تعلق الإنسان بالدنيا وشهواتها من معوقات التوبة الخارجية

تعلق الإنسان بالدنيا وشهواتها من معوقات التوبة الخارجية






الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ثم أما بعد؛ فإن للتوبة معوقات كثيرة، تعيق التائب عن المسارعة بالتوبة، وتؤخره في القيام بها، وتدعوه إلى التريث والتسويف بها، فتمد أمامه الآمال البعاد، لتنسيه الاستعداد ليوم المعاد! وإذا اجتمعت هذه العوائق على الإنسان، وتكالبت عليه، فإنها ستصده عن باب التوبة، وتحول بينه وبين الأوبة، وتغرقه في الذنوب والعصيان، فلا يصحو إلا بعد فوات الأوان، ويبوء بالخيبة والخسران! ومعوقات التوبة كثيرة، يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسين خارجية وداخلية، ومنها:
إن النفس الإنسانية مجبولة على حب الشهوات، ضعيفة أمامها، متعلقة بزخارف الدنيا وشهواتها ومغرياتها، كما أخبر المولى عز وجل في كتابه بقوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14]
وقال تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20]
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة هذا الحب لدى الإنسان فقال: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)[1]، وفي رواية أخرى: (لو أن ابن آدم أعطى واديًا ملآن من ذهب أحب إليه ثانيًا، ولو أعطى ثانيًا أحب ثالثًا، ولا يسد جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)[2].
ولعل الحكمة في ذكر التراب دون غيره، أن المرء لا ينقضي طمعه حتى يموت، فإذا ما دفن في التراب فملأ جوفه وفاه وعينيه وباقي أعضائه، ولم يبق منه جزء ولا موضع إلا وملئه، فلم يبق منه موضع يحتاج إلى تراب غيره، وهنا تنقضي أطماعه.[3]
أما وقفتنا المهمة فهي مع قوله في نهاية الحديث: (ويتوب الله على من تاب)، فما وجه ذكر التوبة في نهاية هذا الحديث؟!
قال الحافظ ابن حجر: (ويتوب الله على من تاب، أي أن الله يقبل التوبة من الحريص كما يقبلها من غيره، قيل: وفيه إشارة إلى ذم الاستكثار من جمع المال وتمني ذلك والحرص عليه، للإشارة إلى أن الي يترك ذلك يطلق عليه أنه تاب، ويحتمل أن يكون تاب بالمعنى اللغوي وهو مطلق الرجوع، أي رجع عن ذلك الفعل والتمني)[4].
وقال الطيبي: (يمكن أن يكون معناه أن الآدمي مجبول على حب المال، وأنه لا يشبع من جمعه إلا من حفظه الله ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه وقليل ما هم، فوضع (ويتوب) موضعه إشعارًا بأن هذه الجبلة مذمومة جارية مجرى الذنب، وأن إزالتها ممكنة بتوفيق الله وتسديده)[5].
ومع رجاهة ما ذهب إليه الطيبي، والحافظ ابن حجر، وصحته وصحنه، أرى أن أضيف مناسبة أكثر أهمية لختام الحديث بهذه العبارة، تكمن والله أعلم في أن هذه الشهوات من مال وغيره، معوقات للتوبة، مثبطات عنها، ملهيات عن الإنابة، مخذلات عنها، فالمال مفسدة وفتنة، وكذا سائر الشهوات ومشغلة وملهاة عن ذكر الله، ومن التوبة إليه سبحانه.

الهوامش:
[1]  أخرجهالبخاري في كتاب الرقاق، باب ما يتقي من فتنة المال، ص 7/175.
[2] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب ما يتقي من فتنة المال 7/175، وفتح الباري 11/253.
[3] فتح الباري 11/256.
[4]  المرجع السابق
[5]  فتح الباري 11/256.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
تعلق الإنسان بالدنيا وشهواتها من معوقات التوبة الخارجية doc
تعلق الإنسان بالدنيا وشهواتها من معوقات التوبة الخارجية pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى