رابعة العدوية

رابعة العدوية





هي رابعة بنت إسماعيل العدوية، مولاة آل عتيك بالبصرة. أم الخير. صالحة مشهورة من أهل البصرة ومولدها بها، لها أخبار في العبادة والنسك، ولها شعر فيه من الكلام الجيد الكثير، وفي بعضه غلو وانحراف عن الشريعة، وليس كل ما ينقل عنها بصحيح، توفيت بالقدس (185هـ).

قال الإمام الذهبي في السير: ((قال أبو سعيد بن الأعرابي: أما رابعة فقد حمل الناس عنها حكمة كثيرة، وحكى عنها سفيان وشعبة وغيرهما ما يدل على بطلان ما قيل عنها)). أي على كذب بعض ما ينسب إليها من أقوال مغرقة بالتصوف ومخالفة للعقيدة.

قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وأما ما ذُكر عن رابعة العدوية من قولها عن البيت: إنه الصنم المعبود في الأرض، فهو كذب على رابعة، ولو قال هذا من قاله لكان كافراً يستتاب فإن تاب وإلا قُتِل، وهو كذب فإن البيت لا يعبده المسلمون، ولكن يعبدون رب البيت بالطواف به والصلاة إليه، وكذلك ما نقل من قولها: والله ما ولجه الله ولا خلا منه، كلام باطل عليها)).

ويروى عن رابعة قولها: إني لا أعبده خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته، بل أعبده حباً له.

وهذا إن صح عنها مما انحرف به الزهاد حيث زعموا أنهم لا يعبدون الله خوفاً ولا رجاءً، وإنما يعبدونه بالمحبة، وهذا مخالف لطريق الأنبياء والرسل – عليهم الصلاة والسلام- الذين يدعونه سبحانه وتعالى رغباً ورهباً مع حبهم له سبحانه، وابتغائهم إليه الوسيلة، وتقربهم إليه بمحابه ومسارعتهم في ذلك، كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: من الآية90]، وقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} [الإسراء:57].

وهذه المقولة المنسوبة لرابعة مقالة منكرة تتضمن الزهد في الجنة والاستخفاف بعذاب النار، وأما رؤية الله فإنها أعلى نعيم الجنة، فمن دخل الجنة فاز بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]، فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله.

ولهذا قال بعض أهل العلم: من عبدَ الله بالخوف وحده فهو حروري -أي: من الخوارج-، ومن عبده بالرجاء فهو مُرجئ، ومن عبده بالحب فهو زنديق، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد، وأسماء الله وصفاته تقتضي محبته وخوفه ورجاءه، فالله تعالى ذو الجمال، والجلال والإكرام، وغافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، وكل اسم من أسمائه الحسنى، وصفة من صفاته، تقتضي عبودية خاصة، فمن كان بأسمائه وصفاته أعلم كان له أعبد، وعلى صراطه أقوم. والله أعلم)).

ومما نسب لها أقوال مخالفة لنصوص الكتاب والسنة، ونحن نذكر شيئاً من هذا الكلام للتحذير منه، ولا نجزم بنسبتها لها رحمها الله.

فمن ذلك ما ذكر من قولها لرجلٍ رأته يضم صبياً من أهله ويقبله: ((ما كنت أحسب أن في قلبك موضعاً فارغٌ لمحبة غيره تبارك اسمه!))[1] وهذا تعمقٌ وتكلف لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُقبل أولاد ابنته ويحبهم.

ويروى كذلك عنها أن سفيان الثوري -على حد ما زعموا- سألها: يا رابعة هل تكرهين الشيطان؟!! فقالت: ((إن حبي لله لم يترك في قلبي كراهية لأحد!!))[2].

وقد أدى كثرة أمثال هذه النقول إلى أخذ بعض العلماء مواقف حادة وحازمة منها رحمها الله، فقد تكلم فيها أبو داود السجستاني -صاحب السنن -واتهمها بالزندقة!!، فلعله بلغه عنها أمر، كما في[3].

وكثرة الأقوال المتعارضة المنسوبة لرابعة العدوية رحمها الله تعالى، مما يضع غشاوة على عيون البعض، ويساعد البعض على الغلو فيها والانحراف في العبادة أيضاً.

رحم الله تعالى رابعة العدوية وجزاها خيراً، وغفر لنا ولها، وما جعل الله العصمة لأحد من البشر إلا المعصومين من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

 



[1] (سير أعلام النبلاء: 8ـ156)

[2] (الصوفية والوجه الآخر)

[3] (البداية والنهاية 10ـ186)

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
رابعة العدوية.doc doc
رابعة العدوية.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى