من وسائل تزكية النفس: الصيام

من وسائل تزكية النفس: الصيام



فرض الله تعالى الصيام على هذه الأمة وجعله ركنا من أركان الإسلام، كما فرضه على الأمم السابقة، وفي ذلك تأكيد على أهمية هذه العبادة الجليلة ومكانتها، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

كما امتدح الله سبحانه شهر الصيام، واختصه من بين سائر الشهور لإنزال القرآن العظيم، فقال عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

والصيام الذي أمر الله به هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع بنية خالصة لله سبحانه[1]، وذلك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، مع الالتزام بما ورد في الكتاب والسنة من أحكام الصيام والحرص على آدابه واستشعار المعاني العظيمة التي شرع الصيام من أجلها.

وقد وضحت الآية الكريمة الثمرة العظمى التي يحظى بها الصائمون المخلصون، ألا وهي بلوغ درجة التقوى: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فالصيام مدرسة فريدة، ودورة تدريبية للنفس، حتى تنخلع من آفاتها وتتحلى بالفضائل، ترتقي في مدارج التقوى والصلاح.

قال الإمام الفخر الرازي:" بين الله سبحانه أن الصوم يورث التقوى لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى فإنه يردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهون لذات الدنيا[2].

وإذا كان الطعام والشراب غذاء للجسد فإن الصيام عذاء للروح، حيث يتحرر المسلم من سلطان غرائزه، ويتغلب على نزعات شهواته، ويقوي الجانب الروحي ويسمو، ويعرف الإنسان قيمة نفسه، وأنه ينبغي له ألا يخضع أشواق روحه لمطالب جسده، لأن الجسد بيت والروح صاحبه وساكنه، وما أعجب حال من يهمل مطالب روحه ويعني بجسده، ولا يفكر إلا في إشباع غرائزه فهو كمن يعتني بجدران البيت ويهمل السكان[3].

وقد وصف الداعية الشيخ أبو الحسن الندوي حال هؤلاء الأسارى لشهوات أجسادهم فقال:" إذا ملك الجسد زمام الحكم استرسل الإنسان في لذاته وشهواته، ورتع فيها رتع البهائم السائمة، فيصبح وهو في أوج مدينته وحضارته، وقمة علمه وثقافته، كحمار الطاحون أو كثور الحرث يدور بين المطعم والمرحاض، ولا يعرف سوى ذلك مبدأ ومعادا، ويزول عنه كل هم إلا هم الكسب ليأكل، والأكل ليكسب، ولا تصوير أدق وأصدق من تصوير القرآن المعجز: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ } [محمد: 12]، وما ذاك إلا طبيعة الجسد الذي تحرر من سلطان الروح، وحرم توجيه النبوة وإرشادها وانقاد للنفس والهوى"[4] .

ولا شك أن هذا الذي يترك نفسه أسيرة لمطالب جسده ينطبق عليه قول الشاعر:

يــــا خــــــادم الجسد كم تـــشقى لخدمته   أتطلب الربح ممـــــا فيـــــه خســــران؟

أقبل على النفس واستكمل فضائلها   فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

ولذلك كان الصوم وسيلة عظمى لتزكية النفس وتحريرها من سلطان الغرائز، وإذا كان الامتناع عن الطعام والشراب يبدو في ظاهره عملا سلبيا فهو في حقيقته عمل إيجابي نفسي إرادي له ثقله في ميزان الحق والقبول عند الله سبحانه[5].

 

الهوامش:

[1] تفسير ابن كثير (1/213).

[2] تفسير الفخر الرازي (5/76).

[3] ينظر العبادة في الإسلام، للقرضاوي ص(273-274).

[4] الأركان الأربعة، للشيخ أبي الحسن الندوي، ص(182).

[5] العبادة في الإسلام للقرضاوي ص(271)

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
الصيام.doc doc
الصيام.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى