الزكاة والصدقات

الزكاة والصدقات



الزكاة ركن من أركان الإسلام، وهي اسم لما يجب على المسلم أن يخرجه من ماله إلى القراء بالشروط التي حددها الإسلام، وسميت زكاة لما يكون فيها من رجاء البركة وتزكية النفس وتنميتها بالخيرات، فاللفظ مأخوذ من الزكاء وهو النماء والطهارة والبركة[1].

قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103].

ومن هنا ندرك الصلة الكبيرة بين هذا الركن من أركان الإسلام، وبين ما نتحدث عنه من تزكية النفس، فالزكاة وما يتبعها من الصدقات تعد وسيلة لهذه التزكية، كما أنها أيضا وسيلة ينال بها العبد رضى الله سبحانه.

ولأهمية الزكاة فقد ذكرت في آيات القرآن الكريم مقرونة بالصلاة، وذلك في اثنتين وثمانين آية، منها قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].

وقوله سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43].

وقوله عز وجل: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41].

والزكاة في الإسلام فريضة لازمة يكفر من جحدها ويفسق من منعها دون إنكارها، وهي جزء مهم من نظام الإسلام الاقتصادي الذي عالج مشكلة الفقر بل مشكلة المال عموما، وهي حق الفقير وليست تفضلا من الغنى أو تبرعا منه[2]، ولها أحكام شرعية تفصل مقاديرها ومصارفها وتبين شروطها وآدابها.

وكما أمر الإسلام بالزكاة وجعلها فرضا لازما فقد رغب في الصدقات التي هي تطوع ونفل يزداد بها العبد تقربا من ربه سبحانه، وكلما أكثر من تلك الصدقات وسارع إلى البذل والإنفاق كان ذلك تطهيرا لنفسه وماله وتزكية له ومضاعفة لأجره عند الله سبحانه.

ولذلك حض الإسلام على هذه الصدقات ودعا إلى التنافس فيها ابتغاء للأجر العظيم ومضاعفة للقلوب من الله ذي الخير العميم.

قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].

وفي الحديث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" اتقوا النار ولو بشق تمرة"[3].

وبذلك تتسع دائرة الصدقات فلا يختص بها الأغنياء الموسرون، وإنما تشمل حتى الفقير الذي يسارع إلى التصدق على من هو أفقر منه ولو بشق تمرة يقتطعها من طعامه ويؤثر بها غيره، طلبا لرضاء الله سبحانه وعلاجا لنفسه من آفاتها، بل إنه إن لم يجد مالا فليتصدق ببذل العون لإخوانه.

وروى البخاري عن أبي بردة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" على كل مسلم صدقة، فقالوا: يا نبي الله فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشر فإنها له صدقة"[4].

ولكن الزكاة والصدقات لا تثمر ثمرتها في تزكية النفس لا إذا تحقق فيها شرطان:

الشرط الأول: البعد عن الرياء والتباهي والمن على الفقير:

فالمتصدق عندما يتباهى بصدقته ويرائي بها أمام الناس ويمن بها على الفقراء محتقرا لهم ومتعاليا عليهم، ويرى نفسه محسن متفضل، فإن هذا يبطل الصدقة ويضيع أجرها ويذهب الآثار والثمرات المرجوة منها في تزكية النفس، بل يجعل صاحبها متعرضا لسخط الله وعقوبته.

قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ} [البقرة: 264].

وقال سبحانه مبينا أن أجر الصدقة وثوابها لا يناله إلا من أخلص فيها وخلصها من المن والأذى: { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 262].

وأصل المن أن يرى المتصدق نفسه محسنا إلى الفقير ومنعما عليه، مع أن الفقير هو المحسن بقبوله هذه الصدقة التي هي سبب تزكية نفس المتصدق وتطهير ماله ونجاته من النار، والله سبحانه هو المحسن الحقيقي الذي تكفل برزق عباده، وأودع هذا المال عند الغني ليؤدي للفقير حقه منه.

فليحذر المتصدق من آفة الرياء، وليعلم أنه سيقف بين يدي ربه ليسأل عن صدقته هل أخلص فيها؟ أم تباهى لكي ينال ثناء الناس وإعجابهم؟

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" أن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة..." وذكر منهم:" ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال، فيأتي به فعرفه نعمه فعرفها: قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيهها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال جواد، وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجه ثم ألقي في النار"[5].

ولذلك حثنا الله سبحانه على صدقة السر، وجعلها أعظم أجرا من صدقة العلن لما فيها من البعد عن الرياء فقال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271].

كما بين الله عز وجل أن من تصدق طلبا لمرضاة ربه، وتثبيتا لنفسه على الإيمان، ويقينا بما أعده الله له من الجزاء الأوفى، فقد استحق مضاعفة الأجر، ومثل صدقته كمثل بستان عظيم في ربوة من الأرض الخصبة إذا أصابها المطر تضاعف ثمرها، وإن لم يصبها المطر فإن القليل من السقاية بكفيها لتثمر، فصدقة المؤمن لا تضيع أبدا لأن الله تعالى يتقبلها وينميها ما دامت خالصة له سبحانه.

قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 265].

والوابل هو المطر الشديد، والطل: الرذاذ من المطر[6].

الشرط الثاني: أن ينفق مما يحب وليس مما يكره، وأن تكون نفسه راضية غير كارهه.

ومصداق ذلك قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران: 92].

فالبر الذي و جماع الخير لا ينال إلا بأن يبذل المسلم ما يحبه من المال سخية بذلك نفسه وبذلك يتحرر من العبودية للمال ومن شح النفس وحب الذات، وهي آفات خطيرة تعوق مسيرة التزكية وتقف في طريقها.

ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يسارعون إلى بذل المال في سبيل الله والتصدق بأطيب ما يملكون رجاء ما عند الله من الأجر العظيم.

روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال:" كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا، فلما نزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران: 92] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران: 92] وإن أحب أموالي إلي بير حاء، وإنها صدقة لله أرجو بها برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بخ بخ، ذلك مال رابح ذلك مال رابح، وقد سمعت، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين"[7].

وقد أمر الله عباده أن ينفقوا من الكسب الطيب وحذرهم من التصدق برديء المال وخبيثه فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة: 267].

ومعنى: { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} أي: تقصدوه بالإنفاق وتتركوا غيره.

ومعنى: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} أي: أنكم لو أعطتموه لما قبلتم أخذه إلا بإنقاص قيمته والتهوين من شأنه وإغماض العين عن قبوله فكيف تتقربون إلى ربكم فإنفاق مالا ترضونه لأنفسكم[8]؟ وهو سبحانه غني عنكم ولا يتقبل إلا ما كان طيبا، يبذله المتصدق عن طيب نفس، ويصدر عن رضى وفرح بالبذل وليس عن كراهية وتأفف.

وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله قال:" من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل"[9].

 

الهوامش:

[1] ينظر: لسان العرب، (14/358).

[2] العبادة في الإسلام للقرضاوي (ص239).

[3] رواه البخاري في الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة(2/114)، ورواه مسلم في الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة رقم (1016).

[4] رواه البخاري في الزكاة، باب صدقة الكسب(2/121).

[5] رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة، رقم (1905).

[6] تفسير ابن كثير(1/319).

[7] رواه البخاري في الزكاة باب الزكاة على الأقارب(2/126).

[8] ينظر: تفسير ابن كثير (1/321).

[9] فسير البخاري في الزكاة، باب الصدقة من كسب طيب، (2/113)، والفلو: المهر يفصل عن أمه.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
الزكاة والصدقات.doc doc
الزكاة والصدقات.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى