ثمرات التوبة إلى الله

ثمرات التوبة إلى الله






الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛ هذه بعض الثمرات والنتائج المرتبة على التوبة، والخلاصة أن التوبة من أجل العبادات، وأنها من شيم أوليائه الصالحين، وأنها واجبة على كل مؤمن، ولا يستغنى عنها أحد، ولا يكمل أحد ويحصل له كمال القرب من الله ويزول عنه كل مكروه إلا بها.
  • محبة الله تعالى للتائبين وفرحه بتوبتهم:
هذا ألأثر العظيم من آثار التوبة؛ لو لم يوجد معه غيره لكفى، فهو ثمرة عظيمة من ثمار التوبة، ومنحة كريمة، ونعمة كبيرة يتفضل الله بها على التائبين.
بل إن محبة الله تعالى للتائبين هي أشرف آثار التوبة وأنفسها وأعلاها، لأنه ليس بعد محبة الله تعالى مطلب، ولا بعد فرحه بعيده فوز.
ومحبته سبحانه للتائبين ثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]، وقال سبحانه: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].[1]
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: (أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إلى فأنا حبيبهم، فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا؛ فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعاتب)[2].
والله تعالى يحب التائبين جميعهم، ويفرح بتوبتهم، ويقبلها منهم، شيوخًا وشبابًا، وكلما كان التائب أسرع في توبته وإنابته، كان أحب إلى الله عزوجل، فإن الشاب التائب أحب إلى الله تعالى من الشيخ التائب، والقوي التائب أحب إلى الله تعالى من العاجز التائب، والضعيف التائب، وإن كان كل منهم حبيبًا إلى ربه، يقبل توبته، ويقيل عثرته إذا عاد إلى ربه صادقًا نادمًا.
وهذا المعنى صرح به الحديث القدسي، الذي يقول فيه المولى تبارك وتعالى: (أحب ثلاثة وحبي لثلاثة أشد، أحب التائبين وحبي للشاب التائب أشد، وأحب الأسخياء وحبي للفقير السخي أشد، وأحب المتواضعين، وحبي للمتواضع الغني أشد وأبغض ثلاثة وبغضي لثلاثة أشد، أبغض البخلاء وبغضي للغني البخيل أشد، وأبغض المتكبرين وبغضي للفقير المتكبر أشد، وأبغض الفساق وبغضي للشيخ الفاسق أشد)[3].
وورى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من شيء أحب إلى الله عز وجل من شاب تائب)[4]، وفي رواية أبي الشيخ: (إن الله يحب الشاب التائب)[5].
والأحاديث التي تبين محبة الله تعالى للتائبين، وفرحه بهم، كثيرة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)[6].
والمتتبع للأصناف التي خصها الله تعالى بمحبته، وأكرمها بذلك في كتابه العزيز، يجدها تنحصر في ثمانية أصناف، وهم:
  • المحسنون، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [البقرة: 195]
  • التوابون، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]
  • المتقون، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4]
  • الصابرون، قال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]
  • المتوكلون، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } [آل عمران: 159]
  • المقسطون، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [المائدة: 42]
  • المطهرون، قال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108]
  • المقاتلون في سبيل الله، قال تعالى:
والذي يتأمل هذه الأصناف يجدها تتميز بأنها على درجة كبيرة من الاتصال بالله تعالى، ومراقبته وتحري مرضاته.
وهي تجمع أوصاف من بلغوا القمة في فعل الخير، والتقرب إلى الله تعالى، ومجاهدة النفس وتربيتها على طاعة الله تعالى.
ومحبة الله تعالى لها آثار عظيمة وثمرات كثيرة في الدنيا والآخرة، فمن آثار محبة الله تعالى للعبد في الدنيا، أن يصير العبد محبوبًا من أهل السماء وأهل الأرض، وأن يوضع له القبول في الأرض.
ومن كان هذا حاله لازمته السعادة، وحاز الرضا والسرور، وكان التوفيق ملازمًا له في كل أموره.
يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل إن الله يحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض)[7].
ومن آثار هذه المحبة العظيمة المباركة – محبة الله تعالى لعبده – التوفيق له في سائر أموره، والبركة له في صحته وقوته وسمعه وبصره، وإجابة سؤاله، وتلبية حاجاته، وكفايته أعداءه[8].
ومن آثار هذه المحبة المباركة في الآخرة، تنجية العبد المحبوب من النار، وإدخاله دار الكرامة والجوار، وقد ورد هذا مصرحًا به في الحديث من رواية حذيفة بزيادة: (ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة)[9].
فأعظم بها من محبة تفيض على العبد من العطاء الكريم في الدنيا والآخرة، محبة تحيط بحفظ الله في الدنيا، وتسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، وتنتهي بتنحيته من النار، ودخوله دار الكرامة مع صفوة الخلق الأبرار، مع النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقًا!

الهوامش:
[1] وفي معنى: (المطهرين) قولان للعلماء: أولهما: الذين يؤثرون الطهارة ويحرصون عليها عند عروض موجبها، ويتنزهون عن القاذورات.
والثاني: الذين يتطهرون عن الذنوب والمعاصي بالتوبة إلى الله.
ولفظ الأية عام يشمل القولين جميعًا.
انظر تفسير ابن كثير 2/390- 391، تفسير أبي السعود 4/103، فتح القدير 2/403.
[2] ذكره ابن تيمية في منهاج السنة النبوية 3/129، ودرء تعارض العقل والنقل، 7/10، وابن القيم في مدارج السالكين 1/433، والسفارييني في لوامع الأنوار البهية 1/395، وقد بحث عنه الدكتور محمد رشاد سالم محقق درء التعارض فلم يجده أيضًا، والحديث معناه صحيح.
[3] ذكره السمرقنيد في تنبيه الغافلين 1/143 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وذكره الشيخ على محفوظ في هداية المرشدين إلى طرق الوعظ والخطابة، ص 510، وعزاه لصحيح ابن حبان وبحثت فيه فلم أجد الحديث.
[4] أخرجه الديلمي في مسند الفردوس برقم 6153، وأورده السيوطي في الجامع الصغير وعزاه لأبي المظفر السمعاني في أماليه، ورمز له بالضعف، الجامع الصغير برقم 8050، وانظر كنز العمال، ص 4/217.
[5] أخرجه أبو الشيخ عن أنس، كما أفاده صاحب كنز العمال 4/209، ولم يذكر في أي كتاب أخرجه، وذكره ابن رجب في لطائف المعارف ص 363.
[6] أخرجه البخاري كتاب الدعوات باب التوبة 8/67-68، ومسلم كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها 8/93.
[7] أخرجه البخاري كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة 4/79، وفي كتاب الأدب، باب المقة من الله 7/83، وهذا لفظه، وأخرجه مسلم كتاب البر والصلة والأداب، باب إذا أحب الله عبدًا حببه لعباده 8/40-41.
[8] فتح الباري 11/344- 345.
[9] فتح الباري 11/345.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
ثمرات التوبة إلى الله doc
ثمرات التوبة إلى الله pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى