بدع شهر ذي الحجة

بدع شهر ذي الحجة






      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ هو الشهر الثاني عشر من أشهر السنة القمرية، وهو نهايته وختام العام.

سبب التسمية:

       سمى بذلك: لقيامهم فيه بالحج.

       ويجمع: على ذوات الحجة.

فضله:

       هو من الأشهر الحرم ومن أشهر الحج، وهو خاتمة المسك من أحب الأشهر الحرم إلى الله عز وجل، وهو نهاية العام الهجري.

       ولم يصح في فضله خاصة حديث، سوى حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن ابيه رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذي الحجة"[1].

       وأما حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا :" سيد الشهور شهر رمضان وأعظمها حرمة ذو الحجة"[2] فموضوع.

       وورد في فضل العشر الأولى منه، وهو حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال:" ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر"، فقالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من     لك بشيء"[3].

       أما حديث:" ما من أيام أخب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر" فهو ضعيف، والأحاديث والأخبار التي ضعفها شديد لا تصلح في الاعتبار والمتابعات بل، ولا يزيد بعضها بعضا إلا وهنا وضعفا[4].

       والحديث أيضا معارض بخبر البخاري وغيره الذي أطلق فضلها ولم يقيده بثواب معين وفي قوله صلى الله عليه وسلم:" تعدل قيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر" يظهر ضعف الحديث لمخالفته لصريح القرآن فقد ذكر القرآن أن ليلة القدر خير لمن قامها من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر فكيف يكون قيام كل ليلة من العشر مساويا لقيام ليلة القدر.

       وهذا الحديث ينطبق عليه قول ابن الجوزي رحمه الله تعالى، ما أحسن قول القائل إذا رأيت الحديث يباين المعقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع، قل:" ومعنى مناقضه للأصول أن يكون خارجا عن دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة، وهذا الكلام ينطبق على هذا الحديث الموضوع وغيره من الأحاديث الموضوعة.

وكذا حديث" صوم يوم التروية كفارة سنة" فهو موضوع[5].

       وكذا حديث:" صيام كل يوم من أيام العشر كصيام شهر" وهو ضعيف مرسل[6].

       وحديث:" من صام العشر، فله بكل يوم صوم شهر، وله بصوم يوم التورية، وله بصوم يوم عرفة سنتان"[7].

       وفي هذه العشر تقع معظم مناسك الحج، الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وفيه يوم عرفة، ويوم النحر، وهو عيد الأضحى، ويوم الحج الأكبر، وهو يوم مغفرة وعتق من النار، قال صلى الله عليه وسلم:" ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء"[8].

       واليوم الذي أنزل فيه قوله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، وفيه نجى الله نبيه إسماعيل وافتداه بالذبح.

       وتمتاز ايضا باجتماع أمهات العبادة فيها، وهي الصلاة والصيام، والصدقة، والحج ولا يتأتى ذلك في غيره.

       وهي أفضل أيام العام على الإطلاق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة.

       قال ابن القيم:" وإذا تأمل المتأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب، وجده شافيا كافيا، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله عز وجل من أيام عشر ذي الحجة، وفيها: يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم التروية.

       وأما ليالي عشر رمضان، فهي ليالي الإحياء التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحييها كلها، وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فمن أجاب بغير هذا التفصيل، لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة"[9].

ما أحدث فيه:

       -إحياء ليلة عيد الأضحى.

       - صلاة ليلة النحر: لا اصل لها، والحديث موضوع[10].

       -زيارة المقابر.

       -بدعة التعريف[11]: وصورته: أن يجتمع الناس في يوم عرفة-في غير عرفة- في مسجد من مساجد البلد أو القرية، فيدعوا الإمام رجالا يدعون الله عز وجل للناس إلى غروب الشمس، تشبها بأهل الموقف، وقراءة القرآن على هيئة الاجتماع عشية عرفة في المسجد[12].

       وقد ورد عن السلف رضي الله عنهم إنكارهم لهذه البدعة.

       قال ابن وضاح رحمه الله في البدع والنهي عنها:" قال أبو حفص المدني: اجتمع الناس يوم عرفة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يدعون بعد العصر، فخرج نافع مولى ابن عمر من دار آل عمر.

       فقال: أيها الناس؟ إن الذي أنتم عليه بدعة، وليست بسنة، إنا أدركنا الناس، ولا يصنعون مثل هذا.

       ثم رجع ولم يجلس، ثم خرج الثانية ففعل مثلها ثم رجع.

       وقال سفيان: ليست عرفة إلا بمكة، وليس في ذه الأمصار عرفة.

       وقال ابن وهب: سألت مالكا عن الجلوس يوم عرفة، يجلس أهل البلد في مسجدهم، ويدعو الإمام رجالا يدعون الله عز وجل للناس إلى غروب الشمس.

       فقال مالك:" ما نعرف هذا، وإن الناس عندنا اليوم يفعلونه".

       وقال ابن وهب: سمعت مالكا يسأل عن جلوس الناس في المسجد عشية عرفة بعد العصر واجتماعهم للدعاء، فقال:" ليس هذا من أمر الناس، وإنما مفاتيح هذه الأشياء من البدع"[13].

       قال إبراهيم النخعي:" الاجتماع يوم عرفة أمر محدث"[14].

       قال عطاء الخرساني:" إن استطعت أن تخلو عشية عرفة بنفسك فافعل".

       وكان الليث بن سعد ينصرف بعد العصر يوم عرفة، فلا يرجع إلا قرب المغرب.

       قال الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله:" اعلموا رحمكم الله أن هؤلاء الأئمة علموا فضل الدعاء يوم عرفة، ولكن علموا أن ذلك بموطن عرفة لا في غيرها.

       ولم يمنعوا من خلا بنفسه فحضرته نية صادقة أن يدعو الله عز وجل، وإنما كرهوا الحوادث في الدين، وأن يظن العوام أن من سنة يوم عرفة بسائر الآفاق الاجتماع والدعاء، فيتداعى الأمر إلى أن يدخل في الدين ما ليس منه"[15].

       التعريف عند القبر، وهو قصد قبر من يحسن الظن به يوم عرفة والاجتماع العظيم عند قبره، كما في عرفات، أو بدعة السفر إلى بيت المقدس للتعريف فيه[16].

       بدعة الوقوف على جبل عرفة في اليوم الثامن من ساعة من الزمن احتياطا خشية الغلط في الهلال[17].

       -ومنها قولهم بعدم جواز مجامعة المرأة ليلة الوقف بعرفة.

       -صلاة يوم عرفة: والحديث فيها موضوع[18]، وهي ركعتين يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب ثلاث مرات، ثم يقرأ:" قل يا أيها الكافرون"،  ثلاث مرات، و "قل هو الله أحد" مائة مرة[19].

       -ومن الأخطاء: قلة الدعاء يوم عرفة عند أغلب الناس، والغفلة عنه عند بعضهم، وهذا خطأ عظيم حيث يفوت على نفسه مزية الدعاء يوم عرفة، والنبي صلى الله يقول:" خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك  وله الحمد وهو على كل شيء قدير"[20].

       -ومن الأخطاء مرور عشر ذي الحجة عند بعض العامة دون أن يعيرها أي اهتمام، وهذا خطأ بين لما لها من الفضل العظيم عند الله عز وجل عن غيرها من الأيام.

       -عدم الاكتراث بالتهليل والتكبير والتحميد، وهذا خطأ يقع فيه العامة والخاصة-إلا من رحم ربي- فالواجب على المسلم أن يبدأ بالتكبير حال دخول عشر ذي الحجة وينتهي بنهاية أيام التشريق.

       -عدم الجهر بالتكبير والتهليل في الأماكن العامة والطرقات أو في الأماكن الخاصة كالمساجد والمصليات والبيوت وغيرها، فالصحيح: الجهر بالتكبير والتهليل لإظهار شعائر الإسلام.

       -استحباب صوم أول يوم من ذي الحجة، وأن ذلك كفارة ثمانين سنة، محتجين بحديث موضوع[21]:" في أول ليلة من ذي الحجة ولد إبراهيم، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ثمانين سنة، وفي تسع ذي الحجة أنزل توبة، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين سنة".

       -صوم آخر يوم من ذي الحجة لختم العام الماضي بالصيام.

       -إحداث دعاء في آخر يوم من ذي الحجة يقال له:" دعاء آخر السنة"، ولا يثبت في الشرع شيء من دعاء أو ذكر لآخر العام، وقد أحدث الناس فيه من الدعاء ورتبوا ما لم يأذن به الشرع فيه بدعة لا أصل لها[22].

 

الهوامش

[1] أخرجه البخاري (1912)، ومسلم(1089)، واللفظ له.

[2] جامع الشعب (3/3638)، (7/3364)، فضائل الأوقات (167) وكلاهما للبيهقي، فضائل رمضان (33)، المسانيد الزوائد (1/663).

[3] أخرجه: البخاري(969)، والترمذي (757)، واللفظ له وأبو داود (2438)، وابن ماجة (1727).

[4] راجع: شرح السنة (4/1126)، المعجم الوجيز (730)، علل الدارقطني (9/1719)، الكشف الإلهي (2/781)، فضائل الإعمال (214)، المنهل(10/197)، تخريج الإحياء (2/693)، الأحوذي (3/755)، الجامع للشعب(7/3480).

[5] انظر: الإرواء (4/956)، ضعيف(3501) الجامع (5056).

[6] انظر: بيان  المحجة (18)، اللآلئ(2/ 107، 108)، تنزيه (2/156)، كنز(5/12117).

[7] انظر: ميزان (3/631) اللآلئ(107)، فقه الصيام (1/110) ، مختصر الأحكام (3/701).

[8] أخرجه مسلم (1348)، والنسائي(3003)، وابن ماجه (3014).

[9] هذا كله مع قول ابن القيم من  مجموع الفتاوى (25/287).

[10] الآثار المرفوعة (89)، الموضوعات (2/123)، اللآلئ(2/29)، تنزيه (2/95)، ترتيب (512)، الفوائد(155).

[11] انظر: تصحيح الدعاء (113)، ففيه تأصيل جيد، وبدع الدعاء لعمرو عبد المنعم (58-64)، وبدع القراء لمحمد موسى (28)، والبدع الحولية (2/473-488).

[12] الاعتصام للشاطبي (2/15)، معجم البدع (25) و(390-400).

[13] الباعث على إنكار البدع والحوادث ص(48)، والامر بالاتباع ص(181، والصحيح من فضائل الساعات ص(56)، والحوادث والبدع(127).

[14] أخرجه البيهقي (5/118)، وابن وضاح(ص46-47).

[15] الحوادث والبدع (127).

[16] اقتضاء الصراط المستقيم (148)، معجم البدع (101)، أحكام الجنائز للشيخ الألباني.

[17] الأمر بالاتباع(258)، حجة النبي صلى الله عليه وسلم (12)، معجم البدع (108)، (399-400).

[18] الآثار المرفوعة(87-88)، الموضوعات(2/132-133)، اللآلئ(2/33)، تنزيه(2/95).

[19] انظر: السنن والمبتدعات(172)، الفوائد المجموعة(65).

[20] أخرجه أحمد(2/210)، الترمذي (3585).

[21] تنزيه الشريعة (2/165).

[22] تصحيح الدعاء(108)، إصلاح المساجد(129)، السنن والمبتدعات(167).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
بدع شهر ذي الحجة.doc doc
بدع شهر ذي الحجة/.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى