يا ست نفيسة أنا عاوز جاموسة يا ست نفيسة!

يا ست نفيسة أنا عاوز جاموسة يا ست نفيسة!





محمد بن عبد الله المقدي
وقف أمام الشبك الحديدي لضريح السيدة نفيسة -رحمها الله- اغرورقت عيناه بالدموع وهو ينشج نشيجا متقطعا ويهمهم بكلمات يائسة.. يا ست نفيسة أنا عاوز جاموسة يا ست نفيسة.. يا ست نفيسة خالتي مروة مريضة يا ست نفيسة..يا ست نفيسة خنقته العبرة وفي صوته حشرجة.. استمعت لهذه الكلمات وبدأت الأرض تدور بي.
ما الذي أسمعه؟
ماذا يقول هذا الرجل؟
ماذا يريد؟ من يسأل؟ من يرجو؟ بمن يلتجأ؟
أسئلة كثيرة مرت بخاطري وأنا أنصت لهذا القلب المكلوم، الذي يريد متاعا دنيويا ولكنه ...ضل الطريق ...انخرف عن المسار ...سلك طريقا شائكة.
إن هذه الصورة المرسومة لا تمثل حدثا فرديا، أو واقعة عين تقدر بقدرها، أو حال فريدة لا يصح تعميمها، إن هذه الصورة تستطيع أن تلتقطها بمقدار دقة عدستك اللاقطة وبمقدار ترامي أطراف العالم الإسلامي.
أوردت جريدة (أهل الخير)[1] بعض القصص والحكايات المؤلمة، فهذه امرأة لم ترزق بذكر وفي حملها السادس ذهبت لضريح (مولاي إبراهيم) في منطقة أسنى جنوب المغرب ودخلت عليه بعد أن أخذت معها الشموع وتعلقت بستارة الضريح ثم توسلت كي يمنحها الولد!
وأخرى لم تنجب ولدًا، فبعد أن طافت بالأطباء ولم تخرج بنتيجة تذكر يممت وجهها تجاه القبور والأضرحة، فطافت بأضرحة العديد منهم إلى أن توقفت أمام ضريح مشتهر بالقدرة على تزويج العوانس وجعل العقيم قادرًا على الإنجاب، فوقفت وتوسلت والدموع في عينيها كي يساعدها صاحب القبر ويحقق لها رغبتها في إنجاب الولد.
وفي أفغانستان؛ حيث ثمة زيارات منتظمة لمجموعة من القبور يقول عزيز محمد -وهو رجل مسن ذو لحية بيضاء يزور المقابر كل يوم-: «طلبت الشرطة من الناس عدم المجيء لكننا نجيء، المعاقون والمرضى يشفون بعد المجيء إلى هنا، إنه مكان مقدس»، فوسط المقابر تركع امرأة منتقبة على الأرض؛ أملا في الصحة والثراء والحظ، ويجيء رجل ضرير بصحبة الأهل أملا في استعادة النظر[2].
 (ينتشر في مصر أكثر من ستة آلاف ضريح) [3]، فيوجد على سبيل المثال في مركز فوّة.. (81) ضريحًا، وفي مركز طلخا (54)، وفي مركز دسوق (84)، وفي مركز تلا (133)، وهي الأضرحة التابعة للمجلس الصوفي الأعلى، بخلاف الأضرحة التابعة للأوقاف أو غير المقيدة بالمجلس الصوفي) [4] كما يوجد في أسوان أحد المشاهد يسمى: مشهد (السبعة وسبعين وليًّا) [5].
  • ماذا يفعل المسلمون حين يزورون هذه الأضرحة؟
يقول عبد الله بن محمد بن خميس في مشاهدات له عند قبر محيي الدين بن عربي: (لقد ذهبت إلى قبر ابن عربي في دمشق فوجدت فئامًا من الناس يغدون إليه ويروحون.. وجدتهم يطوفون حوله، ويتوسلون به، ويعلنون دعاءهم له من دون الله، وجدت المرأة تضع خدها على شباك الضريح وتمرغه وتنادي: أغثني يا محيي الدين، وجدت الصبايا البريئات يجئن إليه ويمددن أمامه الأكف، ويمسحن الوجوه، ويخشعن ويتضرعن) [6].
- الأضرحة في أفغانستان:
وحين دخلت القوات الصليبية الأمريكية والبريطانية إلى البلاد الأفغانية كان أول ما قاموا به أن فتحوا المزارات والأضرحة وسمحوا للموالد أن تقام وروجوا لها، يقول أحد شيوخ الطرق واسمه (صوفي محمد) وهو في الستين من عمره لوكالة (رويترز): (إن حركة طالبان المتعصبة أغلقت المزارات وأوقفت الاحتفالات ومنعتنا من حلقات الذكر والإنشاد طوال فترة حكمها، رغم أنها لم تتوقف حتى في وجود الحكم الشيوعي والاحتلال الروسي! وأنا سعيد جدًّا بسقوط تلك الحركة المتعصبة وأمريكا سمحت لنا بممارسة طقوسنا وإقامة موالدنا ونحن نشكر لها ذلك وبشدة)، هكذا قال وهكذا فعلت أمريكا، فتحت الأضرحة وأقامت الموالد لإحياء البدعة ومحاربة السنة ولتشويه الإسلام [7].
  • الحج السنغالي:
أما في السنغال فيشتهر عند أرباب التصوف رحلة الحج إلى ضريح أحمد دوبامبا؛ حيث يتوافد مئات الآلاف من أتباع الطرق الصوفية لزيارة هذا الضريح والمكوث عنده ثلاثة أيام، ضمن طقس سنوي يقترب كثيرا من أسلوب الحج إلى بيت الله الحرام [8].
  • كازخستان ومكة الثانية:
يؤدي بعض أتباع الطرق الصوفية ما يسمونه "حجا أصغر" في كازاخستان، وذلك على مدار العام، ووفق طقوس خاصة منبثقة من تقاليد وعادات شعبية.. وأما مقصدهم في حجهم، فهو مدينة يطلقون عليها اسم "مكة الثانية".
وأكثر ما يميز هذه المدينة هو توافد ناس كثر من كافة مدن ودول أسيا الوسطى للتبرك بها ولأداء -ما يعتبرونه- الحج الأصغر، الذي يختلف عن الحج الأكبر لمكة المكرمة.
وعزا المؤرخ أنور تولغانوف أسباب إطلاق اسم مكة الثانية على تركستان بقوله "إن السفر من وسط أسيا والوصول إلى مكة المكرمة كان يشكل صعوبة ومشقة كبيرة للمسلمين ويكلف أمولا طائلة، فاستعاض البعض عن الحج بالسفر إلى تركستان، ولا ننسى أيضا أن الأساطير والخرافات أضفت طابع القدسية على المدينة".
وينهي الزوار حجهم الأصغر بالدعاء داخل إحدى القاعات التي يتضمنها المسجد وهي عديدة، فمنها قاعة كان يجلس فيها خانات أسيا الوسطى خلال عصورهم السالفة، أما القاعة فزيارتها تعد الأهم في تلك الطقوس؛ لأنها تحوي ضريح الحاج أحمد الياساوي.
يقول تولغانوف: "درس الياساوي التعاليم الصوفية في مدينة سمرقند، ثم عاد إلى تركستان وعاش فيها حتى بلغ عمره ثلاث وستين عام نزل بعد ذلك إلى حجرة تحت الأرض، معتبرا أن الحياة أكثر مما عاش الرسول محمد يعد ذنبا عظيما"![9]
  • دبلوماسية زيارة الأضرحة:
بل صار التسابق من قبل السياسيين لإحياء الشرك، فقد أعلن وزير الثقافة والإعلام الأفغاني (رحيم مخدوم) أن الحكومة الأفغانية الجديدة وضعت ضمن أولوياتها ترميم تمثالي بوذا العملاقين في ولاية باميان، وكانت حركة طالبان قد دمرت التمثالين وأثارت موجة استنكار عالمية، يشار إلى أن مخدوم متخصص في الثقافة الأفغانية والشعر الصوفي [10].
- زيارة الرئيس الباكستاني لأحد الأضرحة:
وفي زيارة هامة للرئيس الباكستاني (برفيز مشرف) إلى الهند شملت إجراء محادثات مع رئيس الوزراء الهندي (مانموهان سينج) توجه الرئيس (مشرف) لولاية راجستان بغرب الهند لزيارة ضريح إسلامي بارز، ثم توجه إلى العاصمة دلهي [11].
- زيارة الرئيس الجزائري للأضرحة لزيادة شعبيته:
وقام الرئيس الجزائري (عبد العزيز بوتفليقة) بزيارات مكثفة لعدد من زوايا وأضرحة (الأولياء والصالحين) المنتشرة في مختلف أنحاء الجزائر؛ لزيادة شعبيته لدى عدد كبير من الجزائريين الذين يتبركون بهؤلاء الأولياء[12].
بل من شدة الجهل والغفلة اتخذت قبة على مقبرة (الرفيق) الصيني الشيوعي (يانغ تشي تشنغ)، في (ود مدني) [13]
إن نشر وتبني القبورية وإحياء الميت منها وربط الناس بهذه القبور بدعوى وجود الأولياء الصالحين، وأنها مواطن الرحمات وإجابة الدعوات يبين لنا بجلاء أن مزامير الشرك قائمة وسوقها لا يزال مستعرًّا.
ولا بد أن ننبه أننا لم نذكر هذا جلدا لذواتنا وتأنيبا لها على تقصيرها فقط وإنما لندرك أن الجرح لا يزال عميقا ولا يزال الطريق في أوله، ولا يجوز أن نتعامل مع هذا الركام بالمسكنات الوقتية إنما لا بد من مبضع الطبيب كي ينظف الجرح ويزيل الورم.

الهوامش:
[1] السبت (3) جمادى الآخرة (14269) يوليو (2005م) العدد السادس والعشرون.
[2] جريدة الشرق الأوسط الثلاثـاء 06 ذو الحجـة 1422 هـ 19 فبراير 2002 العدد 8484
[3] د. سعاد ماهر فهمي، مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، (ج:1) (ص:44).
[4] د. زكريا سليمان بيومي، الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة، (ص:127، 153).
[5] انظر: الآثار الإسلامية في مصر من الفتح العربي حتى نهاية العصر الأيوبي، مصطفى عبد الله شيحة، (ص:152).
[6] شهر في دمشق لعبد الله بن خميس 72 وانظر للتوسع العدد (131) من مجلة البيان.
[8] انظر موقع: http://www.islammemo.cc
[9] انظر موقع العربية. نت الإخباري السبت 4 ديسمبر 2004م، 22 شوال 1425 هـ
[10] المصدر الفرنسية نقلا عن http://www.aljazeera.net
[11] موقع شبكة البي بي سي. . وانظر أيضا جريدة الراية القطرية الأحد 24/4/2005
[12] http://islamonline.net . وانظر أيضا جريدة الشرق الأوسط الإثنيـن 25 ذو الحجـة 1424 هـ 16 فبراير 2004 العدد 9211 وانظر أيضا جريدة الراية القطرية الخميس 4/3/2004
[13] مجلة البيان العدد (131).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
يا ست نفيسة أنا عاوز جاموسة يا ست نفيسة! doc
يا ست نفيسة أنا عاوز جاموسة يا ست نفيسة! pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى