محبة النبي صلى الله عليه وسلم

محبة النبي صلى الله عليه وسلم





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛.. إن من سعادة العبد أن يرزقه الله تعالى محبة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ محبته صلى الله عليه وسلم من شروط الإيمان، فقد روى الإمامُ البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والدِه وولدِه والناسِ أجمعين))([1]).

كما أن محبته صلى الله عليه وسلم سببٌ لحصول حلاوة الإيمان؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثٌ من كُنَّ فيه وَجَدَ بهنَّ حلاوةَ الإيمانِ، أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا للهِ، وأن يكرهَ أن يعودَ إلى الكفرِ كما يكره أن يُقْذَفَ في النارِ))([2]).

ومحبته صلى الله عليه وسلم من أسباب مرافقته في دار النعيم؛ فقد ورد في الحديث الشريف أن رجلًا سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المرء يحب القومَ ولمَّا يلحق بهم؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: المرءُ مع مَنْ أَحَب))([3]).

يزعم كلُّ واحدٍ منا أنه يحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين، لكن هل نحن صادقون في هذا الادعاء؟ وهل مجرد ادعائنا هذا له قيمة عند الله تعالى؟

 قد توعَّد اللهُ تعالى وعيدًا شديدًا الذين يحبون الأهل والمال والحياة الدنيا أكثر من حبهم لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ونَعَتَهم بالفسق؛ فقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].

يقول القاضي عياض مستدلًّا بهذه الآية: (فكفى بهذا حضًّا وتنبيهًا ودلالة وحجة على إلزام محبتِه، ووجوبِ فرضِها، وعِظَمِ خَطَرِها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم، إذ قرَّع اللهُ من كان مالُه وأهلُه وولدُه أحبَّ إليه من اللهِ ورسولِه، وتوعدهم بقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}، ثم فسَّقَهم بتمامِ الآية، وأعلَمَهم أنهم ممن ضَلَّ ولم يَهْدِه اللهُ)([4]).

ومعلوم أن محبة الرسول إنما هي تابعة لمحبة الله - جل وعلا -، لازمة لها، فإن الرسول إنما يُحَبُّ موافقةً لمحبةِ الله له، ولأمر الله بمحبته وطاعته واتباعه، فمن ادعى محبة النبي بدون متابعته وتقديم قولِه على قولِ غيره فقد كذب؛ كما قال تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور: 47]، فنفى الإيمانَ عمن تولَّى عن طاعة الله ورسوله.

فإذا كان لا يحصل الإيمان إلا بتقديم محبته صلى الله عليه وسلم على الأنفس والأولاد والآباء والخلق كلهم، فما الظن بمحبة الله عز وجل، وقد جعلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تقديم محبة الله ورسوله على محبة غيرهما من خصال الإيمان ومن علامات وجود حلاوة الإيمان في القلوب؛ ففي الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثٌ من كُنَّ فيه وَجَدَ بهنَّ حلاوةَ الإيمانِ، أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا للهِ، وأن يكرهَ أن يعودَ إلى الكفرِ كما يكره أن يُقْذَفَ في النارِ))([5]).

فالمقصود بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم هي: (أن يميلَ قلبُ المسلمِ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ميلًا يتجلى فيه إيثارُه على كلِّ محبوبٍ، من نفسٍ ووالدٍ وولدٍ والناسِ أجمعين؛ وذلك لما خصَّه اللهُ من كريمِ الخصالِ، وعظيمِ الشمائل، وما أجراه على يديه من صنوفِ الخيرِ والبركات لأمته، وما امتنَّ اللهُ على العبادِ ببعثتِه ورسالتِه، إلى غيرِ ذلك من الأسبابِ الموجبةِ لمحبتِه عقلًا وشرعًا).



الهوامش:

([1]) رواه البخاري، (15)، ومسلم، (44).

([2]) رواه البخاري، (16)، ومسلم، (43).

([3]) رواه البخاري، (5816)، ومسلم، (2640).

([4]) الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض، (2/18).

([5]) محبة النبي r بين الاتباع والابتداع، عبد الروءف عثمان، ص(37).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
محبة النبي صلى الله عليه وسلم.doc doc
محبة النبي صلى الله عليه وسلم.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى