صلاة حفظ القرآن من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني

صلاة حفظ القرآن من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني






إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فمما أحدثه المتصوفة من الصلوات صلاة حفظ القرآن، إن حفظ القرآن الكريم نعمة يهبها الله لمن شاء من عباده إذا علم أنه محل لذلك، وما على العبد أن يفعل لتحصيل تلك النعمة إلا أن يتقدم بالأسباب المعينة على حفظه، والتي من أهمها تقوى الله وصدق النية، والاستعانة بالله، والالتجاء إليه بالدعاء لتيسير حفظه، والعمل بما جاء فيه، حتى يصدق عليه قول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
أما أن يعتقد أن الطريق إلى حفظه إحداث صلاة معينة بهيئة مخصوصة في وقت محدد، فباطل من البدع المنكرة المبعدة عن الله وكتابه؛ إذ لم يصح شيء من السنة في ذلك، وكل ما ورد فيه فمنكر شاذ لا تعتبر به سنة.[1]
فمنه ما روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:
" يا أبا الحسن، أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، وينفع بهن من علمته، ويثبت ما تعلمت في صدرك؟ ".
قال: أجل يا رسول الله فعلمني.
قال: " إذا كان ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الاخر، فإنها ساعة مشهودة، والدعاء فيها مستجاب، وقد قال أخي يعقوب لبنيه: اسوف أستغفر لكم ربي " يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة.
فإن لم تستطع، فقم في وسطها، فإن لم تستطع، فقم في أولها، فصل أربع ركعات، تقرأ في الركعة الاولى بفاتحة الكتاب وسورة يس، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب وألم تنزيل السجدة، وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل.
فإذا فرغت من التشهد، فاحمد الله، وأحسن الثناء على الله، وصل علي، وأحسن، وعلى سائر النبيين، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات، ولاخوانك الذين سبقوك بالايمان، ثم قل في آخر ذلك: اللهم! ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني ".
اللهم! بديع السماوات والارض، ذا الجلال والاكرام، والعزة التي لا ترام، أسالك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك، أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني.
اللهم! بديع السماوات والارض، ذا الجلال والاكرام، والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصري، وأن تطلق به لساني، وأن تفرج به عن قلبي، وأن تشرح به صدري، وأن تغسل به بدني، فإنه لا يعينني على الحق غيرك، ولا يؤتيه إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
يا أبا الحسن! تفعل ذلك ثلاث جمع، أو خمسا، أو سبعا، تجب بإذن الله، والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمنا قط ".
قال ابن عباس: فوالله ما لبث علي إلا خمسا، أو سبعا، حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مثل ذلك المجلس، فقال: يا رسول الله! إني كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات ونحوهن، فإذا قرأتهن على نفسي تفلتن، وأنا أتعلم اليوم أربعين آية ونحوها، فإذا قرأتها على نفسي، فكأنما كتاب الله بين عيني، ولقد كنت أسمع الحديث، فإذا رددته تفلت، وأنا اليوم أسمع الاحاديث، فإذا تحدثت بها لم أخرم منها حرفا.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: " مؤمن ورب الكعبة أبا الحسن ".[2]
قال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم.
قال عنه الذهبي: هذا حديث منكر شاذ أخاف أن يكون موضوعًا.[3]
وقال في (الميزان)[4]: هو مع نظافة سنده حديث منكر جدًا، في نفسي منه شيء.
وقد قال الشوكاني فيه: فالحديث يقصر عن الحسن فضلًا عن الصحة، وفي ألفاظه نكارة، وأنا في نفسي من تحسين هذا الحديث فضلًا عن تصحيحه، فإنه منكر غير مطابق للكلام النبوي والتعليم المصطفوي، وقد أصاب ابن الجوزي بذكره في (الموضوعات).
ومنه أيضًا حديث: "يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَلا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً عَلَّمَنِي جِبْرِيلُ لِلْحِفْظِ تَكْتُبُ عَلَى طَاسٍ بِزَعْفَرَانٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةَ الإِخْلاصِ وَسُورَةَ يس وَالْوَاقِعَةَ وَالْجُمُعَةَ وَالْمُلْكَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهِ مَاءَ زَمْزَمَ أَوْ مَاءَ السَّمَاءِ ثُمَّ تَشْرَبُهُ عَلَى الرِّيقِ عِنْدَ السَّحَرِ بِثَلاثَةِ مَثَاقِيلَ مِنْ لِبَانٍ وَعَشَرَةِ مَثَاقِيلَ مِنْ سُكَّرِ طبرزد وَعشر مَثَاقِيل عسل ثمَّ تُصَلِّي بَعْدَ الشُّرْبِ رَكْعَتَيْنِ بِمِائَةِ مَرَّةٍ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسِينَ مَرَّةً ثُمَّ تُصْبِحُ صَائِمًا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَلا يَأْتِي عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا إِلا وَتَصِيرُ حَافِظًا وَهَذَا لِمَنْ دُونَ سِتِّينَ سَنَةً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَدْنَاهُ نَافِعًا» هَذَا كذب بَين"[5].
وما أجمل ما أجاب به الشيخ محمد بن عثيمين عندما سئل عن هذه الصلاة، وصلاة الحاجة؟
قال: كلتاهما غير صحيحة، لا صلاة الحاجة، ولا صلاة حفظ القرآن؛ لأن مثل هذه العبادات لا يمكن إثباتها إلا بدليل شرعي يكون حجة، وليس فيهما دليل شرعي يكون حجة، وعليه تكونان غير مشروعتين. انتهى.[6]
قلت: ومثلها مما يوافقها في التسمية صلاة ركعتين بعد حفظ القرآن، وهي صلاة ذكرها في (نهاية الزين شرح قرة العين) من كتب الشافعية[7] ضمن صوات استحب فعلها، منها  ما هو مستحب حقيقة لورود النص المشروع له، ومنها ما ليس كذلك، ومنه هذه الصلاة بعد حفظ القرآن العظيم، حيث لم يرد الدليل لمشروعيتها، فتصنف ضمن الصلوات المبتدعة.
فكن على حذر من ذلك، ومن عقاب الله لك، فيحل بك نقيض قصدك ليتعسر عليك حفظ كتابه، فالبدعة شؤم على صاحبها، فهل من مدكر؟
 
 
الهوامش:
[1] انظر (فوائد حديثية) ص 115، السنن والمبتدعات، ص 124، أخطاء المصلين، ص 454.
[2] أخرجه الترمذي، 3570، والحاكم 1/316- 317 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقال الألباني موضوع، وقال في الضعيفة 3374، منكر.
[3] تلخيص المستدرك، 1/317، وانظر سير أعلام النبلاء، 12/218، والاآليء المصنوعة، للسيوطي، 2/54.
[4] المرجع السابق، 2/213.
[5] تذكرة الموضوعات، ص 53.
[6] مجموع فتاوى ومقالات ابن عثيمين، 14/223.
[7] نهاية الزين شرح قرة العين، 1/106، وانظر نهاية المحتاج، 2/122.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
صلاة حفظ القرآن من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني doc
صلاة حفظ القرآن من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى