قطوف من كلام المحبين لله رب العالمين

قطوف من كلام المحبين لله رب العالمين





الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛

تَأَمَّلْ في نَبَاتِ الأرضِ وانظرْ

إلى آثارِ ما صَنَعَ المليكُ

عيونٌ من لجين شاخصات

بأحداقٍ هي الذهبُ السبيك

على قضب الزبرجدِ شاهداتٍ

بأنَّ اللهَ ليسَ لَه شريك

اللهُ رحيمٌ لطيف، اللهُ بيده الأمر والتصريف، اللهُ أعرفُ المعارف لا يحتاجُ إلى تعريف، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، ولا نرجوا سواه، عظيم السُّلطانِ والجاه، أفلَحَ من دعاه، وسَعِدَ من رجاه، وفازَ من تولَّاه، سبحان من خلقَ وهدى، ولم يخلقْ سُدى، عَظُمَ سلطانُه، ارتفعَ ميزانُه، وجملَ إحسانُه، وكَثُرَ امتنانُه.

إليكَ وإلا لا تُشَدُّ الركائبُ

ومِنك وإلا فالـمُؤَمِّل خَائِبُ

وفيكَ وإلا فالغرامُ مُضيع

وَعَنكَ وإلا فَالمُحَدِّثُ كَاذبُ

علامُ الغيوب، غفَّارُ الذنوب، ستَّار العيوب، كاشف الكروب، مُيَسِّرُ الخطوب، مُقَدِّرُ المكتوب، عظمت بركاته، حسنت صفاته، بهرت آياته، أعجزت بيناته، أفحمت معجزاتُه، جلَّت أسماؤه، عمَّت آلاؤه، امتلأت بحمده أرضُه وسماؤُه، كثرت نعماؤه، حسن بلاؤه، ما أحسن قيلَه، ما أجمل تفصيلَه، ما أبهى تنزيلَه، ما أسرع تسهيلَه، ليس إلا الخضوع له وسيلة، وليس لما يقضيه حيلة.

قَدْ كُنتُ أشفِقُ من دمعيِ على بصَري

فاليومَ كلُّ عزيزٍ بعدكمْ هانَا

واللهِ ما ذَكَرَتْ نفسي معاهدَكُم

إلا رأيتُ دُمُوعَ العينِ هتانا

يُسْقِي ويُطْعِم، يَقْضِي ويَحْكُم، يَنْسَخُ وُيبرِم، يقصم ويفصم، يُهِينُ ويُكْرِم، يروي ويُشْبِع، يصِل ويقطع، يُعطي ويمنع، يُخفض ويرفع، يرى ويسمع، ينصر ويقمع، وليُّه مأجور، والسعي إليه مبرور، والعمل له مشكور، وحزبه منصور، وعدوُّه مدحور، وخصمه مبتور، يسحق الطُّغاة، يمحق العُصاة، يدمِّر العُتاة، يمزِّق من آذاه.

سُبحانَ من لو سجدنَا بالجِبَاهِ لهُ

علَى لَظَى الجَمرِ والمَحمي منَ الإبرِ

لم تبلُغْ العُشرَ من مِقدَارِ نعِمَتِهِ

ولا العُشَيرَ ولا عُشرًا مِنَ العُشرِ

من انتصر به ما ذلَّ، ومن اهتدى بهُداه ما ضلَّ، ومن اتقاه ما زَلَّ، ومن طلب غِناه ما قلَّ، له الكبرياء والجبروت عز وجل، تمَّ كمالهُ، حَسُنَ جماله، تقدَّس جلاله، كَرُمَت أفعاله، أصابت أقواله، نصر أولياءَه، خذل أعداءَه، قرَّب أحباءَه، اطَّلَعَ فستر، عَلمَ فغفر، حَلمَ بعد أن قَدَر، زادَ من شَكَر، ذَكَرَ من ذَكَر، قَصَمَ من كَفَر.

يَا رَبِّ أوَّل شيءٍ قَالهُ خَلَدي

أني ذَكَرْتُكَ في سِرِّي وإعْلانِي

فَوَ الذي قد هَدَى قلبِي لِطَاعَتِهِ

لأذهِبَنَّ بِوَحيٍ منك أحزانِي

لو أن الأقلامَ هي الشجر، والمِدادَ هو المطر، والكَتَبةَ هُمُ البشر، ثم أثنى عليه بالمدحِ مَنْ شَكَرَ، لَمَا بلغوا ذَرَّةً مما يستحقه جلَّ في عُلاه وقهر، اعمُر جَنَانَكَ بحُبِّهِ، أصلِح زمانَكَ بقربِه، أَشْغِل لسانَكَ بحمدِه، احفظ وقتَكَ بتسبيحهِ، العزيزُ من حماه، المحظوظُ من اجتباه، الغنيُّ من أغناه، السعيدُ من تولاه، المحفوظُ من رعاه، أرسلَ الرُسلَ، أفنى الدول، هدى السبلَ، أبرمَ الحِيَلَ، غفرَ الزَّلَل، شفى العِلَل، سَتَرَ الخَلل.

مَهْمَا كَتَبْنا في عُلاكَ قَصَائِدًا

بِالدَّمْع خُطَت أو دَم الأجفان

فَلأنتَ أعظَمُ مِنْ مَديحي كُله

وَأجَلُّ ممَّا دَارَ في الحُسبَانِ

في حبِّك عُذِّبَ بلالُ بن رباح، وفي سبيلك هانَت الجراح، لدى أبي عبيدة بن الجراح، ومن أجلك عَرَّضَ مصعبُ صدره للرماح ...

ولإَعلاء كلمتك قُطعَت يدا جعفر، وتَجَندَلَ على التراب وتعفَّر، ومُزِّقَ عكرمة في حرب بني الأصفر ...

 أحبَّك حنظلةُ فترك عرسَه، وأهدى رأسَه، وقدَّمَ نفسَه ...

وأحبَّك سعدُ بن معاذ فاستعذبَ فيك البلاء، وجَرَت منه الدماء، وشيَّعته الملائكةُ الكُرَماء، واهتزَّ له العرشُ من فوق السماء.

وأحبك حمزةُ سيِّد الشهداء، فصالَ في الهَيجاء، ونازَلَ الأعداء، ثم سلَّمَ رُوحَهُ ثمنًا للجنة هاء وهاء.

من أجلك سهرت عيونُ المتهجِّدين، وتعبت أقدامُ العابدين، وانحَنَت ظهورُ الراكعين، وحُلِّقت رؤوس الحجَّاج والمعتمرين، وجاعت بُطون الصائمين، وطارت نفوسُ المجاهدين.

يا ربِّ حمدًا ليسَ غيرك يُحْمَد يا

من له كُلُّ الخَلائِقِ تَصْمُدُ

أَبْوابُ كلِّ ملكٍ قد أُوصدت

وَرَأيتُ بَابَك وَاسعًا لا يُوصَدُ

أقلام العلماء، تكتب فيه الثناء، صباح مساء ... الرِّماح في ساحة الجهاد، والسيوف الحِداد، ترفع اسمه على رءوس الأشهاد، جلَّ عن الأَكِفَّاء والأنداد ... للمساجد دَويٌّ بذكِره، للطيور تغريدٌ بشُكره، وللملائكة نزولٌ بأمره، حارَت الأفكارُ في عَلوِّ قدرِه، وتَمام قهره.

من أجلك هاجر أبو بكر الصديق وترك عِياله، لمَرضاتك أنفق أمواله وأعماله ... وفي محبتك قُتِل الفاروق ومُزِّق، وفي سبيلك دمه تدفق، ومن خشيتك دمعه ترقرق ... ودفع عثمانُ أمواله لترضى، فما ترك مالًا ولا أرضًا، جعلها عندك قَرضًا ... وقدَّمَ عليٌّ رأسه لمرضاتك في المسجد وهو يتهجد، وفي بيتك يتعبَّد فما تردَّد.

أَرواحُنا يا رب فوقَ أَكُفنا

نَرجُو ثَوابَكَ مَغنَمًا وَجِوَارًا

لَمْ نَخشَ طاغُوتًا يُحاربُنَا

ولَو نَصَبَ المَنايا حَولَنَا أسوارًا

كنا نَرَى الأصنَامَ مِنْ ذَهَبٍ فنهـ

ـدِمها ونهدِمُ فوقَها الكفارًا

تَفَرَّدْتَّ بالبقاءِ، وكَتَبتَ على غيرك الفناء، لك العزةُ والكبرياء، ولك أَجَلُّ الصفات وأحسن الأسماء ... أنت عالم الغيب، البريء من كل عيب ... تكتب المقدور، وتعلم ما في الصدور، وتبعثر ما في القبور، وأنت الحاكم يوم النشور ... مُلكُك عظيم، جنابك كريم، نهجك قويم، أخذك أليم، وأنت الرحيم الحليم الكريم.

من الذي سألك فما أعطيتَه؟!

ومن الذي دعاك فما لبَّيته؟!

ومن الذي استنصرك فما نصرتَه؟!

ومن الذي حاربك فما هزمتَه؟!

لا عيب في أسمائك لأنها الحسنى، لا نقص في صفاتك لأنها العليا ... حيٌّ لا تموت، حاضر لا تفوت، لا تحتاج إلى القُوت، لك الكبرياء والجبروت، والعِزَّة والملكوت.

لو أن أَنفاسَ العِبادِ قَصائد حَفِلَت

بِمَدْحِكَ في جَلالِ عُلاكا

ما أَدْرَكَتْ ما تستحِقُّ وقصَّرتْ عن

مجدِك الأسمى وحُسن سَناكا

كَسَرْتَ ظُهورَ الأكاسرة، قصَّرت آمال القياصرة، هدمت معاقل الجبابرة، وأرديتهم في الحافرة ... من أطاعك أكرمتَه، من خالفك أدبتَه، من عاداك سحقتَه، من نادَّك محقتَه، من صادَّك مزَّقته.

تصمدُ إليك الكائنات، تعنو إليك المخلوقات، تُجيب الدعوات، بشتى اللغات، وبمختلف اللهجات، على تعدد الحاجات، تُفَرِّجُ الكُرُبات، تُظْهِرُ الآيات، تَعْلَمُ النيات، وتُظْهِرُ الخَفِيات، تُحيي الأموات.

دعاك الخليل وقد وُضِعَ في المنجنيق، وأوشك على الحريق، ولم يجد لِسواكَ الطريق ... فلما قال: حسبنا الله ونعم الوكيل؛ صارت النارُ عليه بردًا وسلامًا في ظلٍّ ظليل، بقدرتك يا جليلَ ... وفَلَقْتَ البحر للكليم، وقد فرَّ من فرعون الأثيم، فمهَّدت له في الماء الطريق المستقيم ... ودَعاكَ المختارُ، في الغار، لمَّا أحاط به الكفَّار، فحميته من الأشرار، وحفظته من الفُجَّار ... قريب تُجيب كل حبيب.

ما أَنْتَ بِالسَّبَبِ الضعيفِ وإنَّمَا

أنتَ القويُّ الواحدُ القَهَّارُ

ما خَابَ من يرجُوك عِندَ مُلِمَّةٍ

صَمَدَت إليك البَدوْ والحضار

لو أن الثناء، لربِّ الأرض والسماء، كُتِبَ بدماء الأولياء، على خُدود الأحياء، لقَرَأْتَ في تلك الخدود، صحائف من مدح المعبود، صاحب الجود، بلا حدود ... ألسنة الخلقِ أقلامُ الحق، فما لها لا تنطقُ بالصدق، وتوحِّده بذاك النُّطق.

لا تمنّ عليه دمعة في محراب، فقد مُزِّقَ من أجله عمر بن الخطاب، ما لك إلى عبادتك الزهيدة تُشير، وقد نُشِرَ الأولياء في حبِّه بالمناشير، فاز بلال لأنه ردَّدَ "أحَدٌ أحَد"، ودخل الجنَّة لأنَّه أحَبَّ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ومدح سبحانه نفسه فقال: {اللَّهُ الصَّمَدُ}، وردَّ على المشركين فقال: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}.

سبحان من تحدَّى بالذُّبابِ المشركين، وضرب العنكبوت مثلًا للضالين، وذكر خلقَه للبعوض إزراءً بالكافرين، وحمَّل الهدهد رسالة التوحيد فجاء بخبر يقين، وأهلَكَ من أجل ناقته أعداءه المعارضين، خلق الأبرار والفجَّار، والمسلمين والكفَّار، والليل والنهار، والجنة والنار، وأنزل كل شيءٍ بمقدار.

في القرآن برهانه، في الكائنات امتنانه، للمؤمنين إحسانه، في الجنة رضوانه، عَمَّ الكون سلطانه، اللهمَّ يا ذا العرض المجيد، أنت المُبدئ المُعيد، أنت الفعَّال لما تريد، أنت ذو البطش الشديد، لا كفءَ لك ولا نَديِد، كوَّرت الليل على النهار، وجعلت النور في الأبصار، وحَبَّبتَ العبادة إلى الأبرار، وأجريت الماء في الأشجار، أنت الملك الجبَّار، والقوي القهَّار، والعزيز الغفَّار، أسألك بالأسماء التي هي بالحسن معروفة، وأسألك بالصفات التي هي بالسموِّ موصوفة.

عن كل عيب تنزَّهت، وعن كل نقص تقدَّست، وعلى كل حال تباركت، وعن كل شين تَعَاليت، منك الإمداد، ومن لدُنك الإرشاد، ومن عندك الاستعداد، وعَليك الاعتماد، وإليك يلجأ العباد، في النوازل الشداد.

حَبَوتَ الكائنات رحمةً وفضلًا، ووسعت المخلوقات حكمةً وعدلًا، لا يكون إلا ما تريد، تُشكر فتزيد، وتُكفر فتُبيد، تفرَّدت بالملك فقهَرت، وتوحَّدت بالربوبية فقدرت، تُزِيدُ من شَكَرَك، وتَذْكُرُ من ذَكَرَك، وتمحق من كفرك.

حارت في حكمتك العقولُ، وصارت من بديعِ صُنعك في ذُهول، أدهشتَ بعجائب خلقك الألبابَ، وأذهلتَ الخلائقَ بالحكم والأسباب، باب جود عطائك مفتوح، ونَوالك لمن أطاعك وعصاك ممنوح، وهباتك لكل كائن تغدو وتروح.

 لك السُّؤدد، فمن ساد فبمجدك يسُود، وعندك الخزائن فمن جاد فمن عطائك يجود، صمدٌ أنت فإليك الخلائق تصمد، مقصودٌ أنت فإليك القلوب تقصد، تغلق الأبواب عن الطالبين إلا بابك، ويسدل كل حجاب عن الراغبين إلا حجابك، خَصَصتَ نفسك بالبقاء فأهلكت من سِواك، وأفردت نفسك بالمُلك فأهلكت من عداك، لا نعبد إلا إياك، ولا نهتدي إلا بهُداك، أقمت الحُجة فليس لمُعترض كلام، وأوضحت المحجة فليس لضلالٍّ إمام.

شرَّعتَ الشرائع فكانت لك الحُجة البالغة على الضُلَّال، وبيَّنت السنن فما حاد عنها إلا الجُهَّال، نوَّعت العقوبة لمن عصاك، وغايرت بين النَّكال لمن عاداك، جعلت أسبابَ حياته مماتُه، علةَ إنطاقِه إسكاتُه، أحييت بالماء وبه قَتَلْتَ، وأنعشتَ الأرواحَ بالهواءِ وبه أمتَّ، أشهد أنك مُتوحد بالرُّبوبية، متفرِّد بالألوهية، أنت الملك الحق المبين، وأنت إله العالمين.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
قطوف من كلام المحبين لله رب العالمين.doc doc
قطوف من كلام المحبين لله رب العالمين.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى