أراء العلماء في زيارة الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة (1)

أراء العلماء في زيارة الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة (1)





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛
رأي المعارضين لزيارة الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة وأدلتهم
          لم يكن عرض معالي الدكتور لقول المعارضين في زيارة الآثار سليمًا ومحررًا، بل فيه شيء من الأجمال وعدم الوضوح، إذ إن الحكم يختلف باختلاف المكان واختلاف الاعتبار، ولم يبين ذلك معالي الدكتور، بل اكتفى بمجرد النقل والعنونة لكل فقرة وهذا ليس بسديد، وأما حكم زيارة الأماكن المأثورة من حيث الجواز وعدمه فهو يختلف من مكان لآخر ولا يصح تعميم الحكم على الجميع.
          وأما الحكم على الأماكن المأثورة من حيث الزيارة، فهو كالآتي:
          1-ما تستحب زيارته أو تجب كالكعبة والصفا والمروة، وعرفات والمزدلفة ومنى، وذلك في العمرة والحج وهذه الزيارة لها حكمها وشروطها كما هو معلوم في كتب المناسك والفقه.
          ويلحق بهذا القسم في الاستحباب المسجد النبوي والمسجد الأقصى، وذلك لثبوت الدليل في هذا القسم.
          2- ما تجوز زيارته ولا تستحب وليس في زيارته أي فضيلة كزيارة القلاع والحصون أو قصور الملوك والخلفاء أو الأسواق، مما لا يتفن الناس به في دينهم، ويكون الغرض من الزيارة هو السياحة ومعرفة الآثار.
          ويلحق بهذا القسم المساجد بشرط عدم شد الرحال إليها، فيجوز لأي أحد من أهل مكة من غير استحباب أن يزور مسجد التنعيم ليصلي فيه ويتعبد، ولكن لا يجوز لأحد من خارج مكة أن يشد الرحال إلى مسجد التنعيم ليصلي فيه ويتعبد.
          3-ما يحكم في زيارته سدا للذريعة، وهو ما يفتن الناس به في دينهم بزيارته كمولد النبي صلى الله عليه وسلم وغار ثور وغار حراء مما يقصده الناس للتبرك به أو الدعاء عنده أو الصلاة فيه، فهذه النية في الزيارة نية تعبد لا دليل عليها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي نقله معالي الدكتور هو على هذا القسم فقط ولم يتكلم عن القسمين الأولين.
          وليعلم أن الحكم في هذا القسم مبني على حماية جناب التوحيد، وسدًا للذريعة، لذا فكان حكم أغلبي منوط بعلة التحريم ، ولذا فقد يزور بعض الناس هذه الأماكن بغير نية التعبد، بل للنظر والمشاهدة فقط، فهذا حكمه حكم القسم الذي قبله، ولكن أغلب الناس أصبحوا يزورون ذلك المكان بنية القربة والبركة وهنا مناط التحريم، ولهذا أطلق الحكم وجعل أغلبيا، لذا يجب التنبه على أن الحكم هنا يدور مع علته وجودا وعدما، كما ينبغي أن يشكر لهؤلاء العلماء فقههم وفهمهم للواقع، فهم نظروا في الواقع وشاهدوا أحوال الناس عند هذه الأماكن ثم أطلقوا الحكم، فلله درهم.
وهذا بخلاف من أجاز زيارتها، ودعا إلى التبرك بها أو الصلاة والدعاء عندها فهؤلاء مع إحسان الظن بهم، فهم دعوا إلى مالا دليل عليه، ولم ينظروا حقيقة إلى ما تؤول إليه الأمور من بدع ومحدثات.
          وبعد هذا التقرير الذي أرى أنه سيجلي المسألة، ويذهب اللبس فيها والتعميم الذي يختلط فيه الحق بالباطل، سأقف مع ما نقله معالي الدكتور وسطره في هذا الفصل.
          الوقفة الأولى: أن صنيع الدكتور مع نقل شيخ الإسلام ابن تيمية يوهم أن شيخ الإسلام يعمم الحكم على جميع أنواع الزيارات، والقارئ لكلام شيخ الإسلام يعلم مقصوده، هو القسم الثالث وهو زيارة ما لم يأمر الشرع بزيارته بنية التعبد والتبرك، وهذا تجني على شيخ الإسلام ابن تيمية[1].
          الوقفة الثانية: إن الطريقة العلمية في مثل هذا البحث لهذه المسألة أن لا يكتفي الباحث بمرجع واحد بل ينظر ما أمكنه في المراجع التي تبحث المسألة، ويحرر المسألة نقلا، واستنباطا، فقد يغيب عن شيخ الإسلام دليل أو نقل يذكره غيره وهذه عادة الباحثين، أما ما فعله معالي الدكتور هنا فليس بسديد وليس طريقة علمية، والمستغرب أنه حينما نقل قول المجيزين عدد في المراجع التي نقل منها خمسة عشر مرجعا، فلماذا هذا الإجحاف في النقل، فعندما ينقل عن المعارضين ينقل من كتاب واحد ويحيل القارئ في آخر القول على ثلاثة مراجع أخرى، وعندما ينقل قول المجيزين ينقل من خمسة عشر مرجعا ثم يحيل على أربعة مراجع أخرى، ومن يتأمل هذه الطريقة يعل أن معالي الدكتور يريد أن يثبت صحة القول الثاني وأنه الراجح، ولكن بطريقة غير مباشرة، وذلك عن طريق ضعف النقل عن القول الأول وتقوية النقل عن القول الثاني[2]، وهذه الطريقة بعيدة عن الإنصاف والتجرد الذي يطالب به معالي الدكتور، وهو مطالب بالإنصاف ونقل القولين بنفس القوة، جتى يكون منصفا، وعليه: فأين الأمانة العلمية يا معالي الدكتور؟
          الوقفة الثالثة: كانت طريقة معالي الدكتور في نقله للقول الأول عبارة عن عنونة الفقرات لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية[3]، أي أشبه بطريقة النسخ واللصق في الحاسب، إذ لم يقم بتحليل قول شيخ الإسلام ابن تيمية لتوضيح مراده، وتجليته للقارئ على خلاف طريقته في عرضه للقول الثاني[4]، فقد كان يحلل أكثر النقولات وذلك لبيان المراد، وهذا مخالف للمنهج العلمي وعدول عن طريق الإنصاف.


[1] انظر: الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة عرض وتحليل (125-131).

[2] الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة عرض وتحليل (125-146).

[3] المرجع السابق (125-131).

[4] المرجع السابق(133-146).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
أراء العلماء في زيارة الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة (1).doc doc
أراء العلماء في زيارة الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة (1).pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى