التوكل على الله من أخلاق الأنبياء: النبي محمد عليه الصلاة والسلام

التوكل على الله من أخلاق الأنبياء: النبي محمد عليه الصلاة والسلام






الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛ إن التوكل على الله سبحانه وتعالى لا يتحقق إلا بالفعل، والعمل، والسعي والحركة حتى يعتاد المؤمن على ذلك الخلق الرباني، ويمارسه باستمرار في جميع جوانب حياته حتى يكون خلقًا، وعقيدة دائمة لا تنفك عنه، وسمة واضحة عليه، ولا سيما إذا كان هذا العبد المؤمن هو من صفوة خلقه نبي أو رسول، ولقد ذكر القرآن الكريم صفات، وأخلاق الأنبياء السابقين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وضمن هذه الأخلاق خلق التوكل عليه سبحانه وتعالى، فقد حثوا عليه أقوامهم تبعًا لأمر خالقهم جل وعلا، إن موقفهم عليهم السلام من عدم التراجع، وعدم اليأس من روح الله جعلهم يمضون في طريقهم موقنين ان الله ولي المؤمنين كافيهم ما يهمهم، فرسل الله صلوات الله وسلامه عليهم قدوتنا في الحياة فما بالنا بخاتمهم نبي الرحمة نموذج الكمال البشري، عنوان الفضل، حامل مشعل النور والضياء، قائد سفينة البشرية المؤمنة على مدى الدهر، أفضل الرسل وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم ، ختم الله به النبوة والرسالة، فكان ختام مسك، إذ هو آخر المرسلين، وأولهم رتبة، سيد ولد آدم.
قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40]، اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون أكمل البشر خلقًا وخلقًا، أفضلهم علمًا، أشرفهم نسبًا، فكان القدوة، والأثر الحسن، فكان المربي، والموجه والمرشد لكل خلق جميل "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق"[1].
فقد حرص عليه الصلاة والسلام على توكيد وترسيخ الأخلاق، خاصة الأخلاق التعبدية في قلب أمته، فهو عليه الصلاة والسلام من خير المتوكلين وأفضلهم، وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالتوكل في آيات كثيرة منها: قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]، وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء: 81]
وقال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 61]ـ وقال تعالى لخليله محمد صلى الله عليه وسلم : {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 123]، وقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 58]، وقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [الشعراء: 217]، وقال تعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل: 79]، وقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء: 81]، وقال تعالى: {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب: 48]
فهذه تسع آيات بينات أمر الله تعالى فيها حبيبه، وخليله، وصفيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوكل في كتابه العزيز؛ ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل، وكان مربيًا، وهاديًا بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بالكلام الذي ينطبق عليه فقد أحسن سبحانه وتعالى تأديبه وتربيته فكان المثل الأعلى في الكمال البشري، وفي كل خلق وسلوك فقد كان قرآنًا يمشي على الأرض وكان تطبيقًا حيا، ومشاهدًا، فالآيات الكريمة هي حسب رسولنا الكريم ويكفيه ولآية: ونصر، وإعانة الله تعالى له بد توكله، وإنابته له سبحانه وتعالى[2].
فكان صلى الله عليه وسلم في كل أمر قصده، وأمضاه توكل على الله، ورسولنا الكريم يعلم أنه لا ناصر له إلا الله، وأن من نصره الله فلا غالب له، ومن خذله لا ناصر له، لذلك فوض أمره إليه وتوكل عليه، ولم يشتغل بغيره[3].
فالآيات المشيرة إلى التوكل ما هي إلا توجيه وتطمين، وعزم، وحسم في التوكل على الله، وفي كلاءة الله وحفظه، فقد كان صلى الله عليه وسلم يأخذ توجيهاته من لدن حكيم عليم، وخلق التوكل استمده صلى الله عليه وسلم من تلك التوجيهات والأوامر الربانية، فالتوكل على الله هو الأصل في استشعار القلب لجلال الله، والاستسلام المطلق لإرادته، واتباع المنهج الذي اختاره فإن رد الأمر إلى الله في النهاية، والتوكل عليه وحده هو القاعدة الثابته المطمئنة التي يفيء إليها القلب، فيعرف عندها حدوده، وينتهي إليها ويدع ما وراءها لصاحب الأمر والتدبير، في ثقة، وفي طمأنينة وفي يقين"[4].
فرسولنا الكريم وقدوتنا ومعلمنا وأسوتنا من خلال سلوكه صلى الله عليه وسلم يتعلم الحاكم أن في المشاورة خير يليه العزي فالتوكل على الله. ويتعلم الداعي إلى الله أن في التوكل على الله الكفاية: والنصير، ويتعلم المحارب والمقاتل أن في التوكل على الله النصرة والغلبة، ويتعلم العبد المؤمن أن في التوكل على الله الخير الكثير لأنه عبادة لرب العالمين، وفي التوكل يجد المؤمن الركن الركين، والحصن الحصين يلوذ به في مواجهة الصعاب وتذليلها، وعلى هذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه وأمته من بعده، وهو إمامنا ونبينا مثلًا أعلى للخلق الذي يدعو إليه فيغرس الخلق السامي من خلال سيرته العطرة، عطره بحكمه، وعظاته ونصائحه.
وقد امر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالتوكل في أسلوب الإعلان، والدعاء قال تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: 30]، إن الله تعالى هنا أمر نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن مضى في رسالته ولقى الصد والإعراض والكفر من قومه أن يتوكل عليه ما لقيه منهم من المواقف، والحوادث، والقوارع فصمد لها نبي الأمة لاعتماده وارتكازه على ربه مطمئنًا إلى حماه معتمدًا على الله وحده، والمعنى: فهو خالقي، وأنا مؤمن به معترف له مقر له بالربوبية والألوهية عليه لا على غيره، توكلت في جميع أموري وإليه أرجع، وأنيب، وأتوب فإنه لا يستحق العبادة والإيمان سواه وهو متولي أمري ومبلغي مراتب الكمال[5].
قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 38]، فدعا الحسبلة دعاء رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، ودعاء كل عبد مؤمن استقرت في قلبه الحقيقة حقيقة لا كاشف للضر، ولا مانع للرحمة إلا هو العلي القدير، فدعاء رسولنا هذا جاء بعد ذكر السماوات والأرض وخلقهن، فالله تعالى خلق السماوات والأرض، وهي أعظم أكبر من خلق الإنسان، قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر: 57]، إن الإنسان لضعيف أن يلجأ إلى الله تعالى ويكل أموره، ويصرفها لله العلي بلى! إن الإنسان مأمور بتصريف أموره كلها لخالقه، ورازقه فهذا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يدعو ربه، ولابد أن يكون هذا حلا العبد المؤمن يدعو الله، ويلجأ إليه متى استقر في قلبه الإيمان وحقيقته، فهو سبحانه الحامي وكاشف الضر، ومنزل رحمته على عباده، والمعتمد عليه والمعتصم به هو الله، والمتوكل عليه هو الله {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 38].
"إنه متى استقرت هذه الحقيقة في قلب مؤمن، فقد انتهى الأمر بالنسبة إليه، وقد انقطع الجدل، وانقطع الخوف، وانقطع الأمل، إلا في جناب الله سبحانه، فهو كاف عبده، وعليه يتوكل وحده، ثم إنها الطمأنينة بعد هذا والثقة، واليقين، والطمأنينة التي لا تخاف، والثقة التي لا تقلق، واليقين الذي لا يتزعزع، والمضي في الطريق على ثقة بنهاية: الطريق"[6].
وفي قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى: 10]، وما اختلفتم أيها الناس فيه من شيء فتنازعتم بينكم فإن الله هو الذي يقضي بينكم، ويفصل فيه الحكم قل لهؤلاء المشركين بالله هذا الذي هذه الصفات صفاته ربي لا آلهتكم التي تدعون من دونه، التي لا تقدر على شيء "عليه توكلت" في أموري، وإليه فوضت أسبابي، وبه وثقت "وإليه أنيب" وإليه أرجع في أمور وأتوب من ذنوبي"[7].
"فالقرآن يحكي قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، مسلمًا أمره كله لله منيبًا إلى ربه بكليته فتجيء هذه الإنابة، وذلك التوكل، وذلك الإقرار بلسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعها النفسي المناسب، للتعقيب على تلك الحقيقة في أن المرجع إلى كل اختلاف هو الحكم الإلهي، فها هو رسول الله، ونبيه يشهد أن الله هو ربه، وأنه يتوكل عليه وحده، وأنه ينيب إليه دون سواه"[8].
فالمؤمن يجب أن تستقر هذه الحقيقة في قلبه حتى يضاء الطريق أمامه وتتحدد معالمه فرسلنا الكرام من أولهم إلى آخرهم القدوة والمثل والأسوة الحسنة الصالحة للبشرية؛ أمرنا الله عز وجل بالاقتداء والسير على منهاجهم، وجعلهم نماذج للكمال، وعنوانا للفضل، لأنهم أكمل الناس عقلًا وخلقًا، وأطهرهم سلوكًا، وأشرفهم رتبة ومنزلة.
قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]، إن رسولنا الكريم مأمور بالاقتداء بمن سبقه من رسل؛ قد هداهم الله هداية: كاملة في الأخلاق والصفات، فكان صلى الله عليه وسلم مهتديًا بهداهم كلهم، فكانت مناقبه، وفضائله الكسبية أعلى من مناقبهم، وفضائلهم؛ لأنه اقتدى بها كلها فاجتمع له من الكمال ما كان متفرقًا فيهم، وشهد ربه بذلك فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
فهذا رسولنا الكريم يقتدي، ويهتدي بمن سبقه، فما بالنا نحن؛ فلزم علينا الاقتداء والامتثال لأمر الله تعالى، والسير على نهج الأنبياء، والعلماء من الكسب، والعمل، والأخلاق لنكون على طريق الحق، والاستقامة ونمضي ونسير عليه[9]. فالمؤمن تزيد قيمته عند ربه بقدر عمله بالعبادات ومدى إخلاصه فيها؛ لأن العبادات من أهم ما يميز المؤمن عن غيره.
قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 4 - 6]، فكل من احترم إنسانيته وكرامته وأعطاها حقها من اتباع الأمر واجتناب النهي، وأعطى الله حقه، ويتبعون طريق الخير فإن الله بهذا يرفع كل ذي فضل على قدر فضله ويؤتي أجره بقدر ما يعمل من الأعمال والعبادات.
قال تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 132]، فهذا التوكل من الأعمال والعبادات التي يأخذ المؤمن أجره فيه من الله تعالى في الآخرة وفي الدنيا فإن للتوكل قيمة عملية، فهو يدعو الإنسان أن يكون نشيطًا مجدًا يكسب رزقه بشرف، ويدعو إلى الجلد، والصبر، والثقة بالنفس وقوة الإرادة، والسعي لمزيد من الإنتاج لمزيد من الإنفاق والخير، وكل ذلك يؤدي إلى الصبر، والشجاعة دون تبرم أو ضجر.
فمما سبق أشرنا إلى هدي الرسل الكرام في توكلهم على الله تالى، فكتاب الله تعالى يطالعنا بصور ونماذج لم يخلق الله أجمل منها في هذا الكون... ونرى أسبلوب القرآن في الحديث عن الرسل الكرام، الصفوة المختارة من البشر يتدفق بالحياة، ويفيض بالبشر، وينم عن الحب والإيثار فيذكر بالثناء العاطر، ويصفهم بأسمى الصفات، والمواهب العقلية والخلقية، والتعبدية، كل ذلك ليدل على أنهم الصفوة، من خلق الله ... ولنقرأ ما قال تعالى في حقهم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73].
هكذا نجد القرآن العظيم حين يتحدث عن الإنبياء والرسل الكرام، يصفهم بأسمى الصفات العالية، وتظهر من خلال سطوره معالم الحب والتكريم والاصطفاء والاجتباء، فيصفهم تارة بالطاعة والإنابة، وأخرى بالتوكل والإيمان، ويذكرهم في بعض المواطن بالصدق والنزاهة والصبر والتحمل، فكل ذلك ليشير إلى علو شأنهمن ورفعة مكانتهم، وسمو الرسالة التي بعثوا من أجلها، فكانةوا هداة وقادة البشرية، لأنهم كما أسلفنا الذكر هم أكمل البشر خلقًا، وأفضلهم علمًا، واقتضت حكمته أن يحفظهم بعنايته، ويكلأهم برعايتهن ويربيهم على عينه تبارك وتعالى، كما قال جل ثناؤه مخاطبًا سيد الرسل الكرام {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48]، وكما قال لموسى عليه السلام {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39]، هؤلاء هم الرسل الكرام سادة البشر، استحقوا أن يحملوا اللواء في سبيل عزة الإنسانية، وانتشالها من براثن الشرك، والضلال، إلى نور التوحيد والإيمان.

الهوامش:
[1] رواه أحمد (2/381)، واللفظ له، والحاكم (2/613)، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه؛ ووافقه الذهبي، وقال محقق جامع الأصول (4/4) قال الزرقاني، رواه أحمد وقاسم بن أصبغ والحاكم والخرائطي برجال الصحيح عن محمد بن عجلان، عن أبي هريرة، وقال ابن عبد البر: هو حديث مني متصل من وجوه صحاح عن ابي هريرة.
[2] انظر لابن كثير، تفسير القرآن العظيم، (1/801)
[3] انظر للشوكاني، فتح القدير، (1/394)
[4] سيد قطب، في ظلال القرآن (1/496)، (2/740)، (5/2832).
[5] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، (2/796)، وللشوكاني، فتح القدير (3/83)، وللمراغي، تفسيره (5/104)
[6] سيد قطب، في ظلال القرآن (5/3054)
[7] انظر لابن جرير، جامع البيان عن تفسير آي القرآن (6/482- 483)
[8] سيد قطب، في ظلال القرآن (5/3146)
[9] انظر للمراغي، تفسيره (3/1847- 185)

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
التوكل على الله من أخلاق الأنبياء: النبي محمد عليه الصلاة والسلام doc
التوكل على الله من أخلاق الأنبياء: النبي محمد عليه الصلاة والسلام pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى