آثار الزكاة والصدقات في مجال تزكية النفس

آثار الزكاة والصدقات في مجال تزكية النفس



الزكاة تزكية وتطهير لنفس الغني وماله، كما أنها تزكي نفس الفقير وتطهرا من آفاتها، وبذلك استحقت هذه العبادة الجليلة أن يشق لها اسم من التزكية فتسمى زكاة، ولكي تتأكد هذه الصلة الوثيقة بين الزكاة والتزكية نستعرض أبرز آثار الزكاة في مجال تزكية النفس وأهميتها كوسيلة عملية من وسائل التزكية الي ترتقي بالعبد حتى يبلغ من منزلة المتقين.

1-الزكاة اختبار عملي لاستجابة الممن لأمر ربه

فالله سبحانه هو الخالق الرازق، وهو المنعم المتفضل، وهو المالك الحقيقي الذي وهب للإنسان هذا المال وجعله وديعة بين يديه ينفقه في مرضاة مولاه، ويؤتي الفقير حقه الواجب منه، قال تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]، وقال سبحانه: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } [الحديد: 7].

فالغني ممتحن بغناه، والفقير ممتحن بفقره، والمال مال الله سبحانه، والعبد مستأمن عليه، ومع ذلك فقد امتن الله على عباده فسمى ما ينفقه المسلم ويتصدق به قرضا يقرضه لربه سبحانه، قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245].

وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111].

وهكذا تحقق الزكاة أهدافها في تقوية الإيمان وتعميق عقيدة التوحيد في النفس التي هي الأساس الأول للتزكية، وتكون الزكاة برهانا على إيمان صحابها واستجابته لأمر الله سبحانه، وهذا مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" والصدقة برهان"[1].

2-تطهير النفس من آفة الشح

النفس مجبولة على حب المال والتعلق به والبخل في إنفاقه وطلب الزيادة منه، وقد قال تعالى واصفا هذه الطبيعة من طبائع النفس الإنسانية: { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]، والخير هنا بمعنى المال.

فالزكاة طهارة من الشح والبخل، وتدريب عملي على البذل والعطاء وجب الخير للناس، وعدم التعلق بالدنيا والتنافس على حطامها، وإنما يكون ميدان التنافس في بذل المال وإنفاقه ابتغاء رضوان الله، وهذا هو الباقي الذي يجد العبد جزاءه يوم القيامة.

والله سبحانه يحذرنا من آفة البخل والشح، ويجعل الفلاح مرتبطا بالتخلص من هذه الآفة وتطهير النفس منها.

يقول تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].

ويقول سبحانه: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].

ويبين الرسول صلى الله عليه وسلم خطر الشح في إيقاع العداوة وتأجيج نار الخصومة واستباحة الدماء وظلم العباد، ففي الحديث عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله الله عليه وسلم قال:" اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واسحلوا محارمهم"[2].

وعدما يلمس المسلم في نفسه شيئا من البخل والشح فعليه أن يسارع إلى الصدقات ليعالج بذلك مرض نفسه ويخلصها من هذه الآفة، وبذلك يحظى بالأجر العظيم.

وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفان كذا ولفلان كذا، وكد كان لفلان"[3].

ومما يزيد من مسارعة العبد إلى الزكاة والصدقات وتنافسه في البذل والعطاء وتخلصه من آفة الشح المهلكة، أن يعلم أنه بهذا الإنفاق ينفع نفسه، وأنه محتاج إلى بذل المال والتصدق به ابتغاء وجه الله سبحانه لكي يطهر نفسه ويزكيها ويحظى بثواب الله وإحسانه في الآخرة، قال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 272].

3-تطهير نفس الفقير وتزكيتها:

ليست الزكاة تطهيرا وتزكية لنفس الغني فحسب، وإنما هي تطهير لنفس الفقير إذا أديت بشروطها وآدابها، فكما أن الغني يتطهر من آفة الشح والبخل، فإن الفقير يتطهر من آفة الحسد والضغينة على الأغنياء، لأن النفس التي تنظر إلى أصحاب الأموال وقد حرمت من ضروريات الحياة قد تحمل الضغينة والحقد وتتوقد حسدا وكراهية لأولئك الأغنياء الذين يكنزون الأموال ويتقلبون في ألوان النعم وغيرهم يعاني من الحرمان.

فإذا أدى الأغنياء الزكاة، وأكثروا من التصدق، ولم يشعروا الفقراء بالمنة والتفضل، وتسابقوا إلى تفقد أحوال إخوانهم الفقراء وبذل المال لهم، وانتشرت مظاهر التراحم والتعاطف في المجتمع، فإن عذا يزيد روابط الأخوة، ومن شأن الإحسان أن يستميل القلب وينزع الضغائن.

وقد بين الله سبحانه أثر الزكاة والصدقات في تطهير النفس من الضغائن.

فقال عز وجل: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} [محمد: 36، 37].

وقد بين ابن كثر رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: { أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} فقال :" أي: هو غني عنكم لا يطلب منكم شيئا وإنما فرض عليكم الصدقات من الأموال مواساة لإخوانكم الفقراء ليعود نفع ذلك عليكم ويرجع ثوابه إليكم"[4].

ومعنى: { فَيُحْفِكُمْ} أي يحرجكم، وعند تفسير قوله تعالى: { وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} أورد ابن كثير قول قتادة:" قد علم الله أن في إخراج الأموال إخراج الضغائن"، ثم قال:" وصدق قتادة، فإن المال محبوب، ولا يصرف إلا فيما هو أحب إلى الشخص منه"[5].

وبذلك تكون الزكاة والصدقات وسيلة عملية لتطهير القلب من آفات الحسد والحقد والضغينة، وتنمية شخصية الفقير وثقته بنفسه وشعوره بالعزلة والكرامة، وإحساسه بأنه ليس ضائعا في المجتمع ولا متروكا لضعفه وفقره[6].

والإسلام يحرص كثيرا في عبادته وأحكامه على تقوية روابط الأخوة وتعميق صلات المحبة بين المسلمين، حتى يكون المجتمع كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وعندما تضاف إلى رابطة الأخوة رابطة أخرى هي القرابة والرحم فإن نصوص الكتاب والسنة تؤكد على ضرورة تقوية هذه الرابط، والتحذير من تقطيع أواصرها أو التهاون في شأنها، ولذلك كانت الصدقة على الأقارب والأرحام الفقراء أولى وأعظم الأجر ينال بها العبد أجر الصدقة وأجر صلة الأرحام، كما جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة"[7].

وإذا كانت هناك خصومه بين المسلم وأحد أقربائه الفقراء فلا ينبغي له أن يمتنع عن مساعدته، بل عليه أن يحرص على ذلك أكثر لأن الأجر فيها أعظم، ولعل هذه الصدقة تكون سببا في ذهاب الخصومة وصفاء النفوس وتآلف القلوب.

وهذا ما أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:" أفضل الصدقة: الصدقة على ذي الرحم الكاشح"[8]، أي المضمر للعداوة.

ولا شك أن الصدقة بهذه الكيفية وسيلة عظيمة لعلاج أمراض النفوس وتطهيرها من آفاتها وأمراضها، وغرس الصفات المحمودة فيها، فهي طهارة لنفس الغني من الشح والبخل والتعالي على الناس، وهي كذلك طهارة لنفس الفقير من العداوة والحسد والأحقاد، وهي ثالثا طهارة للمال من دنسه وتنمية له[9]، فالزكاة تخلية للنفس من الرذائل وتحلية لها بالفضائل.

شكر النعمة ومعرفة قدرها

الزكاة والصدقات مظهر عملي يشعر بشكر النعمة التي أنعم الله بها على عباده، وبذلك ينمو في النفس الشعور بقيمة النعم وتقديرها، ووجوب الشكر عليها بالقول والعمل، وبخاصة عندما يقارن صاحب المال حاله بما يجده من أحوال الفقراء المعدومين الذين ابتلوا بالفقر والبؤس، ولولا أنه مكلف شرعا بتفقد أحوالهم ومساعدتهم لما أدرك عظيم النعمة التي هو فيها، وإنما يبقى مشغولا بما يحيط به من المال والتجارات حتى يعتاد هذه النعم ويقل شعوره بفضل المنعم، مما يدفعه إلى التراخي في العبادات والتكاسل عن الطاعات.

وكما أن الصحة لا تدرك قيمتها كاملة إلا الإصابة بالمرض أو رؤية أحوال المرضى، فكذلك الغنى لا تدرك قيمته إلا برؤية أحوال الفقراء والنظر في أوضاعهم، وهذا يدفع المسلم الذي وسع الله عليه بالمال أن يشعر بالتقصير في حق الله عز وجل وأن يسارع إلى المزيد من الإنفاق شكرا لله على هذه النعمة.

وقد وعد الله عباده الشاكرين بزيادة النعم والبركة فيها.

قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم: 7].

والزكاة التي هي في الحساب المادي نقص في المال، هي في الحقيقة نماء وزيادة وبركة، وأما الربا التي يسعى صاحبها إليه طلبا للزيادة في المال فهي في حقيقة الأمر نقص وسحت ومحق وهلاك.

قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } [البقرة: 276].

وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما نقص مال من صدقة"[10].

وعنه أيضا أن النبي صلى الله عيه وسلم قال: " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا"[11].

وهكذا يتم علاج آفة الشح والبخل من نفس المسلم، ويسارع إلى الإنفاق موقنا بفضل الله ووعده الذي لا يتخلف بالرزق الواسع، وقد قال سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]، وتستقيم النظرة إلى المال في حس المسلم فهو عنده وسيلة ينال به رضى الله سبحانه وليس غاية يتعلق بها ويشقى لجمعه وكنزه.

وعندا تتطهر النفس من آفاتها وتتحلى بالفضائل تثمر أعظم الثمرات في سعادة الدنيا والقناعة والرضا بما قسم الله من رزق، والفلاح في الآخرة.

 

الهوامش:

[1] رواه مسلم رقم(223).

[2] رواه مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم الظلم رقم(2578).

[3] رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب أي الصدقة افضل(2/115).

[4] تفسير بن كثير (4/183).

[5] المرجع السابق (4/183).

[6] العبادة في الإسلام (260).

[7] رواه الترمذي في الزكاة باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة رقم(658)، وقال هذا حديث حسن، ورواه النسائي في الزكاة باب الصدقة على الأقارب (5/92)، وابن ماجه في الزكاة رقم (1844).

[8] رواه الإمام أحمد في مسنده (3/402، 5/416).

[9] العبادة في الإسلام للقرضاوي ص(259).

[10] رواه مسلم في البر والصلة، باب استحباب العفو والتواضع، رقم (2588).

[11] رواه البخاري في الزكاة، باب قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} [الليل: 8] (2/120).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
آثار الزكاة والصدقات في مجال تزكية النفس.doc doc
آثار الزكاة والصدقات في مجال تزكية النفس.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى