أسماءُ اللهِ الحسنى: (البارئ)

أسماءُ اللهِ الحسنى: (البارئ)





الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وَصحبِه وَمَنْ وَالَاه وَبعد..

الاشتقاقُ اللغوي:

البارئُ أصلُه: بَرَأَ، وَهذِه اللفظةُ ترجعُ إلى أصلين، أحدِهما: الخلق، يُقالُ بَرَأَ اللهُ الخَلْقَ يبرؤُهُم بَرْءًا، وَالأصلُ الآخرُ: التباعدُ مِنَ الشيءِ وَمُزَايَلَتُه، مِنْ ذلكَ: البرءُ؛ وَهوَ السلامةُ مِنَ السَّقَمِ، يُقالُ: بَرِئْتُ، وَبَرَأْتَ، وَمِنْ ذلكَ أيضًا: البراءةُ مِنَ العيبِ وَالمكروهِ([1]).

وَيُقالُ أيضًا: بَرَأَ الخلْقَ: فَطَرَهُم([2]).

الأدلةُ في القرآنِ وَالسُّنةِ:

وَرَدَ اسمُ البارئ في القرآنِ الكريمِ في قَوْلِهِ تعالى: { هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [الحشر: 24].

وَقولِه تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ } [البقرة: 54].

أمَّا بالنسبةِ للسُّنةِ فَلَمْ يَرِدْ بِه حديثٌ صحيحٌ، إنَّما جاءَ ذكرُه في روايةِ سَرْدِ الأسماءِ عِنْدَ الترمذي وَابنِ ماجه، وَهذه الروايةُ ليستْ مِنْ قولِ النبيِّ - صلى اللهُ عليه وسلم -، وَإنِّما قولُ بعضِ الرواةِ؛ لذلكَ لَمْ تَصِح، يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية عَنْ سردِ الأسماءِ فِي الحديثِ: (تعيينُها ليسَ مِنْ كلامِ النبيِّ - صلى اللهُ عليه وسلم - باتفاقِ أهلِ المعرفةِ بحديثِه)([3]).

وَيقولُ الشيخُ ابنُ عثيمين: (وَلَمْ يَصِحْ عَنْ النبيِّ - صلى اللهُ عليه وسلم - تعيينُ هذه الأسماءِ، وَالحديثُ المرويُّ عنه في تعيينِها ضعيفٌ)([4]).

المعنى في حَقِّ اللهِ تعالى:

خلاصةُ معاني اسمِ الباري في حَقِّ اللهِ مَا يلي:

1- أنَّ البارئَ الخالقُ، يُقالُ: بَرَأَ اللهُ الخلقَ يبرؤُهم، وَالبريةُ: الخَلْقُ([5]).

2- أنَّه هوَ الذي خَلَقَ الخَلْقَ لا عَنْ مِثَالٍ([6])، وَبَرَأَ الخَلْقَ فأوجدَهم بقدرتِه([7])، وَخَلَقَ النفوسَ في الأرحامِ، وَصوَّرَهَا كما يشاءُ في ظلماتٍ ثلاث([8])، وَلهذِه اللفظةِ مِنَ الاختصاصِ بالحيوانِ مَا ليسَ لها بغيرِه مِنَ المخلوقاتِ، وَقَلَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الحيوانِ، فيُقالُ: بَرَأَ اللهُ النسمةَ، وَخَلَقَ السماواتِ وَالأرضَ([9]).

3- أنَّ مِنْ معاني البارئ: الخَلْقَ وَالتقديرَ، وَالبَرْءُ: هوَ الفريُ، وَهوَ التنفيذُ وَإبرازُ مَا قَدَّرَهُ وَقَرَّرَهُ إلى الوجودِ، وَليسَ كلُّ مَنْ قَدَّرَ شيئًا وَرَتَّبَه قادرًا على تنفيذِه وَإيجادِه سوى اللهِ عزَّ وجل.

قالَ الشاعرُ يمتدحُ اللهَ:

وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ           وَبَعْضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْرِي

أي أنتَ تُنَفِّذُ مَا خَلَقْتَ أي قَدَّرْتَ، بخلافِ غيرِك، فإنَّه لا يستطيعُ مَا يريدُ، فاللهُ إذا أرادَ شيئًا قَالَ لهُ كُنْ فَيَكُون على الصفةِ التي يريدُ، وَالصورةِ التي يختارُ([10]).

4- إنَّ البرءَ هوَ خَلْقٌ على صفةٍ، فكلُّ مبروءٍ مخلوقٌ، وَليسَ كلُّ مخلوقٍ مبروءًا؛ لأنَّ البرءَ فيه فصلُ بعضِ الخَلْقِ عَنْ بعضٍ، فصورةُ زيدٍ مفارقةٌ لصورةِ عمرو وهكذا([11])، فالبارئُ: هوَ المُمَيِّزُ لِمَا يوجدُه بعضَه عنْ بعضٍ بالأشكال المختلفةِ([12]).

5- أنَّ البرءَ هو تمييزُ الصورةِ، وَقولُهم: بَرَأَ اللهُ الخَلْقَ أَي مَيَّزَ صورَهم([13]).

المعنى عِنْدَ المخالفينَ وَالمناقشةُ وَالردُّ:

أولًا ـ المعنى عِنْدَ المعتزلةِ:

البارئُ: هوَ الذي خَلَقَ الخَلْقَ بريئًا مِنَ التفاوتِ: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك: 3]، وَمُتَمَيزًا بعضُه مِنْ بعضٍ، بالأشكال المختلفةِ وَالصورِ المتباينةِ([14]).

ثانيًا ـ المعنى عِنْدَ الأشاعرةِ:

في تفسيرِ البارئ وجوهٌ:

الأول: أنَّ البارئَ هوَ الموجدُ وَالمبدعُ، يُقالُ: بَرَأَ اللهُ الخلقَ يبرأُهُم، وَالبريةُ: الخَلْقُ، فعليه بمعنى مفعولة، وأصلُه الهمزُ إلَّا أنَّهم اصطلحوا على تركِ الهمزةِ.

فعلى هذا التقديرِ لا فَرْقَ بينَ الخالقِ وَالبارئِ، وَهما لفظان مترادفان وَرَدَا في معنى واحدٍ.

الثاني: أنَّ أصلَ البرء: القطعُ وَالفصلُ، وَعلى هذا فبارئ بمعنى: أنَّه فَصَلَ بَعْضَ الأشخاصِ عَنْ بعضٍ.

الثالث: أنَّ البارئَ مُشْتَقٌّ مِنَ البرئ وَهوَ الترابُ، فالبارئُ يَدلُّ على أنَّه تعالى رَكَّبَ الإنسانَ مِنَ الترابِ؛ كَمَا قَالَ تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55]([15]).

ثالثًا ـ المعنى عِنْدَ الماتريدية:

البارئُ: بمعنى الخالق؛ وَيُقالُ: بَرَأَ، أي: خَلَقَ، وَالبريةُ هيَ الخَلْقُ، وَيُقالُ: سُميتْ البريةُ بريةً؛ لأنَّه خَلْقٌ مِنَ التُّرابِ، إذ البري مِنَ الترابِ([16]).


الهوامش:

([1]) ينظر: معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، (1/236).

([2]) ينظر: تفسير أسماء الله، الزجاج، ص(37).

([3]) مجموع فتاوى ابن تيمية، (6/382).

([4]) القواعد المثلى، ابن عثيمين، ص(23).

([5]) يُنظر: إصلاح المنطق، ابن الكيت، (1/158)، وغريب القرآن، ابن قتيبة، ص(40)، وغريب الحديث، له، (1/47)، وغريب الحديث، أبو إسحاق الحربي، (1/260).

([6]) ينظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول، ابن الأثير، (4/177).

([7]) ينظر: تفسير الطبري، (28/66).

([8]) ينظر: التوحيد، ابن منده، (2/76).

([9]) ينظر: جامع الأصول، ابن الأثير، (4/177).

([10]) ينظر: تفسير ابن كثير، (4/367).

([11]) ينظر: تفسير أسماء الله، الزجاج، ص(37).

([12]) ينظر: فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن، أبو يحيى الأنصاري، ص(418).

([13]) ينظر: الفروق في اللغة، أبو هلال العسكري، ص(227).

([14]) الكشاف، الزمخشري، (1/270) (6/85).

([15]) ينظر: المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، الغزالي، ص(124-131).

([16]) ينظر: تفسير الماتريدي، (9/606).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
أسماءُ اللهِ الحسنى: (البارئ).doc doc
أسماءُ اللهِ الحسنى: (البارئ).pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى