ألفاظ توحيد الربوبية: (الإحياء)

ألفاظ توحيد الربوبية: (الإحياء)





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛ 

1 - معنى الإحياء في اللغة:

لفظ إحياء يرجع إلى الكلمة الثلاثية حيى، والحياة في لغة العرب ضد الموت، والإحياء ضد الإماتة، يقول ابن فارس: "الحاء والياء والحرف المعتل أصلان: أحدهما خلاف الموت، والآخر الاستحياء الذي هو ضد الوقاحة.

فأما الأول فالحياة والحيوان، وهو ضد الموت والمَوَتان، ويسمى المطر حياً لأن به حياة الأرض، ويقال ناقة مُحْي ومُحْيِيَة لا يكاد يموت لها ولد"[1]. ويقول الخليل: "حيي يحْيا فهو حيٌّ، ويقال للجميع حَيُّوا..والحيوان كل ذي روح.. والحيا مقصور حيا الربيع، وهو ما تحيا به الأرض من الغيث"[2].

والإحياء البعث بعد الموت، والإحياء الإنشار، أنشر الموتى فنشروا إذا حيوا، وأنشرهم الله أي أحياهم[3].

وأحيا الله الأرض أخرج فيها النبات. وإحياء الأرض مباشرتها بتأثير شيء فيها من إحاطة أو زرع أو عمارة ونحو ذلك[4]. وإحياء الليل: السهر فيه بالعبادة وترك النوم[5].

هذه خلاصة أقوال أهل اللغة في معنى كلمة الإحياء. وفي كتب المتأخرين جاء معنى الإحياء في كشاف اصطلاحات الفنون بأنه: "لغة جعل الشيء حياً أي ذا قوة احساسية أو نامئة"[6]. وبتأمل معنى الإحياء في اللغة نجد أنه مصدر للفعل أحيا، وأنه يدور على معنيين: الأول هو إحياء الميت بمعنى بعثه بعد الموت وإرجاع الحياة إليه. الثاني إحياء معنوي كإحياء الأرض بمعنى إخراج النبات فيها، وإحياء الإنسان للأرض بمعنى التأثير فيها بوضع حائط أو زرع ونحو ذلك، وإحياء الليل بمعنى السهر فيه للعبادة.

2- معنى الإحياء في الشرع:

لقد ورد في الكتاب والسنة فعل الإحياء مثل: أحيا ونحيي ويحيي، وجاء اسم الفاعل من ذلك وهو المحيي، ولوضوح معنى الإحياءلم يعرفه أهل السنة في مؤلفاتهم وإنما تحدثوا عن هذا اللفظ بكلام عام يبين معناه عندهم.

وقد ورد الإحياء في الشرع بمعنى نفخ الروح في الجسد، وإيجاد الحياة فيه، يقول الإمام الطبري عند تفسير قوله - تعالى -: {وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة - 28] ، وقوله: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر - 11] : "..كانوا نطفاً لا أرواح فيها فكانت بمعنى سائر الأشياء الموات التي لا أرواح فيها، وإحياؤه إياها - تعالى ذكره - نفخه الأرواح فيها، وإماتته إياهم بعد ذلك قبضه أرواحهم، وإحياؤه إياهم بعد ذلك نفخ الأرواح في أجسامهم يوم ينفخ في الصور، ويبعث الخلق للموعود"[7].

ويقول الإمام ابن القيم في معنى الإحياء أنه: "إحياء الميت وإيجاد الحياة فيه"[8]. ويقول ابن كثير في معنى قوله - تعالى -: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ} [الحجر - 23] : "إخبار عن قدرته - تعالى - على بدء الخلق وإعادته، وأنه هو الذي أحيا الخلق من العدم، ثم يميتهم ثم يبعثهم كلهم ليوم الجمع"[9].

كما جاء الإحياء في بعض الآيات بمعنى إحياء الأرض بإنبات النبات فيها نحو قوله - تعالى -: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم _50] ، قال الإمام الطبري: " {وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم - 19] فينبتها، ويخرج زرعها بعد خرابها وجدوبها"[10]. وأما الإحياء في قوله - تعالى -: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال _ 24] فالمراد ما يحييكم من الحق، وقيل الإسلام، وقيل الإيمان[11].

والإحياء المضاف إلى الله - تعالى - في الآيات السابقة صفة فعلية من صفات الرب - سبحانه -، يقول ابن تيمية - رحمه الله -: " معلوم بالسمع اتصاف الله - تعالى – بالأفعال الاختيارية القائمة به، كالاستواء إلى السماء، والاستواء على العرش، والقبض والطي والإتيان والمجيء والنزول ونحو ذلك، بل والخلق والإحياء والإماتة"[12]، وقد ذكر - رحمه الله - الآيات والأحاديث التي تدل على اتصاف الله بذلك، ثم دلل من طريق العقل فقال: "وأما من جهة العقل فمن جوز أن يقوم بذات الله - تعالى - فعل لازم له كالمجيء والاستواء، ونحو ذلك لم يمكنه أن يمنع قيام فعل يتعلق بالمخلوق كالخلق والبعث والإماتة والإحياء"[13].

كما بين - رحمه الله - اختصاص الرب - تعالى - بهذه الصفة فقال: "وكذلك المسيح لما خلق من الطين كهيئة الطير إنما مقدوره تصوير الطين، وإنما حصول الحياة فيه فبإذن الله، فإن الله يحيي ويميت، وهذا من خصائصه، ولهذا قال الخليل: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} "[14].

ويقول الطبري - رحمه الله -: "وكان إحياء عيسى الموتى بدعاء الله، يدعو لهم فيستجيب له"[15]. كما أطلق الإحياء على إبقاء النفس المعصومة، وعدم قتلها، كما في قوله - تعالى -: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة - 32] فقد قال المفسرون إن المراد بذلك أي: "من حرم قتل من حرم الله - عز ذكره - قتله على نفسه، فلم يتقدم على قتله فقد حيي الناس منه بسلامتهم منه وذلك إحياؤه إياها"[16].

وكذلك جاء في السنة أحيا ويحيي والمحيي، وكان معنى الإحياء في بعض الأحاديث يعني إحياء الموتى نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وإن الله أحيا أباك فكلمه كفاحاً [17]"[18]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت.."[19]. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل"[20].

وجاء إحياء الأرض بمعنى التأثير فيها بزرع أو حائط ونحوه[21]، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له"[22]. وجاء الإحياء بمعنى إعادة اليقظة بعد النوم، ورد القوة والحركة بعدما أزالهما منا بالنوم[23]؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" [24]، ونحوها من الأحاديث الواردة في دعاء الاستيقاظ من النوم. كما جاء الإحياء بمعنى إعادة إقامة الدين، والشرع، كما في قوله: "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه"[25]. وجاء بمعنى إحياء الليل بالعبادة والصلاة، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخلت العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله"[26]، قال ابن حجر: "وأحيا ليله: أي سهره فأحياه بالطاعة، وأحيا نفسه بسهره فيه "[27].

ومن خلال الآيات، والأحاديث السابقة، وشرح أهل السنة لها، يمكن تعريف الإحياء بأنه: صفة فعلية قائمة بذات الرب، ومتعلقة بقدرته ومشيئته، اختص بها، وهي تعني إعادة الحياة إلى الميت، أو إيجادها ابتداء ً فيه.


الهوامش:

[1] معجم مقاييس اللغة 2/122، وانظر: الصحاح 6/2323، لسان العرب 14/211.

[2] العين 3/317.

[3] انظر: لسان العرب 5/207، المُغَرِّب في ترتيب المعرب لأبي الفتح المطرزي ص452.

[4] انظر: لسان العرب 14 /214، 216.

[5] انظر: المرجع السابق 14/214.

[6] كشاف اصطلاحات الفنون 1/401.

[7] تفسير الطبري 1/188، وانظر: تفسير ابن كثير 1/68، تفسير القرطبي 12/93، زاد المسير 5/448.

[8] مفتاح دار السعادة 3/209.

[9] تفسير ابن كثير 2/209.

[10] تفسير الطبري 21/30 وانظر تفسير ابن كثير 4/333.

[11] انظر: تفسير الطبري 9/213.

[12] درء تعارض العقل والنقل 2/3، وانظر: مفتاح دار السعادة 2 /205.

[13] درء تعارض العقل والنقل 2 /5.

[14] النبوات ص 438.

[15] تفسير الطبري 3/278.

[16] المرجع السابق 6/204، وانظر: تفسير ابن كثير 2/75.

[17] كفاحاً: أي مواجهة من دون حجاب، قال الخليل في كتاب العين 3/65: "المكافحة مصادفة الوجه بالوجه عن مفاجأة،.. وكافحها قبلها عن غفلة وجاها، والمكافحة في الحرب المضاربة تلقاء الوجوه"، وانظر: الصحاح 1/399.

[18] أخرجه الترمذي في كتاب القراءات عن رسول الله، باب ومن سورة آل عمران 5/230ح 3010، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وأخرجه ابن حبان في صحيحه 15/490، ح 7022، وهو في نوادر الأصول 1/475. قال المنذري في الترغيب والترهيب 2/314: "رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه بإسناد حسن أيضا، والحاكم وقال صحيح الإسناد".

[19]  أخرجه الترمذي كتاب الدعوات، باب ماجاء في فضل التسبيح والتكبيروالتهليل والتحميد 5 /512، ح 3468 وقال حديث حسن صحيح.

[20] أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب الجهاد من الإيمان 1/28، ح 36، وفي كتاب الجهاد والسير، باب تمني الشهادة2/305، ح 2797، كما أخرجه في كتاب التمني، باب ما جاء في التمني ومن تمنى4/349، ح 7226.

[21] انظر: التمهيد 22/286.

[22] أخرجه الترمذي في كتاب الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات 3/662، ح 1378 وقال: "هذا حديث حسن غريب وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا والعمل على هذا الحديث"، وأخرجه أبو داود في السنن كتاب الخراج والإمارة والفيء باب في إحياء الموات 3/178 ح 3073، والنسائي في السنن الكبرى كتاب إحياء الموات باب الحث على إحياء الموات 3/404ح 5756.

[23]  انظر: شرح النووي على مسلم 17/35، عون المعبود 13/266، تحفة الأحوذي للمباركفوري 9/256، سبل السلام للصنعاني 4/222.

[24] أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا نام4/155، ح 6312، كما أخرجه برقم 6314، 6324، 7394، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع 4/2083، ح 2711.

[25] أخرجه مسلم في كتاب الحدود، باب رجم اليهود، أهل الذمة، في الزنى 3/1327 ح 1700.

[26] أخرجه البخاري في كتاب فضل ليلة القدر، باب العمل في العشر الأواخر من رمضان 2/64، ح 2024.

[27]  فتح الباري 4 /316.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
ألفاظ توحيد الربوبية: (الإحياء).doc doc
ألفاظ توحيد الربوبية: (الإحياء).pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى