الذَّكر عند الصُّوفية المعاصرة

الذَّكر عند الصُّوفية المعاصرة





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ لا يزال إلى هذا اليوم يردَّد الذِّكر الشَّهير: (اللهم زُجَّ بي في بحار الأحدية، وانشلني من أَوَحالِ التَّوحيد، وأغرِقْنِي في عَين بحرِ الوحدة)([1]).

هو هو:

يقول مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة عن هذا الذكر (خواص هذه الأسماء لا تظهر إلا بكثرة الذكر الجلي القوي بالمداومة على الأدب، وهو أن يكون مستقبل القبلة إن أمكنه، جالسًا على ركبتيه أو قائمًا مغمضًا عينيه، وأن يكون خالي البال، وأن يلقي سمعه إلى نطقه صاغيًا لما يقول ... فلا تمل ولا تضجر إذا تعوق عليك الفتح ... واجعل ذكرك بهذا الاسم في بعض الأوقات (لا هو إلا هو) بمد (لا) ومد واو (هو)؛ لأنه ذكر عظيم الشأن.

وكن حالة الذكر كأنك تخاطب أعضاءك، فإنه ليس في الوجود إلا هوية الحق تعالى[!]، وإن كل ما سوى الله فهو صفاته وأفعاله، فهذا مشهد الكاملين)([2] )، ولا أدري أهذه تعاليم محمد ^ أم تعاليم بوذا؟! هل يريد مفتي الديار المصرية لأتباع محمد صلى الله عليه وسلم أن يجلس أحدهم في مصلاه وهو مغمض العينين ويقول: هو هو هو، ثم ينتقل ويقول: لا هو إلا هو لا هو إلا هو، حتى يصل إلى رتبة الكاملين!!

أما الطريقة الشاذلية فمن أذكارها التي يتكلمون بها في سورية: (اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى والدي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم)([3])!!

أما الذِّكر المعاصر فهو كالتالي([4]):

1-الذِّكر في لطيفة القلب الموجودة تحت الثَّدي الأَيسَر بقدر إصبعين وهو على سيدنا آدم على نبيِّنا الأعظم وعليه الصَّلاةُ والسَّلام، ويستمر هذا الذِّكر لمدة ثمانية أيام.

والتوجُّه الخاصُّ به أن يقول الذاكر -بعد الذكر بلطيفة القلب -: (إلهي بفيض تجلِّي أفعالك الذي أرسلت من قلب النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى قلب سيِّدنا آدم ع بواسطة قلوب المشايخ: أرسِلْ إلى قلبي).

2-الذِّكر في لطيفة الرُّوح الموجودة تحت الثدي الأيمن بقَدْرِ إصبعين وهي على قدم سيِّدنا نوح وإبراهيم على نبيِّنا وعليهما الصَّلاة والسَّلام، ويستمر هذا الذِّكر لمدة يومين .

والتوجُّه الخاصَّ به أن يقول بعد ذكر لطيفة الرُّوح: (إلهي بفَيضِ تجلِّي صفاتك الثُّبوتية الذي أرسلت من رُّوح النبيِّ ^ إلى روحي سيِّدنا نوح وسيِّدنا إبراهيم على نبيِّنا وعليهما الصَّلاة والسَّلام ومن رُوحَي سيِّدنا نوح وإبراهيم إ بواسطة أرواح المشايخ أَرْسِل إلى روحي... ويَذْكر هنا على هذا المِنوال عشـرةَ أذكارٍ، وفي الذِّكر الثَّامن، يقول: ثامنًا: الذِّكر بحبس النَّفَس -بفتح الفاء-بالنَّفي والإثبات (لا إله إلا الله بعددٍ وتر على قدر اتِّساع النَّفَس بحيث يتلفَّظُ قبل نهايته بـ(سيِّدنا محمَّد رسول الله) (وذلك لمدة ثلاثة أيام).

يقول البيطار وهو يُؤرِّخ لدخول الفرنسيِّين إلى مصر:

(ولما جاء وقت مولد النبي صلى الله عليه وسلم أمروا بصنعة على المعتاد وأعطوا من عندهم إعانةً على ذلك ثلاثمائة ريال وصنعوا شنكا ليلة المولد)([5]).

2- نشر الخرافة والجهل بين الأمة وبثّ الأساطير والحكايات([6]) التي تميتُ الأمَّة ولا تحييها، وبثِّ العقائد الضَّالة:

فهذا النَقْشبندي الكبير محمَّد ناظم حقَّاني القُبرصي([7]) والذي يقال: إنه قطب زمانه، من عجائِبه التي ما زال يتحِفُنا بها، ما أعلَنَ عنه في بداية عام (1999م) من أنَّ التكنولوجيا في العالم ستنتهي بفعل الأقطاب، وفيما يلي بيانُه من موقع (السُّنة)([8]) المُؤسَّس من قبل الشَّيخ هشام القبَّاني، يقول: (احذروا عام 1999م).

يتزايد الإلهام من نبع قدرة الله... يسمح لغير المسلمين استعمال الطَّاقة الفيزيائيَّة الطبيعيَّة حتى (9/9/1999م) وبعد ذلك التَّاريخ لن يكون بالإمكان معالجة المشاكل التي ستطرأ على التكنولوجيا إلى أن يؤذَن بذلك مجدَّدًا، عندها سيتمُّ تدمير عمود من الكفر (التكنولوجيا أو الطاقة) وهم يعلمون هذا الأمر ويقولون: إنهم قد اتخذوا التدابير الوقائيَّة اللَّازمة، ولا تنفع كل التدابير التي يتخذونها، بعد أن تُدمَّر التكنولوجيا ستتطلب إعادة الأمور إلى ما كانت عليه منذ آلاف السِّنين، ولن يستطيعوا أن يعيدوها إلى حالتها الأولى.

الكهرباء سِرٌّ (أمرٌ غامضٌ) نحن نعرفها، ونشعر بها ولكن ما هي حقيقتها؟ هل هي ذرَّات أم إلكترونيات تتدفَّق؟ نحن نرى الكبلات، ونعلم أن هناك شيئًا ما يتدفَّق عبرها، رغم أن النُّحاس ينقل الكهرباء، فإن خاصيته لا تزيد ولا تنقص ولو بعد مائة عام، ما هو نَقْل الكهرباء؟ ما هو السَّلبي والإيجابيُّ؟ نحن نعلم أنَّ هناك سلبيًّا وإيجابيًّا خلال نَقْل الكهرباء، ولكن ما هي هذه الظَّاهرة على وجه التَّحديد؟ ما الذي يحصل؟ كل التُّكنولوجيا تعتمد على الكهرباء، وإذا قطع القطب المتصرف التَّيار الأساسي تتوقف الكهرباء.

يوجد أربعة أقطاب أساسيُّون، وهم: قطبٌ بالله، وقطبُ إرشادٍ، وقطبُ أقطابٍ، وقطبٌ متصرِّفٌ. القطب المتصرِّف هو الذي يتحكم بالطَّاقة الطَّبيعية ويوزعها، هو محطَّة الطَّاقة التي تستمد الطَّاقة من الله وتوزعها، إذا لم يكن موجودًا فكلُّ شيءٍ يحترق ويتدمَّر، هو الذي يسمح للإنسانيَّة أن تواصل اكتشافاتها، وكل ما تستطيع أن تتخيل أنَّها تصنعه، عندما ينقطع التَّيَّار سينتهي كلُّ شيءٍ.

يعتقد غير المسلمين أنَّهم يستطيعون دَحْر الإسلام عبر استخدام أسلحة التُّكنولوجيا، ولكنَّ الأمر لن يكون كذلك أبدًا، فمنذ (60) سَنَة قال مولانا الشَّيخ عبد الله قُدِّسَ سِرُّه أنَّه عند أول تكبيرة لسيدنا المهدي عليه السلام ستتوقف كل السُّفن والأسلحة، وتساءلت: كيف سيتمُّ ذلك دون أي اتصال؟ لم يكن قد تم اكتشاف الكمبيوترات عندها، ولكننا اليوم يمكننا أن نفهم الأمر بشكل أوضح؛ لأنَّ كل شيءٍ مرتبطٌ الآن بالكمبيوترات، لم يكن من الممكن تصديق أو تخيُّل حصول الحسابات الضَّخمة بكبسَة زرٍ، والذين اخترعوا الآلات الحاسبة والكمبيوتر لا يعرفون بدِّقةٍ كيف تعمل هذه الآلات، هي هديَّةٌ من الله، وفي كلِّ كمبيوتر جنيٌّ يعمل بإذنِ وإشرافِ القُطبِ المتصرِّف. سَنَة (1999م) هي سَنَةٌ غير عاديَّة، مليئة بالإشارات غير العاديَّة...)([9]).

وهذه القصص والتنبُؤات تجد آذانًا صاغية من الأتباع، ففي صحيفة (الأندبندنت أون صنداي) يروي (روبرت فيسك) روايةً مثيرةً عن قريةٍ لبنانيةٍ صغيرةٍ تُدعى (سير الضنيه) قائلًا: إنَّ أتباع الزَّعيم الدِّينيِّ الصُّوفي شيخ الطَّريقة النَّقْشَبنديَّة يستعدون لنهاية العالم.

ويروي فيسك: إن الأُسَر النَّقْشَبنديَّة قامت بتخزين الزَّيت والموادِّ الغذائيِّة وشراءِ الخُيُول والبِغال استعدادًا لنهاية العالم، وملهِمُهم في ذلك هو الشيَّخ محمد القُبرصِي - محمَّد ناظم حقَّاني، قُبرُصيُّ الأصل- البالغ من العمر سبعةً وسبعين عامًا الذي يخشى من احتمال تعرض العالم لكارثة تحيق به، وقد بدأ ذلك يثير قلق عمدة قرية سير الضنيه الذي لا يريد أن يكونَ نهاية العالم على شَفَى قريتِهِ الجَميلةَ.

ويقول روبرت فيسك: إنَّ مختار القرية عَدَّدَ المخاوف النَّقْشَبنديَّة دون إبداء أي ابتسامة، ويقول: إنَّهم يتخوَّفون من حدوث فيضاناتٍ تقوم فيها قوَّةٌ شيطانيّةٌ بقطع التَّيَّارِ الكهرُبائي بشكلٍ نهائيٍّ وظهور المهدي الذي لن يكون بعده كهرباء ولا سيَّاراتٍ ولا حياة كالَّتي نعرفها.

وحسب فيسك فإنَّ أعضاء الطريقة الصُّوفية هم أصحاب طقوس سريَّة، وهناك أتباع لهم في سوريا ومصر وتركيا، ويذكر أنَّ الرَّئيس التركي الرَّاحل (تورغوت أوزال) كان نَقْشبنديًّا([10]).

إنَّ علاقة الطُّرق الصُّوفية الموجودة بالتصُّوف القديم – تصوُّف الجُنيْد والجَيْلاني ونحوهما –هو كعلاقة اليونان الذين يبيعون الخبز في الأفران، أو المُسْكِرَات في الحانات، أو البقَّالة في حَوَانيتِها بالنِّسبة إلى سُقراط صاحب نظريَّة المعرفة، أو أفلاطون صاحب نظرية المثل، أو أرسطو صاحب المنطق!

يقول أحمد ابن أبي الحواري: (احذر أيُّها المريد أن تجالس أحدًا من الفقراء جواسيس القُلوب وربما دخلوا قلبك وخرجوا، فعرفوا ما فيه وأنت لا تعلم)([11]).

ويقول علي وفا: (ما من نطفةٍ توضَعُ في رحمٍ بيد مَلَكٍ مخلَّقةٍ أو غير مخلَّقة إلا وقد أطلَعَنيَ الله عليها)([12]).

تأمل قليلًا! كل نطفة تُوضَعُ في أيَّ رحمٍ فـ«علي وفا» يعلمها!

ويقول مفتي الديار المصرية الأستاذ الدكتور علي جمعة: (فإذا وصل الذاكر إلى عالم السر كوشف بأسرار الغيب، وزفت إليه عرائس أبكار الأسرار في الخلوات)([13]).

وهكذا هي المبالغات ومشاركة الله فيما اُختصَّ به.

يقول ابن تيمية /: (فأمَّا القول الباطل فإذا بُيِّن فبيانه يُظهرُ فَسَادَه حتى يقال: كيف يشتبِه هذا على أحد، ويتعجَّب من اعتقادهم إياه، ولا ينبغي للإنسان أن يعجب، فما من شيءٍ يُتَخَيَّل من أنواع الباطل إلا وقد ذهب إليه فريقٌ من الناس، ولهذا وصف الله أهل الباطل بأنَّهم (أموات) وأنَّهم (لا يفقهون) (ولا يعقلون) وأنَّهم (في قولٍ مختلفٍ يُؤفَكُ عنه من أُفِكَ)([14]).


الهوامش:


([1]) تسمى بالصلاة المشيشية نسبة إلى عبد السلام بن مشيش. انظر: جامع الصلوات للنبهاني (93) وانظر هذه الحضرة التي يذكر فيها هذا الذكر على هذا الرابط www.alsoufia.com..

([2]) مجلة البحوث والدراسات الصوفية، ص202.

([3]) الطرق الصوفية في سورية، عبود العسكري، ص211.

([4]) انظر: أعلام الصوفية من القرن الثاني إلى عصرنا الحاضر (ص:636).

([5]) حلية البشر في أعلام القرن الثالث عشر (1/118).

([6]) من الحكايات العجيبة ما ذكره رمز من رموز الصوفية المتأخرين وهو الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.. والذي يذكر أنه يتلقى الأخبار من السماء، ففي إحدى كلماته إبان الغزو الأمريكي للعراق بدأ يشنع على الغزو الأمريكي على العراق وأنه غزو باطل، وأعلن للحضور أن الأمريكيين سيهزمون في العراق ولكن كيف ومتى؟ لا جواب سوى أن قال الشيخ: (إنه يتلقى هذه المعلومات من السماء) ولا ندري أي سماء يقصد.. انظر هذه الكلمة على هذا الرابط www.alsoufia.com.

([7]) انظر ترجمته في: الطريقة النقشبندية وأعلامها د. محمد أحمد درنيقة (160).

([9]) هذا هو الذي يقال عنه: القطب!

ليتنا لم نعش إلى أن رأينا               كل ذي جِنة لدى الناس قطبًا

انظر: عجائب الآثار للجبرتي (1/66)

([10]) http: //news.bbc.co.uk/hi/arabic/press/newsid_508000/508552.stm.

([11]) قواعد الصوفية للشعراني (1/158).

([12]) مناقب الوفائية (43).

([13]) مجلة البحوث والدراسات الصوفية، (248).

([14]) مجموع الفتاوى (2/145).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
الذَّكر عند الصُّوفية المعاصرة .doc doc
الذَّكر عند الصُّوفية المعاصرة.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى