أمثلة لوقوع المسلمين في المشابهة والمشاركة في أعياد الكفار

أمثلة لوقوع المسلمين في المشابهة والمشاركة في أعياد الكفار






الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ..وبعد اعلم أن أعياد الكفار كثيرة، وليس على المسلم أن يبحث عنها أو يعرفها، بل يكفيه أن يعرف فعلًا من أفعالهم، أو يومًا أو مكانًا بسبب تعظيمه من جهتهم، وأنه لا أصل له في دين الإسلام([1])، وأذكر هنا بعض أعيادهم التي نبَّه عليها بعضُ علماء الشافعية، والتي قد وقع فيها كثيرٌ من الناس الجاهلين؛ ومنها:

1- الاحتفال بعيد النيروز:

وهو أعظم أعياد المجوس وعيدهم الأكبر، ويقع في أول يوم في سنتهم، وقد كانت الدولة الفاطمية الرافضية تحتفل بذلك، ومن عادتها فيه أن (تتعطَّلَ الأسواق، ويَقِلُّ فيه سعيُ الناسِ في الطرقات، وتُفَرَّقُ فيه الكسوةُ لرجالِ أهلِ الدولةِ وأولادِهم ونسائِهم)([2]).

وقد شاركهم جهلةُ المسلمين ووافقوهم في هذا الاحتفال، فتراشُّوا بالماء على عادة الفرس فيه، وغير ذلك من عاداتهم في ذلك، يقول ابن النحاس - رحمه الله -: (وأفعالُهم القبيحةُ في ذلك معلومةٌ مشاهدةٌ لا تخفى، كاهتمامِ المسلمين في "النيروز" بأكلِ الهريسِ والزلابيةِ وغيرها من مآكلِهم في النيروز، وبَلِّ بعضِهم بعضً بالماءِ، وإلقائِه في الماءِ، وخروجِهم إلى البساتين، ورمي بعضِهم بعضًا في بِرَكِها وغيرها وفي البحرِ وغيره)([3]).

          وقال  الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: (ولا زالت الأعاجمُ في إيران تحتفلُ بهذا العيدِ المجوسي، ولا يقتصرُ الاحتفالُ والابتهاجُ بالفرسِ الموجودين هناك، بل يحتفلُ بها أكثرُ من يدَّعي الإسلامَ هناك، ولا سيما الملوكُ والوزراءُ والتجارُ والأعيانُ وأربابُ المدارسِ والكلياتِ والجامعاتِ وغيرهم، ويُظْهِرُون من الابتهاجِ والأفراحِ والسرورِ والحفلاتِ الممتعةِ، والزيناتِ والتهاني ما يفوقُ العدَّ والوصفَ.

بل ترى الأكثريةَ هناك لا يقيمون وزنًا للاحتفالِ بعيدِ الفطرِ والأضحى، كما يقيمون وزنًا لهذا العيدِ المجوسي الذي هو من شعارِ الكفرِ وعبَّادِ النيران، فمثلُ هذا العيدِ لا يجوزُ للمسلمِ أن يحضرَ في تلك الاحتفالات، ولا أن يهنئهم على هذا العيد ... فكلُّ عيدٍ بعدَ هذين العيدين الشرعيين يُعتبرُ من الأعيادِ المبتدعةِ الضالَّةِ التي لا يجوزُ لمسلمٍ أن يعتقدَ أنها عيد، أو يقيمَ احتفالًا أو يهنئ بعضُهم بعضًا)([4]).

2- الاحتفالُ بخميس العهد:

هو عيدٌ من أعيادِ النصارى، وهم يعملونه قبل عيد الفصح - المعروف عندهم بالعشاء الرباني - بثلاثة أيام، وشأنهم فيه أن يأخذوا إناءً ويملأونه ماءً ويزمزموا عليه، ثم يغسلُ البطريرك به أرجلَ النصارى الحاضرين للتبرُّكِ، ويزعمون أن المسيحَ - عليه السلام - فعلَ ذلك بتلاميذِه في هذا اليومِ، يعلِّمُهم التواضعَ، ثم أخذَ عليهم العهدَ ألا يتفرقوا وأن يتواضعَ بعضُهم لبعضٍ.

والعامةُ من النصارى يسمونه "خميسَ العدس"؛ لأنهم يطبخون فيه العدسَ على ألوانٍ شتَّى، ويسميه الجاهلون "الخميس الكبير"، وإنما هو الخميس الحقير([5])، وقد شاركهم بعضُ المسلمين في الاحتفالِ بهذا العيدِ، حيث كانت الدولةُ الفاطميةُ تتخذَه موسمًا لها، ومن رسومِها وعادتِها فيه أن تضربَ دراهمَ ودنانيرَ وتوزعَ على أربابِ الدولةِ بهذه المناسبةِ)([6]).

ومن مشاركة بعض المسلمين الجاهلين في هذا العيد: ارتكابهم أشياء منكرة عديدة؛ منها: خروج النساء على ظاهر البلد، وتبخير القبور، ووضع الثياب على السطح، وكتابة الأوراق وإلصاقها بالأبواب، أو صبغ البيض بألوان شتى، وطبخ العدس أو نحو ذلك، واتخاذهم هذا اليوم موسمًا لبيع البخور وشرائه، فكل هذه الأفعال من المنكرات الشنيعة، وهي دين النصارى والصابئين.

ومنها: ما ذكره الحافظ ابن النحاس عند كلامه عن بعض الأمثلة لتشبه المسلمين بالنصارى في أعيادهم، فقال: (وكذلك اهتمامُ النساءِ في "خميس العدس" باستعمالِ البخورِ لهن، ومن شابَه عقلُه عقلَهن من الرجالِ، يتبخرون به ويتحنطُون سبعَ مراتٍ، ثم يلتفون عليه، ويزعمون أن ذلك يدفعُ عنهم العينَ والكسلَ، والوعكَ من الجسدِ.

وكذلك يصبغون فيه البيضَ للصغارِ بل وللكبارِ، وطاوعَهم الرجالُ الجهالُ على ذلك، والعالمون بقبحِه أيضًا استخفافًا بالدين، واستهوانًا بالبدعة، وإعراضًا عما ينبغي عليهم من الإنكار، حتى أنَّك قلَّ أن تجدَ سوقًا أو مكانًا إلا وفيه من يبيع البيضَ المصبوغَ أو من يقامرُ به، أو من يشتري ما يقامرُ به من غيرِ نكيرٍ، ولا ناهٍ، ولا متصدٍّ لتعمير وجهَه في الله، إنَّا لله وإنا إليه راجعون")[7](.

وقد تقدَّم أن الحافظ الذهبي قد وضع في ذمِّ هذا العيد وأهله والمتشبهين بهم رسالةً مفردة تُسمى بــــــــ"تشبه الخسيس بأهل الخميس"، ومما ذكره - رحمه الله - من صورِ مشاركة المسلمين للنصارى في هذا العيد قوله: (ومن أقبحِ القبائح وأعظمِ المصائب: أنك ترى أخاك الجاهلَ يشتري البخورَ والورقَ المصبَّغ لزوجتِه الحمقى الجاهلةِ، فتضعه تحتَ السماءِ، تزعم أن مريمَ تجرُّ ذيلَها عليه، ومريمُ - عليها السلام - قد ماتتْ وهي تحتَ الأرضِ من نحوِّ ألفٍّ وثلاثمائة سنة([8]).

وتعمل بالقطران صليبًا على بابك طردًا للسحر، وتلصقُ التصاويرَ في الحيطان، تهريبًا للحيات والهوامِّ، وإنما تهرُبُ الملائكةُ الكرامُ بذلك، فواللهِ ما أدري ما تركت من تعظيمِ النصرانيةِ، واللهِ إنَّك إذا لم تنكرْ هذا فلاشك أنك راضٍ به أو جاهل - نعوذ بالله من الجهل -؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((منْ تشبَّه بقومٍ فهو منهم)).

قال: وفي مشابهتهم من المفاسد أيضًا: أن أولادَ المسلمين تنشأُ على حبِّ هذه الأعياد الكفرية؛ لما يُصنعُ لهم فيها من الراحاتِ والكسوةِ والأطعمةِ وخبز الأقراص ... وغير ذلك، فبئسَ المربِّي أنت أيها المسلم إذا لم تنْهَ أهلَك وأولادَك عن ذلك، وتعرِّفُهم أن ذلك عيدَ النصارى، لا يحلُّ لنا أن نشاركَهم ونشابههم فيها - إلى أن قال -: فينبغي لكلِّ مسلمٍ أن يتجنبَ أعيادَهم، ويصون نفسَه وحريمَه وأولادَه عن ذلك، إن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ)([9]).

4- الاحتفال بعيد ميلاد المسيح عليه السلام:

وهو من أعيادِ النصارى الكبار([10])، وهو من المواسم التي تحتفل بها الدولة الفاطمية، ومن عاداتها فيه تفريق الهدايا والرسوم الخاصة بذلك والحلوى والسمك وغير ذلك، فيشمل ذلك أرباب الدولة وأصحاب السيوف والأقلام([11])، وكانت تُوقد فيه الحوانيت والشوارع بالفوانيس ابتهاجًا بذلك.

وفي هذا يقول المقريزي - رحمه الله -: (وأدركْنا الميلادَ بالقاهرة ومصر، وسائر إقليم مصر موسمًا جليلًا يُباع فيه من الشموع المزهرة بالأصباغِ المليحةِ، والتماثيل البديعة بأموالٍ لا تنحصرُ، فلا يبقى أحدٌ من الناسِ أعلاهم وأدناهم حتى يشتري من ذلك لأولادِه وأهلِه، وكانوا يسمونها: الفوانيس، ويعلِّقون منها في الأسواقِ بالحوانيت شيئًا يخرجُ عنه الحد في الكثرةِ والملاحةِ، ويتنافسُ الناسُ في المغالاةِ في أثمانِها، حتى لقد أدركتُ شمعةً عملت فبلغَ مصروفُها: ألف درهم وخمسمائة درهم فضة، عنها يومئذ ما ينيف على سبعين مثقالًا من الذهب)([12]).

وقال الشيخ أحمد حجر آل بوطامي - رحمه الله -: (يحتفلُ النصارى بيومِ ولادةِ عيسى عليه السلام، ويُظْهِرون الأفراحَ والسرورَ، ويعطِّلُون الدوائرَ والأعمالَ، ويهنئُ بعضُهم بعضًا، ويتزاورون ويُظْهِرون شعائرَ دينِهم، وقد قلَّدهم وشابَههم كثيرٌ من جهالِ المسلمين وذوي الرئاسةِ والسياسةِ، فمن أعمالِ كثيرٍ من المسلمين في هذا العيدِ، أنهم يعطِّلون الدوائرَ الحكوميةَ والشركات.

وبعضُ التجارِ الكبارِ - تعظيمًا لهذا اليوم واحترامًا له - يزورون أصدقاءَهم النصارى ويهنئونهم ويرسلون بطاقات التهنئةِ لمن كان بعيدًا، والرؤساءً والملوكً يرسلون برقيات التهنئةِ للدولِ التي تزعمُ أنها تدين بالمسيحيةِ، وبعضُ جهالِ المسلمين قد يوقدُ النيران، ويولمون أنواعًا من الأطعمةِ.

فإن كان النصارى قد احتفلوا بعيدِ ميلادِ عيسى، فهُم وشأنُهم، أما المسلمون فلا يجوزُ لهم أن يشابهوهم باحتفالِ هذا اليوم، وإظهار شعائر الكفرِ، كما لا يجوزُ تهنئتُهم ولا دعوتُهم للطعامِ وقبولُ هديتِهم ولا زياراتهم بمناسبةِ هذا العيد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومن ذلك ما يفعلُه كثيرٌ من الناسِ في أثناء الشتاءِ في أثناءِ كانون الأول لأربعٍ وعشرين خلتٍ منه، ويزعمون أنه ميلاد عيسى - عليه السلام -، فجميعُ ما يحدثُ فيه هو من المنكرات، مثل: إيقاد النيران، وإحداث طعامٍ، واصطناع شمعٍ وغير ذلك، فإن اتخاذَ هذا الميلادَ عيدًا هو دينِ النصارى، ليس لذلك أصلٌ في دينِ الإسلامِ ...

إلى أن قال: وكذلك أعيادُ الفرس؛ مثل: النيروز والمهرجان، وأعياد اليهود، أو غيرهم من أنواعِ الكفارِ أو الأعاجم أو الأعراب، حكمُها كلُّها على ما ذكرناه من قبل، - يقصد عدم الجواز - وكما لا نتشبَّهُ بهم في الأعيادِ، فلا يعانُ المسلمُ المتشبه بهم في ذلك، بل يُنهى عن ذلك.

فمن صنعَ دعوةً مخالفةً للعادةِ في أعيادِهم لم تُجبْ دعوتُه، ومن أهدى المسلمين هديةً في هذه الأعيادِ مخالفةً للعادةِ في سائرِ الأوقات غيرَ هذا العيدِ لم تُقبلْ هديتُه، خصوصًا إن كانت الهديةُ مما يُستعان بها على التشبهِ بهم، مثل: إهداء الشمعِ ونحوه في الميلادِ، أو إهداء البيضِ واللبنِ والغنمِ في الخميسِ الصغيرِ الذي في آخرِ صومِهم، وكذلك أيضا لا يهدي لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه، ولا يبيع المسلمُ ما يستعينُ به المسلمون على مشابهتِهم في العيدِ، من الطعامَ واللباسِ ونحوِ ذلك، لأن في ذلك إعانة على المنكرِ)([13])اهــــــ)([14]).

5- الاحتفال بعيد الغطاس:

وهو أحدُ أعياد النصارى الكبار([15])، وهو أحد المواسم التي تحتفل بها الدولة الفاطمية الرافضية، فضربت الخيام في عدة مواضع على شاطئ النيل، وأوقدت الشموع والمشاعل، وحضر المغنون والملهون، وتُشرب الخمور إلى أن كان وقت الغطاس فغطسوا في البحر ثم انصرفوا([16]).

وقد وقعت المشاركة من بعض المسلمين في هذا العيد منذ زمن بعيد، وفي هذا يقول المسعودي - رحمه الله -: (ولليلةِ الغطاس بمصرَ شأنٌ عظيمٌ عند أهلِها، لا ينامُ الناسُ فيه، ولقد حضرتُ سنة (330) ليلةَ الغطاس بمصرَ، والإخشيد محمد بن طغج، في دارِه المعروفة بالمختارة في الجزيرةِ الراكبةِ للنيلِ، والنيلُ يطيفُ بها، وقد أمرَ فأسرَج من جانبِ الجزيرةِ جانبَ الفسطاطِ ألفَ مشعل، غير ما أسرجَ أهلُ مصرَ من المشاعل والشمعِ.

قد حضرَ النيلَ في تلك الليلةِ مئاتُ آلافِ الناسِ من المسلمين والنصارى، منهم في الزوارقِ، ومنهم في الدورِ الدانيةِ من النيلِ، ومنهم على الشطوطِ، لا يتناكرون الحضورَ، ويحضرون كل ما يمكنهم إظهاره من المآكلِ والمشاربِ والملابسِ وآلاتِ الذهبِ والفضِة والجواهرِ والملاهي والعزفِ والقصف ... ويغطسُ أكثرُهم في النيلِ، ويزعمون أن ذلك أمانٌ من المرضِ ومبرئُ للداءِ)([17]).

وقال الحافظ السيوطي - رحمه الله -: (وقد صارَ كثيرٌ من جهلةِ المسلمين يُدْخِلُون أولادَهم الحمامَ في هذا الوقت، ويزعمون أن ذلك ينفعُ الولدَ، وهذا من دينِ النصارى، وهو من أقبحِ المنكرات المحرمة)([18]).

ومن صور مشاركة المسلمين في هذا العيد ما ذكره ابن النحاس - رحمه الله - فقال: ( وكذلك ما يفعلونه من التشبه بهم في "مواسم الغطاس"، وهو اليومُ الذي تزعمُ النصارى أن مريمَ غسلت فيه من النفاس، فتغسل فيه النصارى تلك الليلة، كبيرهم وصغيرهم، واتخذوا ذلك سنةً في دينِهم([19]).

فوافقهم بعضُ الجهالِ من رجالِ المسلمين ونسائِهم في ذلك، واتخذوه موسمًا يوسعون فيه النفقةَ على أهليهم، ولعل أحدًا منهم يقدرُ على الأضحيةِ التي شرعها اللهُ ورسولُه في عيدِ المسلمين، ورغَّبَ صلى الله عليه وسلم فيها، وحضَّ عليها، ولا يضحِّي ولا يخطرُ ببالِه، وينفقُ في مثلِ هذه المواسم المبتدعةِ أكثرَ من ثمنِ الأضحيةِ.

وكل ذلك من تزيين اللعينِ إبليس وتحسين المستقبحَ شرعًا، والصدِّ عما ندبَ إليه الشرعُ وحضَّ عليه، ليفوتهم بذلك الأجرُ ويوقعهم في الوزرِ، وكل هذه النفقات في سبيلِ إبليس يأثمُ بها منفقُها، وإن كانت على أهلِه وأولادِه، لأن ذلك تشبهًا بأهلِ الكتابِ، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم وقال:  ((منْ تشبَّه بقومٍ فهو منهم)))([20]).

6- الاحتفال بعيد شَمِّ النسيم:

هذا العيدُ من الأعياد المبتدعة التي ابتُلي المسلمون بها، وانتشرت بين العامة والخاصة، ومارسوا فيها المنكرات، شابهوا اليهودَ والنصارى في كثير من العادات، ويكون الاحتفال به في (11) من إبريل من كلِّ عامٍ([21]).

ولنترك وصفَ هذا الاحتفال للشيخ علي محفوظ - رحمه الله - الذي شاهد عن قرب ما يفعله الجهلةُ المصريون، وكثيرٌ من أرباب الغنى وذوي السياسة والمناصب، مقلِّدين في تلك العادات السافلة النصارى، حيث قال: (وناهيك ما يكونُ من الناسِ من البدعِ والمنكرات، والخروجِ عن حدودِ الدينِ والأدبِ في يومِ شَمِّ النَّسِيم، وما أدراك ما شَمُّ النسيمِ؟!

هو عادةٌ ابتدعها أهلُ الأوثانِ لتقديسِ بعضِ الأيامِ تفاؤلًا به، أو تزلفًا لما كانوا يعبدون من دونِ اللهِ، فعبرت آلافًا من السنين حتى عمَّت المشرقين، واشترك فيها العظيمُ والحقيرُ، والصغيرُ والكبيرُ، ويا ليتها كانت سُنَّةً محمودةً، فيكون لمسْتَنِّها أجرُ من عملَ بها، ولكنها ضلالٌ في الآدابِ وفسادٌ في الأخلاقِ.

شُرعت المواسمُ والاجتماعاتُ لتكونَ واسطةَ التعارفِ والتآلفِ وتبادلِ المنافعِ وانتشارِ العلومِ والمعارفِ، وما مشروعيةُ الصلاةِ والحجِّ والعيدين في الإسلامِ إلا لهذا الغرضِ، لأن فيها تجتمعُ الخلائقُ على اختلافِ طبقاتِهم في صعيدٍ واحدٍ يعظُهم الواعظُ، وينصحُهم الناصحُ، فيشعر كلٌّ منهم برابطتِه مع أخيه وحاجتِه إلى حسنِ معاملتِه وبقاء مودته.

فهل هذا اليومُ في مجتمعاتنا الشرعيةِ التي تعودُ علينا بالخيرِ والرحمةِ؟ كلا، وحسبُك أن تنظرَ في الأمصار بل القرى، فترى في ذلك اليوم ما يزري بالفضيلةِ، ويخجل معه وجهُ الحياءِ من منكراتٍ تخالفُ الدينَ، وسوءات تجرحُ الذوقَ السليمَ وينقبضُ لها صدرُ الإنسانيةِ.

الرياضةُ واستنشاقُ الهواءِ ومشاهدةُ الأزهارِ من ضرورات الحياةِ كلَّ آنٍ لا في ذلك اليوم الذي تمتلئ فيه المزارعُ والخلوات بمجموعاتِ الفُجَّارِ وفاسدي الأخلاق، فتسربت إليها المفاسد وعمَّتْها الدنايا، فصارت سوقًا للفسوقِ والعصيان، ومرتعًا لإراقةِ الحياءِ وهتك الحجابِ، نعم، لا تمرُّ بمزرعةٍ أو طريقٍ إلا وترى فيه ما يُخجلُ كلَّ شريفٍ ويُؤلم كلَّ حيٍّ، فأجدرُ به أن يُسمى يوم الشؤم والفجور.

ترى المركبات والسيارات تتكدسُ بجماعةٍ عاطلين، يموجُ بعضُهم في بعضٍ بين شيبٍ وشبانٍ، ونساءٍ وولدانٍ، ينزحون البساتين والأنهار، ترى السفنَ فوقَ الماءِ مملوءة بالشبَّان يفسقون بالنساءِ على ظهرِ الماءِ، ويُفرطونَ في تناولِ المسْكِرات، وارتكابِ المخازي، فاتبعوا خطوات الشيطان في السوءِ والفحشاءِ في البرِّ والبحرِ، وأضاعوا ثمرةَ الاجتماعِ فكان شرًّا على شرٍّ، ووبالًا على وبالٍ.

تراهم ينطقون بما تُصان الآذان عن سماعِه، ويخاطبون المارَّةَ كما يشاءون من قبيحِ الألفاظِ وبذيءِ العبارات، كأن هذا اليوم قد أُبيحت لهم فيه جميعُ الخبائث، وارتفعَ عنهم فيه حواجز التكليف، أولئك حزبُ الشيطان، ألا إنَّ حزبَ الشيطان هم الخاسرون.

فعلى من يريدُ السلامةَ في دينِه وعرضِه أن يحتجبَ في بيتِه في ذلك اليوم المشئوم، ويمنع عيالَه وأهلَه وكلَّ من تحت ولايته عن الخروجِ فيه حتى لا يشارك اليهودَ والنصارى في مراسِمِهم، والفاسقين والفاجرين في أماكِنِهم، ويظفر بإحسانِ اللهِ ورحمتِه)([22]).



الهوامش

([1]) الأمر بالاتباع، السيوطي، ص(142).

([2]) الخطط المقريزية، (2/356)، وانظر: الأعياد وأثرها على المسلمين، سليمان السحيمي، ص(137).

([3]) تنبيه الغافلين، ابن النحاس، ص(308).

([4]) تحذير المسلمين، أحمد بن حجر، ص(150-152).

([5]) انظر: الأمر بالاتباع، السيوطي، ص(143).

([6]) انظر: الخطط المقريزية، (1/738) و(2/361)، والأعياد وأثرها على المسلمين، سليمان السحيمي، ص(142).

([7]) تنبيه الغالفلين، ابن النحاس، ص(308) وانظر: الخطط المقريزية، (1/737)، والأمر بالاتباع، السيوطي، ص(141-144).

([8]) الإمام الذهبي تُوفي سنة (748هـ).

([9]) تشبه الخسيس بأهل الخميس، الذهبي، ص(15-18).

([10]) هو قبل الفصح بيوم (14 نيسان)، ويزعمون أن النور ظهر على قبر المسيح في هذا اليوم، فتُشعل جميع مصابيح كنيسة القيامة التي ببيت المقدس، ثم يحملون ما يُوقد من ذلك الضوء إلى بلادهم متبركين به، وما ذلك إلا من التخيلات التي يفعلها القسيسون عن طريق الصناعة ليخدعوا بها ذوي العقول الناقصة، ويزعمون أن النار نزلت من السماء فأوقدت القناديل، انظر: الخطط المقريزية، (1/738)، والأعياد وأثرها على المسلمين، سليمان السحيمي، ص(59).

([11]) انظر: الخطط المقريزية، (2/359) و(1/735)، والأعياد وأثرها على المسلمين، سليمان السحيمي، ص(138).

([12]) الخطط المقريزية، (1/735).

([13]) اقتضاء الصراط المستقيم، ابن تيمية، (2/11-12).

([14]) تحذير المسلمين، أحمد بن حجر، ص(150-151).

([15]) وأصله عند النصارى أن يحيى بن زكريا - عليهم السلام - المعروف عندهم بيوحنا المعمداني عمد المسيح أي غسله في بحيرة الأردن، وعندما خرج المسيح u من الماء اتصل به روح القدس، فصار النصارى لذلك يغمسون أولادهم في الماء في هذا اليوم، وينزلون فيه بأجمعهم، ولا يكون ذلك إلا في شدة البرد، ويسمونه يوم الغطاس، ويكون هذا في (11) من شهر طوبة، الموافق (7) من كانون الثاني، انظر: الخطط المقريزية، (1/735-736)، والأعياد وأثرها على المسلمين، سيلمان السحيمي، ص(56-75، 63).

([16]) انظر: الخطط المقريزية، (1/736) و(2/360)، والأعياد وأثرها على المسلمين، سليمان السحيمي، ص(141).

([17]) مروج الذهب، المسعودي، (1/357) ونقله المقريزي في خططه، (1/736) و(2/360)، وانظر: الأعياد وأثرها على المسلمين، سليمان السحيمي، ص(140-141).

([18]) الأمر بالاتباع، السيوطي، ص(145).

([19]) انظر: المدخل، ابن الحاج، (2/59).

([20]) تنبيه الغافلين، ابن النحاس، ص(309-310).

([21]) انظر: الأعياد وأثرها على المسلمين، سليمان السحيمي، ص(147).

([22]) الإبداع في مضار الابتداع، علي محفوظ، ص(255-256)، وانظر: تحذير المسلمين، أحمد بن حجر، ص(156-157).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
أمثلة لوقوع المسلمين في المشابهة والمشاركة في أعياد الكفار.doc doc
أمثلة لوقوع المسلمين في المشابهة والمشاركة في أعياد الكفار.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى