أحكام التوبة إلى الله

أحكام التوبة إلى الله





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول رب العالمين؛ ثم أما بعد، أذكر بعض أحكام التوبة التي وقفت عليها من كلام شيخ الإسلام رحمه الله:
المسألة الأولى: هل العبد إذا تاب من الذنب، يرجع إلى الدرجة التي كان عليها قبل الذنب؟
فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: إنه يرجع إلى درجته، لأن التوبة تجب الذنب بالكلية، وتصيره كأن لم يكن، والمقتضي لدرجته: ما معه من الإيمان والعمل الصالح، فعاد إليه بالتوبة.
القول الثاني: إنه لا يعود إلى درجته وحاله، لأنه لم يكن في وقوف، وإنما كان في صعود، فبالذنب صار في نزول وهبوط، فإذا تاب نقص عليه ذلك القدر الذي كان مستعدًا به للترقي.
يقول ابن القيم: (سمعت شيخ الإسلام رحمه الله يحكي هذا الخلاف ثم قال: والصحيح: أن من التائبين من لا يعود إلى درجته، ومنهم من يعود إليها، ومنهم من يعود إلى أعلى منها، فيصير خيرًا مما كان قبل الذنب، وكان داود بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة.
قال: وهذا بحسب حال التائب بعد توبته، وجده وعزمه، وحذره وتشميره، فإن كان ذلك أعظم مما كان له قبل الذنب عاد خيرًا مما كان وأعلى درجة، وإن كان مثله عاد إلى مثل حاله، وإن كان دونه لم يعد إلى درجته، وكان منحطًا عنها، وهذا الذي ذكره هو فصل النزاع في هذه المسألة)[1].
وامتدادا على هذه المسألة، يأتي سؤال آخر: هل التائب توبة نصوحًا أفضل من الطائع الذي لم يعص الله أصلًا، ففي المسألة خلاف[2]، ويفهم من كلام شيخ الإسلام السابق أن الأمر ليس بمطرد، بل يكون بحسب حال التائب والطائع، فقد يكون هذا أفضل وقد يكون ذاك افضل، فالاعتبار بالعاقبة، وأيهما كان أتقى لله في عاقبته كان أفضل.[3]
 
المسألة الثانية: هل الاعتراف بالخطيئة بمجرده مع التوحيد موجب لغفرانها وكشف الكربة عنها، أم يحتاج إلى شيء آخر؟
بين شيخ الإسلام أن الاعتراف هذا يمكن أن يكون على وجهين:
الوجه الأول: إن كان الاعتراف بالخطيئة مع التوحيد يتضمن في نفسه توبة فقد أوجب الغفران، فإذا غفر الذنب زالت عقوبته.[4]
الوجه الثاني: أما إن كان الاعتراف بالذنب على وجه الخضوع لله من غير إقلاع عنه فهذا هو نفس الاستغفار المجرد الذي لا توبة معه، وهو كالذي يسأل الله تعالى أن يغفر له الذنب مع كونه لم يتب منه، وهذا يأس من رحمة الله، لا يقطع له بالمغفرة له، فإنه داع دعوة مجردة.[5]

 الهوامش:
[1]  مدارج السالكين (1/220)، مجموع الفتاوى (10/293- 294).
[2]  انظر هذا الخلاف في مدارج السالكين (1/222- 229)
[3]  مجموع الفتاوى (10/ 300- 309)
[4]  بين شيخ الإسلام في هذا الموضع الفرق بين المغفرة والستر منبهًا على غلط من يفسر اسم الله الغفار بأنه الستار، فقال رحمه الله: (فإن المغفرة معناها وقاية شر الذنب بحيث لا يعاقب على الذنب، فمن غفر ذنبه لم يعاقب عليه، وأما مجرد ستره فقد يعاقب عليه في الباطن، ومن عوقب على الذنب باطنًا أو ظاهرًا فلم يغفر له، وإنما يكون غفران الذنب إذا لم يعاقب عليه العقوبة المستحقة بالذنب، وأما إذا ابتلى مع ذلك بما يكون سببًا في حقه لزيادة أجره فهذا لا ينافي المغفرة)، مجموع الفتاوى، ص 10/ 317.
[5]  مجموع الفتاوى (11/317- 319)

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
أحكام التوبة إلى الله doc
أحكام التوبة إلى الله pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى