محبة الله عز وجل في عيون الشعر العربي (2)

محبة الله عز وجل في عيون الشعر العربي (2)



الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛
مع الله([1]):

مَعَ اللهِ في سُبُحَات الفِكَر

 

مَعَ اللهِ في لمحَاتِ البَصَرْ

مَعَ اللهِ في زَفَراتِ الحَشَا

 

مَعَ اللهِ في نَبَضاتِ البَهَرْ([2])

مَعَ اللهِ في رَعَشاتِ الهَوَى

 

مَعَ اللهِ في الخَلجاتِ الأُخَرْ

مَعَ اللهِ في مُطْمَئنِّ الكَرَى([3])

 

مَعَ اللهِ عندَ امتدَادِ السَّهَر

مَعَ اللهِ آنَ اجتلاءِ السَّنا([4])

 

ونَيلِ المُنى والهَناءِ الأغَرّ

مَعَ اللهِ حالَ اتِّقادِ الأسَى

 

ووَقعِ الأذَى واحتِدَامِ الخَطَر

مَعَ اللهِ في حَملِ عِبءِ الضَّنَى

 

مَعَ اللهِ بالصَّبر فيمَن صَبَر

مَعَ اللهِ والقَلبُ في نَشْوةٍ

 

مَعَ اللهِ والنّفسُ تَشكَو الضَّجَر

مَعَ اللهِ في كُلِّ بُؤسَى ونُعمَى

 

مَعَ اللهِ في كُلِّ خيرٍ وشَر

مَعَ اللهِ فِي أَمسِيَ المُنْقَضِي

 

مَعَ اللهِ فِي غَدِيَ المُنْتَظَرْ

مَعَ اللهِ فِي عُنْفُوَانِ الصِّبَا

 

مَعَ اللهِ فِي الضّعْفِ عِنْدَ الكِبَرْ

مَعَ اللهِ قَبْلَ حَيَاتِي وَفِيهَا

 

وَمَا بَعْدَهَا، عِنْدَ سُكْنَى الحُفَرْ

مَعَ اللهِ في فْيءِ([5]) فِرْدَوْسِهِ

 

مَعَ اللهِ فِي عَوذِنَا مِنْ سَقَرْ

مَعَ اللهِ فِي نَبْذِ مَا قَدْ نَهَى

 

مَعَ اللهِ بِالسّمْعِ فِيمَا أَمَرْ

مَعِ اللهِ فِي الجِدّ مِنْ أَمْرِنَا

 

مَعَ اللهِ فِي جَلَسَاتِ السَّمَرْ

مَعَ اللهِ فِي خَلَوَاتِ اللَّيَالِي

 

مَعَ اللهِ فِي الرّهْطِ وَالمُؤتَمَر

مَعَ اللهِ فِي حُبِّ أَهْلِ التُّقَى

 

مَعَ اللهِ فِي كُرْهِ مَنْ قَدْ فَجَرْ

مَعَ اللهِ فِي مُدْلَهِمِ([6]) الدّجَى

 

مَعَ اللهِ عِنْدَ انبِلَاجِ السَّحَر

مَعَ اللِه فِي لَألآتِ النُّجُومِ

 

وَحَبْكِ([7]) الغُيَومِ وَضَوْءِ القَمَرْ

مَعَ اللهِ وَالشَّمْسُ تَكْسُو الدُّنَى

 

مَعَ اللهِ وَالشّهْبِ كَرٌّ وَفَرْ

مَعَ اللهِ عِنْدَ هَزِيمِ الرُّعُودِ

 

وَلمعِ البُرُوقِ وَدَفْقِ المَطَرْ

مَعَ اللهِ فِي الفَلَكِ المُستَطِيرِ

 

وَفِي الشَّمسِ تَجرِي إِلَى مُسْتَقَر

مَعَ اللهِ فِي الأرْضِ فِي سَهْلِهَا

 

وَأَودَائِهَا وَالرَّواسِي الكُبَرْ

مَعَ اللهِ فِي البَحْرِ مِلْحٌ أُجَاجٌ

 

مَعَ اللهِ فِي سَلسَبِيلِ النَّهَرْ

مَعَ اللهِ فِي نَأَمَاتِ([8]) الوُجُودِ

 

مَعَ اللهِ فِي كُلِّ مَا قَدْ فَطَرْ

مَعَ اللهِ فِي سَكَنَاتِ الحَيَاةِ

 

مَعَ اللهِ فِي حَرَكَاتِ الحَجَرْ

مَعَ اللهِ فِي نَسَماَتِ الرّيَاحِ

 

اللَّوَاقِحِ تَخطُرُ بَيْنَ الشَّجَرْ

مَعَ اللهِ فِي نَفَحَاتِ الشّذَا

 

مَعَ اللهِ مِلءَ ثُغُورِ الزَّهَرْ

مَعَ اللهِ فِي الحَقْلِ حُلْوِ الجَنَى

 

مَعَ اللهِ فِي الرَّوضِ دَانِي الثَّمَرْ

مَعَ اللهِ سَامِعِ صَوْتِ الدَّبِيبِ

 

مِنَ النَّمْلِ أَنَى وَأَيّانَ مَرْ

مَعَ اللهِ وَالنَّحْلُ يَحسُو الرَّحِيقَ

 

وَيَحمِي جَنَاهُ بَوخْزِ الإِبَرْ

مَعَ اللهِ فِي رَفرَفَاتِ الفَرَاشِ

 

تَلَامَعُ فِي الشّمْسِ مِثلَ الدُّرَرْ

مَعِ اللهِ وَالطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا

 

وَتَنْعَمُ بِالرّزْقِ مُنذُ البُكَرْ

مَعَ اللهِ فِي سَيْرِ وَحشِ الفَلَاةِ

 

بِهَديِ الغَرائِزِ تَقضِي الوَطَرْ

مَعَ اللهِ يَنْفُخُ مِنْ رُوحِهِ

 

عَلَى حَمَأٍ فَيَكُونُ البَشَرْ

مَعَ اللهِ مَا اخْتَلجَتْ نُطْفَةٌ

 

بِرُوحِ خَفِيٍّ وَمَا دَرّ دَرْ

مَعَ اللهِ فِيمَا سَيَذْرَأُ مِنْ

 

نُفُوسٍ و فيما مَضَى وَاندَثَرْ

مَعَ اللهِ مَا اخْتَلفَتْ فِي الأنَامِ

 

طَبَائِعُ أُنثَاهُمُ و الذَّكَرْ

مَعَ اللهِ مَا افتَرَقَتْ فِي الوَرَى

 

لُغَاهُمْ وَألوَانُهُمْ وَالصُّوَرْ

مَعَ اللهِ نَوَّعَ أَشكَالَهُم

 

وَخَصّ أنَامِلَهُم بِالأَثَرْ

مَعَ اللهِ مَيّزَ أَذوَاقَهُمْ

 

فَكُلٌّ لَهُ فِي هَواهُ نَظَرْ

مَعَ اللهِ فِي سَبْرِ كُنْهِ الوُجُودِ

 

وَرُوحِ الحَيَاةِ وَسِرِّ القَدَرْ

مَعَ اللهِ فِي عَالَمِ المُدْرَكَاتِ

 

وَفِي الغَيْبِ مِنْ كَائِنَاتٍ أُخَرْ

مَعَ اللهِ فِيمَا بَدَا وَانْتَشر

 

مَعِ اللهِ فِيمَا انْطَوَى وَاسْتَتَرْ

مَعَ اللهِ وَفْقَ نَوَامِيسِهِ

 

مَعِ اللهِ رَهْنَ القَضَا وَالقَدَر

مَعَ اللهِ فِي بَعْثِهِ المُرْسَلِينَ

 

هُدَاةً دُعَاةً إِلَى مَا أَمَرْ

مَعَ اللهِ فِي وَحْيِ قُرآنِهِ

 

مَعَ اللهِ فِي آيِهِ وَالسّوَرْ

مَعَ اللهِ فِي قَصَصِ الأوَلِين

 

وَفِي قَصَص الأوَلِينَ العِبَرْ

مَعَ اللهِ طَوعًا مَعَ اللهِ سَوقًا

 

فَمَا مِنْ مَلَاذٍ وَلَا مِنْ وَزَرْ

مَعَ اللهِ وَالفَيْضُ مِنْ قُدْسِهِ

 

يُنِيرُ بَصِيرَتَنَا وَالبَصَر

وَيَدفَعُ أَعْمَاقَ إِيمَانِنَا

 

فِرَارًا إِليه ونعمَ المفرّ

----------------------------------
يا من له وجب الكمال بذاته([9]):

يا من له وَجَبَ الكمالُ بذاتِه

 

فالكُلُّ غايةُ فوزِهم لُقياهُ

أنت الذي لما تَعَالى جَدُّهُ

 

قصُرَتْ خُطا الألبابِ دونَ حِماهُ

أنت الذي امتلأَ الوجودُ بحمدِهِ

 

لمَّا غدا مَلْآنَ من نُعماهُ

أنت الذي خلقَ الوجودَ بأسرِهِ

 

من بينِ أَعْلَاهُ إلى أَدْنَاهُ

أنت الذي خَصَّصْتَنا بوجودِنا

 

أنَتَ الذِي عَرَّفْتَنَا معنَاهُ

سُبْحَانَ مَن ملأَ الوجودَ أدلَّةً

 

ليلُوحَ ما أخفَى بما أَبْدَاهُ

سُبحانَ مَنْ أحْيَا قلوبَ عبادِهِ

 

بلوائحٍ من فَيْضِ نورِ هُداهُ

هَلْ بعدَ معرفةِ الإِلَهِ زيادةٌ

 

إلَّا استدامةُ ما يُديمُ رِضَاهُ

واللهِ لا آوي لغَيْرِك إنَّه

 

حُرِمَ الُهدَى مَنْ لم تكنْ مأْوَاه

مَوْلاي أُنسُكَ لم يَدَعْ لي وَحْشَةً

 

إلَّا مَحَا ظَلْماءَها بِسَنَاهُ

مولاي جُودُك لم يَدَعْ لي مطلبًا

 

إلَّا وتَمَّمَه إلى أَقْصَاهُ

لم يَنْقَطِعْ أحدٌ إليكَ محجَّةً

 

إلَّا وأصبحَ حامدًا عُقباهُ

عَجَزَ الأنامُ مِن اِمتداحِك إِنَّهُ

 

تَتَضَاءلُ الأفكارُ دونَ مَدَاهُ

مَنْ كَانْ يعرِفُ أنَّك الحقُّ الذي

 

بَهَرَ العقولَ فَحْسبُهُ وكَفَاهُ

----------------------------------
يا من يَرَى ما في الـضميرِ ويسمعُ:

يا من يرَى ما في الضميرِ ويسمعُ

 

أنتَ المعَدُّ لكلِّ ما يُتوقَعُ

يا مَن يُرجَّى للشدائدِ كلِّها

 

يا مَنْ إليه المُشتَكَى والمَفْزَعُ

يا مَن خزائنُ مُلكِهِ في قولِ كُنْ

 

امنُنْ فإنَّ الخيرَ عندَكَ أجمعُ

ما لي سِوَى فَقْرِي إليكَ وسيلةٌ

 

فبالافتِقَارِ إليكَ فَقْرِيَ أَدْفَعُ

ما لي سِوَى قَرْعِي لبابِك حيلةٌ

 

فلئِن رُددتُ فأيَّ بابٍ أقرعُ

ومن الذي أدُعو وأهتفُ باسمِهِ

 

إن كانَ فضلُكَ عن فقيرٍ يُمنعُ؟!

حاشَا لمجدِك أن تُقنِّط عاصيًا

 

فالفَضْلُ أجزلُ والمواهبُ أوسعُ([10])

----------------------------------
الجحود([11]):

يَغذوكَ لكن أنتَ تشكرُ غيرَهُ

 

ويذودُ عنك فتمْدَحُ الأوثانا؟!

أَوَ هَكَذا ردُّ الجميلِ لأهْلهِ

أَوَ هكذا تَسْتَقْبِلُ الإحْسَانا؟!

يا من جحدتَ لذي الصَّنيعِ صنيعَهُ

أَوَ مَا تهابُ السّخْطَ والنيرانا؟!

أتخاصمُ الجبّارَ في عَلْيَائِه؟!

يا من بَراكَ من الثرى إنسانا

من نُطفةٍ سوَّاك ربي مبصرًا

تتبيَّنُ الأشكالَ والأَلْوَانا

بل سخَّر السَّبْعَ الطباقَ لخدمةٍ

 

والأرضَ والأنهارَ والخلْجَانا

والفُلكَ تجري والرياحَ لواقحًا

 

والماءَ يُحْيِي الزرعَ والأَفْنَانا

والرعدُ في كبدِ السَّماءِ مُسَبّحًا

 

والثلجَ يهطِلُ يرفِدُ الغُدْرَانا

والطيرُ يبسُطُ جنحَه كسفينةٍ

 

فوقَ الرياحِ يسبِّحُ الرحْمَانا

في كلِّ شيءٍ للمُهيمنِ آيةٌ

 

تدعُ الجَحُودَ بأمرِه حَيْرَانا

يا من جَحَدْتَ ألم تفكِّرْ لحظةً

 

في ذا الوجودِ وتنظرِ الأكوانا

في قلبِكَ الخفَّاقِ أكبرُ آيةٍ

 

إن لم تجدْ مِنْ حَوْلِك البُرهانا

السمعُ والأبصارُ خلقٌ مُعْجِزٌ

 

يتحديانِ الجَحْدَ والنُّكْرَانا

والسيرُ منتصبًا دليلٌ واضحٌ

 

أن المسيّرَ ميَّز الإِنْسانا

والنطقُ آيةُ قدرةٍ جبارةٍ

 

والمخُّ يحفظُ كلَّ ما قد كانا

واللمسُ للأشياءِ والشمُّ الذي

 

لا يُخطئ الأرياحَ والرَّيحانا

والشَّعرُ يكسُو الجلدَ ثوبًا ناعِمً

 

مــــتموِّجًا متجدِّدًا أَلْوَانا

كالجلدِ للحِرْباءِ يشبهُ لونُه

 

مـــــا حولَه فتظنُّه أغصَانا

والرأسُ يحْمِي المخَّ في تَجويفِه

 

والصدرُ يَحْمِي القلبَ والشَّريانا

فِلِمَ الجُحُودُ وفَضْلُ ربِّك سابقٌ

 

من قبلِ أن تَسْتَرضِعَ الأَلْبانا؟!([12])

----------------------------------
يكفيك ربٌّ لم تَزَل في حفظِه:

يكفيكَ من وَسِع الخلائِقَ رَحمةً

 

وكفايَةً ذُو الفضلِ والإحسانِ

يكفيكَ من لم تَخْلُ من إحسانِهِ

 

في طَرْفَةٍ كتقلُّبِ الأجفانِ

يكفيكَ ربٌّ لم تَزلْ ألطَافُهُ

 

تَأتِي إليكَ برحمَةٍ وحَنانِ

يكفيكَ رَبٌّ لم تَزلْ في سِترِهِ

 

ويَراكَ حينَ تَجِيءُ بالعَصيانِ

يكفيكَ ربٌّ لم تَزلْ في حِفظِهِ

 

وَوقَايةٍ منهُ مَدَى الأزمَانِ

يكفيكَ ربٌّ لم تَزلْ في فَضلِهِ

 

مُتقَلِّبًا في السِّرِ والإعْلانِ

يدعُوهُ أهلُ الأرضِ مَعْ أهلِ السّما

 

ءِ فكلُّ يومٍ ربّنا في شَانِ

وهُو الكفيلُ بكُلِّ ما يَدعُونَهُ

 

لا يَعتَري جدوَاهُ من نُقصانِ([13])

----------------------------------
حبيبُ القلوب:

هبِ الرسلُ لم تأتِ من عندِه

 

ولا أخْبرتْ عن جـمالِ الحبيب

أليس من الواجـبِ المسْتَحَقِّ

 

محبتُه في اللِّقَا والمــــغيبِ؟

فمــــن لم يكنْ عقلُه آمرًا

 

بذا ما له في الحِجَى من نَصِيبِ

وإن العــــقولَ لتدعُو إلى

 

محَبةِ فاطـــرِها من قريبِ

أليســتْ على ذاك مجبولةً

 

ومفطورةً لا بكـسْبٍ غريبِ؟

أليس الجمالُ حبيبَ القلوبِ

 

لذاتِ الجمالِ، وذاتِ القلوبِ؟

أليس جميلًا يحبُّ الجمالَ؟

 

تعالى إلهُ الورَى عن نَسِيبِ

أما بــــعدَ ذلك إحْسَانُه

 

بداعٍ إليه الفُــؤاد المنيبِ؟

فمــن ذا يُشَابِهُ أوصَافَه؟

 

تعالى إلهُ الورَى عن ضَــرِيبِ([14])

ومـن ذا يكافئُ إحسانَه

 

فيألَهُه قلبُ عبـــدٍ منيبِ؟

وهــــــذا دليلٌ على أنَّه

 

إلى كلِّ ذي الخَلْقِ أولى حبيبِ

فيا مـنكرًا ذاك واللهِ أنت

 

عينُ الخصيمِ وعـــينُ الحريبِ([15])

ويا مـن يُحِبُّ سواه كمثـ

 

ـلِ محبتِه أنت عبدُ الصَّلِيبِ

ويا مــن يوحِّدُ محبوبَه

 

ويُرضيه في مَشْهدٍ، أو مغيبِ

حَظَيْتَ وخَابوا فلا تَبْتئسْ

 

بكيدِ العدوِّ وهجرِ القريبِ([16])

----------------------------------
حبيبي أنت رحمن:

أنا إن تُبتُ منَّاني

 

وإن أذنبتُ رجَّاني

وإن أدبَرْتُ نادَاني

 

وإن أقبلْتُ أدنَاني

وإن أحْبَبْتُ والاني

 

وإن أخْلَصْتُ نَاجَاني

وإنْ قَصّرتُ عافَاني

 

وإن أَحْسَنْتُ جازَاني

حبيبي أنتَ رَحْمَاني

 

أَلَا اصرِفْ عني أحْزَاني

إليك الشَّوقُ من قَلْبي

 

عَلَى سرِّي وإعْلَاني

فيا أكرَمَ من يُرجَى

 

وأنتَ قديمُ إحسانِ

وما كُنتَ على هذا

 

- إلهَ النّاسِ - تنسَاني

لَدَى الدُّنيا وفي العُقبَى

 

على ما كانَ من شَاني([17])

----------------------------------
إليك جميع الأمر ([18]):

إليكَ جميعُ الأمرِ يُرْجَعُ كلُّهُ

 

ومنكَ الأمَاني تُرتَجَى والبشائرُ

وبعضُ أياديكَ العوالمُ والذِي

 

بهَا والبحارُ والثقالُ الموَاطِرُ

ومنكَ العطَا والمنعُ والأمرُ كلُّهُ

 

إليكَ ومَا في الكونِ غيرُكَ قادرُ

فمنْ شاءَ فليمنعْ سواكَ فلا أذًى

 

إذَا يَبِسَ الضَّحْضَاحُ فالبحرُ زاخرُ

وعفْوُكَ يا ربَّ الخلائقِ واسعٌ

 

تضيعُ الخطَايا عندهُ والكبائرُ

فلو يعلمُ الخلقُ الذي أنتَ أهلُهُ

 

من العفوِ لم يقنُطْ منَ العفوِ فاجرُ

ورحمتُكَ العظمَى كتبتَ بسَبقِهَا

 

كتابًا كريمًا فهوَ عندَكَ حاضرُ

وأنت تحبُّ الحمدَ والمدْحَ والثَّنا

 

ووصفُ محبِّ الحمدِ والمدحِ ظاهِرُ

فوعدُكَ أولَى من وعيدِكَ بالوَفا

 

لذاكَ وحظُّ الفضْلِ للعدلِ قاهرُ

وقد جاءتِ البُّشرى وصَحّتْ بأننَا

 

لَنَا ظنُّنا فالظنُّ أنَّك غافرُ

ولي حينَ يشتدَّ الوعِيدُ ذخيرَةٌ

 

سريرةُ حبٍّ يومَ تُبلَى السَّرائرُ

تجَلى هُمومي في فُؤادِي قرَارَها

 

وأرجُو بقاهَا يومَ تَفْنَى الذَّخائرُ

وديعتُكم أن تحفظُوهَا فإنهَا

 

صَنيعتُكُم والجودُ بالحفظِ آمِرُ

----------------------------------
----------------------------------
----------------------------------
يا سروري([19]):

يا سُروري ومُنْيَتِي وعِمادي

وأَنِيسي وعُدَّتي ومُرَادي

أنتَ روحُ الفُؤادِ أنتَ رجائي

أنتَ لي مُؤنسي وشوقُكَ زادي

كم بدَتْ منَّةٌ وكمْ لكَ عندِي

من عَطَاءٍ ونعْمةٍ وأيَادِي

حُبُّكَ الآنَ بُغيتي ونَعيمي

وجَلَاءٌ لعينْ قلبي الصَّادي

ليسَ لي عنكَ ما حييتُ براحٌ

أنتَ منِّي مُمكَّنٌ في الفؤادِ

إن تكن راضيًا عليَّ فإني

يا مُنى القلبِ قد بدا إسْعَادي

----------------------------------
سبحان الله([20]):

سبحانَ من يُعطي المُنَى بخواطرٍ

 

في النفسِ لمْ ينطقْ بِهنَّ لسانُ

سبحانَ من لا شيءَ يحجُبُ علمَهُ

 

فالسرُّ أجمعُ عندهُ إعلانُ

سبحانَ من هوَ لا يزالُ مسبَّحًا

 

أبدًا وليسَ لغيرهِ السُّبحانُ

سبحانَ من تجرِي قضاياهُ علَى

 

ما شاءَ منهَا غائبٌ وعيَانُ

سبحانَ من هو لا يزالُ ورزقُهُ

 

للعالمينَ بهِ عليهِ ضَمانُ

سبحان من في ذِكرهِ طُرُقُ الرضَى

 

منهُ وفيهِ الرَّوحُ والرَّيحانُ

مَلِكٌ عزيزٌ لا يُفارِقُ عزَّهُ

 

يُعصَى ويُرجَى عندهُ الغفرانُ

مَلِكٌ لهُ ظهرُ القضاءِ وبطنُهُ

 

لم تُبلِ جِدَّةَ مُلكِهِ الأزمَانُ

مَلِكٌ هو الملكُ الذي من حِلْمِهِ

 

يُعصَى بحُسنِ بلائِهِ ويخانُ

يَبْلَي لكُلِّ مسلَّطٍ سُلطانُهُ

 

واللهُ لا يبلَى لهُ سُلطانُ

كم يَسْتَصِمُّ الغافلونَ وقد دُعُوا

 

وغدَا وراحَ عليهمِ الحدِثانُ([21])

----------------------------------
أنا الفقير([22]):

إليكَ وجَّهتُ يا مولاي آمالي

فاسمَعْ دُعائي وارحَمْ ضَعْفَ أحوالي

أرجُوك مولاي لا نفسي ولا وَلَدي

ولا صَديقي ولا أهْلي ولا مَالي

لَما عرفتُكَ لم أنظُرْ إلى أحدٍ

فلا الرعيةَ أرجُوها ولا والوالي

فلا تَكِلْني إلى من ليس يكْلَؤُني

وكن كَفيلي فأنت الكافلُ الكالي([23])

ولتَسْقِني كأسَ حُبٍّ من وِدَادِكَ يا

مولايَ فهو شرابٌ سَلْسَلٌ حالي

فلا وحقِّكَ ما للقلبِ من شَغَفٍ

إلا بحبِّكَ فاشْرَحْ لي به بَالي

أنا الفقيرُ إلى مولايَ يَرْحمُني

إذا تقضَّى بهولِ الموتِ إمهالِي

أنا الفقيرُ إلى مولايَ يَرْحمُني

في بطنِ لحدٍ وَحِيشٍ مُظلمٍ خالِي

هُناكَ لحمِي لِدُودِ القبرِ فاكِهةٌ

والعظمُ منِّي رمِيمٌ في الثَّرى بالي

أنا الفقيرُ إلى مولايَ يرْحَمُني

يومَ القيامةِ من عُنفٍ وأهوالِ

وأن أكونَ بعيدًا من تعطُّفِهِ

مقطِّعًا عنهُ في الآبادِ آمالِي

أنا الفقيرُ إلى مولايَ يحشُرني

في زُمرةِ المصطفىَ المختارِ والآلِ

صلَّى الإلهُ على أرواحهِم أبدًا

ضَعْفًا على قدرِ زخّارٍ وهطَّالِ



الهوامش:


([1]) عمر بهاء الأميري.

([2]) البهر: ما يعتري الإنسان عند السعي الشديد والعدو من النهج وتتابع النفس.

([3]) الكرى: النوم.

([4]) السنا: الضوء.

([5]) فيء: هو الظل.

([6]) مدلهم: شديد الظلمة.

([7]) حبك الغيوم: طرائقها.

([8]) تأمات الوجود: أحواله الخفية.

([9]) تسبيح ومناجاة وثناء، ابن الفرس الخزرجي، ص(92-93).

([10]) السهلي، البداية والنهاية، (12/390).

([11]) خير الدين وانلي.

([12]) ديوان النصر للإسلام، ص(123).

([13]) الكافية الشافية، ابن القيم.

([14]) ضريب: يقال: فلانٌ ضريب فلان: إذا كان شبيهًا له.

([15]) الحريب: المحارب والمسلوب.

([16]) الله أهل الثناء والمجد، ص(363-364).

([17]) يحيى بن معاذ، الحلية، (10/62).

([18]) ابن الوزير الصنعاني، رائق الشهد، ص(162-164).

([19]) رابعة العدوية.

([20]) أبو العتاهية.

([21]) رائق الشهد، ص(87).

([22]) ابن الوزير الصنعاني.

([23]) الكالي: الحافظ.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
محبة الله عز وجل في عيون الشعر العربي (2).doc doc
محبة الله عز وجل في عيون الشعر العربي (2).pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى