شروط الصيام

شروط الصيام





لكي يؤدي الصيام دوره في تزكية النفس لا بد أن يتحقق فيه هذان الشرطان:

الشرط الأول: أن يكون الصيام إيمانا واحتسابا:

          الصوم عبادة وليس عادة، ولذلك لا بد له من النية الخالصة لله سبحانه، والرغبة في نيل اجر والتقرب إلى الله تعالى، وأن يوطن الصائم نفسه على استشعار حقيقة الصوم ومراقبة الله تعالى في تلك العبادة حتى ينال الأجر العظيم منه سبحانه.

          ولذا جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"[1].

          ولذلك لا ينال ثمرة الصوم ويحظى بفضائله إلا من جعل صيامه لله سبحانه وأقبل عليه بمحبة ورغبة، أما من يرى الصيام عبئا ثقيلا، ويشغل نهاره بالكسل وتوافه الأمور لكي تنقضي ساعات الصيام، وتراه يحسب الأيام حتى يتخلص من شهر رمضان ليعود إلى إطلاق العنان لشهوته، فليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ولا حظ له فيما وعد الله به عباده الصائمين من مغفرة الذنوب، ولن يكون صومه مدرسة تدريبية لمجاهدة النفس وتزكيتها، لأنه لم يتغير عند إلا مواعيد الطعام، بل إن شغله الشاغل في أيام رمضان التفكير في ألوان المأكولات وأصناف الأطعمة والحلويات التي يملأ بها مائدة الإفطار ويتخم بها معدته حتى لا يقوى على القيام، وكأنه كان أسير فانفك قيده في لحظة الإفطار!!

          ولو تأملنا آداب الصيام التي حض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدنا أنها تهدف إلى إشعار المسلم بمعاني تلك العبادة الجليلة وتعويده على ترويض نفسه وامتثالها لأمر الله سبحانه، ولنأخذ بعض الأمثلة على ذلك:

1-تعجيل الفطر.

عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر"[2].

          ولا شك أن في هذا تعويدا للنفس على الامتثال الدقيق لأمر الله تعالى وخضوعها وانقيادها له سبحانه في حالتي الصيام والإفطار، فإذا دخل وقت الإفطار بادر الصائم إلى شيء من الطعام أو الشراب دون تأخير أو تراخ، لأنه يطيع أمر لله بإفطاره كما أطاعه بالصيام لينال محبته والقرب منه سبحانه.

          ولذلك جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" قال الله عز وجل: أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا"[3].

          وقد أشار الإمام ابن رجب الحنبلي إلى ذلك فقال:" الصائم ترك شهواه لله بالنهار تقربا إلى الله وطاعة له، ويبادر إليه في الليل تقربا إلى الله وطاعة له، فما تركها إلا بأمر ربه ولا عاد إليها إلا بأمر ربه، فهو مطيع له في الحالين، ولهذا نهى عن الوصال في الصيام"[4].

2-الإفطار على تمرات:

          عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة لمن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور"[5].

          وبهذا يشعر الصائم أن الإفطار لا يقصد منه ملء البطن والتعويض عما فقدته بالجوع، وإنما هي تمرات وشربة ماء ولقيمات ينقل بعدها إلى أداء الصلاة، يوكون شغله في تلك الساعة الإقبال على عبادة ربه وشكره على ما أنعم وفرحه بما وفقه الله إليه من الصيام ولذلك جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" للصائم فرحتان، فحرة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه"[6].

3-الدعاء عند الإفطار.

          الدعاء المأثور عند الفطر وردت فيه أحاديث عدة، ولعل من الحكم في ذلك أن يستشعر الصائم أن لحظات الإفطار ليست لملء البطن وفك جماح الشهوة بعد أن قيدت طيلة النهار، وإنما هي لحظات عبادة وتضرع وتقرب إلى الله سبحانه وامتثال لأمره في الفطر، فيشكر لله سبحانه الذي أعان على الصيام ورزق عند الإفطار.

          ولا يقتصر الصائم عند إفطاره على الدعاء المأثور الوارد عند الفطر، وإنما يدعو بما شاء لدنياه وآخرته اغتناما لتلك الساعة الباركة.

الشرط الثاني: الابتعاد عن المعاصي:

          الصوم الذي أمر الله به هو ما يمنع النفس عن المعاصي ويحجزها عن تسلط الهوى والشهوات، أما إذا كان الصائم لا يتورع عن حرام ولا يبتعد عن منكر، ويقارف المعاصي ويصر عليها لا يبالي بحرمة شهر رمضان، ولم يغير الصيام شيئا من سلوكه وأفعاله، فإن هذا الصيام لا يعدو أن يكون تقليدا وعادة، ولا يرجى له أن يثمر أو يحقق فوائده وأدافه، وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"[7].

          وقد نقل الحافظ ابن حجر عن ابن بطال قوله في معنى هذا الحديث:" ليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه، وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه"[8].

          كما نقل عن الإمام البيضاوي قوله:" ليس المراد من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة"

          ولا شك أن الذي يمنع نفسه عن الطعام والشراب وهي من المباحات في غير أوقات الصيام حري به أن يمنع نفسه عن المحرمات التي لا ينال منها إلا الأذى والضرر.

          وقد وصف الإمام ابن رجب الحنبلي حال أقوام يسارعون إلى اغتنام الشهوات قبل دخول رمضان لتأخذ النفوس حظها قبل أن تمنع من ذلك بالصيام، وربما لا يقتصرون على الشهوات المباحة بل يتعدون إلى المحرمات، ولذلك قال أحدهم:

إذا العشرون من شعبان ولت        فواصـــــل شـــرب ليـــلك بالنهـــــار

ولا تـــشرب بأقـــــداح صـــــغار           فإن الوقت ضاق على الصغار

ومن كانت هذه حاله فالبهائم أعقل منه[9]، وكيف يثمر صيامه تزكية لنفسه وهو متثاقل من رمضان كاره لقدومه؟


الهوامش:

[1] أخرجه البخاري، في الصوم، باب من صام رضمان إيمانا واحتسابا، (2/228)، ومسلم في صلاة المسافرين باب الترغيب في قيام رمضان رقم(759).

[2] رواه البخاري في الصوم باب تعجيل الفطر (2/241)، ومسلم في الصيام، باب فضل السحور، رقم (1098).

[3] رواه الترمذي في الصوم، باب ما جاء في تعجيل الإفطار رقم (700)، وقال حديث حسن ورواه ابن حبان، رقم (886).

[4] لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي (ص165).

[5] رواه الترمذي في الصوم، باب ما يستحب عليه الإفطار، رقم (695)، وقال: حديث حسن صحيح.

[6] رواه البخاري في الصوم، باب هل يقول: إني صائم إذا شتم (2/228)، ورواه مسل في الصيام ، باب فضل الصيام رقم (1151)، واللفظ لمسلم.

[7] رواه البخاري في الصوم باب من لم يدع قول الزور والعمل به (2/228).

[8]  فتح الباري شرح صحيح البخاري (4/117).

[9] لطائف المعارف، ص(153).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
شروط الصيام.DOC doc
شروط الصيام.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى