كلمة مركز سلف للبحوث والدراسات بخصوص بيان مؤتمر جروزني

كلمة مركز سلف للبحوث والدراسات بخصوص بيان مؤتمر جروزني





 الحمد لله القائل في كتابه { وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} والقائل عز مِن قائل{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين القائل في وصيته وهو يودع أمته من حديث العرباض بن سارية :(فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد :
فقد تابع مركز سلف للبحوث والدراسات [تحت التأسيس] فعاليات المؤتمر الذي انعقد في جروزني بالشيشان، تحت عنوان ” من هم أهل السنة والجماعة “. وقد صدر عن هذا المؤتمر بيان ختامي يتضمن العديد من النتائج والتوصيات، وكان من أبعد هذه النتائج عن العدل الذي أمر الله به، والعهد الذي أوصى سبحانه بالوفاء به كما إذ قال: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} ما جاء في الفقرة الأولى من أن “أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علما وأخلاقا وتزكية”.
وإن مركز سلف للبحوث والدراسات[تحت التأسيس]يرى أنه من مهامه اللازمة :أن يبين ما يراه حقاً وعدلاً ووفاءً وعلماً فيما تضمنته هذه الفقرة خاصة، وأما ما بعدها فليس ثَمَّ شيئ يستوجب الوقوف عنده، بل هو بنيان على شفا جرف هار .
ونبدأ بـتقرير :أن السنة -في الأصل- هي الطريقة التي يسير فيها السالك، ومن سِماتها اللازمة :أن تكون غير متناقضة، بل مُتَّسِقَةً يشهد بعضها لبعض، ولن تكون كذلك إلا إن كانت طريقة تَتَّبِع نهج معصومٍ عن الهوى والزَّلل؛ وعليه فإن السنة الواجب اتباعها هي سُنَّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أي: كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، على ما أمر الله تعالى به في قوله:{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وعلى ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ). رواه البخاري ومسلم.
ولازم هذا أن تكون السُّنَّة واحدةً في ذاتها، ومتى ما كانت السنة سنة واحدة، فإنه لا يصح أن تنسب إلى عالم من علماء المسلمين، فيقال: من اتبع فلان فهو سني. ومن أعرض عن فلان فليس بسني، فضلاً عن تجاوز هذا إلى الذهاب إلى أن أهل السُّنَّة والجماعة هم أتباع هذا وهذا وهذا. بل هي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتي لا يسع أحدٌ إلا أن يدخل تحت لؤائها، قال صلى الله عليه وسلم: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) رواه الشيخان .
ومما يبرهن على صحة ما ذهبنا إليه من أن السنة هي اتباع المعصوم صلى الله عليه وسلم، وأن زعم أن السنة اتباع غيره يوقع في الارتباك والتناقض ويبعد المسلم عن الدين الحق الذي شرعه الله، ويؤكد خطل بيان المؤتمر وتهافته: أنه قد كان لأبي الحسن الأشعري في حياته الفكرية مراحل، وقد كان في مرحلته الأولى على عقيدة المعتزلة بالاتفاق، ولو كان ممثلا للسنة للزم أن متابعته على عقيدة الاعتزال – قبل أن يخرج منهاسُنَّة أيضا، وهو لازم زعم أن السنة أتباع الأشعري، وهو لازم باطل بالاتفاق، وبطلان اللازم يعود على أصله بالبطلان.
وهذا من أهم الأسباب التي من أجلها قال النبي صلى الله عليه وسلم للناس في وصيته ( عليكم بسنتي ) وهو ما جعل أئمة أهل السنة والجماعة إلى يحثون الناس على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولو خالفت ما ذهبوا إليه في أقوال كثيرة صحيحة مشهورة عنهم، ودأب لذلك الأئمة على تخويف الناس من التعصب إلى آراء وأقوال الرجال، يقول الإمام عمر بن عبدالعزيز:”أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالاِقْتِصَادِ فِي أَمْرِهِ وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَرْكِ مَا أَحْدَثَ الْمُحْدِثُونَ بَعْدَ مَا جَرَتْ بِهِ سُنَّتُهُ، وَكُفُوا مُؤْنَتَهُ فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السُّنَّةِ، فَإِنَّهَا لَكَ بِإِذْنِ اللَّهِ عِصْمَةٌ “رواه أبو داود.
ثم إن بيان المؤتمر قد ذهب إلى أن أهل السنة والجماعة هم أتباع أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي في الاعتقاد.
وقد توفي الأول [324هـ] بينما توفي الماتريدي [333هـ] أي بعد مضي القرون الثلاثة المفضلة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ). رواه البخاري ومسلم. فما خالف فيه الأشعري والماتريدي أهل القرون الثلاثة المفضلة، فليس من الخير، بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما وافقا فيه أهل القرون الثلاثة؛ فالاتباع فيه ليس لهما، وإنما اتباع لأهل القرون المفضلة، واتباع لمن نَصَّ على فضلها وخيريتها وهو النبي صلى الله عليه وسلم. 
ويلزم من بيان المؤتمر أن من قبل الأشعري والماتريدي لا يطلق عليهم وصف السنة، وهم أهل القرون المفضلة من الصحابة والتابعين، وعظماء الفقهاء، ورواة دواوين السنة النبوية، فإن لم يكونوا من أهل السنة والجماعة فبماذا يوصفون إذاً؟!
وبماذا يوصف من اتَّبَعهم فيما خالفوا فيه الأشعري والماتريدي؟!
كما ذهب البيان الختامي: إلى أن أهل السنة والجماعة هم أهل المذاهب الأربعة في الفقه. وهنا يقال: إن كان من أهل المذاهب الأربعة في الفقه، ولم يكن في الاعتقاد على مذهب الأشاعرة والماتريدية، فهل هو من أهل السنة أم لا؟.
إن قيل: من لم يتابع الأشاعرة والماتريدية، فليس من أهل السنة والجماعة، وإن كان في الفروع على مذهب إمام من الأئمة الأربعة. قلنا: بَدَّعتم الجَمَّ الغفير من علماء المسلمين، بل بَدَّعتم الأئمة الأربعة بأعيانهم فإنهم لم يكونوا يقولون بقول الأشعري والماتريدي في الأصول، بل كانوا رحمهم الله تعالى يذمون علم الكلام وأهله وقد كان الأشعري والماتريدي من أقطاب علم الكلام كما لا يخفى، وإذا ما تأملنا سيرة إمام واحد منهم، وجدنا هذا ظاهراً جليا، فقد نقل الذهبي عن الشافعي أنه قال: “حُكْمِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ، حُكْمُ عُمَرَ فِي صَبِيْغٍ “.
كما قال رحمه الله: “حُكْمِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالجَرِيْدِ، وَيُحْمَلُوا عَلَى الإِبِلِ، وَيُطَافُ بِهِم فِي العَشَائِرِ، يُنَادَى عَلَيْهِم: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَأَقْبَلَ عَلَى الكَلاَمِ “. كما قال: “مَذْهَبِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ تَقْنِيعُ رُؤُوْسِهِم بِالسِّيَاطِ، وَتَشْرِيدُهُمْ فِي البِلاَدِ “. وبعد أن نقل الإمام الذهبي هذه الأقوال عن الإمام الشافعي قال: “قُلْتُ: لَعَلَّ هَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنِ الإِمَامِ” [سير أعلام النبلاء ج19ص19 ] والذهبي رحمه الله من ينتسب لمذهب الشافعي في الفروع، ويخالف الأشعري في الأصول، فهل هو خارج عن السُّنَّة ؟!
وهذه الأقوال المنقولة عن الإمام الشافعي رحمه الله نصوص صريحة في أن من أخذ بعلم الكلام، فقد ترك الأخذ بالسنة، فكيف يمكن الجمع بين اتباع الشافعي واتباع من يحكم عليهم الشافعي بأنهم مفارقون للسنة؟!
وكذلك بقية الأئمة الأربعة، لم يكن منهم من هو على مذهب الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، وكيف يكون أحدهم على هذا، وقد كان الإمام أحمد آخرهم موتا، وقد توفي [241هـ].
ثم يقال: رجل اتبع أقوال الأشعري الموجودة في كتبه ( الإبانةرسالة إلى أهل الثغر – مقالات الإسلاميين ). ورجل اتبع مذهب الأشاعرة الموجود في كتاب المواقف للإيجي، فأي الرجلين هو السني؟!وأهيهما المبتدع؟! أم الجميع من أهل السنة والجماعة.
إن قلتم: من اتبع أقوال الأشعري الموجودة في كتبه هو السني. قلنا: يلزم من ذلك أن حضور المؤتمر يحكم بعضهم على بعض بمخالفة السنة واتباع البدعة، لأن من دَرَسَ مذهب الأشعري منهم، إنما دَرَسَه على ما قرره العضد الإيجي في مواقفه.
وإن قلتم: من اتبع المذهب الأشعري على ما قرره العضد الإيجي في مواقفه؛ فهو الذي من أهل السنة والجماعة. قلنا: إذن بَدَّعْتُم الأشعري نفسه؛ لأن تقريرات الإيجي في أصول الاعتقاد مناقضة لتقريرات الأشعري في كتبه التي قدمناها.
وإن قلتم: الكل من أهل السنة والجماعة، فمن اتبع أقوال الأشعري فهو سني، ومن اتبع ما سَطَّرَه العضد الإيجي؛ فهو من أهل السنة والجماعة أيضا.
إن قلتم ذلك قلنا: جمعتم بين النقيضين؛ لأن الأشعري- وهذا تمثيل لا حصر- يذهب إلى أن الله عز وجل قد استوى على العرش، وأنه فوق العالم بذاته، بينما يقرر الإيجي نقيض هذا. كما يؤمن الأشعري بنزول الرب سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير من الليل، وهو ما ينكره العضد الإيجي، ومعه الأشاعرة المعاصرون.
كما يؤمن الأشعري بمجيء الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة، وهو ما يرفضه الإيجي ومن معه من أشاعرة هذا العصر، ذاهبين إلى أن الإيمان به بدعة من البدع.
بل يرى محرروا الأشاعرة أن من يؤمن بعلو الله تعالى إلى غير هذا من الأصول العقدية، التي يرى الأشعري أن السنة فيها هو ما ذهب إليه، وقرره في كتبه، بينما يرى الأشاعرة المعاصرون – ومنهم من حظر المؤتمر – أنها أقوال بدعية، مخالفة للسنة. وهذا ما يجعل من المستحيل أن يقول قائل: إن الجميع على السنة، وهنا لابد أن يشهد الحاضرون على أنفسهم بأنهم ليسوا من أهل السنة والجماعة؛ لمخالفتهم للأشعري. وإما أن يذهبوا إلى أن الأشعري خارج عن السنة.
ثم يقال: إن المشاركين في المؤتمر قد ذهبوا إلى أن أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد. ومن البديهي أن الأصول العقدية لابد أن تكون واحدة؛ لأن السنة واحدة، وهو ما لم يتحقق هنا؛ ولأجل هذا انقسموا إلى أشاعرة وماتريدية. وهو ما سلم منه المتبعون للسنة بحق، فلا يوجد عندهم انقسام على أساس عقدي، ولا يوجد عندهم تعصب لإمام غير معصوم، بل هم على الصراط المستقيم، متبعون لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى هذه السنة يردون ما اختلفوا فيه.
وبعد أن ذهب المشاركون في هذا المؤتمر إلى أن أهل السنة والجماعة هم من سبق ذكرهم، أضافوا: أن من أهل السنة والجماعة: أهل التصوف الصافي علما وأخلاقا وتزكية.
وهنا يقال: ما مرادكم بالتصوف الصافي؟. هل تريدون الزهد الحقيقي الذي كان عليه الصديق وعمر وعثمان وعلي وأبو عبيدة وأبو ذر وبقية الصحابة رضي الله عنهم؟. أم تريدون التصوف الذي يمثله بعض الشخصيات المشاركة في المؤتمر؟.
إن كان مرادكم الزهد الذي كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، واتبعهم عليه سلف الأمة، فإنا نؤمن بأنهم من أهل السنة والجماعة، بل هو أئمة أهل السنة والجماعة، الذين لا يسع أحد الخروج عما اجمعوا عليه من أمور الاعتقاد. ولكن هؤلاء الأئمة الأبرار، لم يكونوا على مذهب الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، وهذا لا يشك فيه من اطلع على الكتب التي اهتمت بنقل أقوال الصحابة والتابعين في أبواب الاعتقاد، فإن كانوا هم أهل السنة والجماعة؛ فقد بطل القول بأن الأشاعرة والماتريدية هم أهل السنة والجماعة.
وأما إن كان المراد بالتصوف الصافي علما وأخلاقا وتزكية، التصوف الذي يمثله بعض شخصيات المؤتمر، وهو تصوف يدعوا إلى الاستغاثة بغير الله تعالى، ويرى أن من الناس من يعلم الغيب، ويجتهد في نشر الخرافة، وتعبيد الناس لمشائخ الطرق الصوفية. فإن أدنى طلبة العلم معرفة بنصوص الشريعة؛ يعلم أن هذا الأمور ليست من السنة في شيء.
فإن قيل: ما قولكم في الأشاعرة والماتريدية؟ هل هم من أهل السنة والجماعة؟. أم هم خارجون عنها؟. قلنا: سبق معنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي " وهؤلاء من أهل السنة فيما وافقوا فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووافقوا فيه أقوال الصحابة والتابعين المنقولة عنهم، ووافقوا قبل ذلك كتاب الله جل جلاله. وأما من ابتعد عن هذا؛ فقد ابتعد عن السنة بقدر ابتعاده.
وبعد هذا الكلامي العلمي، عما أتى في الفقرة الأولى من البيان الختامي للمؤتمر، فإن مركز سلف يجده في غنى عن التطرق إلى بقية الفقرات؛ لأنها فقرات إنشائية، لم تأت بجديد.
* وصلى الله على نبيّنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلم *
إعداد اللجنة العلمية بمركز سلف للبحوث والدراسات [تحت التأسيس][1]
 

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى