الرضا مِنْ مظاهر الرجاءِ

الرضا مِنْ مظاهر الرجاءِ






الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وَصحبِه وَمَنْ وَالَاه وَبَعد ...

مِنْ مظاهر الرجاءِ الرضا؛ وَذلكَ لأنَّ الإنسانَ عندما يرجو اللهَ تعالى وَيوقن بإجابتِه؛ يكون راضيًا بكلِّ ما سينالُه مِنَ اللهِ تعالى، فيجعلَ عندَه طمأنينةً وَانشراحَ صَدْرٍ.

مفهومُ الرضا:

هوَ تَقَبُلُ ما يقضي بِه اللهُ عزَّ وَجَل، مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَلَا معارضةٍ، فهوَ سكونُ القلبِ إلى قديمِ اختيارِ اللهِ للعبدِ أنَّه اختارَ له الأفضلَ فيرضى بِه[1].

فضلُ الرضا:

لَقَدْ وَرَدَ فَضْلُ الرضا في كَثيرٍ مِنَ الآياتِ الكريمةِ وَالأحاديث النبويةِ الشريفةِ.

-       أما الآياتُ فقولُه تعالى:

قَالَ تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 119].

قَالَ تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 19-21].

قَالَ تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} [الغاشية: 8-9].

-       وَمِنَ الأحاديث الشريفةِ قولُ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم:

o ((المؤمنُ القويُّ خيرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤمنِ الضعيفِ، وَفِي كلٍّ خيرٌ، احرصْ على ما يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ باللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإنْ أصابَك شيءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أنِّي فَعَلْتُ كَانَ كذا وَكذا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَل، فَإنَّ لو تفتحُ عَمَلَ الشيطانِ))[2].

o ((مَنْ قَالَ حينَ يسمعُ المؤذنَ: أشهدُ أن لا إلَه إلَّا الله وَحدَه لا شريكَ له، وَأنَّ محمدًا عبدُه وَرَسولُه، رضيتُ باللهِ ربًّا وَبمحمدٍ رسولًا وَبالإسلامِ دينًا؛ غُفِرَ له ذنبُه))[3].

o ((ذَاقَ طعمَ الإيمانِ مَنْ رَضيَ باللهِ ربًّا، وَبالإسلامِ دينًا، وَبِمحمدٍ رسولًا))[4].

إنَّ مَنْ رَضيَ بما كتبَه اللهُ عزَّ وَجل لَه، هوَ الذي يستشعرُ حلاوةَ الإيمانِ، يذوقُ طعمَ الإيمانِ مَنْ رَضِيَ الرضا الحقيقي، رضا القلبِ وَليسَ رضا اللسانِ، فَقَدْ يتلفظُ الإنسانُ بعباراتٍ تدلُّ على الرضا وَمع ذلك يكونُ ساخطَ القلبِ، فالرضا الحقيقيُّ يستوجبُ الرضا بما يفعلُه اللهُ سبحانه، وبما يُقَدِّرُه له مِنْ رزقٍ.

درجاتُ الرضا:

الرضا درجتان:

الأولى: رضا باللهِ ربًّا مُدَبِّرًا، لا يتخذُ ربًّا غيرَه تعالى يسكنُ إليه؛ قَالَ تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 164].

الثانية: رضا عَنْ اللهِ، وَهوَ رضا العبدِ بما يفعلُه اللهُ تعالى بِه[5]؛ ولهذا لم يأتِ إلا بالثوابِ لقولِه تعالى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} لفجر: 27-28].

(فهذا بِرِضَاهَا عنه بما حَصَلَ لها مِنَ الكرامةِ؛ كقولِه تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 8]، وَالرضا بِه: أصلُ الرضا عَنْهُ، وَالرضا عَنْهُ ثمرةُ الرضا بِهِ)[6].

وَسخطُ اللهِ تعالى على العبدِ يكونُ بأمرين؛ (أحدهما: أنْ يُقَصِّرَ فيما أمرَ اللهُ تعالى، الثاني: أنْ لا يَرْضَى بما قَسَمَ اللهُ تعالى)[7].

ثمراتُ الرضا:

للرضا ثمراتٌ إيمانيةٌ كثيرةٌ تَنْتُجُ عَنْهُ، يرتفعُ بها الراضي إلى أعلى المنازلَ[8]؛ وَمِنْ تلك الثمراتِ:

1. أنَّ تمامَ عبوديتِه في جريانِ ما يكرهُه مِنَ الأحكامِ عليه، وَلوْ لَمْ يجرِ عليه منها إلا مَا يحبُّ لكانَ أبعدَ شيءٍ عَنْ عبوديةِ ربِّه، فلا تَتِمُّ له عبوديتُه مِنَ الصبرِ وَالتوكلِ وَالرضا وَالافتقارِ وَغيرِها إلا بجريانِ القَدَرِ له بما يكرهُه.

2. أنَّ السخطَ بابُ الهمِّ وَالغمِّ وَالحزنِ وَشتاتِ القلبِ، وَالظنُّ باللهِ خلافَ ما هوَ أهلُه، وَالرضا يُخَلِّصُه مِنْ ذلكَ كلِّه، وَيفتحُ لَه بابَ جنةِ الدنيا قبلَ جنةِ الآخرةِ.

3. أنَّ حكمَ الربِّ تعالى ماضٍ في عبدِه، وُقضاءَه عدلٌ فيه، كمَا وردَ في الحديثِ الشريفِ: ((عدلٌ فيَّ قضاؤُك))، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بالعدلِ فهوَ مِنْ أَهْلِ الظلمْ وَالجورِ.



الهوامش:

([1]) موسوعة الأخلاق الإسلامية، أبو عزيز، (2/378)، بتصرف.

([2]) رواه مسلم، كتاب القدر، باب الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير إليه، (2664).

([3]) رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي ثم يسأل اللهَ الوسيلة، (386).

([4]) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد، (56).

([5]) معالم التنزيل، البغوي، (8/497).

([6]) موسوعة الأخلاق الإسلامية، البغوي، (2/383).

([7]) تنبيه الغافلين، السمرقندي، ص(228).

([8]) طريق المساكين، عمر كامل، ص(98)، بتصرف.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
الرضا مِنْ مظاهر الرجاءِ.doc doc
الرضا مِنْ مظاهر الرجاءِ.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى