آداب الدعاء

آداب الدعاء





الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ الدعاء شأنه في الإسلام عظيم، ومكانته في الدين سامية، وهو من أجلِّ العبادات وأعظم الطاعات، وأنفع القربات؛ ولذا وردت النصوص الكثيرة في كتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة لفضله، والمنوهة بمكانته، وعظم شأنه، وقد تنوعت دلالات النصوص الشرعية في ذلك، فجاء بعضُها بالأمر به والحثِّ عليه، وفي بعضها التحذير من تركه والاستكبار عليه، وفي بعضها ذكر عظم ثوابه وكِبَر أجره عند الله تعالى، وفي بعضها مدح المؤمنين لقيامهم به، والثناء عليهم بتكليمه.

وخير ذلك من أنواع الدلالات في القرآن الكريم على عظم مكانته كقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، ونحوها من الآيات، وسمَّى سبحانه الدعاءَ دينًا، كما في قوله: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 65]، ونحوها من الآيات([1]).

ومن نصوص السنة الدالة على فضل الدعاء وكثرة فوائده وعظم ثوابه؛ حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الدعاءُ هو العبادةُ)) ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} الآية([2])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليسَ شيءٌ أكرمَ على اللهِ من الدعاءِ))([3]) ... وغير ذلك من الأحاديث الشريفة.

هذه بعض النصوص الشرعية الواردة في شأن الدعاء، كل ذلك بيَّن لنا مدى عظم فضل الدعاء، وأنه أساس العبودية وروحها، وعنوان التذلل والخضوع والانكسار بين يدي الرب([4])، قال الخطابي - رحمه الله - في بيان حقيقة الدعاء: (حقيقته: إظهارُ الافتقارِ إلى اللهِ، والتبرؤ من الحولِ والقوةِ، وهو سمةُ العبوديةِ واستشعار الذلةِ البشريةِ، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل، وإضافة الجود والكرم إليه)([5]).

إذ تبين هذا، فليعلم المسلم أن للدعاء آدابًا عظيمة ينبغي مراعاتها، وشروطًا مهمة يجب توفرها حتى يكون مقبولًا عند الله تعالى، وقد ذكر بعضُ أهل العلم آدابًا كثيرة في الدعاء، أذكر بعضها هنا مختصرًا؛ ومنها:

الأول: الإخلاص لله تعالى.

الثاني: أن يترصد الأزمان الشريفة؛ كيوم عرفة، وشهر رمضان، ونحو ذلك.

الثالث: أن يغتنم الأحوال الشريفة؛ كحالة السجود، والتقاء الجيوش، وحالة رقة القلب، ونحو ذلك.

الرابع: استقبال القبلة، ورفع اليدين.

الخامس: خفض الصوت بين المخافتة والجهر.

السادس: أن لا يتكلف السجع، وقد فسر به الاعتداء في الدعاء.

السابع: التضرع والخضوع والرهبة.

الثامن: أن يجزم بالطلب، ويوقن بالإجابة، ويصدق رجاءه فيها.

التاسع: أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثًا، ولا يستبطئ الإجابة.

العاشر: أن يفتتح الدعاء بذكر الله تعالى، وبالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد الحمد لله تعالى والثناء عليه، ويختمه بذلك كله أيضًا.

الحادي عشر: وهو أهمها والأصل في الإجابة، وهو التوبة، وردُّ المظالم، والإقبال على الله تعالى.

هذه بعض الآداب الشرعية التي ينبغي مراعاتها في الدعاء، ودلائلها في الكتاب والسنة كثيرة مستفيضة([6])، وعلى الرغم من وضوح هذه الآداب وكثرة الأدلة عليها، إلا أن بعض الناس لم يراعوها حق رعايتها، بل أتوا ببعض الأمور المُنكرَة والآداب المُحدَثة تخالف الشريعة المطهرة والسنة المحمدية في القيام بهذه العبادة الجليلة.

 



([1]) انظر: فقه الأدعية والأذكار، الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر (القسم الثاني)، ص(7-8).

([2]) رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الدعاء، (1479)، والترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء، (3372)، وقال الترمذي: (حديث صحيح).

([3]) رواه الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء، (337)، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء، (3829) وغيرهما، وقال الترمذي: (حديث حسن)، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد، (549).

([4]) انظر: فقه الأدعية والأذكار، عبد الرازق البدر، (القسم الثاني)، ص(8).

([5]) شأن الدعاء، الخطابي، ص(4)، وانظر: فتح الباري، ابن حجر، (11/95).

([6]) انظر: الإحياء، الغزالي، (1/399-403)، والأذكار، النووي، ص(628-630).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
بدعٌ في الدعاء.doc doc
بدعٌ في الدعاء.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى