بدعٌ وأخطاءٌ تتعلقُ بالأيامِ (3)

بدعٌ وأخطاءٌ تتعلقُ بالأيامِ (3)





الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمدٍ رحمةِ الله للعالمين، وعلى آله وصحبه وتابعيه بإحسانٍ، إلى يوم الدِّين ثم أما بعد؛
الخميس:
الخميس في اللغةِ: الجيشُ، وسُمي الجيشُ خميسًا لأنَّه خمسة أقسام: مقدمة وقلب وميمنة وميسرة وساقة.
سببُ التسميةِ:
هوَ يومٌ مِنْ أيامِ الأسبوعِ معروفٌ، وإنما أرادوا "الخامس"، ولكنَّهم خَصُّوه بهذا البناءِ ليتفردَ بِهِ([1])، ويُجْمَعُ على: أخمسه وأخامس.
فضلُه:
وَمِنْ فضائل يومِ الخميس زيادةً على ما تَقَدَّمَ فِي فَضْلِ يومِ الأثنين: أَنَّ غالبَ أسفارِ النبيِّ - صلى اللهُ عليه وسلم - في هذا اليومِ، وأنَّه يُستحب أَنْ يخرجَ للسفرِ يومَ الخميس؛ لقولِ كعب بن مالك - رضيَ اللهُ عنه -: (أَنَّ النبيَّ - صلى اللهُ عليه وسلم - خَرَجَ في غزوةِ تبوك يومَ الخميس)([2]).
مَا انفَرَدَ بِهِ مِنْ محدثات:
يقولُ العلامةُ بكر أبو زيد - حفظهُ اللهُ: (لا أعلمُ لَهُ ذِكْرًا أوْ دعاءً يَخُصُّهُ، وقدْ أُحْدِثَ فيه: تشبهُ الخَسِيْسِ مِنَ المسلمين بالنصارى في عيدٍ لهم هو "خميس الأموات"، قصدُ الاجتماعِ فيه في المسجدِ للقراءةِ، وتخصيصُه بذكرٍ ودعاءٍ في صلاةٍ تخصُّهُ)([3]).
ومما أُحْدِثَ فيه:
1- اتخاذُ عيدٍ يُسَمِّى "خميس الأموات".
2- قصدُ الاجتماعِ فِي المساجد للقراءةِ.
3- تخصيصُه بذكرٍ ودعاءٍ فِي صلاةٍ تَخُصُّهُ.
4- زيارةُ القبرِ كُلَّ خميس([4]).
       5- إخراجُ النساءِ ثيابَهُنَّ يومَ الخميس([5]).
       6- تخصيصُه لزيارةِ شهداء أُحُد([6]).
7- ابتداعُ مَا يُسَمَّى خميس أبريل([7]).
       8- اتخاذُ الطعامِ مِنْ أَهْلِ الميتِ أول الخميس([8]).
9- الصلاةُ على الأمواتِ كُلَّ خميس: بعضُ العوام يدخلُ المقبرةَ كُلَّ خميس، ويصلي على كُلِّ مَنْ مَاتَ قريبًا مِنْ هذا اليومِ، وأحيانًا يصلي على أبيه كُلَّ جمعة، وهذا بدعةٌ، وَقَدْ كانَ النبيُّ - صلى اللهُ عليه وسلم - يزورُ القبورَ ولا يصلي عليها، وإنما يدعو لهم بالدعاءِ المشروعِ([9])، أمَّا الصلاةُ عليهم صلاةَ جنازةٍ: فهذا مِنَ البدعةِ، فيجبُ النهيُ عَنْ هذا، وَأَنْ نُبَينَ للناسِ الذين يفعلونه أَنَّ هذا لا يزيدُهم مِنَ اللهِ قُرْبَةً، ولا ينتفعُ بِهِ الميتُ أيضًا لأنَّه بدعةٌ([10]).
       10- القولُ باستحبابِ تقليمِ الأظافر يومَ الخميس: وَلَمْ يَثْبُتْ في ذلكَ حديثٌ.
قَالَ الحافظُ ابنُ حجر في الفتح: (لمْ يثبتْ في استحبابِ تقليمِ الظُفْرِ يومَ الخميس حديثٌ، والمُعْتَمَدُ في ذلكَ الحاجةُ، ولا يمنعُ مِنَ التفقدِ يومَ الجمعة، فإنَّ المبالغةَ فِي التنظيفِ فيه مشروعٌ).
وَقَالَ أبو العباس القرطب: (قَالَ رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((ألَّا يتركَ ذلك أكثرَ مِنْ أربعين ليلة))، هذا هوَ تحديدُ أكثرِ المدةِ، والمستحبُّ تَفَقُدُهُ مِن الجمعةِ إلى الجمعة، وإلَّا فلا تحديدَ فيه للعلماءِ، إلَّا أَنَّه إذا كَثُرَ ذلكَ أُزِيْلَ)([11]).
وقالَ الإمامُ النووي: (المختارُ أَنَّ ذلك كلَّهُ يُقَيَّدُ بالحاجةِ)([12]).
وقالَ الإمامُ السخاوي: (وَقَدْ وَقَفْتُ في مسندِ الفردوس على حديثٍ واهٍ جِدًّا، على مَا في سندِه ممَّن لم أعرفه، وهوَ: ((مَنْ أَرَادَ أَنْ يأمنَ الفقرَ وَشكايةَ العمى وَالبرصِ والجنون؛ فَلْيُقَلِّمْ أظفارَهُ يومَ الخميس بعدَ العصر، وَلْيَبْدَأ بخنصر اليسرى))([13]).
وَقَدْ وقعَ لنا في قَصِّ الأظفار يومَ الخميس خبرٌ مسلسلٌ بذلكَ، إلَّا أنَّه لا يَصِحُّ سندًا ولا متنًا، وهوَ عندَ الطبراني وغيرِه بدونِ تسلسلٍ.
وفي الزياداتِ لأبي عاصم العبادي ما نَصُّهُ: (كانَ سفيانُ الثوري يُقَلِّمُها يومَ الخميس، فقيلَ له: غدًا يومُ الجمعة! فقالَ: السنةُ لا تُؤَخَّرُ).
قَالَ العبادي: ورُوي عَنْ النبيِّ - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((مَنْ أرادَ أَنْ يأتيه الغِنَى على مَا كَرِهَ فَلْيُقَلِّمْ أظفارَه يومَ الخميس))، قُلْتُ: وَقَدْ سَبَقَ بيانُه.
قالَ العبادي - رحمهُ اللهُ -: فإذا قَلَّمْتَ فَرَّقْتَ؛ قَالَ النبيُّ - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((فَرِّقُوهَا فَرَّقَ اللهُ هُمُومَكُم))، وهذا لا أصلَ له، ونحوُه جاءَ في المجالسةِ للدينوري عنْ هارون الرشيد.
       وفيها مِنْ حديثِ ابنِ حميد الحميدي عَنْ أبيه قالَ: ((مَنْ قَلَّمَ أظفارَه يَوْمَ الجمعةِ أَخْرَجَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - منه داءً، وَأَدْخَلَ فيه شفاءً))([14])، وَقَدْ وَرَدَ فيه غيرُه، ولكني لمْ أعتمدْ على شيءٍ مِنْ ذلك، والعلمُ عندَ اللهِ) انتهى كلام السخاوي([15]).
       بَلْ قَدْ ذَهَبَ البعضُ إلى استحبابِ قَصِّ الظُّفْرِ وَنَتْفِ الإبطِ وَحَلْقِ العانةِ يومَ الخميس، والغُسْل وَالطيب يومَ الجمعة؛ مُسْتَدلًّا بما رُوي في حديثٍ مُسلسلٍ، أَنَّ عليًّا - رضيَ اللهُ عنه - قالَ: ((رأيتُ رسولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - يُقَلِّمُ أظفارَه يومَ الخميس، ثُمَّ قَالَ: يَا علي، قَصُّ الظفرِ ونَتْفُ الإبطِ وَحَلْقُ العانةِ يومَ الخميس، والغُسْلُ واللباسُ والطيبُ يومَ الجمعة))([16])، ولمْ يثبتْ في ذلكَ شيءٌ، كَمَا تَقَدَّمَ.
أحاديثُ لم تثبتْ فيه:
       ((إِذَا كانَ يومُ الخميس بَعَثَ اللهُ ملائكةً معهم صحفٌ مِنْ فضةٍ وأقلامٌ مِنْ ذهبٍ، يكتبون يومَ الخميس وليلةَ الجمعةِ أكثرَ الناسِ عليَّ صلاةً))([17]).
((اغْدُوا في طلبِ العلمِ غداةَ الخميس))([18]).
((تُعْرَضُ عليَّ أعمالُكم كُلَّ خميس))([19]).
 
الهوامش

([1]) لسان العرب، ابن منظور، (6/70).

([2]) رواه البخاري، (2950).

([3]) انظر: تصحيح الدعاء، بكر أبو زيد، ص(114).

([4]) أحكام الجنائز، الألباني، ص(258).

([5]) الأمر بالاتباع، السيوطي، ص(141)، ومعجم البدع، ابن أبي علفة، ص(28)، وتشبه الخسيس، المدخل، محمد بن قايماز الذهبي، (2/55).

([6]) مناسك الحج والعمرة، الألباني، ص(64).

([7]) الحوادث والبدع، الطرطوشي، ص(151)، ومعجم البدع، ابن أبي علفة، ص(222).

([8]) أحكام الجنائز، الألباني، ص(256).

([9]) أما ما ورد عنه - صلى اللهُ عليه وسلم -: (أنَّه صلَّى على قتلى أُحُد كأنَّه مودع أصحابَه عَنْ قريبٍ كالمودعِ للأحياءِ وَالأمواتِ، فالصلاةُ هنا بمعنى: الدعاء والاستغفار، لأنَّ الأدلةَ الصحيحةَ: تَدُلُّ على أنَّ شهداءَ المعركةِ لا يُصَلَّى عليهم، أمَّا هذا الحديثُ فكأنَّه - صلى اللهُ عليه وسلم - دعا لهم واستغفرَ حينَ عَلِمَ قُرْبَ أَجَلِه مودعًا لهم بذلك)، انظرْ: الفتح، (3/210، 7/349 و 6/611)، كما رَجَّحَ ذلك الشيخُ ابنُ باز فِي تعليقِه على فتح الباري، (6/611).

([10]) البدع والمحدثات، ص(335)، وفتاوى التعزية لابن عثيمين، ص(52)، وفتاوى أحكام الجنائز، ص(143-144).

([11]) المفهومُ لِمَا أُشْكِلَ مِنْ تلخيصِ كتاب مسلم، القرطبي، (1/515).

([12]) المجموع، النووي، (1/286)، والنخبة البهية، محمد الأمير المالكي، ص(230)، والتحديث، ص(2)، وسنن الفطرة، أمين الحاج محمد أحمد، ص(137-138).

([13]) وكذا قال ابن عراق في تنزيه الشريعة، (2/280).

([14]) ابن حميد مجهول ومتن الحديث منكر.

([15]) الفتاوى الحديثية، السخاوي، ص(106-107)، قال المحقق: (الدينُ لا يثبتُ بالتجارب، وَكُلُّ مَا في البابِ مِنْ أحاديث فهي غير ثابتة أصلًا).

([16]) تَقَدَّمَ قولُ الحافظ ابن حجر وتلميذُه السخاوي، وانظر: سنن البيهقي، (3/244)، وغاية المرام بشرح مغني ذوي الأفهام، العبيكان، (1/377-385).

([17]) موضوع: انظر القول البديع، السخاوي، ص(195).

([18]) ضعيف: انظر العلل المتناهية، ابن الجوزي، (1/535).

([19]) انظر: السلسلة الضعيفة، الألباني، (2/975)، الآيات البينات، نعمان بن محمود الألوسي، ص(20).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
بدعٌ وأخطاءٌ تتعلقُ بالأيامِ (3).doc doc
بدعٌ وأخطاءٌ تتعلقُ بالأيامِ (3).pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى