توكل إبراهيم عليه السلام

توكل إبراهيم عليه السلام






إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ كان إبراهيم عليه السلام عظيم التوكل على الله، في مطالب الدنيا والآخرة، وذلك ليقينه بأن أمره كله بيد ربه ومولاه، فهو يقول عن ربه {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 78 - 82]
وقد ابتلاه ربه بأوامر ونواه، فكان مستعينًا بربه متوكلًا عليه، فقام بما كلف به خير قيام {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] لقد تبرأ إبراهيم من قومه الذين هم سنده في المقاييس الدنيوية لما كفروا بالله، لأن له سندًا لا يقوم أمامه شيء {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة: 4]
ومما ابتلى به أنه حاج النمرود الذي بيده الملك حتى أبهته، ولما أمر بالهجرة من وطنه، هاجر واثقًا في هداية ربه {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99] ولما ابتلي بالقذف في النار كان التوكل على الله لباسه، يقول ابن عباس: (حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار).
ثم ابتلي بأمر لله إياه بإسكان زوجته هاجر وابنه الرضيع بواد غير زرع، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس أن إبراهيم عليه السلام جاء بزوجته (وبابنها إسماعيل، وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت... وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقًا، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم، حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37]
ثم لما شب ابنه إسماعيل وبلغ معه السعي أي: صار يذهب مع أبيه ويمشي معه، وحينئذ يكون الوالد أكثر تعلقًا بولده ابتلي بالأمر بذبحه، فامتثل أمر ربه متوكلًا عليه {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 103 - 107]
 

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
توكل إبراهيم عليه السلام doc
توكل إبراهيم عليه السلام pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى