موقف السلف أهل السنة والجماعة من الآثار (1)

موقف السلف أهل السنة والجماعة من الآثار (1)





موقف السلف رحمهم الله من الآثار يختلف عن المشاهد، وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ويستشفون بها، ويرجون بها البركة من الله عز وجل:
-   فمن ذلك أن عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة، فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هي الشملة، فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها، فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه، فاكسنيها، فقال: «نعم» فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجا إليها، ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يسأل شيئا فيمنعه، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم، لعلي أكفن فيها"[1].
-            وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة، ومعه بلال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: «أبشر» فقال: قد أكثرت علي من أبشر، فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: «رد البشرى، فاقبلا أنتما» قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه، ثم قال: «اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا». فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر: أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة"[2].
-            عن عثمان بن عبد الله بن موهب، قال: أرسلني أهلي إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بقدح من ماء - وقبض إسرائيل ثلاث أصابع من قصة - فيه شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها مخضبه، فاطلعت في الجلجل، فرأيت شعرات حمرا.[3]
(والمقصود أنه كان إذا اشتكى أحد أرسل إلى أم سلمة رضي الله عنها بالقدح فتجعل فيه تلك الشعرات تغسلها فيه وتعيده إليه فيشربه صاحب الإناء أو يغسل به استشفاء)[4].
-            عن عبد الله بن كيسان مولى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه: فذكر حديثًا طويلًا، وفيه... قالت: "هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ... فَقَالَتْ: هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ، فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا"[5].
فهذه الأحاديث وغيرها كثير تدل على أن الصحابة رضي الله عنهم يتبركون بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن من المعلوم أن هذه التبرك مشروط بثبوت صحة هذا الأثر للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر متعسر منذ قرون خلت فكيف في هذه الأزمان؛ يقول عبد الرحمن الجديع: (وقد ثبت فقدان كثير[6] من أثار الرسول صلى الله عليه وسلم خلال عشرات السنين، بأسباب مختلفة منها الضياع والإحراق في الحروب والفتن)[7].
ومن المعلوم أن هذا التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم خاص به صلى الله عليه وسلم لا يلحقه فيه أحد من الصالحين بعده، فلا يصح التبرك بأثر أي أحد من الصالحين، ولهذا لم يكن الصحابة رضي الله عنهم يتمسحون أو يتبركون أو يستشفون بآثار أبي بكر أو عمر أو عثمان أو عليِّ أو غيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وهذا أمر متفق عليه بين الصحابة رضي الله عنهم.
وأما المشاهد فإن فيها تفصيلًا عند السلف، لذا ستكون دراسة هذه المسألة بالنظر إليها باعتباراتها المتعددة؛ لتكون الدراسة شاملة لجوانب المسألة كلها.
 
الهوامش:

[1]  رواه البخاري، كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء، رقم (6036).

[2]  رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، رقم (4328).

[3]  رواه البخاري، كتاب اللباس، باب ما يذكر في الشيب، رقم (5896).

[4]  فتح الباري، (10/365).

[5]  رواه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، رقم (14/288).

[6]  بل فقدت جميع آثاره في هذا الزمان.

[7]  التبرك أنواعه وأحكامه، ص 3357.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
موقف السلف أهل السنة والجماعة من الآثار (1) doc
موقف السلف أهل السنة والجماعة من الآثار (1).pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى