من الأسباب الجالبة للرجاء إحسان الظن بالله تعالى

من الأسباب الجالبة للرجاء إحسان الظن بالله تعالى





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ..وبعد

يحسنُ بالمسلمِ أن يكونَ حسن الظنَّ باللهِ تعالى مهما كانت أخطاؤه الماضية، ما دام تابَ عنها توبةً نصوحًا وصُلح حالُه، فها هو الحبيبُ المصطفى صلى الله عليه وسلم يوصينا بأن لا نفارقَ الدنيا إلا ونحنُ نُحسن الظنَّ باللهِ تعالى؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يموتنَّ أحدُكم إلا وهو يحسنُ الظنَّ باللهِ عز وجل))[1].

وحسبُنا ترغيبًا في ذلك قولُ اللهِ عز وجل في كتابه العزيز: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

وقد قيل في سبب نزول هذه الآية أن أناسًا من أهلِ الشرك كانوا قد قَتَلُوا فأَكْثَروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فقالوا: (إن الذي تدعو إليه لحسنٌ، إن تخبرنا لِمَا عملناه كفارة؟)، فنزلت الآية الكريمة: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[2].

المفهوم الصحيح لحسن الظن بالله تعالى:

الرجاء باللهِ تعالى وحسن الظن به إنما يُقبلان من الشخص إذا اقترنا بالعمل والالتزام بما أمر اللهُ تعالى، أما مع الاسترخاء وترك العمل فلا موضع لحُسن الظن.

وقد عرض اللهُ تعالى الأعمالَ التي تُرَشِّحُ أصحابَها لمرضاة الله تعالى، فبيَّن أنها الإيمان والهجرة والجهاد، تلك التي يرجو أصحابُها فضلَ الله تعالى، أما الريبة والقعود والراحة فلا تبلغ أملًا ولا تُنْتِجُ إلا شرًّا؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218].

إن هذا الرجاء الحار لا يجوز أن يفارق المؤمن في أي لحظة من حياته، سواء أكان قويًّا يضربُ الأرضَ برجله، أو كان قرُبَ من الآخرةِ يولي ظهره للحياة.

وقد وصفَ اللهُ تعالى الراجين بالمعنى الحقيقي، فقال متحدثًا عنهم بأهم الأعمال التي يرجون رحمةَ الله تعالى بها: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29]، كما ذمَّ اللهُ سبحانه وتعالى من انقطع رجاؤه من فضله تعالى فقال: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].

فضل حُسن الظن بالله تعالى:

ورد في فضلِ حُسنِ الظن بالله تعالى آياتٌ وأحاديث؛ فمن الآياتِ الكريمة: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 45-46].

جاء في تفسير ابن كثير: (إنهم ملاقوا ربِّهم؛ أي يعلمون أنهم محشورون إليه يومَ القيامةِ معروضون عليه، وأنهم إليه راجعون، أي أمورهم راجعةٌ إلى مشيئتِه يحكمُ فيها ما يشاءُ بعدلِه، فلهذا لمَّا أيقنوا بالمعاد والجزاء سهُل عليهم فعل الطاعات وترك المنكرات)[3].

قال تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249]، وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة: 19-23].

ومن الأحاديث الشريفة:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وأنا معه إذا دَعَاني))[4]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((أنا عندَ ظنِّ عبدِي بِي فَليظُنَّ بِي ما شاء))[5].

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدَّثه قال: ((نظرتُ إلى أقدامِ المشركين على رؤسِنا ونحنُ في الغارِ، فقلتُ: يا رسول اللهِ، لو أن أحدَهم نظرَ إلى قدميه أَبْصَرَنا تحت قدميه، فقال: يا أبا بكرٍ ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثهما))[6].

(إذا كانت رحمة الله سبحانه وتعالى وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ، وعفوه جلَّ شأنُه سبقَ غضبَه، ليكونَ ذلك كله دافعًا للمسلم نحو الرجاء والأمل والطمع في كرمِ ربِّه، أفلا يجوز بالمسلمِ بعد ذلك أن يقابلَ إحسان ربِّه بالاستقامة؟!

إنَّ من حسنِ الظن بالله تعالى أن ندومَ على العملِ الصالح، ونقلعَ عن الذنوبِ ونعود إلى علام الغيوب، واثقين من رحمةِ الله تعالى وفضلِه وكرمه، فالرجاءُ في وجهِ الله تعالى إلى قهرِ الشيطان الذي يسد طريقَ التوبةِ أمام العباد)[7].

 

الهوامش:

([1]) رواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت، (2877).

([2]) لباب النقول في أسباب النزول، السيوطي، ص(219).

([3]) تفسير ابن كثير، (1/157).

([4]) رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله، (2675).

([5]) رواه أحمد في مسنده، (1616)، وقال شعيب الأرنؤوط (25/398): إسناده صحيح.

([6]) رواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب من فضائل أبي بكر، (2381).

([7]) الموعظة الحسنة، عقيد ربحي خطاب، مطبوعات الشعب، ص(109).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
من الأسباب الجالبة للرجاء إحسان الظن بالله تعالى.doc doc
من الأسباب الجالبة للرجاء إحسان الظن بالله تعالى .pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى