منهج الصحابة رضي الله عنهم في الرد على الشبهات

منهج الصحابة رضي الله عنهم في الرد على الشبهات



منهج الصحابة رضي الله عنهم في الرد على الشبهات

ردود مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه

إن الصحابة رضي الله عنهم خريجوا المدرسة النبوية، علَّمهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعلم وربَّاهم بتربية كان يتلقَّاها من ربِّه من فوق السماوات السبع، فنشئوا وترعرعوا على التعليمات القرآنية والإرشادات النبوية المطهرة، فكانوا أفضل الناس وصفوة الأخيار، وخير القرون والأمم والأجيال.


قال النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه رضي الله عنهم: ((خيرُ الناسِ قرني، ثمَّ الذين يلونَهم، ثمَّ الذين يلونَهم، ثم يجيءُ قومٌ تسبقُ شهادةُ أحدِهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه))([1])، فهم الذين آمنوا ولم يلبِسُوا إيمانَهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون، بتزكية الله عز وجل لهم وثنائه عليهم.

ملتزمين في ذلك بمنهج القرآن والسنة، متمثلين قولَ الله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وقوله سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].

فمنهجهم رضي الله عنهم في الردِّ على الشبهات كان مشتقًّا ومنبثقًا من القرآن الكريم والسنة النبوية، وتأتي فيما يلي أمثلة من ردودهم:

رد مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه:

الشبهة:

"جاء مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة إلى دار ابن عبد الأشهل ودار بني ظفر، ليسفِّهَا ضعفاء قوم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضي الله عنهم أجمعين بالباطل ويدعوهم إليه".

كان مصعب بن عمير رضي الله عنه أول داعية وأول سفير في الإسلام، بعثه النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى يثرب لتعليم المسلمين أمور دينهم ولدعوة غير المسلمين إلى الإسلام، وذات يوم خرج أسعد بن زرارة بمصعب بن عمير - رضي الله عنهما - يريد به دارَ بني عبد الأشهل ودارَ بني ظفر.

وكان سعد بن معاذ ابن خالة أسعد بن زرارة، فدخل به حائطًا من حوائطِ بني ظفر على بئرٍ يُقال له بئر "مرق"، فجلسا في الحائط واجتمع إليهما رجالٌ ممن أسلم، وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير يومئذْ سيدا قومِهما من بني عبد الأشهل، وكلاهما مشركان على دينِ قومهما.

فلما سمعا به؛ قال سعدٌ لأسيد: (لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفِّهَا ضعفاءَنا، فازجرْهُم وانههما أن يأتيا دارينا، فإنه لولا أسعد بن زرارة من حيث ما قد علمتَ كفيتُك ذلك، هو ابن خالتي ولا أحد عليه مقدم).

فأخذ أسيدُ بن حضير حربتَه ثم أقبلَ إليهما، فلما رآه أسعدُ بن زرارة قال لمصعب: (هذا سيدُ قومِه وقد جاءك فاصدُق اللهَ فيه، قال مصعب: إن يجلِس أُكَلِّمْه)، فوقفَ عليهما متشتِّمًا فقال: (ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءَنا؟! اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجةً)([2]).

رد مصعب رضي الله عنه على الشهبة وبيان حقيقة ما يدعو إليه:

ردَّ عليه مصعبُ رضي الله عنه قائلًا: (أَوَ تجلس فتسمع، فإن رضيتَ أمرًا قَبِلتَه، وإن كرهتَه كفَّ عنك ما تكره)، فلما سمعَ أسيدُ وهو سيد قومِه؛ ذو عقلٍ سليم، قال: (أَنْصَفْتَ)، ثم ركزَ حربته وجلس إليهما.

فكلمه مصعبُ بالإسلام، وقرأ عليه القرآن، فقالا فيما يُذكر عنهما: (والله لعرفنا في وجهِه الإسلامَ قبلَ أن يتكلمَ في إشراقِه وتَسَهُّلِه)، ثم قال: (ما أحسنَ هذا وأجملَه، كيف تصنعون إذا أردتُم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطهر وتُطهِّر ثوبيك، ثم تشهد شهادةَ الحقِّ ثم تصلي)، فقام فاغتسلَ وطهَّرَ ثوبيه، وتشهَّد شهادةَ الحقِّ، ثم قام فركعَ ركعتين، ثم قال لهما: (إن ورائي رجلًا، إن اتبعكما لم يتخلفْ عنه أحدٌ من قومِه، وسأرسله إليكما الآن، سعد بن معاذ).

ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظرَ إليه سعدُ بن معاذ مُقْبِلًا، قال: (أَحْلِفُ باللهِ، لقد جاءَكم أسيدٌ بغيرِ الوجهِ الذي ذَهَبَ به من عندكم)!!

فلما وقف على النادي، قال له سعد: ما فَعَلْتَ؟ قال: كَلَّمْتُ الرجلين، فواللهِ ما رأيتُ بهما بأسًا، وقد نهيتهما فقالا: نفعلُ ما أحببتَ)، واحتال أسيدٌ على سعد من أجل أن يذهب إلى مصعب، لكي يحدِّث له ما حدَّث له، فقام سعد بن معاذ مغضبًا وأخذ الحربة.

فلما رآهما مطمئنين عرفَ أن أسيدًا أراده أن يسمع منهما، فوقف متشتِّمًا لهما، ثم قال لأسعد بن زرارة: (يا أبا أمامة، والله لولا ما بيني وبينك من القرابةِ ما رُمْتَ هذا مني، اتغشانا في دارِنا بما نكره؟!)، وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب: (جاءك واللهِ سيدٌ من ورائِه قومُه، إن يتبعك ما تَخَلَّف عنك منهم اثنان).

قال مصعبُ لسعد: (أَوَتقعد فتسمع، فإن رضيتَ أمرًا ورغبت فيه قبلتَه، وإن كرهتَ عَزَلْنَا عنك ما تكره، قال سعد: أَنْصَفْتَ)، ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن، قالا: (فعرفنا واللهِ في وجهِه الإسلامَ قبل أن يتكلم؛ لإشراقِه وتسهُّلِه).

ثم قال لهما: (كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتُم في هذا الدين؟ قالا: تغتسلُ وتطهر ثوبيك، ثم تشهدُ شهادةَ الحق، ثم تصلي ركعتين)، فقامَ واغتسلَ وطهَّر ثوبيه، وشهد شهادةَ الحقِّ، ثم ركعَ ركعتين، ثم أخذ حربتَه فأقبلَ عائدًا إلى قومه ومعه أسيد بن حضير.

فلما رآه قومُه مقبلًا قال: (يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالو: سيدُنا وأفضلُنا رأيًا، وأيمنُنا نقيبةً، قال: فإن كلامَ رجالِكم ونسائِكم عليَّ حرامٌ حتى تؤمِنوا باللهِ ورسولِه، قالوا: فواللهِ ما أمسى في دارِ بني عبدِ الأشهل رجلٌ ولا امرأةٌ إلا مسلمًا أو مسلمةً)([3]).

فهذه الاستجابة العظيمة وإسلام هذا الجمع الغفير في يوم واحد لم يكن ليحصل لولا فضل الله I وتوفيقه لمصعب رضي الله عنه لرده العقلي المقنع على سيدي قوميهما، وأسلوبه اللين معهما، وصبره وحلمه ورفقه وأناته عند سماع التهديد منهما رضي الله عنهم.



 

([2]) البداية والنهاية، ابن كثير، (3/152)، حياة الصحابة، الشيخ محمد يوسف الكندهولي، (1/187،188).

([3]) البداية والنهاية، ابن كثير، (3/125،135)، حياة الصحابة، الشيخ محمد يوسف الكندهولي، (1/188،189).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
منهج الصحابة رضي الله عنهم في الرد على الشبهات3.doc doc
منهج الصحابة رضي الله عنهم في الرد على الشبهات3.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى