هل التفريق بين نوعي التوحيد يلزم أن للكفار توحيدًا صحيحًا ينجيهم؟

هل التفريق بين نوعي التوحيد يلزم أن للكفار توحيدًا صحيحًا ينجيهم؟






الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ شبهةُ أن التفريقَ بين النوعين، والقولَ بأن كفار قريش مقرون بنوعٍ منهما؛ يقتضي القولَ بأن للكفار توحيدًا صحيحًا ينجيهم من النار، وهذا مصادمة للنصوص([1]).

الرد:

أولًا: لم يقلْ أحدٌ من أهلِ السُنة إن كفار قريش كانوا موحِّدين، هكذا بهذا الإطلاق، وإنما كلامهم في أنهم - أي كفار قريش - كانوا مقرِّين بتوحيدِ الربوبيةِ وهو من الحُجَّة عليهم، وهم مع ذلك مشركون اسمًا وحكمًا؛ إذ لا ينجِّيهم ذلك الإقرار دون أن يوحِّدوا اللهَ تعالى في ألوهيته.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: »فهذا التوحيدُ- أي توحيد الإلهية - هو الفارقُ بين الموحدين والمشركين، وعليه يقعُ الجزاءُ والثوابُ في الأولى والآخرة، فمن لم يأتِ به كان من المشركين الخالدين، فإن اللهَ لا يغفرُ أن يُشْرَكَ به ويَغْفِرُ ما دون ذلك لمن يشاء، أما توحيد الربوبيةِ فقد أقرَّ به المشركون، وكانوا يعبدون مع اللهِ غيرَه، ويحبونه كما يحبونه، فكان ذلك التوحيد - الذي هو توحيد الربوبية - حجةً عليهم« ([2]).

ثانيًا: قال الإمام ابن القيم: »لذلك كان توحيدُ الألوهيةِ هو المنجِّي من الشركِ دون توحيدِ الربوبيةِ بمجرده، فإن عُبَّاد الأصنامِ كانوا مقرِّين بأن الله وحده خالق كلِّ شيء وربه ومليكه، ولكن لمَّا لم يأتوا بتوحيدِ الألوهيةِ وهو عبادتُه وحده لا شريك له لم ينفعْهم توحيدُ ربوبيته« ([3]).

ثالثًا: إثباتُ نوعٍ من التوحيد لهم لا يعني إثبات التوحيد المطلوبِ شرعًا، كما أن إثبات إيمانٍ لهم لا يعني إثباتَ الإيمانِ الشرعي المطلوبِ تحقيقه؛ كما في قوله تعالى: {وَمَايُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، فهذا نوع من الإيمان - وهو الإيمان اللغوي([4])- لكنهم لا يُقال أنهم مؤمنون، فما يُقال في الإيمانِ هنا يُقال في لفظِ التوحيدِ.

رابعًا: الكافرُ قد تكون عنده تصوراتٌ صحيحةٌ، وتصدرُ منه أعمالٌ صالحة إلا أنها لا تُقْبَل منه ولا تنْجِيه من عذابِ الآخرة، لأنها لم تقم على أصلٍ صحيح، وهو تحقيق التوحيدِ للهِ تعالى بجميع أنواعه، فالكافر قد يكون متلبسًا بعملٍ صالح يُوصف به، إلا أنه لا يُقْبَل منه عند اللهِ تعالى، لأنه قام على أساسٍ باطلٍ وهو الشرك، فقد ينتفعُ به ولكن ذلك في الدنيا؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: »إن الله لا يظْلمُ مؤمنًا حسنةً يعطي بها في الدنيا، ويجزي بها في الآخرةِ، وأما الكافرُ فيُطعمُ بحسناتٍ ما عملَ بها للهِ في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرةِ لم تكنْ له حسنة يجزي بها« ([5]).



الهوامش

([1])الدرر السنية في الرد على الوهابية،أحمد الزيني دحلان، ص(40-41)، وانظر: مقال الدجوي، توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، مجلة نور الإسلام، المجلد الرابع، ص(259)، ومصباح الأنام، علوي الحداد، ص(17).

([2])مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، (14/380).

([3])عدة الصابرين، ابن القيم، ص(350).

([4])أضواء البيان،الشنقيطي، (3/75).

[5]رواه مسلم في صفة القيامة والجنة والنار – باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة – رقم 2808، وأحمد، ص3/283.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
هل التفريق بين نوعي التوحيد يلزم أن للكفار توحيدًا صحيحًا ينجيهم؟.doc doc
هل التفريق بين نوعي التوحيد يلزم أن للكفار توحيدًا صحيحًا ينجيهم؟.pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى