الشكرُ مِنْ مظاهر الرجاءِ

الشكرُ مِنْ مظاهر الرجاءِ






الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وصحبِه ومَنْ والَاه وَبعد ...

الرجاءُ المحمودُ لابدَ أنْ تظهرَ على صاحبِه مظاهرُ تدلُّ عليه، وَمِنْ هذه المظاهرَ: الشكرُ، وَالرضا، وإعظامُ المسألةِ في الدعاءِ، وهجرانُ السوءِ والاجتهادُ في الطاعات.

معنى الشكرِ: (شكرُ اللهِ تعالى يكونُ باتباعِ هدايتِه، وفي الالتزامِ بالإيمانِ بِه وبرسالتِه، فمعناه تطبيقيٌّ وَعمليٌّ أكثر منه نطقًا وَترديدًا للفظِه)[1]، وَ(هو ظهورُ أثرِ نعمةِ اللهِ على لسانِ عبدِه ثناءً وَاعترافًا، وعلى قلبِه شُهودًا ومحبةً، وعلى جوارحِه انقيادًا وَطاعةً)[2].

من الآيات في الشكر:

قالَ تَعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152].

وَقالَ: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147].

وَقالَ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].

وَطعنَ إبليسُ بني آدمَ منْ هذا البابِ لمَّا عرفَ قدرَ الشكرِ؛ فقالَ: {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17].

وَمِنَ الأحاديث الشريفةِ في الشكرِ:

عنْ عائشةَ - رضيَ اللهُ عنها - قالتْ: ((كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وَسلم إذا صلَّى قامَ حتى تَفَطَّرَ رجلاه، قالتْ عائشةُ: يا رسولَ اللهِ، أتصنعُ هذا وَقَدْ غُفِرَ لكَ ما تَقَدَّمَ منْ ذنبِك وَمَا تأخَّر، فقالَ: يا عائشة، أفلا أكونُ عبدًا شكُورًا))[3].

قالَ النبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلم -: ((عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إنَّ أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إنْ أصابَتْهُ سراء شَكَرَ فكانَ خيرًا له، وَإنْ أصابَتْهُ ضرَّاء صَبَرَ فكانَ خيرًا لَه))[4].

فَنِعَمُ اللهِ على عبادِه كثيرةٌ لا تُعَدُّ وَلا تُحْصَى، منها نعمةُ الصحةِ؛ ففي الحديثِ الشريفِ: ((نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ مِنَ النَّاسِِ: الصحةُ والفراغُ))[5].

وَمِنَ النِّعمِ نعمةُ المالِ وراحةُ البالِ والأمنُ في الأوطانِ وفي الأهلِ وَالولدِ، وَأولُ نعمةٍ مَنَّ اللهُ بها علينا نعمةَ الإيمانِ؛ قالَ تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164].

وَقالَ تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]؛ وَمعنى الآيةِ أنَّ العبادَ عاجزون عنْ إحصاءِ نِعَمِ اللهِ تعالى ... فكيف بشكرِها؟! وَلوْ أَمَرَهُم اللهُ بشكرِ جميعِ النِّعمِ لعجزوا، فالعبدُ لو شكرَ ربَّه ليلًا وَنهارًا ما قامَ بشكرِ نعمةِ اللهِ تعالى، وِلِأَنَّ الشكرَ قمةُ العبادةِ قَرَنَهُ اللهُ تعالى بالذكرِ: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152][6].

وَقَدْ أمرَ اللهُ بالشكرِ ونهى عن ضدِّه، وأثنَى على أهلِه، وَوصفَ به خواصَّ خلقِه، وجعلَه غايةَ خلقِه وَأمرِه، ووعدَ أهلَه بأحسنَ جزائِه، وجعلَه حارسًا لنعمِه، وَأخبرَ أنَّ أهلَه هم المنتفعون بآياتِه؛ قالَ تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5]، واشتقَّ لهم اسمًا منْ أسمائِه، فإنَّه سبحانه هوَ "الشكورُ" وهو يوصلُ الشاكرَ إلى مشكورِه، وَأهلُه هم القليلُ منْ عبادِه؛ قالَ تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172].

وَسمَّى نفسَه شاكرًا وشكورًا، وسمَّى الشاكرين بهذين الاسمين، فأعطاهم منْ وَصْفِهِ وسمَّاهم باسمِه، وَحسبُك بهذا محبةً للشاكرين وفضلًا([7].

الشكرُ يتمُّ بعدةِ أمورٍ:

- أنْ يَحْمدَ اللهَ على نعمِه بلسانِه([8].

- أنْ يعتقدَ أنَّ هذه النعمةَ أو النعمَ آتيةٌ من اللهِ كرمًا منه وإحسانًا[9].

- أنْ يرضى بما أعطاه[10].

بِمَ يكونُ الشكرُ؟

(وَالشكرُ يكونُ بالقلبِ وَاللسانِ والجوارحِ؛ أمَّا بالقلبِ: فهوَ أنْ يقصدَ الخيرَ ويُضْمِرَه للخلقِ كافَّةً، وأما اللسانِ: فإظهارُ الشكرِ للهِ بالتحميدِ؛ قالَ - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((إنَّ اللهَ ليرضى عن العبدِ أنْ يأكلَ الأكلةَ فيحمده عليها، أوْ يشربَ الشربةَ فيحمده عليها)[11]، وأما الجوارح: فهو استعمالُ نِعَمِ اللهِ في طاعتِه، وَالتوقِّي من الاستعانةِ بها على معصيتِه)[12].

درجاتُ الشكرِ[13]:

الدرجةُ الأولى: الشكرُ على المحابِّ.

الدرجةُ الثانيةُ: الشكرُ على المكارِه، فهي أعلى منَ الدرجةِ الأولى.

ثمراتُ الشكرِ:

لشكرِ اللهِ تعالى ثمراتٌ؛ ومنْ هذِه الثمرات[14]:

o حفظ النِعمةِ من التعرضِ للزوالِ؛ قالَ تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 53].

o زيادة النِعم؛ قالَ تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].

o نيل رضا اللهِ تعالى عن العبدِ؛ قالَ - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((إنَّ اللهَ ليرضى عن العبدِ أنْ يأكلَ الأكلةَ فيحمده عليها، أو يشربَ الشربةَ فيحمده عليها))[15].

o ينالُ أجرَ الصائمِ الصابر[16]؛ قالَ - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((الطاعمُ الشاكرُ مثلُ الصائمِ الصابرِ))[17].


الهوامش:

([1]) من مفاهيم القرآن في العقيدة والسلوك، محمد البهي، مصر، مكتبة وهبة، ط1، 1393هـ، ص(169).

([2]) مدارج السالكين، ابن القيم، (2/244).

([3]) رواه مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب إكثار الأعمال والاجتهاد بالعبادة، (2820).

([4]) رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله له خير، (2999).

([5]) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب لا عيش إلا عيش الآخرة، (6412).

([6]) زاد الدعاة، عبد المنعم عبد الوهاب المغازي، المنصورة، مكتبة الإيمان، ص(28)، بتصرف.

([7]) طريق السالكين إلى مرضاة رب العالمين ، عمر كامل، ص(247)، بتصرف.

([8]) موسوعة الأخلاق الإسلامية، أبو عزيز، (2/483).

([9]) المصدر  السابق.

([10]) انظر: تنبيه الغافلين، السمرقندي، ص(166).

([11]) رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب، (2734).

([12]) إحياء علوم الدين، الغزالي، (4/84).

([13]) انظر: التمكين في شرح منازل السائرين، محمود أبو الفيض منوفي، القاهرة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، ص(129)، بتصرف.

([14]) موسوعة الأخلاق الإسلامية، أبو عزيز، (2/484).

([15]) رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب، (2734).

([16]) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، ابن القيم، دراسة وتحقيق: محمد علي أبو العباس، القاهرة، مكتبة القرآن، ص(112).

([17]) رواه البخاري، كتاب الأطعمة، باب الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر، (56).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
الشكرُ مِنْ مظاهر الرجاءِ.doc doc
الشكرُ مِنْ مظاهر الرجاءِ.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى