شروط التوبة

شروط التوبة





إن للتوبة شروطًا لا تتحقق إلا بها، وقد استنبطها العلماءُ من نصوص الكتاب والسُّنة؛ وهذه الشروط هي كالتالي
([1]):

1-  الإخلاص لله تعالى.

2-  الإقلاع عن المعصية.

3-  الندم على ما فات.

4-  العزم على أن لا يعود إليها.

5-  أن تكون التوبة قبل إقفال بابها.

فهذه الشروط إذا كانت المعصية بين العبدِ وبين ربِّه تعالى، أما إذا كات المعصية تتعلق بآدمي، فيُزاد على هذه الشروط شرط سادس؛ وهو:

6-  رَدُّ الحقِّ إلى أهلِه.

الشرط الأول ـ الإخلاص لله تعالى:

إن التوبةَ عبادةٌ، بل هي من أَجَلِّ العبادات، والعبادات كلها يُشترط فيها الإخلاص لله، فمن ترك ذنبًا من الذنوب لله صَحَّت توبتُه، ومن تركه لغير الله لم يكن مخلصًا ولم تصح توبتُه، فإن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا له وحده، ليس لأحد فيه شيء.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (وقد يظنُّ الظانُّ أنه تائب ولا يكون تائبًا بل يكون تاركًا، والتاركُ غير التائب، فإنه قد يُعْرِضُ عن الذنبِ لعدم خطورِه بباله أو المقتضي لعجزه عنه، أو تنتفي إرادته له بسببٍ غير ديني، وهذا ليس بتوبة، بل لابد من أن يعتقدَ أنه سيئة، ويكرهُ فعلَه لنهي اللهِ عنه، ويدعه لله تعالى لا لرغبةِ مخلوقٍ ولا لرهبةِ مخلوقٍ، فإن التوبةَ من أعظم الحسنات، والحسناتُ كلها يشترط فيها الإخلاص لله وموافقة أمره)([2]).

الشرط الثاني ـ الإقلاع عن المعصية:

فلا تتصور صحة التوبة مع الإقامة على المعاصي حال التوبة، فإن الإقلاع عن الذنب شرطٌ أساسي للتوبة المقبولة، فالذي يرجعُ إلى اللهِ وهو مُقِيمٌ على الذنب لا يُعَدُّ تائبًا، فإن الصادق في توبته يُقْلِعُ عن المعصية التي كان متلبسًا بها في الحال، ويكون إقلاعه هذا من أجلِ اللهِ خوفًا منه وحياءً، لا رغبةً ورهبةً من غير الله، أو لعدم القدرة على فعلها، فالإقلاعُ من الذنبِ لازمُ التوبةِ.

الشرط الثالث ـ الندم على ما فات:

والندم ركنٌ من أركان التوبة لا تتم إلا به، ولا تتصور التوبة إلا من نادمٍ خائفٍ وَجِلٍ، مشفق على نفسه مما حصل منه، وقد وضَّح النبيُّ صلى الله عليه وسلم قيمةَ الندم فقال: ((النَّدَمُ توبةٌ))([3])، وقد أشار شيخ الإسلام إلى عناصر الندم؛ فقال - رحمه الله -: (والندمُ يتضمن ثلاثةَ أشياء: اعتقاد قبحِ ما ندم عليه، وبغضه وكراهيته، وألمٌ يلحقه عليه)([4]).

فمن أهم هذه العناصر (اعتقادُ قبحِ ما ندمَ عليه)، وهذا الاعتقاد بقبح عمله الذي كان يعمله لا يمكن حصوله إلا بعد معرفته بأن فعله سيء ليتوب منه، أو بأنه ترك حسنًا مأمورًا به أَمْرَ إيجابٍ أو استحبابٍ ليتوب فيفعله.

ولهذا يقول: إن أول التوبة العلم بالذنب، فإن الذي لا يعلم أنه يُذْنِبُ لا يمكن أن يتوب من شيء لا يعده ذنبًا([5])، فمن عرف قبحَ ذنبه واعتقده؛ أورده ذلك كراهيةً لما كان يفعله، فحصلَ له بذلك ألم وأذى وغَم، فيطلب التملص منه ومن تبعاته.

الشرط الرابع ـ العزم على أن لا يعود إلى المعصية في المستقبل:

فهو ضروري للدلالة على الصدق في التوبة، بل العزم على أن لا يعود هو تفسيرٌ للتوبة النصوح المأمور بها في الآية، لأن التوبة رجوعٌ عن الماضي واستشرافٌ إلى المستقبل المغايرِ له، فإذا كان التائبُ يريد أن يعود كما كان في الماضي فليس بتائبٍ، بل هو مستهزئٌ بربِّه، فهو يُظْهِرُ الندمَ مع أنه مستعد لأن يعمل مثله مرة أخرى.

ويكفي العزم على عدم العودة من الذنب، ولا يشترط عدم تكرار المعصية، فإن تكررت المعصيةُ فعليه أن يتوبَ مرةً أخرى، ولو عادَ مائةَ مرةٍ، فاللهُ سبحانه وتعالى لرأفته بعباده يغفرُ لهم ما داموا يستغفرون ويتوبون إليه، ولو تكررت المعاصي منهم([6]).

الشرط الخامس ـ أن تكون التوبة قبل إقفال بابها:

فلابد أن تكون التوبة في الزمن الذي يُقْبَلُ فيه التوبة، وهو أن تكون التوبة قبل حضور الموت ومقدماته([7])؛ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ يَقْبَلُ توبةَ العبدِ ما لم يُغَرْغِر))([8]).

أو أن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها، وهو أحد أشراط الساعة الكبرى؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ يبسطُ يدَه بالليلِ ليتوبَ مسيءُ النهارِ، ويبسطُ يدَه بالنهارِ ليتوبَ مسيءُ الليلِ، حتى تطلعَ الشمسُ منْ مغربِها))([9]).

فهذه الشروط إذا كانت المعصية بين العبدِ وبين ربِّه، أما إذا كانت المعصية تتعلق بآدمي، فكما أسلفنا هناك شرطٌ سادس.

الشرط السادس ـ ردُّ الحقِّ إلى أهلِه:

ومن شروط التوبة التي لا تتم إلا بها رَدُّ المظالم إلى أهلها، فَرَدُّ المظالم إلى أهلها من تمام الإقلاع من الذنوب، وهذه المظالمُ إما أن تتعلق بأمورٍ مادية، أو بأمورٍ غير مادية، فإن كانت المظالم مادية كاغتصاب المال؛ فيجبُ على التائب أن يردها إلى أصحابها إن كانت موجودة، أو أن يتحللهم منها، وإن كانت المظالم غير مادية؛ فيجبُ على التائب أن يطلب من المظلوم العفوَ عن ما بدر من ظلمه وأن يعمل على إرضائه([10]).

 

الهوامش:

([1]) انظر هذه الشروط في: رياض الصالحين، النووي، ص(33-34)، ومختصر منهاج القاصدين، المقدسي، ص(257)، ومدارج السالكين، ابن القيم، (1/138)، أما شيخ الإسلام فلم يذكرها مجتمعةً، لكنه تكلم عنها في مواضع متفرقة.

([2]) مجموع فتاوى ابن تيمية، (10/318).

([3]) رواه أحمد في مسنده، (6/37)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، (704)، والحاكم في المستدرك، (5/169)، وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الروض النضير، (644).

([4]) رسالة في التوبة، ابن تيمية، (1/484)، ضمن جامع الرسائل، وانظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، (10/325).

([5]) التحفة العراقية، ص(297).

([6]) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، (16/58)، ومدارج السالكين، ابن القيم، (1/212).

([7]) مجموع فتاوى ابن تيمية، (18/190-191).

([8]) رواه أحمد في مسنده، (10/300)، والترمذي، كتاب الدعوات، باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده، (803)، وقال الترمذي: (هذا حديث حسن غريب)، ورواه ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، (704)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح، (2343).

([9]) رواه مسلم، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة، (1104).

([10]) مجموع فتاوى ابن تيمية، (18/186-189)، ورياض الصالحين، النووي، ص(34)، ومختصر منهاج القاصدين، المقدسي، ص(258- 259)، ومدارج السالكين، ابن القيم، (1/218-219).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
شروط التوبة.doc doc
شروط التوبة.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى