الخشية من مرادفات الخوف

الخشية من مرادفات الخوف





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم ما بعد؛ فقد وردت في القرآن الكريم ألفاظٌ تشترك في معنى الخوف، وهي: الخشية والوجل والرهبة والإشفاق، وسوف نستعرض الفروق بين كلِّ لفظٍ والآخر والعلاقة بينها.
الخشية من الألفاظ المرادفة للخوف، وقد ذكر الجوهري في معجمه بأن (الخشية مصدر خشي، وهو مأخوذٌ من مادة (خ ش ي) التي تدل على خوف وذعر، ويُقال: خشي الرجلُ يخشى خشيةً؛ أي: خاف فهو خشيان، والمرأة خشيًّا، وهذا المكان أخشى من ذاك، أي أشد خوفًا)([1]).
قال الراغب: (الخشيةُ خوفٌ يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك على علم بما يخشى منه، ولذلك خُصَّ العلماءُ بها في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وقوله تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ} أي: لمن خاف خوفًَا اقتضاه معرفته بذلك من نفسه)([2]).
وفي مفهوم الخشية يقول الجرجاني: (هي تألمُ القلبِ واحتراقُه بسبب توقعِ مكروهٍ في المستقبل، يكون تارةً لكثرةِ الجنايةِ من العبد، وتارةً بمعرفةِ جلالِ اللهِ وهيبتِه)([3]).
فمن خلال تعريف الجرجاني للخشية يتضح بأن الخشية لفظٌ مرادفٌ للخوف؛ لأن القلب يتألم حينما يتوقع المكروه، فكذلك الخوف هو اضطرابٌ وألمٌ في القلبِ عند توقع المكروه في المستقبل، فيخاف من أجل تجنب ذلك المكروه، كما أنه جمع بين مفهوم الخوف والخشية، وكأنه أراد التمييز بينهما.
فالخوف هو: تألمُ القلب من المكروه أو العقاب المتوقع، أما الخشية فهي: تألم وشعور في القلب يحصل عند الشعور بعظمةِ الخالقِ وهيبته، فهي مقرونةٌ بإجلال الله تعالى، ويؤيد هذا الفرقَ قولُ اللهِ تعالى: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} حيث جعل الخشية مقترنةً به سبحانه وتعالى، وجعل الخوف مقترنًا بسوء الحساب.
وقد ذكر الألوسي تعليقًا على هذه الآية بقوله: (الخشيةُ أشدُّ من الخوفِ، لأنها مأخوذة من قولِهم: "شجرةٌ خشيةٌ"؛ أي يابسة، ولذلك خُصَّت بالربِّ عز وجل في هذه الآية، وفرقٌ بينهما أيضًا بأن الخشية تكون من عظم المخشي وإن كان الخاشي قويًّا، والخوف من ضعفِ الخائف وإن كان المخوف أمرًا يسيرًا، يدل على ذلك أن تقاليب الخاء والشين والياء تدل على الغفلة، وفيه تدبر)([4]).
فالخوفُ خشيةٌ سببها ذلُّ الخاشي، والخشية خوفٌ سببه عظمة المخشي، وهنا قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]؛ ذكر الرازي في تفسيره بأن العلماء عرفوا عظمةَ اللهِ فخشوه، فالعبد من الله خائف وخاشي؛ لأنه إذا نظر إلى حضرة الله رآها في غاية العظمة فهو خاشٍ، فالخشية أشدُ من الخوف؛ لأن اللهَ ذكرها مقرونةً بالإشفاق الذي هو أشد من الخوف، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون: 57]([5]).
قال الفيروز آبادي: (الخشيةُ أخصُّ من الخوف، فإن الخشية للعلماء بالله تعالى، فهي خوفٌ مقرونٌ بمعرفة([6]). ومن أمثلة الخشية في القرآن الكريم ما قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39]؛ قال الألوسي في تفسيره: (أي يخافونه تعالى في كل ما يأتون ويذرون، لاسيما في أمرِ تبليغ الرسالة)([7]).
ومن الأمثلة كذلك قول الله تعالى: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}، الشاهد من هذه الآية: {ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}، قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (أي خافَ ربَّه، فتناهى عن المعاصي)([8]).
وذكر أبو الهلال العسكري في الفروق اللغوية من أن الخوف يتعلق بالمكروه وبترك الكروه، والخشية تتعلق بمنزلة المكروه، ولا يُسمى الخوفُ من نفس المكروه خشية([9]).
وذكر ابنُ القيم: (أن الفرق بين الخوف والخشية يكمن في أن الخوف: هربُ القلبِ من حلولِ المكروه واستشعاره؛ لذلك فإنه يكون لعامة المؤمنين، وصاحبه يلتجئ إلى الهرب والإمساك، وأما الخشية فأخص من الخوف، وغالبًا ماتكون مقرونة بالمعرفة والعلم بما يخشى منه، ولذلك خُصَّت بالعلماء والعارفين في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وصاحبُ الخشيةِ لا يلتجئ إلى الهرب، وإنما يلتجئ إلى الاعتصام بالعلم، وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الخشية)([10]).
فالخشيةُ خوفٌ مقرونٌ بمعرفة، (فالخوفُ حركةٌ، والخشيةُ انجماعٌ وانقباضٌ وسكونٌ، فإن الذي يرى العدو والسيل ونحو ذلك له حالتان؛ أحدهما: حركةٌ للهربِ منه وهي حالةُ الخوفِ، والثانية: سكونه وقراره في مكان لا يصل إليه فيه، وهي الخشيةُ)([11]).
فالخوفُ تألمُ النفس من العقاب المتوقع بسبب ارتكاب المنهيات والتقصير في الطاعات، وهو يحصلُ لأكثر الخلق، وإن كانت مراتبه متفاوتة، والخشية: حالة تحصل عند الشعور بعظمة الخالق وهيبته وخوف الحجب عنه، ويؤيد هذا الفرقَ قولُ اللهِ تعالى يصف المؤمنين: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد: 21]، حيث ذكر الخشيةَ من جانبه سبحانه وتعالى والخوف من سوء الحساب.
 

الهوامش:
([1]) الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، ط 3، دار العلم بيروت، 1984م، (6/2327).
([2]) المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصبهاني، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، د، ت، ص(213-214).
([3]) المصدر السابق، ص(103).
([4]) روح المعاني، الألوسي، دار إحياء التراث العربي، د، ت، (13/140).
([5]) التفسير الكبير، الرازي، ط3، دار إحياء التراث العربي بيروت، د، ت، (26/21).
([6]) بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، الفيروزآبادي، المكتبة العلمية بيروت، (2/544).
([7]) روح المعاني، الألوسي، (22/28).
([8]) تفسير القرطبي، (20/145).
([9]) الفروق اللغوية، الحسن بن عبد الله، مكتبة القدس، الجزائر، 1353 هجرية، ص(200).
([10]) الخوف والرجاء في القرآن الكريم، عبد الله بن أسود الجوالي، دار الزمان، المدينة المنورة، 1424 هجرية، ص(26).
([11]) آفات على الطريق، سيد محمد نوح، مصر، دار الوفاء، ص(5/150).

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى