عقيدة وحدة الوجود في الأوراد الصوفية

عقيدة وحدة الوجود في الأوراد الصوفية





 
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: ففي هذا المقال بإذن الله تعالى سوف نورد نصوصاً معتمدة لدى الطرق الصوفية، من أورادهم وصلواتهم التي يتعبدون بها في خلواتهم واجتماعاتهم، ويطبعونها في كتب يوزعونها، ويحفظون نصوصها:
* من أوراد الطريقة القادرية وقد يستعملها الآخرون:
...الاسم الثالث (هو)، عدد تلاوته أربعة وأربعون ألفاً وستمائة مرة، وتوجهه: يا من هو الله لا إله إلا أنت هو هو هو، إلهي حقق باطني بسر هويتك، وأفن مني أنانيتي إلى أن تصل إلى هوية ذاتك العلية، يا من ليس كمثله شيء، أفنِ عني كل شيء غيرك، وخفف عني ثقل كثائف الموجودات، وامحُ عني نقطة الغيرية لأشاهدك ولا أدري غيرك، يا هو يا هو يا هو، لا سواك موجود، لا سواك مقصود، يا وجود الوجود([1])...
* ومن أوراد الطريقة القادرية أيضاً:
الحمد لله الذي كيَّف الكيْف، وتنزه عن الكيفية، وأيَّن الأيْن وتعزز عن الأينية، ووُجد في كل شيء وتقدس عن الظرفية، وحضر عند كل شيء وتعالى عن العندية([2])...
* ومنها:..يا أول كل شيء، ويا آخر كل شيء، ويا ظاهر كل شيء، ويا باطن كل شيء([3])..
- أقول: هذا مثل قولهم: (وما الكلب والخنزير إلا إلهنا)، و(ولا يهولنك صدور الكائنات الدنسية من سنخ القدوسية)، وغيرها.
* ومنها:..إلهنا فطهر قلوبنا من الدنس لنكون محلاً لمنازلات وجودك، وخلصنا من لوث الأغيار لخالص توحيدك، حتى لا نشهد لغير أفعالك وصفاتك وتجلي عظيم ذاتك([4])...
* ومنها:..رباه رباه غوثاه، يا خفياً لا يظهر، يا ظاهراً لا يخفى، لطُفَتْ أسرار وجودك الأعلى فتُرى في كل موجود، وعلت أنوار ظهورك الأقدس فبدت في كل مشهود([5])...
- وهذا أيضاً مثل قولهم: (ولا يهولنك صدور الكائنات الدنسية من سنخ القدوسية) وما شابهها.
* ومنها: ..رب أشهدني مطلق فاعليتك في كل مفعول حتى لا أرى فاعلاً غيرك، لأكون مطمئناً تحت جريان أقدارك، منقاداً لكل حكم ووجود عيني وغيـبي وبرزخي، يا نافخاً روح أمره في كل عين، اجعلني منفعلاً فى كل حال لما يحولني عن ظلمات تكويناتي، وألحق فعلي وفعل الفاعلين في أحدية فعلك([6])...
* ومن أوراد الطريقة القادرية أيضاً:
إلهي عم قِدَمُك حَدَثي ولا أنا، وأشرق سلطان نور وجهك فأضاء هيكل بشريتي فلا سواك، فما دام مني فبدوامك، وما فني مني فبرؤيتي إليك، وأنت الدائم لا إله إلا أنت، أسألك بالألف إذا تقدَّمَتْ، وبالهاء إذا تأخرت، وبالهاء مني إذا انقلبت لاماً، أن تفنيني بك عني، حتى تلتحق الصفة بالصفة، وتقع الرابطة بالذات([7])...
- أقول: (الألف إذا تقدَّمَتْ، والهاء إذا تأخرت، والهاء مني إذا انقلبت لاماً)، هذا لغز أرجو من لقارئ أن يتسلى بحله قبل قراءة هذا الحل في السطور التالية.
الحل: أمامنا في هذا اللغز ثلاثة عناصر: الألف المتقدمة، والهاء المتأخرة، واللام (المنقلبة عن الهاء منه)؟
بما أن الألف متقدمة والهاء متأخرة، إذن، فاللام متوسطة بينهما، ويكون اللغز هو كلمة (إله).
ويحوي هذا اللغز لغزاً آخر هو قوله: (والهاء مني)، التي يعني بها: الهاء من الضمير (هو) العائد عليه. وأترك للقارئ التسلي بتحليله وإلى ماذا يشير؟
* ومن أورادهم: ...يا هو يا الله (ثلاثاً) لا إله غيرك، أسقنا من شراب محبتك، وأغمسنا في بحار أحديتك، حتى نرتع في بحبوحة حضرتك، وتقطع عنا أوهام خليقتك([8])...
* ومنها: اللهم صل وسلم على من له الأخلاق الراضية...الأنيس بك والمستوحش من غيرك، حتى تمتع من نور ذاتك، ورجع بك لا بغيرك، وشهد وحدتك في كثرتك([9])...
* ومنها: ...وطهِّرنا من قاذورات البشرية، وصفّنا بصفاء المحبة الصديقية من صدأ الغفلة ووهم الجهل، حتى تضمحل رسومنا بفناء الأنانية ومعاينة الطمسة الإنسانية في حضرة الجمع، والتحلية، والتحلي بألوهية الأحدية، والتجلي بالحقائق الصمدانية في شهود الوحدانية، حيث لا حيث ولا أين ولا كيف، ويبقى الكل لله وبالله ومن الله وإلى الله ومع الله غرقاً بنعمة الله في بحر منة الله([10])...
* ومنها: ...صلاةً هو لها أهل، صلاة تفرّج بها عنا هموم حوادث عوارض الاختيار، تمحو بها عنا ذنوب وجودنا بماء سماء القربة، حيث لا بين ولا أين ولا جهة ولا قرار، وتفنينا بها عنا في غياهب غيوب أنوار أحديتك، فلا نشعر بتعاقب الليل والنهار، وتحولنا بها سماح رياح فتوح حقائق بدائع جمال نبيك المختار، وتلحقنا بها أسرار ربوبيتك في مشكاة الزجاجة المحمدية، فتضاعف أنوارنا بلا أمد ولا حد ولا إحصار([11]).
* ومن أورادهم:
...وأيدني اللهم عند شهود الواردات بالاستعداد والاستبصار، وأفض علي من بحار العناية المحمدية والمحبة الصديقية ما أندرج به في ظُلَم غياهب عيون الأنوار، واجمعني واجعل لي بين سرِّك المكنون الخفي والاستظهار، واكشف لي عن سر أسرار أفلاك التدوير في حواشي التصوير، لأدبركل فلك بما أقمته من الأسرار، واجعل لي الحظ الخطير الممدود القائم بالعدل بين الحرف والاسم، فأحيط ولا أُحاط، بإحاطة: ((لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)) [غافر:16]([12]).
- الرجاء الانتباه بإمعان إلى الجملة (فأحيط ولا أُحاط..)! وبأي إحاطة؟! بإحاطة: ((لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)) [غافر:16]!! وفهمكم كفاية.
- ومن الجدير بالملحوظة أن الطريقة القادرية (بل كل الطرق الصوفية) تتبنى عينية عبد الكريم الجيلي، يتبنونها على أنها من نظم عبد القادر الجيلاني. ولا يهمنا نسبتها لهذا أو لذاك، وإنما الذي يهمنا هو تبنيهم لها، ولا بأس من إيراد بيتين منها:
وما الخلق في التمثال إلا كثلجة                وأنت لها الماء الذي هو نابع
وما الثلج في تحقيقنا غير مائه                   وغيران في حكمٍ دعته الشرائع
* ومن أوراد الطريقة الرفاعية (ويستعملها غيرهم):
...فكفى به برهان عين علمك المكنون، ببحر سر معنى (ن)، ودقيقة أمرك المصون، بتجلي بهاء إشارة كُن فيكون، واسطة الكل في مقام الجمع، ووسيلة الجمع في تجلي الفرق، رحمة للعالمين قبل العالمين([13])..
* ومن أوراد الرفاعية من (صلاة الأنس):
...اللهم صل على ألف إنس إنسان الأزل، بحكمة باء برهان من لم يزل، أصل الأشياء الكلية، آدم في حقيقة البداية، أثر السر في آثار خفايا المظاهر الخفية، أول الكل في أول الأولوية...المتجلّي في سماء المعرفة بظهور مظهر شهادة الرحمن، محمدي الذات، المدلي إلى قاب الوحدة بتجلي موكبَي العناية والإحسان...أصل السبب في الإيجاد، فالكل منه والكل إليه، خزانة الأسرار، فالوارد والذاهب عنه وإليه([14])...
* ومن أورادهم:
اللهم صل على المتخلق بصفاتك، المستغرق في مشاهدة ذاتك، رسول الحق، المتخلق بالحق، حقيقة مدد الحق: ((أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ)) [يونس:53]...وقد جعلت كلامك خلقه، وأسماءك مظهره، ومنشأ كونك منه([15])...
* ومنها: اللهم اجمعنا بك عليك، واردُدْنا منك إليك، وأرشدنا في حضرة جمع الجمع، حيث لا فرقة ولا منع([16])...
* ومنها: اللهم بك توسلت.. أن تصلي عليه صلاة أبدية ديمومية قيومية إلهية ربانية، تصفينا بها من شوائب الطبيعة الآدمية بالسحق والمحق، وتطمس بها آثار وجودنا الغيرية عنا في غيب غيب الهوية، فيبقى الكل للحق في الحق بالحق([17])...
* ومن الأدعية التيجانية (ويستعملها غيرهم):
اللهم حققني بك تحقيقاً يسقط النسب والرتب والتعيينات والتعلقات والاعتبارات والتوهمات والتخيلات، حيث لا أين ولا كيف ولا رسم ولا علم ولا وصف ولا مساكنة ولا ملاحظ، مستغرقاً فيك بمحو الغير والغيرة بتحقيقي بك من حيث أنت كما أنت وكيف أنت، حيث لا حس ولا اعتبار إلا أنت بك لك عنك منك، لأكون لك خالصاً وبك قائماً وإليك آيباً وفيك ذاهباً بإسقاط الضمائر والإضافات([18])...
* ومن أدعيتهم (ياقوتة الحقائق):
الله الله الله، اللهم أنت الله الذي لا إله إلا أنت العالي في عظمة انفراد حضرة أحديتك. التي شئت فيها بوجود شئونك، وأنشأت من نورك الكامل نشأة الحق، وأنطقتها وجعلتها صورة كاملة تامة تجد منها بسبب وجودها من انفراد أحديتك قبل نشر أشباحها، وجعلت منها فيها بسببها انبساط العلم، وجعلت من أثر هذه العظمة ومن بركاتها شبحة الصور كلها، جامدها ومتحركها، وأنطتها بإقبال التحريك والتسكين، وجعلتها في إحاطة العزة من كونها قبلت منها وفيها ولها، وتشعشعت الصورُ البارزة بإقبال الوجود، وقدرت لها وفيها ومنها ما يماثلها مما يطابق أرقام صورها، وحكمت عليها بالبروز لتأدية ما قدرته عليها، وجعلتها منقوشة في لوحها المحفوظ الذي خلقت منه ببركته، وحكمت عليها بما أردت لها وبما تريد بها، وجعلت كل الكل في كلك، وجعلت هذا الكل من كلك، وجعلت الكل قبضة من نور عظمتك روحاً لما أنت أهل له([19])...
* وفي الطريقة النقشبندية:
يقول الشيخ سلامة العزامي واصفاً شيخه أمين الكردي:
...وكان يرى أن القول بوحدة الوجود من سُكر الوقت وغلبة الحال، يعذر صاحبه إذا كان مغلوباً، ولا يصح تقليد غيره له([20])...
ويقول محمد بن سليمان البغدادي الحنفي النقشبندي:
...الإسراف السابق لا ينافي الجذب اللاحق، لأن كثيراً من الأولياء الأكابر جذبتهم الواردات الإلهية وهم في الإسراف والمعصية، وأما الإسراف اللاحق، إذا لم يغلب على الخير، بل كان الأمر بالعكس، فلا يُحْكَم به على هلاك صاحبه جزماً والطعن في حاله...واعلم أن الجذب وحده من غير سلوك في الطريق المستقيم بامتثال أوامر الحق تعالى والاجتناب عن نواهيه لا نتيجة له أصلاً...وكذلك السلوك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي من غير جذب إلهي لا نتيجة له غير الدخول في حيز العلماء والعباد من أهل الظاهر([21])...
- وطبعاً، الجذبة هي التجلي الإلهي، وفيها يحصل التحقيق بالأسماء الإلهية، والاستشعار بالاسم الصمد، أو بالألوهية.
* ومن أذكار النقشبندية (ذكر النفي والإثبات) أي: (لا إله إلا الله) جاء في آدابه:
...ضارباً بلفظ الجلالة على القلب منفذاً إلى قعره، بقوةٍ يتأثر بحرارتها جميع البدن، مع ملحوظة معنى هذه الجملة، وهو أنه لا مقصود إلا ذات الله تعالى، وينفي بشق النفي (لا إله) جميع المحدثات الإلهية، وينظرها بنظر الفناء، ويثبت بشق الإثبات (إلا الله) ذات الحق تعالى، وينظره بنظر البقاء...ويقول بقلبه قبل إطلاق كل نَفَس: إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي،... فإذا انتهى العدد إلى أحد وعشرين، تظهر له نتيجة هذا الذكر المبارك، وهي النسبة المعهودة عند سادتنا النقشبندية من الذهول والاضمحلال والاستغراق في شهود المذكور تبارك وتعالى([22])...
- والنقشبندية ينبهون إلى ما يلي: مَن كان مستعداً لتقدم الجذبة على السلوك، لقنه الشيخ الذكر الأول (الله الله..)، ومَن كان مستعداً لتقدم السلوك على الجذبة، لقنه الذكر الثاني (لا إله إلا الله)([23])...ومن أصولهم: (الأصل الرابع: المراقبة):
اعلم أيها الأخ أن المراقبة هي عِلمُ المريد وتحققه باطلاع الله عليه، واستغراقه بمشاهدة الحق، واستهلاكه بالحضور الإلهي، وملازمة القلب لذلك، فإذا انتهى أمر السالك في المراقبة إلى انتفاء علمه بنفسه وبالأكوان، حصل له مبادي الفناء، وحينئذ يليق له أن يذكر باللسان: لا إله إلا الله، مع التدبر الحقيقي، وأقله خمسة آلاف في اليوم والليلة، فإذا فني عن فنائه، وهو المسمى: بالفناء التام، أو مبادي البقاء، حصل له أول درجة من درجات الولاية الصغرى، فإذا تم له البقاء تشرف بالولاية الكبرى([24])...
- نصوص النقشبندية هذه توضح لنا معنى الولاية، وعلاقة (ذوق معنى الأسماء الإلهية) بالجذبة، وعدم علاقة الجذبة بالأعمال الصالحة ولا بالسلوك.
* ومن الأوراد الشاذلية (وغيرهم يستعملها): مر معنا قولهم في الصلاة البشيشية- أو المشيشية-: وزج بي في بحار الأحدية وانشلْني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة، حتى لا أرى ولا أسمع ولا أحس الا بها([25])...
* ومما جاء في الوظيفة الشاذلية (الممزوجة بصلاة سيدي عبد السلام بن بشيش، وتقرأ صباحاً ومساءً):
 ...اللهم صل وسلم بجميع الشئون، في الظهور والبطون، على مَن منه انشقت الأسرار الكائنة في ذاته العلية ظهوراً.. وفيه ارتقت الحقائق منه إليه، وتنزلت علوم آدم به فيه عليه.. ولا شيء إلا وهو به منوط، وبسره الساري محوط.. اللهم إنه سرك الجامع لكل الأسرار، ونورك الواسع لجميع الأنوار...اللهم ألحقني بنسبه الروحي.. وعرفني إياه معرفة أشهد بها محياه وأصير بها مجلاه...وسر بي في سبيله القويم وصراطه المستقيم إلى حضرته المتصلة بحضرتك القدسية...وزج بي في بحار الأحدية المحيطة بكل مركبة وبسيطة، وانشلني من أوحال التوحيد إلى فضاء التفريد المنزه على الإطلاق والتقييد، وأغرقني في عين بحر الوحدة شهوداً، حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها نزولاً وصعوداً، كما هو كذلك لن يزال وجوداً...وأيدني بك لك بتأييد من سَلَك فملك، ومن ملك فسلك، واجمع بيني وبينك، وأزل عن العين غينك، وحل بيني وبين غيرك.. الله، منه بدأ الأمر، الله، الأمر إليه يعود، الله، واجب الوجود وما سواه مفقود([26])...
* ومن أورادهم (مناجاة ابن عطاء الله وتُقرأ وقت السحر):
...إلهي كلما أخرسني لؤمي أنطقني كرمك، وكلما أيأستني أوصافي أطمعتني منتك.. وتردّدي في الآثار يوجب بُعد المزار، فاجمعني عليك بخدمة توصلني إليك...أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بعُدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك...وحققني بحقائق أهل القرب واسلك بي في مسالك أهل الجذب.. أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك، وأنت الذي أزلت الأغيار من أسرار أحبائك...يا من أذاق أحبّاه حلاوة مؤانسته فقاموا بين يديه مؤتلفين، ويا من ألبس أولياءه ملابس هيأته فقاموا بعزته مستعزين...فاطلبني برحمتك حتى أصل إليك، واجذبني بمنتك حتى أُقْبلَ عليك...وأنت تعرفت لي في كل شيء فرأيتك ظاهراً في كل شيء...ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك الأنوار([27])...
* ومن حزب الفتح لسيدي أبي الحسن الشاذلي:
.. ونسألك الإحاطة بالأسرار.. وجلّت إرادتك أن يوافقها أو يخالفها شيء من الكائنات، حسبي الله (ثلاثاً) وأنا بريء مما سوى الله..([28]).
- يُرجى من القارئ أن ينتبه لقوله: (وأنا بريء مما سوى الله) في معنييها، الظاهر والصوفي، وأن يلاحظ مدى شمول البراءة في المعنى الظاهر!!
* ومن حزب اللطيف لسيدي أبي الحسن الشاذلي قدس سره:
...إلهي لطفك الخفي ألطف من أن يُرى، وأنت اللطيف الذي لطفت بجميع الورى، حجبت من سريان سرك في الأكوان فلا يشهده إلا أهل المعرفة والعيان، فلما شهدوا سر لطفك بكل شيء أَمنوا به من سوء كل شيء..([29]).
* ومن الأوراد الخلوتية من (الدرة الشريفة) للعارف بالله الشيخ عبد الرحمن الشريف:
...صل اللهم عليه أكمل صلوات بدوام التنزيلات العارية عن السوى، وأَبْدِا التنقلات المخبآت عن من التوى، ما بَطَنَ الباطنُ بانطوائه في الوجود، وبدأ الظهور فعم بصائرأهل الشهود...وبجلال صولة عنايتك القهرموتية، صفِّ بواطننا من الأغيار، وظواهرنا من الأكدار، صفاءً صفّته يدُ جذباتك، ففاز بمعالي قرباتك، حتى نخرج من وبال عضال أطوار البشرية، ونراقبك من دون غيرية، ونشهد حضرتك من غير معية...([30]).
* ومن أورادهم من الصلوات الدرديرية:
...وأنعم علينا بتجلي الأسماء والصفات، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وأغرقنا في عين بحر الوحدة السارية في جميع الموجودات، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وأبقنا بك لا بنا في جميع اللحظات، وأذقنا لذة تجلي الذات، وأدمها علينا ما دامت الأرض والسماوات([31]). للعلم: الصلوات الدرديرية هي صلوات (بشكل أوراد) متفرقة لمتصوفة سابقين، جمعها أحمد الدردير وتبناها وأضاف إليها؟ وهي بذلك مثل دلائل الخيرات..
* ومن ورد السحر، للعارف بالله الشيخ مصطفى البكري: اللهم رقق حجاب بشريتي بلطائف إسعاف من عندك، لأشهد ما انطوت عليه من عجائب قدسك...([32]).
* ومنه: إلهي! صرِّفنا في عوالم الملك والملكوت، وهيئنا لقبول أسرار الجبروت، وأفض علينا من رقائق دقائق اللاهوت([33]).
* ومنه: إلهي! نحن الأسارى فمن قيودنا فأطلقنا...نسألك بأهل عنايتك الذين اختطفتهم يد جذباتك، وأدهشتهم سناء تجلياتك، فتاهوا بعجيب كمالاتك...([34]).
* ومن أورادهم (الخلوتية):
"...اللهم افتح لنا أقفال قلوبنا بمفاتيح عنايتك...اللهم جذبة من جذباتك تكشف حجات الوهم عن عين اليقين، ونفحة من نفحاتك نلتمس بها مراتب أهل الرسوخ والتمكين...([35]).
* ومنها:
ندعوك يا الله بالآيات والذ           كر الحكيم بمظهر الأسماء
بالسكر بالغيبات من صحوٍ                    كذا بالشرب والري العلي ثناء
بالزاجرات وأهلها ومقامهم                    وبسيرهم من عالم الأشياء
وبوحدة الذات العلي ووصفها                وبوحدة الأفعال يا مولائي
وبوحدة الأسما الكثيرة خصنا                  بالجمع ثم بجمعه الأسماء
بالفرق رب وفرقه زل غيننا                    عن عين حقك يا بديع سماء
وأنلنا معرفة اليقين وعينه              بالحق وامح الغير من أحشائي
بالرؤية اللاتي بكم منكم لكم                  وبوجد أهل الله دم لي هنائي
بفنائهم وصفائهم أفنِ الفؤاد                   عن السوى واجعلنا أهل صفاء
واجعلنا من أهل الرسوخ بجمعنا               وأدم سلوك عبيدك الضعفاء
بهوية السريان في كل الورى                   بالمحق امحق يا إلهي شقائي
بالهو والتجريد جردنا عن الـ                 أغيار وأفردنا بكل علاء
بالهوت واللاهوت والملكوت والـ           ـجبروت صف السير من وعثائي
بالجذب ثم بأهله اشقِ الفتى                    من فيض سر قد سما ببهاء
بالصحو أرجعنا إلى الإحساس من             بعد الهباء وغيبة النزلاء([36])
- تبلغ القصيدة اثنين وأربعين بيتاً، تحتوي اصطلاحات الصوفية، أو أهمها، وهي أدعية، كما نرى، يطلب بها الوصول إلى الجذب وما يستشعره المجذوب ويذوقه من الوحدة. والشاعر الذي قال هذه القصيدة ضعيف باللغة والشعر! فكشفه لم يسعفه!
* ومن أورادهم:
وهب لي أيا رباه كشفاً مقدساً                 لأدري به سر البقاء مع الفنا
وجد لي بجمع الجمع فضلاً ومنة               وداوِ بوصل الوصل روحي من الضنا
وسر بي على النهج القويم موحداً              وفي حضرة القدس المنيع أحلنا
ومن علينا يا ودود بجذبة             بها نلحق الأقوام من سار قبلنا([37])
* ومن أوراد الطريقة الرشيدية (الصلوات الإدريسية): ...وتجل لي يا إلهي باسم الذات، الاسم الله، مرجع الصفات والأسماء الحفية توحيداً صرفاً، تجلياً ينسف بصرصر عظمته وكبريائه جبال الخيالات الخَلْقية في نظري نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً، فتزول غشاوة عمش الأغيار عن بصري وبصيرتي، بل وعن ذاتي كلها، حتى تكون ذاتي كلها عيناً ذاتية إلهية من جميع الوجوه، وأكون كلي وجهاً واحداً إلهياً لا أعلم من جميع جهاتي ولا أشهد ولا أرى في (إياي) وفي كل شيء وفي لا شيء إلا إياك..([38]).
* ومنها: اللهم صل على مظهر العظمة الإلهية([39])، جمعية عيون الحقائق الرحموتية([40])، سر ملكوت الأسماء المعبر عنه بالعماء قبل خلق أرض وسماء([41])، ساذج الذات الإحاطية الوجود، نقطة دائرة الكمال الإلهي في الغيب والشهود السذاجة الصرافة([42])، غيب هو([43])، فصل اللهم عليه بهُوَ، في هُوَ، كله هُوَ..([44]).
* ومن الصلوات الإدريسية (الرشيدية) أيضاً:
...أن تصلي على النور الذاتي، والمنظر الصفاتي، مجلِّي الحقائق القرآنية، صورة مادة التجليات الفرقانية([45])، الحاجز بين خلقك وسبحات وجهك، كل الكل، في سر تجلي كل الكل([46])، حيث الكل للكل فيوض الجمال والجلال والكمال، من حيث لا حيث إلى حيث لا حيث في حيث لا حيث، فصل اللهم عليه وسلم من حيث لا حيث إلى حيث لا حيث في حيث لا حيث كما أنت حيث لا حيث...([47]).
* ومنها: اللهم صل على الذات الكنه، قبلة وجوه تجليات الكنه([48])، عين الكنه في الكنه، الجامع لحقائق كمال كنه الكنه، القائم بالكنه في الكنه للكنه، صلاةً لا غاية لكنهها دون الكنه، وعلى آله وصحبه وسلم، كما ينبغي من الكنه للكنه، اللهم إني أسألك بنور الأنوار الذي هو عينك لا غيرك([49])..
* ومنها الصلاة السادسة:
اللهم صل على أم الكتاب، كمالات كنه الذات، عين الوجود المطلق، الجامع لسائر التقييدات([50])، صورة ناسوت الخلق، معاني لاهوت الحق، الناظر بالكل في الكل من الكل للكليات والجزئيات، كوثر سلسبيل منهل حوض مشارب جميع التجليات([51])، الملتذ بصورة نفسه في جنة فردوس ذاته بنظره به منه إليه فيه([52])....روح ذات الوجود، مجمع حقائق اللاهوت المشهود([53])...مبدأ الكل ومرجع الكل وهو الكل في الكل بلا بعض ولا كل..([54]).
* ومنها الصلاة العاشرة:
اللهم صل على سلطان حضرة الذات([55])، مالك أزمة تجليات الصفات، قطب رحا عوالم الألوهية([56])...جمع الجمع وفرق الفرق من حيث لا جمع ولا فرق([57])...
- الصلوات الإدريسية هذه هي من أوراد الطريقة الرشيدية، وتظهر فيها وحدة الوجود مع الحقيقة المحمدية بوضوح تام، والحقيقة المحمدية هي الجزء الأهم في عقيدة وحدة الوجود.
* وفي الطريقة الأويسية (منتشرة في إيران):
يقول الدكتور إبراهيم الدسوقي مخاطباً شيخ الطريقة مولانا محمد صادق عنقا([58]):
...ومن ناحية أخرى، فإني أدركت من خلال دراسة كتبكم وتفحيصها، وأيقنت من ثنايا تتبع خطكم الفكري، أنكم تؤمنون بأن الحقيقة واحدة، ولكنها تنطق في كل زمان بلسان مختلف، وأن الله واحد والوجود كله ناطق بكلماته، وأن ذات الموجودات هي ذات الحق، وأن الشيء الذي كان يظن أولاً أنه ذات مغايرة لذات الحق، ليس شيئاً في الحقيقة، بل ليس ثم شيء إلا ذات الحق كما يقول ابن طفيل([59]).
أخيراً..
إن في هذه النصوص الوحدوية المقدمة حتى الآن، كفاية وكفاية، وأكثر من الكفاية، للدلالة على أن وحدة الوجود هي عقيدة القوم التي تقوم عليها الصوفية، فالصوفية هي وحدة الوجود مغلفة بالتقية، ووحدة الوجود المغلفة بالتقية هي الصوفية.
وهناك كتاب يكاد يكون مقدساً لدى كل الطرق الصوفية، إنه كتاب: دلائل الخيرات، لمؤلفه محمد بن عبد الرحمن بن سليمان الجزولي السملالي.
إن كتاب (دلائل الخيرات) معتبر لدى كل الطرق الصوفية، يقرأ صباحاً ومساءً كل يوم، بل هو معتبر عند كثير ممن لا ينتمون إلى الصوفية. ومما جاء فيه:
...وفقني لاتباعه والقيام بآدابه وسننه، واجمعني عليه، ومتعني برؤيته، وأسعدني بمكالمته، وارفع عني العلائق والعوائق والوسائط والحجاب، وشنِّف سمعي معه بلذيذ الخطاب([60])...
ومما جاء فيه:
...الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، يا هو، يا من لا هو إلا هو، يا من لا إله إلا هو([61])...
ومما جاء فيه أيضاً (صلوات الذات):
اللهم صل على سيدنا محمد نور الذات، وسره الساري في جميع الأسماء والصفات([62])...
- نكتفي بهذا القدر من النصوص الوحدوية، ففيه، كما قلنا، كفاية وكفاية، وأكثر من الكفاية.
وهذه النصوص، رغم كثرتها، ما هي إلا جزء ضئيل من عباراتهم المشيرة إلى وحدة الوجود، والتي لو جمعت لملأت ألوفاً من الصفحات.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
اقتبس هذا المقال من كتاب: (الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ) للمؤلف: (محمود عبد الرؤوف القاسم).

الهوامش

([1]) الفيوضات الربانية في المآثر والأوراد القادرية، (ص:16).
([2]) الفيوضات الربانية (عقيدة الغوث الأعظم)، (ص:41).
([3]) الفيوضات (ورد الصبح)، (ص:115).
([4]) الفيوضات (ورد العشاء)، (ص:138).
([5]) الفيوضات (ورد الاثنين)، (ص:143).
([6]) الفيوضات (ورد الاثنين)، (ص:144).
([7]) الفيوضات (ورد الأربعاء)، (ص:145).
([8]) الفيوضات (ورد صلاة الكبرى)، (ص:158).
([9]) الفيوضات (ورد صلاة الكبرى)، (ص:158).
([10]) الفيوضات (ورد صلاة الكبرى)، (ص:167).
([11]) الفيوضات، (ص:177).
([12]) الفيوضات، (حزب الحفظ)، (ص:183، 184).
([13]) قلادة الجواهر، (ص:251).
([14]) قلادة الجواهر، (ص:263).
([15]) بوارق الحقائق، (ص:326).
([16]) بوارق الحقائق، (ص:328).
([17]) بوارق الحقائق، (ص:340).
([18]) ميزاب الرحمة الربانية، (ص:23).
([19]) الميزاب، (ص:25).
([20]) تنوير القلوب، ترجمة المؤلف، (ص:42).
([21]) الحديقة الندية في الطريقة النقشبندية، (ص:107).
([22]) السعادة الأبدية فيما جاء به النقشبندية، (ص:34).
([23]) السعادة، (ص:34، 35).
([24]) السعادة، (ص:35).
([25]) النفخة العلية في الأوراد الشاذلية، (ص:16).
([26]) النفحة العلية، (ص:18).
([27]) النفحة العلية، (ص:24، 25، 26).
([28]) النفحة العلية، (ص:144).
([29]) النفحة العلية، (ص:155).
([30]) مجموع أوراد الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية، (ص:3).
([31]) مجموع أوراد الخلوتية، (حرف التاء).
([32]) مجموع أوراد الخلوتية، (حرف الراء).
([33]) مجموع أوراد الخلوتية، (حرف الصاد).
([34]) مجموع أوراد الخلوتية، (حرف النون).
([35]) مجموع أوراد الخلوتية، (حزب السين).
([36]) مجموع أوراد الخلوتية، (حرف الهمزة).
([37]) مجموع أوراد الخلوتية (منظومة أسماء الله الحسنى).
([38]) النفحات الأقدسية، (ص:16، 17).
([39]) النفحات الأقدسية، (ص:58).
([40]) النفحات الأقدسية، (ص:61).
([41]) النفحات الأقدسية، (ص:62).
([42]) النفحات الأقدسية، (ص:63).
([43]) النفحات الأقدسية، (ص:66).
([44]) النفحات الأقدسية، (ص:69).
([45]) النفحات الأقدسية، (ص:76).
([46]) النفحات الأقدسية، (ص:79).
([47]) النفحات الأقدسية، (ص:80).
([48]) النفحات الأقدسية، (ص:102).
([49]) النفحات الأقدسية، (ص:104).
([50]) النفحات الأقدسية، (ص:106).
([51]) النفحات الأقدسية، (ص:107).
([52]) النفحات الأقدسية، (ص:109).
([53]) النفحات الأقدسية، (ص:118).
([54]) النفحات الأقدسية، (ص:125).
([55]) النفحات الأقدسية، (ص:227).
([56]) النفحات الأقدسية، (ص:231).
([57]) النفحات الأقدسية، (ص:281).
([58]) كان هذا في لقاء بينهما عام 1974م في قرية (صوفي آباد) وهي لا تبعد كثيراً عن طهران.
([59]) من الفكر الصوفي الإيراني المعاصر، (ص:68). وابن طفيل فيلسوف أندلسي مشهور، وهو مؤلف كتاب: حي بن يقظان.
([60]) دلائل الخيرات، (ص:15).
([61]) دلائل الخيرات، (ص:223).
([62]) دلائل الخيرات، (ص:233).

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى