخلية







الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ثم أما بعد؛ فإن للتوبة معوقات كثيرة، تعيق التائب عن المسارعة بالتوبة، وتؤخره في القيام بها، وتدعوه إلى التريث والتسويف بها، فتمد أمامه الآمال البعاد، لتنسيه الاستعداد ليوم المعاد! وإذا اجتمعت هذه العوائق على الإنسان، وتكالبت عليه، فإنها ستصده عن باب التوبة، وتحول بينه وبين الأوبة، وتغرقه في الذنوب والعصيان، فلا يصحو إلا بعد فوات الأوان، ويبوء بالخيبة والخسران! ومعوقات التوبة الداخلية كثيرة، وهي أمور من داخل النفس الإنسانية، ومنها:
النفس الإنسانية الأمارة بالسوء:
النفس الإنسانية أمارة بالسوء، متعلقة بالشهوات، محبة للراحة والدعة، أسيرة الهوى، إلا من رحم ربي، ولذا فهي من أهم المعوقات عن التوبة كما قال تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53] وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41]
فإذا كانت النفس بطبيعتها ميالة للهوى، متعلقة بالشهوات، أمارة بالسوءن فماذا يفعل من أراد لنفسه الخير والنجاة!
والجواب: عليه أن يقومها ويؤدبها ويجاهدها، فقد أثنى الله تبارك وتعالى على أولئك الذين يجاهدون أنفسهم، ويقومونها على طاعة الله في مواضع عديدة من كتابه فقال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } [الشمس: 9، 10]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]
وقد عاب المولى تبارك وتعالى على الكفرة اتباع هوى الأنفس فقال سبحانه: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23]
أي أنهم يتبعون ما تشتهيه أنفسهم الأمارة بالسوء، التي زينت لهم عبادة الأصنام والصد عن سبيل الله.[1]
وطريق الجنة يحتاج إلى مجاهدة للنفس، لأنه محفوف بالمكاره، والصعاب، قال عليه الصلاة والسلام: (حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره)[2]، وهذه المكاره التي لا تألفها النفس، وتتثاقل منها قسمان، أحدهما فعل الطاعات، والثاني ترك المحرمات، ولما كانت التوبة جامعة للقسمين كانت التوبة والإنابة إلى الله قمة المكاره على النفس البشرية.
تحتاج إلى مجاهدة وصبر ومصابرة حتى يرتقي العبد بنفسه إلى درجة الطمأنينة والإستقرار على طاعة الله، وإنه ليسير على من يسره الله عليه!
والخلاصة أن النفس وما فيها من الهوى معوق كبير عن التوبة، ومثبط عنها، ومن ترك نفسه على هواها فإنها ستحول بينه وبين التوبة بلا شك.
أمراض القلوب المختلفة:
القلب السليم النقي، قلب طاهر صاف، لا يألف المعصية، ولم يتلطخ بأدرانها وأوساخها وأكدارها، فهو قلب سليم لأنه سلم من مواقعة الذنوب والآثام، وسلم من آثارها التي تخلفها، وسلم من حبها أو التعلق بها، لأنه لا يحب إلا ما يحبه الله تعالى.
ومن هنا وعد الله عز وجل صاحبه بالفوز بالجنان والرضوان فقال سبحانه: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89]، وضرب لنا مثلًا بصاحب قلب سليم وهو إمام الحنيفية إبراهيم عليه السلام فقال سبحانه: { وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات: 83، 84]
وقد حذر القرآن الكريم من خطر أمراض القلوب، وبين أن كثرة الذنوب وعدم التوبة، سبب لعمى القلوب، وحجبها عن الهدى والنور، وإفسادها، فقد قال سبحانه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]
وقال سبحانه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]
ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب قفل تلك القلوب، واستحواذ الران عليها فيقول: (إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكر الله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ})[3]
فسبب هذا الران إذا هو عدم التوبة والاستغفار، لأن التائب المستغفر لا يحصل له ذلك، لأنه كلما أخطأ ونكت في قلبه، سارع إلى الاستغفار فصقل قلبه، وزال عنه أثر المعصية، فالذنوب أدران للقلوب وغسلها ودوائها يكون بالتوبة والاستغفار، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا أنه قال: (إن القلب لتصدأ كما يصدأ الحديد وجلاؤها ذكر الله)[4].
وإذا زاد هذا الصدأ، فإنه سيشمل القلب كله ويغطيه، وهذا هو الران الذي ورد في الحديث السابق، وإذا استحوذ الران على قلب امرئ ما، فإنه سيحول بينه وبين التوبة، وسيحول بينه وبين الإنابة، وسيمنعه من تدبر القرآن والإنتفاع بهديه، سيكون قلبًا ميتًا لا حياة فيه، كما قال رب العالمين: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122]
فهؤلاء كانوا أمواتًا فأحياهم الله بنور القرآن، وهديه العظيم، وإذا هم يعيشون في الأنوار، بعد أن كانوا أمواتًا في ظلمات الغي والعصيان... وإذا قلوبهم لينة مضيئة سليمة، قلوب تلين من خشية الله، وترتعش وتنبض بذكر الله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]
وأما أولئك الذين أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي والذنوب، واقترفوا الآثام، لا يستشعرون هدي القرآن، ولا ينتفعون بأحكامه، ولا يستنيرون بنوره،... يصدق فيهم قول القائل:
لقد أسمعت لو ناديت حيًا                 ولكن لا حياة لمن تنادي

الهوامش:
[1]  تفسير أبو السعود، ص 8/159.
[2] أخرجه البخاري بلفظ (حجبت) بدل (حفت) كتاب الرقاق، باب حجبت النار بالشهوات 7/186.
[3]  أخرجه الترمذي برقم 3334، وقال هذا حديث حسن صحيح.
[4]  أخرجه الطبراني في المعجم الصغير 1/184، والأوسط 7/74.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
النفس الأمارة بالسوء وأمراض القلوب من معوقات التوبة الداخلية doc
النفس الأمارة بالسوء وأمراض القلوب من معوقات التوبة الداخلية pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى