حال الصحابة والسلف الصالح مع محبة الله عز وجل

حال الصحابة والسلف الصالح مع محبة الله عز وجل





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛
كان الصحابة رضي الله عنهم يعتبرون حبَّ الله ورسوله وحب إخوانهم من أرجى الأعمال التي يتقربون بها إلى الله تعالى:

-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟ قَالَ: حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا، بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ))([1]).

-وقال يحيى بن معاذ: (عَلَى قَدْرِ خَوْفِكَ مِنَ اللَّهِ يَهَابُكَ الْخَلْقُ، وَعَلَى قَدْرِ حُبِّكَ لِلَّهِ يُحِبُّكَ الْخَلْقُ، وَعَلَى قَدْرِ شُغْلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ يَشْتَغِلُ الْخَلْقُ بأمرك)([2])، فإذا نال العبدُ محبةَ الله فإن حب الله له يكفيه، ولا ينال العبد هذه الدرجة إلا إذا أخلص وصدق في محبته لربه.

-قال الْفَضْلَ بْنَ عِيَاضٍ: (كَفَى بِاللهِ مُحِبًّا، وَبِالْقُرْآنِ مُؤْنِسًا، وَبِالْمَوْتِ وَاعِظًا، وَكَفَى بِخَشْيَةِ اللهِ عِلْمًا وَالِاغْتِرَارِ بِاللهِ جَهْلًا)([3]).

-وعن عُمَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُي يَحْيَى قَالَ: (سَمِعْتُ عَابِدًا، مِنْ أَهْلِ الشَّامِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ يَقُولُ: "مَحَبَّةُ اللَّهِ عز وجل تُورِثُ أَهْلَهَا سُرُورَ الْأَبَدِ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ"، ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ)([4]).

وقد بيَّن السلف رضي الله عنهم معنى المحبة الحقيقة؛ وهي أن يتجرد المرءُ من تقديم محبته لأي شيء على محبة محبوبه، وأن يكون هواه تبعًا لما يهواه حبيبُه:

- قال يحيى بن معاذ: (حَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ أَلَّا تَرَى شَيْئًا سِوَى مَحْبُوبِكَ، وَلَا تَرَى سِوَاهُ لَكَ نَاصِرًا وَلَا مُعِينًا، وَلَا تَسْتَغْنِي بِغَيْرِهِ عَنْهُ)([5]).

- وقال أبو نَصْرٍ مَنْصُورَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيَّ: (سُئِلَ الشِّبْلِيُّ: مَا عَلَامَةُ صحة الْمَعْرِفَةِ؟ قَالَ: نِسْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ سِوَى مَعْرُوفِهِ، فَقَالَ: مَا عَلَامَةُ صِحَّةِ الْمَحَبَّةِ؟ فَقَالَ: الْعَمَى عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سِوَى مَحْبُوبِهِ)([6]).

-وقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: (حَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ الَّتِي لَا تَزِيدُ بِالْبِرِّ، وَلَا تَنْقُصُ بِالْجَفْوَةِ)([7]).

- قال أبو عَلِيٍّ الْحَافِظَ: (سُئِلَ سَمْنُونٌ عَنِ الْمَحَبَّةِ فَقَالَ: صَفَاءُ الْوِدِّ مَعَ دَوَامِ الذِّكْرِ)([8]).

- وقال بشر بن السري: (ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغضه حبيبُك)([9]).

- وقال ابن رجب الحنبلي في تفسيره: (المحبةُ الصحيحةُ تقتضِي المتابعةَ والموافقةَ في حبِّ المحبوباتِ وبغضِ المكروهات)([10]).

- قال الإمام ابن تيمية: (فحقيقة الْمحبَّة لَا تتمُّ إِلَّا بموالاة المحبوب، وَهُوَ مُوَافَقَته فِي حبِّ مَا يحبُّ، وبغضِ مَا يبغضُ، وَاللهُ يحبُّ الْإِيمَانَ وَالتَّقوى، وَيبغضُ الْكفْرَ والفسوقَ والعصيان)([11]).

-وقال ابن القيم - رحمه الله -: (فالمحبةُ شجرةٌ في القلبِ، عروقُها الذلُّ للمحبوبِ، وساقُها معرفتُه، وأغصانُها خشيتُه، وورقُها الحياءُ منه، وثمرتُها طاعتُه، ومادتها التي تسقيها ذكرُه، فمتى خلا الحبُّ عن شيءٍ من ذلك كان ناقصًا)([12]).

وحب الله ليس نافلةً في الإسلام وإنما هو فرض، من تركه استحقَّ العقاب على تركه:

-عن أبي عَبْدِ اللهِ بْنَ خَفِيفٍ قال: (دَخَلَ الْبَصْرِيُّ عَلَى أَبِي عَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ: أَيْنَ تَعْرِفُ فِي نَصِّ الْكِتَابِ أَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ فَرْضٌ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، وَلَكِنْ يَقُولُ الْقَاضِي: فَقَالَ لَهُ: قَوْلَهُ عز وجل: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا}، وَالْوَعِيدُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى تَرْكِ فَرْضٍ)([13]).

- وقال يحيى بنُ معاذ: (ليس بصادقٍ من ادَّعى محبةَ اللهِ ولم يحفظْ حدودَه)، وعن بعض السَّلف قال: (قرأتُ في بعضِ الكتبِ السالفة: من أحبَّ اللهَ لم يكنْ عنده شيءٌ آثرَ من رضاه، ومن أحبَّ الدنيا لم يكنْ عنده شيءٌ آثرَ من هوى نفسِه)([14]).

- وقال سُفْيَانُ بْنِ عُيَيْنَةَ: (لَا تَبْلُغُوا ذِرْوَةَ هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا حَتَّى لَا يَكُونَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ، وَمَنْ أَحَبَّ الْقُرْآنَ فَقَدْ أَحَبَّ اللهَ، افْقَهُوا مَا يُقَالُ لَكُمْ)([15]).

- وقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْوَرَّاقُ: (الْمَحَبَّةُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللهِ، وَهُوَ أَصْلٌ لِجَمِيعِ مَرَاتِبِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَصْفِيَاءِ)([16]).

- وقال فتح الموصلي: (إيثارُ محبةِ اللهِ على محبتك من علامةِ حبِّك لله عز وجل)([17]).

- وعن الربيع بن أنس عن بعض أصحابه قال: (عَلَامَةُ حُبِّ اللَّهِ كَثْرَةُ ذِكْرِهِ، وَعَلَامَةُ الدِّينِ الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ، وَعَلَامَةُ الْعِلْمِ الْخَشْيَةُ لِلَّهِ، وَعَلَامَةُ الشُّكْرِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَالتَّسْلِيمِ لِقَدَرِهِ)([18]).

- وقَالَ أبو الحسين الوراق: (تَتَشَعَّبُ شُعَبُ الْمَحَبَّةِ مِنْ دَوَامِ ذِكْرِ إِحْسَانِ اللهِ، فَمَنْ ذَكَرَ عَلَى الدَّوَامِ إِحْسَانَ اللهِ إِلَيْهِ تَنَسَّمَ رِيحَ الْمَحَبَّةِ عَنْ قُرْبِهِ)([19]).

- وقال إبراهيم بن الجنيد - رحمه الله -: (كان يُقال: من علامةِ المحبِّ للهِ دوامُ الذكرِ بالقلبِ واللسانِ، وقلما ولعَ المرءُ بذكرِ اللهِ عز وجل إلا أفادَ منه حبَّ اللهِ)([20]).

- وسأل رجلٌ الفضيلَ بن عياض فقال: (يا أبا علي، متى يبلغُ الرجلُ غايتَه من حبِّ اللهِ تعالى؟ فقال له الفضيل: إذا كان عطاؤه ومنعُه إياك عندك سواء فقد بَلَغْتَ الغايةَ من حبِّه)([21]).

-وقال حاتم الأصم - رحمه الله -: (من ادَّعى ثلاثًا بغيرِ ثلاث فهو كاذبٌ: من ادَّعى حبَّ اللهِ بغير ورعٍ عن محارمِه فهو كذابٌ، ومن ادَّعى حبَّ الجنةِ بغيرِ إنفاقِ مالِه فهو كذابٌ، ومن ادَّعى حبَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بغيرِ حبِّ الفقراء فهو كذابٌ)([22]).

الهوامش:

([1]) رواه مسلم، (2639).

([2]) الفوائد والأخبار، ابن حمكان، (1/ 149)، رقم: (53).

([3]) رواه البيهقي في شعب الإيمان، (449).

([4]) معجم أبي يعلى الموصلي، (1/ 248)، رقم: (307).

([5]) رواه البيهقي في شعب الإيمان، (418).

([6]) المصدر السابق، (453).

([7]) المصدر السابق، (476).

([8]) المصدر السابق، (499).

([9]) رواه أبو نعيم في الحلية، (10/ 7).

([10]) تفسير ابن رجب، (1/ 200).

([11]) العبودية، ابن تيمية، ص(95).

([12]) روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ابن القيم، (1/ 409).

([13]) رواه البيهقي في شعب الإيمان، (402).

([14]) جامع العلوم والحكم، ابن رجب، (1/ 213).

([15]) رواه أبو نعيم في الحلية، (7/ 277).

([16]) رواه البيهقي في شعب الإيمان، (464).

([17]) المحبة، أبو إسحاق الختلي، (1/ 18)، رقم: (7).

([18]) تعظيم قدر الصلاة، محمد بن نصر المروزي، (2/ 678)، رقم: (744).

([19]) رواه البيهقي في شعب الإيمان، (464).

([20]) جامع العلوم والحكم، ابن رجب، (2/ 516).

([21]) رواه أبو نعيم في الحلية، (8/ 113).

([22]) المصدر السابق، (8/ 75).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
حال الصحابة والسلف الصالح مع محبة الله عز وجل.doc doc
حال الصحابة والسلف الصالح مع محبة الله عز وجل.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى