منهج الصحابة رضي الله عنهم في الرد على الشبهات (4)

منهج الصحابة رضي الله عنهم في الرد على الشبهات (4)






رد المغيرة بن شعبة وربعي بن عامر رضي الله عنهما

الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:إن الصحابة رضي الله عنهم خريجوا المدرسة النبوية، علَّمهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعلم وربَّاهم بتربية كان يتلقَّاها من ربِّه من فوق السماوات السبع، فنشئوا وترعرعوا على التعليمات القرآنية والإرشادات النبوية المطهرة، فكانوا أفضل الناس وصفوة الأخيار، وخير القرون والأمم والأجيال.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه رضي الله عنهم: ((خيرُ الناسِ قرني، ثمَّ الذين يلونَهم، ثمَّ الذين يلونَهم، ثم يجيءُ قومٌ تسبقُ شهادةُ أحدِهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه))، فهم الذين آمنوا ولم يلبِسُوا إيمانَهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون، بتزكية الله عز وجل لهم وثنائه عليهم.

ملتزمين في ذلك بمنهج القرآن والسنة، متمثلين قولَ الله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وقوله سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].

فمنهجهم رضي الله عنهم في الردِّ على الشبهات كان مشتقًّا ومنبثقًا من القرآن الكريم والسنة النبوية، وتأتي فيما يلي أمثلة من ردودهم:

رد المغيرة بن شعبة وربعي بن عامر رضي الله عنهما:

الشبة: "الهدف من الجهاد في الإسلام إنما كان السيطرةَ على اقتصاد البلدان الأخرى".

ومما يؤكد هذه الشبهة أنه لما جاء رسلُ سعد بن أبي وقاص، ومنهم النعمان بن مقرن، وفرات بن حبان، وحنظلة بن الربيع التميمي، وعطارد بن حاجب، والأشعث بن قيس، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن معد يكرب رضي الله عنهم، قبل واقعة القادسية إلى رستم يدعونه إلى الله عز وجل، فقال لهم رستم: (ما أقدمكم؟ قالوا: جئنا لموعدِ اللهِ إيانا أخذَ بلادِكم وسبي نسائِكم وأبنائِكم وأخذ أموالكم).

حقيقة الشبهة وإزالتها:

لما تواجه الجيشان - المسلمون والفرس - في القادسية، بعث رستم إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن يبعث إليه برجلٍ عاقل على علمٍ بما يسأله عنه، فبَعَثَ إليه المغيرةَ بن شعبة رضي الله عنه، فلما قَدِمَ عليه جعلَ رستم يقول له: (إنكم جيرانُنا، وكنا نُحْسِنُ إليكم ونكفُّ الأذى عنكم، فارجعوا إلى بلادِكم ولا نمنعُ تجارتَكم من الدخولِ إلى بلادِنا).

رد المغيرة رضي الله عنه:

فقال له المغيرة رضي الله عنه: (إنا ليس طلبنا الدنيا، وإنما همُّنا وطلبُنا الآخرة، وقد بعثَ اللهُ إلينا رسولًا قال له: إني قَدْ سَلَّطتُّ هذه الطائفةَ على من لم يَدِنْ بِدِينِي، فأنا منتقمٌ بهم منهم، وأجهل لهم الغلبة ما داموا مقرِّين به، وهو دينُ الحقِّ، لا يرغب عنه أحدٌ إلا ذَلَّ، ولا يعتصمُ به إلا عَزَّ.

فقال له رستم: فما هو؟ فقال: أما عمودُه الذي لا يصلحُ شيءٌ منه إلا بشهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسولُ اللهِ، والإقرارُ بما جاءَ من عندِ اللهِ.

فقال: ما أحسن هذا؟ وأي شيءٍ أيضًا؟ قال: والناسُ بنو آدم، فهم أخوة أب وأم، فقال رستم: وحسن أيضًا، ثم قال: أرأيتَ إن دخلنا في دينِكم أترجعون عن بلادِنا؟ قال: أي والله، ثم لا نثرب بلادَكم إلا في تجارةٍ أو حاجة، قال: وحسن أيضًا.

ولما خرج المغيرةُ من عنده ذاكرَ رستم رؤساءَ قومِه في الإسلام؛ فأنِفُوا ذلك وأبوا أن يدخلوا فيه، ثم بعث سعدٌ رضي الله عنه إلى رستم رسولًا آخر بطلبه وهو ربعي بن عامر، فدخل عليه وقد زينوا مجلسَه بالنمارق المذهبة وزرابي الحرير، وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة، والزينة العظيمة، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب.

ودخل ربعيُّ بثياب صفيقة، وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطه ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه، فقالو له: (ضَعْ سلاحَكَ، فقال: إني لم آتِكم، وإنما جئتُكم حين دعوتمونِي، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعتُ، فقال رستم: ائذنوا له).

فأقبل يتوكأُ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها، فقالوا له: (ما جاء بكم؟ فقال: اللهُ ابتعثنا لنخرجَ من شاءِ من عبادةِ العبادِ إلى عبادةِ اللهِ، ومن ضيقِ الدنيا إلى سعتِها، ومن جوْرِ الأديان إلى عدلِ الإسلامِ، فأرسَلَنَا بدينِه إلى خَلْقِه لندعوهم إليه، فمن قَبِلَ ذلك قَبِلْنَا منه ورَجَعْنَا عنه، ومن أَبَى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعودِ الله، قالوا: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن ماتَ على قتالِ من أبى، والظفر لمن بقى)([1]).

فبذاك التصريح الجلي من المغيرة، وهذا البيان الواضح من ربعي - رضي الله عنهما - تبطل هذه الشبهة وتزول اللبس الذي قد ينشأ من قول النعمان بن مقرن لرستم.



([1]) البداية والنهاية، ابن كثير، (7/39).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
منهج الصحابة رضي الله عنهم في الرد على الشبهات (4).doc doc
منهج الصحابة رضي الله عنهم في الرد على الشبهات (4).pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى