ثمرات الخوف من الله تعالى في الآخرة 1

ثمرات الخوف من الله تعالى في الآخرة 1






الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعامين ثم أما بعد؛ إن أعظم الثمرات الذي ينالها الإنسانُ من خلال خوفه من اللهِ تعالى، هي التي أعدَّها الله تعالى لعباده في الدار الآخرة، فمن الثمرات التي أعدها اللهُ لعباده الخائفين ما يلي:
1- دخول الجنة:
الجنةُ هي أعظم مقصود، فالعبد يسعى في هذه الدنيا مجتهدًا في عبادة الله تعالى، من أجل بلوغ تلك المنزلة العظيمة؛ وهي: دخول الجنة، فإن الخوف من الله تعالى أحدُ الأسباب الموصلة إلى رضوان الله تعالى ودخول جنته، قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، قال الطبري: (ولمن اتقى اللهَ من عباده فخافَ مقامَه بين يديه، فأطاعَه بأداءِ فرائضه، واجتناب معاصيه؛ له جنتان، يعني بستانين)([1]).
وقال المراغي: (إِنَّ مَنْ خشي ربَّه وراقبه في أعماله، وأيقن بأنه مجازيه عليها يوم العرضِ والحساب، يوم تُجزى كلُّ نفس بما كسبت، فإذا هو هَمَّ بمعصيةٍ ذَكَرَ اللهَ تعالى وأنه عليمٌ بِسِرِّه ونجواه، فتركها مخافة عقابه وشديد حسابه، ففعل الخير وأحب الخير للناس؛ فجزاؤه جنتان)([2]).
يتبين مما سبق أن الجنة هي مُنى وغاية كل إنسان مسلم، فاللهُ عز وجل خلق الخلق ليعبدوه، وسخَّر لهم كل الإمكانات حتى يقوموا بشرعِ اللهِ عز وجل، ويحققوا من خلال ذلك الغاية التي يتمناها كلُّ مؤمن ألا وهي الجنة، فالخوف من الله تعالى سببٌ في دخول الجنة، وذلك أن الإنسانَ إذا أصبح قلبُه خائفًا لله تعالى فإن هَمَّ بمعصيةٍ أو ذنب ثم تذكر مقامَ اللهِ وعظمته وههيبته؛ فتركَ فعل المعصية، فَإِنَّ اللهَ تعالى أعدَّ له الجنة جزاء عمله.
قال مجاهد وإبراهيم النخعي: (هو الرجلُ يهمُّ بالمعصيةِ فيذكر اللهَ فيدعها من خوفِه)([3])، وعن الحسن البصري قال: (قالت الجنةُ: يا رَبِّ لِمَنْ خَلَقتني؟ قال: لمن يعبدني وهو يخافني)، وقال أبو سليمان الداراني: (أصلُ كلِّ خيرٍ في الدنيا والآخرة الخوفُ من الله، وكلُّ قلبٍ ليس فيه خوف اللهِ فهو قلبٌ خَرِب).
2- الخوفُ مِنَ اللهِ يجعلُ العبدَ مستظلًّا تحت ظِلِّ العرشِ يوم القيامة:
إن النِّعَم تتوالى للعبد من الله تعالى، فالإنسان المسلم الذي امتلأ قلبُه بمخافةِ اللهِ تعالى، وعمل بذلك عملًا صالحًا يترجم ذلك في حياته الدنيوية، فإن اللهَ تعالى يُكْرِمُه بكرمٍ من عنده، ويُظِلُّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبادة الله تعالى، ورَجُلٌ قَلْبُه مُعَلَّقٌ بالمساجد، ورَجُلانِ تَحَابَّا في الله: اجْتَمَعَا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورجلٌ دَعَتْه اْمرأةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فقال: "إِني أَخافُ اللهَ"، ورجلٌ تصدَّق بصَدَقَةٍ، فأَخْفَاهَا حتِّى لا تَعْلَمَ شِمَالُه ما تُنْفِقُ يَمِينُه، ورجلٌ ذكرَ اللهَ خالياً، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ))([4]).
فالشاهد من الحديث ((ورجلٌ دَعَتْه اْمرأةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فقال: "إِني أَخافُ اللهَ"))، وهو الخوف من الله تعالى وتذكر خشيته، فكان ذلك مانعًا له من ارتكاب الفاحشة، مما سيكون سببًا في أن يظله الله تعالى في ظل العرش يوم القيامة، يوم تدنو الشمسُ من رؤوس الخلائق قَدْرَ ميل، فيغرق الناسُ في العرق.
3- الخوف من اللهِ تعالى سببٌ في النجاة من النار بإذن الله تعالى:
إن من أعظم الثمرات التي يسعى إليها العبدُ نجاتُه من نارِ جهنم بدون حساب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لا َيَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْع))([5])، وورد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))([6]).
 قال الحسن البصري - رحمه الله -: (ما اغرورقت عينٌ بمائها من خشيةِ اللهِ إلا حرَّم اللهُ جسدَها على النارِ، فإن فاضت على خدِّها لم يرهقْ ذلك الوجهَ قترٌ ولا ذِلَّةٌ، وليس من عمل إلا له وزنٌ، وثواب الدمعة فإنها تُطفئُ بحورًا من النارِ)([7]).
يتبن مما سبق أن من علامات الخوف من الله تعالى هو تأثر القلب وبكاء العين، فإن بكت العينُ خوفًا وخشيةً للهِ تعالى فإنه سبحانه وتعالى ينجيه من عذاب النار يومَ القيامة، فينبغي على الإنسان المسلم أن يبذلَ الأسباب الجالبة التي ترقِّقُ القلبَ وتدمع العين، وتدفعه للأعمال الصالحة التي تربي في نفسه الخوفَ مِنَ اللهِ تعالى، فيكون ذلك سببًا بإذن الله تعالى في النجاة من النار.


الهوامش:
([1]) تفسير الطبري، (23/55).
([2]) تفسير المراغي، ط 2، شركة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1382 هجرية، (27/124).
([3]) تفسير القرطبي، (17/176).
([4]) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، (1423).
([5]) رواه النسائي، ط5 دار المعرفة، بيروت، 1420 هجرية، (3108)، وصححه السيوطي في جامع الأحاديث، دار الفكر العربي، بيروت، د، ت، ص(249).
([6]) رواه الترمذي، (1690).
([7]) رواه البيهقي ف شعب الإيمان، دار الكتب العملية، بيروت، 1410 هجرية، (812).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
ثمرات الخوف من الله تعالى في الآخرة 1 doc
ثمرات الخوف من الله تعالى في الآخرة 1 pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى