شبهة محاورة المشركين معبوديهم يوم القيامة أنهم يساوون الله غيره في ربوبيته

شبهة محاورة المشركين معبوديهم يوم القيامة أنهم يساوون الله غيره في ربوبيته






الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ شبهةُ استدلالهم بقولِه تعالى - عن حالِ المشركين يومَ القيامةِ في محاورتهم لمعبوديهم -: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 94-98]، فالتسويةُ هنا - عندهم - تقتضي أن المشركين كانوا يساوون مع اللهِ غيره في ربوبيته([1]).

الرد:

أولًا: أن الآيةَ لا تدلُّ على ما ذهبوا إليه، إذ أن التسويةَ في الطاعةِ والعبادةِ([2])، وليست تسوية من كلِّ وجه([3])، إذ لم يقلْ أحدٌ إنهم مساوون للهِ تعالى من كلِّ وجه، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}[الأنعام: 1]، وقوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 22]، فالمشركون جعلوا للهِ تعالى الأندادَ والشركاءَ وعدلوا به غيرَه وساووهم به، وكلُّ ذلك في الطاعةِ والعبادةِ، وليس المراد التسويةَ من كلِّ وجه؛ لإثباتهم تفرد اللهِ بالربوبية، والمتقرر في آيات كثيرة.

ثانيًا: هل يستدل بالآيةِ على أن المشركين يقولون بأن أصنامَهم وأوثانَهم وما كانوا يعبدون مساويةً للهِ ومماثلةً له في ذاته وأسمائِه وصفاتِه وأفعالِه؟ فإن كان هذا هو معنى ما يستدلون له فقد خالفوا جميع الدلالات الشرعيةِ والعقليةِ والفطريةِ.

ثالثًا: هذا الاستدلالُ يمشي مع استدلالِهم بالآيات التي يستنبطون منها إلحادَ المشركين ونفيهم للخالقِ؛ كقوله تعالى: {وَقَالُوا مَاهِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24]، إذ أنه لا تجتمعُ هذه التسويةُ مع إنكارِ الخالقِ.

رابعًا: ذكرُ بعضِ أهلِ العلمِ أن هذه الآيات في سورةِ الشعراء هي مخاصمةٌ بين الأتباعِ والمتبوعين، بين الذين استُضعِفوا والذين استكبروا، فهي ليست بين عبادِ الأصنامِ وأصنامِهم([4])، وهذا قد جاء في آياتٍ كثيرةٍ من القرآنِ كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ}[الأعراف: 38]، وغيرها من الآيات الدالة على هذا المعنى.



الهوامش

 ([1])مقالات الدجوي، ص(1/150-152).

([2])جامع البيان للطبري، ص(11/19/88)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ص(13/79)، لسان العرب، ص(14/411).

([3])مجموع فتاوى شيخ الإسلام، ص(7/75).

([4])تفسير ابن كثير، ص(3/374)، أضواء البيان للشنقيطي، ص(6/275).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
شبهة محاورة المشركين معبوديهم يوم القيامة أنهم يساوون الله غيره في ربوبيته.doc doc
شبهة محاورة المشركين معبوديهم يوم القيامة أنهم يساوون الله غيره في ربوبيته.pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى